مصبا- الجنين وصف له ما دام في بطن امّه، و الجمع أجنّة، مثل دليل و أدلّة، قيل سمّي بذلك لاستتاره، فإذا ولد فهو منفوس، و الجنّ و الجنّة خلاف الإنس، و الجانّ الواحد من الجنّ، و هو الحيّة البيضاء أيضا، و الجنّة: الجنون، و أجنّه اللّه فجنّ بالبناء للمفعول، فهو مجنون، و الجنّة: الحديقة ذات الشجرة، و قيل ذات النخل، و الجمع جنّات على لفظها و جنان أيضا، و الجنان القلب، و أجنّه الليل و جنّ عليه من باب قتل: ستره، و قيل للترس مجنّ بكسر الميم، لأنّ صاحبه يتستّر به، و الجمع مجانّ.
مقا- جنّ: أصل واحد، و هو الستر و التستّر، فالجنّة ما يصير إليه المسلمون في الآخرة، و هو ثواب مستور عنهم اليوم. و الجنّة البستان، و هو ذاك لأنّ الشجر بورقه يستر، و الجنين: الولد في بطن أمّه، و الجنين: المقبور. و الجنان: القلب. و المجنّ:
الترس و كلّ ما استتر به من السلاح فهو جنّة. قال أبو عبيدة: السلاح ما قوتل به، و الجنّة ما اتّقي به. و الجنّة: الجنون، و ذلك أنّه يغطّي العقل، و جنان الليل: سواده و ستره الأشياء. فأمّا الحيّة الّذي يسمّى الجان فهو تشبيه له بالواحد من الجانّ. و الجنّ سمّوا بذلك لأنّهم متستّرون عن أعين الناس- {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ } [الأعراف: 27].
و التحقيق
أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو التغطية و المواراة، و بمناسبة هذا المعنى استعملت في موارد، فالجنين فعيل و هو ما يغطّى و يوارى في بطن أو قبر أو غيرهما.
و الجنّة فعلة كاللقمة بمعنى ما يجنّ به أي ما يغطّى به من ترس أو سلاح آخر. و الجنّة فعلة مصدر للنوع كالجلسة و هو يدلّ على نوع من المواراة و التغطية، و يستعمل في ضعف و اختلال يغطّي العقل و هو الجنون. و الجنّة فعلة مصدر للمرّة يطلق على حديقة مغطّاة بالأشجار الملتفّة، فكأنّها قد غطّيت مرتبة واحدة و دامت تغطيتها.
{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا } [الأنعام: 76].
أي غطّى الليل ظلمته و آثاره عليه، أو غطّى الليل نفسه عليه.
{وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ } [النجم: 32].
أي كنتم مغطّاة في البطون.
. اتَّخَذُوا أَيْمٰانَهُمْ جُنَّةً*- 58/ 16.
يغطّون أنفسهم بالحلف اللفظي حتّى يكونوا محفوظين في ظلّ ذلك، و يجعلونه مجنّة.
. إِنْ هُوَ إِلّٰا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ- 23/ 25.
أي نوع جنون و مواراة.
. كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنّٰاتٍ وَ عُيُونٍ- 44/ 25.
. أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ عِنَبٍ- 17/ 91.
. وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ وَ هُوَ ظٰالِمٌ لِنَفْسِهِ- 18/ 35.
. وَ بَدَّلْنٰاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوٰاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ- 34/ 16.
فالجنّة حديقة كانت مغطّاة محيطها بالأشجار الملتفّة، و بمناسبة هذا المفهوم استعملت في مساكن المؤمنين المتّقين: أَصْحٰابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا، ... أَ ذٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ...، فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رٰاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عٰالِيَةٍ.
التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج2، ص: 124
و ليعلم أنّ ما في هذه الدنيا المادّية من الأكل و النعم و الثمرات و اللذائذ و المشتهيات، كلّها في مراتب نازلة عن النعم الاخرويّة المتقدّمة مرتبة و المتأخرة زمانا، و هي متشابهة بهذه النعم الدنيويّة في الصور، المتفاوتة المختلفة معها في الموادّ خشونة و لطافة، و شيئيّة الشيء بصورته لا بمادّته.
و الألفاظ موضوعة في مقابلة المعاني الموجودة في هذا العالم، لأنّها هي المتصوّرة المعقولة في الأذهان، و أمّا الموضوعات و مفاهيم عالم الآخرة فلم توضع لها ألفاظ و كلمات، لأنّها غير مدركة لنا، نعم تطلق عليها هذه الألفاظ و الكلمات بمرءاتية المعاني الموجودة.
و أمّا على ما قلنا من أنّ الألفاظ موضوعة في قبال مطلق المفاهيم، و أنّ الوضع أمر إلهيّ و الدلالة قريبة من الذاتيّة: فتنتفي الشبهات.
و من هذه الكلمات: الجنّة، النهر، اللبن، العسل، الماء، النار، و غيرها.
فجنّة الآخرة: هي جنّة عالية، و جَنَّةُ الْخُلْدِ، و خير مستقرّ، و عرضها كعرض السماوات و الأرض، و جنّة النعيم، تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهٰارُ*، جنّة عدن، جنّة فردوس، الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ فَلَهُمْ جَنّٰاتُ الْمَأْوىٰ.
و سيجيء البحث عن كلّ منها في مورده بتأييده و توفيقه تعالى.
و أمّا الجنان: فباعتبار كون القلب متواريا و مغطّى في بدن الإنسان.
و امّا الجنّ: فهو مخلوق في مقابل الإنس، أي من كان غير مأنوس مع أفراد الإنسان، و متواريا عن أنظارهم و مغطّى عنهم، و هم مكلّفون و ذو عقول، موحّدون و كافرون،. وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلّٰا لِيَعْبُدُونِ، فقالوا. إِنّٰا سَمِعْنٰا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنّٰا بِهِ وَ لَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنٰا أَحَداً ...،. وَ أَنّٰا مِنَّا الصّٰالِحُونَ وَ مِنّٰا دُونَ ذٰلِكَ ...،. وَ أَنّٰا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَ مِنَّا الْقٰاسِطُونَ ...،. وَ لَقَدْ ذَرَأْنٰا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ ...،
. وَ كَذٰلِكَ جَعَلْنٰا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيٰاطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ- 6/ 112.
و مبدأ تكوّن الجنّ من النار، كما أنّ و مبدأ تكون الإنس من التراب، فانّ التراب يكون طينا و صلصالا و حمأ، كما أنّ النار يتفرّع منها التوقّد و الحرارة و النور
التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج2، ص: 125
و الإضاءة.
فانّ النار هي جهة الحرارة الحاصلة من شدّة التحرّك في الأجزاء، و النور هو جهة الاضاءة الحاصلة من الحرارة، ففي النار نور و إضاءة و لطافة و جريان و نفوذ و قوّة، و إذا سكنت تلك الحرارة و القوّة: فهو التراب و ما يتفرّع منه. فمادّة النار بلطافتها هي المناسبة و المقتضية لأن تكون مغطّاة و متوارية، بخلاف مادّة التراب المقتضية للسكون و المحدوديّة و المحجوبيّة و الغلظة و الكثافة.
. وَ الْجَانَّ خَلَقْنٰاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نٰارِ السَّمُومِ- 15/ 27.
. وَ خَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مٰارِجٍ مِنْ نٰارٍ- 55/ 15.
و الجانّ فاعل من الجنون، و هو من كان متواريا و مغطّى و يطلق على الواحد النوعيّ من الجنّ، كالناطق و العاقل، و الجنّ يطلق على عموم الجانّ و نوعه، فالجانّ يستعمل في مقابل الإنسان و الإنس، و الجنّ يستعمل في مقابل الإنس فقط.
. وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسٰانَ (مِنْ صَلْصٰالٍ) مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ وَ الْجَانَّ خَلَقْنٰاهُ ...،. خَلَقَ الْإِنْسٰانَ مِنْ صَلْصٰالٍ كَالْفَخّٰارِ وَ خَلَقَ الْجَانَّ.
لسا- و الجنّ ولد الجانّ، ابن سيده: الجنّ نوع من العالم سمّوا بذلك لاجتنانهم عن الأبصار و لأنّهم استجنّوا من الناس فلا يرون، و الجمع جنان، و هم الجنّة-. وَ لَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ. قالوا الجنّة هم الملائكة عند قوم من العرب. و الجنّيّ: منسوب الى الجنّ أو الجنّة.