هل تعلم ان للعشيرة ونظامها وتقاليدها واعرافها واحكامها دور مهم وفاعل في الحياة الاجتماعية في العراق، وهل تعلم ان الكيان العشائري يمثل جزء مهما من التركيبة الرئيسية للوشائج التي ترتبط بين أفراده؟!.
هل تعلم ان للعشائر الكثير من الصفات النبيلة والكريمة التي لابد من تدعيمها وترسيخها ونشرها بين مختلف العشائر والمجتمع، وهل تعلم ان الكثير من الناس يلجأون للعشائر في حل مشاكلهم ونزاعاتهم؛ لإيجاد الحل المناسب لها؟!.
هل تعلم ان للأعراف والتقاليد والاحكام العشائرية دور مهم، واصبح لها دور اكبر حساسية وخطورة في المجتمع العراقي اكثر من السابق؛ لوثوق الكثير من الناس بها والاحتكام بتقاليدها واعرافها؟!.
اذا علمت كل ذلك فنحن نحذر من بروز ظاهرة شيوع بعض الاعراف والتقاليد والاحكام في الآونة الاخيرة التي تتنافى مع القواعد الشرعية والضوابط القانونية مما يشكل خطورة على الحياة الاجتماعية، وان احدى تلك المخاطر تتمثل بتهديد التعايش السلمي بين افراد المجتمع، فالجميع مدعو للجوء الى الحكمة والحوار والتفاهم والتصالح في حال حدوث النزاعات والخلافات والصراعات؛ لان ذلك يؤدي الى افشاء السلام في المجتمع، ونحذّر من تغليب العنف واستعمال بعض الاحكام الجائرة التي تشكل تهديدا للتعايش السلمي بين افراد المجتمع.
فاللجوء الى الاحكام التي تتنافى مع القواعد الشرعية تؤدي الى وقوع الظلم والحيف والجور على بعض افراد المجتمع، وازدياد حالات الهجران والتقاتل والتقاطع بين العشائر.
وهنا نؤكد على ضرورة الابتعاد عن الاحكام والاعراف والتقاليد الضارة التي تهدد المجتمع وتغلّب الفوضى على القانون والشرع، ورصد التقاليد والاعراف والاحكام الضارة والسلبية وتمييزها عن التقاليد النافعة، ومن الواضح انه في بعض الاحيان يتم اللجوء الى الاحكام الضارة نتيجة عدم وضوح الرؤيا والتوهم بان تلك الاحكام جيدة مما يسبب الضرر للفرد وعشيرته ومجتمعه.
ومن الادوار الايجابية والبناءة للعشيرة في المجتمع، ان العشائر في العراق تعد مدرسة للقيم التربوية النبيلة ومحامد الصفات ومكارم الاخلاق، فيها الكرم والجود والشجاعة والشهامة والدفاع عن المظلوم واسترداد حقه واطعام الطعام واكرام الضيف واحلال السلام بين المتنازعين، وهذه صفات حميدة وهي ليست وليدة اليوم بل ان ابناء العشائر توارثوها عن ابائهم واجدادهم عبر التاريخ، فشكّل ذلك لهم ارثا حضاريا لابد من الحفاظ عليه.
وان من اهم ما تميزت به العشائر الكريمة مساهمتها الفاعلة والمؤثرة والكبيرة في الدفاع عن الوطن والعرض والمقدسات، وتجلّى ذلك واضحا في الاستجابة الكبيرة من قبل العشائر لفتوى وجوب الدفاع الكفائي للمرجعية الدينية العليا، فضلا عن ثوراتهم ضد الاحتلال الاجنبي ووقوفهم ضد الحكّام والطواغيت، وهي امور يشهد لها التاريخ، من الضروري الحفاظ عليها وعدم تعكيرها بالأعراف السلبية الضارة.
انت ايها الفرد او العشيرة او اي كيان اجتماعي اذا اردت ان يكون هنالك دور ايجابي واصلاحي لك وللمجتمع لابد من الاعتماد على مبادئ ثلاث مهمة مستندة الى الضوابط والقواعد المُسلّمة شرعا وعقلا ليكون للعشيرة او اي كيان اجتماعي دور بنّاء واصلاحي في المجتمع، فضلا عن الوضوح الكامل لدى شيوخ وافراد العشائر والمعرفة الدقيقة لما هو نافع وضار بالنسبة للعشائر والمجتمع.
اولى تلك المبادئ: تتمثل بعدم تجاوز الحدود الشرعية وثوابت احكام الاسلام، فالمسلم الصادق في اسلامه عليه ان لا يلتزم بأداء الصلاة والصوم والحج والخمس فقط، بل عليه ان يلتزم بمبادئ الاسلام في جميع مجالات الحياة وفي النزاعات الاجتماعية داخل الاسرة وفي المجتمع، حتى تتحقق بذلك العدالة بين الناس وابعاد المجتمع عن الفوضى والتناحر والصراع والوقوع في الظلم، كما في قوله تعالى (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) النساء: 58.
المبدأ الثاني: يتأتى برعاية الضوابط القانونية التي اقرت لتحقيق المصلحة العامة في المجتمع، فالمجتمعات لا يمكن لها ان تتطور الا بالالتزام بالضوابط القانونية التي شرعت واقرت لتحقيق المصلحة العامة، وان التخلف عنها يؤدي الى حصول الفوضى، كما ان من الضروري الالتزام بالقانون بعيدا عن تغليب المصلحة الشخصية ومصلحة الاسرة والعشيرة في حل النزاعات العشائرية.
المبدأ الثالث: مبني على ضرورة اعتماد منهج العفو والتسامح والتغاضي عن الاساءات وعدم الانقياد للأهواء العصبية والقبلية، فلو تأملنا في الآيات القرآنية والاحاديث الشريفة سنجد هنالك عددا كبيرا منها اكد وحث على التسامح والعفو والابتعاد عن العنف لأنها تؤدي الى تحقيق الاستقرار في المجتمع، حيث ان اساليب القتل والعنف والتهجير تعد من الاساليب التي نهى عنها الاسلام كونها تغضب الله تعالى، وتؤدي الى حالة من الظلم والجور والتقاطع، وهنا نورد بعض تلك الآيات والأحاديث:
قال تعالى: (وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) البقرة: 237.
قال تعالى: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ). آل عمران: 134.
قال تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ (الأعراف:199).
قال تعالى: ﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾ (الحجر:85).
وقال تعالى أيضاً: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (النور:22).
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطبته: (ألا أخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة؟ العفو عمن ظلمك وتصل من قطعك والإحسان إلى من أساء إليك وإعطاء من حرمك) الكافي: ٢ / ١٠٧ ح ١.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (عليكم بالعفو فإن العفو لا يزيد العبد إلا عزا فتعافوا يعزكم الله) الكافي: ٢ / 108 ح 5 و 6.
عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: (الندامة على العفو أفضل وأيسر من الندامة على العقوبة) الكافي: ٢ / 108 ح 5 و 6.
عن أبي حمزة الثمالي، عن علي ابن الحسين (عليهما السلام) قال: سمعته يقول: (إذا كان يوم القيامة جمع الله تبارك وتعالى الأولين والآخرين في صعيد واحد ثم ينادي مناد: أين أهل الفضل؟ قال: فيقوم عنق من الناس فتلقاهم الملائكة فيقولون: وما كان فضلكم؟ فيقولون: كنا نصل من قطعنا ونعطي من حرمنا ونعفو عمن ظلمنا، قال: فيقال لهم: صدقتم أدخلوا الجنة) الكافي: ٢ / ١٠٧ ح ٤.
ومن هذا المنطلق الشرعي أصدر مكتب سماحة السيّد السيستانيّ (دام ظلُّه) بيانا حول الأحداث الأخيرة بين عشيرة آل عمر والرميض في ذي قار جاء فيه:
وبعد: فإنَّ مكتب المرجعيّة الدينيّة العليا يُبدي بالغ أسفه للمصادمات التي وقعت بين أبناء العشيرتين الكريمتين في المدّة الأخيرة، وسقوط العديد من الضحايا الأبرياء من الطرفين جراء ذلك.
وإذ يقدّم تعازيه ومواساته للعوائل المفجوعة فإنّه يحثّ وجهاء العشيرتين وكبرائهما وأهل العقل والحكمة فيهما على السعي الحثيث لحلّ هذه الأزمة بالطرق المقبولة والمتعارفة في مثلِ هذه الحالات، تجنّباً للمزيد من سفك الدماء وما يترتّب على ذلك من انعدام الأمن وتعطيل الحياة العامّة في الناحية.
وقد بعثنا إليكم بوفدنا، برئاسة فضيلة العلّامة الجليل السيّد محمّد حسين العميديّ (دام تأييده) لبذل مساعٍ جديدة بهذا الصدد، فالمأمول منكم الاستجابة له، ووضع حدٍّ نهائيّ للأزمة المذكورة.
إنَّ سماحة السيّد (دام ظلُّه)، يدعو لكم جميعاً بالخيرِ والبركة وأن يدفع اللّٰه عنكم كلّ سوءٍ ومكروه. حرّر في ١٥ ربيع الأول ١٤٤٥ هـ.
وتعاطفا مع هذا البيان أعلن زعيما عشيرتي آل عمر، والرميض، في محافظة ذي قار، الاستجابة لمبادرة المرجع الديني الأعلى علي السيستاني بالركون إلى الحل السلمي للنزاع المسلح الجاري بينهما منذ أشهر.
وقال شيخ عشائر آل عمر، جميل العمري، في جواب على رسالة المرجع السيستاني: "نحن تحت أمركم وطاعتكم بحل الأزمة الراهنة في قضاء الإصلاح مع عشيرة الرميض وذلك حقناً للدماء ودفعا للفتنة".
بدوره أكد الرئيس العام لقبيلة البو صالح، الشيخ صباح بدر الرميض، في جواب على رسالة السيستاني: "نؤكد استجابتنا التامة لكل ما جاء في بين المرجعية الدينية العليا في النجف المتمثلة بالمرجع الأعلى السيد علي السيستاني من توجيه وإرشاد، وسنسعى جاهدين بكافة الطرق المقبولة والمتعارف عليها لإنهاء هذه الأزمة، ونشدد على إخواننا وأبنائنا في عشيرة البو صالح على التزام أمر المرجعية".
وهكذا فان الالتجاء الى الشرع المقدس هو البلسم الشافي والوافي لكل جراحاتنا، وها هي المرجعية الدينية العليا هي السبّاقة دوما لتضميد الجروح ومداواة الناس بما فيه الخير والاحسان للمجتمع برمته؛ ليعيشوا عيشة هانئة ملؤها المحبة والتعاون والانسجام بعيدا عن منغصات الحقد والعداوة والانتقام.
ما ورد في خطبة الجمعة لممثل المرجعية الدينية العليا في كربلاء المقدسة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في (14/ شعبان /1435هـ) الموافق ( 13/6/2014م )
قال الشيخ الكربلائي في خطبة صلاة الجمعة الثانية من الصحن الحسيني الشريف ما يأتي :
إن العراق وشعبه يواجه تحدياً كبيراً وخطراً عظيماً وإن الارهابيين لا يهدفون إلى السيطرة على بعض المحافظات كنينوى وصلاح الدين فقط بل صرحوا بأنهم يستهدفون جميع المحافظات ولا سيما بغداد وكربلاء المقدسة والنجف الأشرف ، فهم يستهدفون كل العراقيين وفي جميع مناطقهم ، ومن هنا فإن مسؤولية التصدي لهم ومقاتلتهم هي مسؤولية الجميع ولا يختص بطائفةٍ دون أخرى أو بطرفٍ دون آخر.
وأكد الكربلائي : إن التحدي وإن كان كبيراً إلاّ أن الشعب العراقي الذي عرف عنه الشجاعة والإقدام وتحمّل المسؤولية الوطنية والشرعية في الظروف الصعبة أكبر من هذه التحديات والمخاطر .
المزيد