المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17659 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
الاستغفار والتسبيح لمن يُرِيدُ الولد
2024-11-10
استحباب نِساء قريش وبني هاشم
2024-11-10
النـماذج الـتقليديـة لسـلـوك المـستهـلك
2024-11-10
انـواع المـستـهلكـيـن فـي الاسـواق
2024-11-10
مراحل تـطور المـفهـوم التـسويـقــي 2
2024-11-10
مراحل تـطور المـفهـوم التـسويـقــي 1
2024-11-10

Small Number
12-8-2020
أسباب دراسة تأثير الاجهادات
19-1-2016
راشد المبتلى
2-02-2015
Molecular Dipole Moments
5-5-2019
خدمات الصحافة الالكترونية ثالثاً : خدمات البحث وتحميل الملفات
25-6-2020
Modular Group Gamma
24-12-2019


التخييل الحسّي و التجسيم‏ في التصوير القرآني  
  
15429   04:55 مساءاً   التاريخ: 28-01-2015
المؤلف : سيد قطب
الكتاب أو المصدر : التصوير الفني في القران
الجزء والصفحة : ص71-86.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / الإعجاز القرآني / مواضيع إعجازية عامة /

حينما نقول : إن التصوير هو الأداة المفضلة في أسلوب القرآن ، والقاعدة الأولى فيه للبيان ؛ لا نكون قد انتهينا من الحديث عن هذه الظاهرة الشاملة. فإن وراء ذلك بقية تستحق أن نفرد لها هذا الفصل الخاص.

فعلى أية قاعدة يقوم هذا التصوير؟

لقد ألمعنا إلى شي‏ء من ذلك في مفتتح الفصل السابق ، حينما قلنا : «إنه يعبر بالصورة المحسة المتخيلة عن المعنى الذهني والحالة النفسية ، وعن النموذج الإنساني والطبيعة البشرية ، كما يعبر بها عن الحادث المحسوس ، والمشهد المنظور؛ ثم يرتقي بالصورة التي يرسمها ، فيمنحها الحياة الشاخصة ، أو الحركة المتجددة ؛ فإذا المعنى الذهني هيئة أو حركة ، وإذا الحالة النفسية لوحة أو مشهد ، وإذا النموذج الإنساني شاخص حيّ. فأما الحوادث والمشاهد ، والقصص والمناظر ، فيردها شاخصة حاضرة ، فيها الحياة ، وفيها الحركة ، فإذا أضاف إليها الحوار ، فقد استوت لها كل عناصر التخييل».

وكل ما تقدم من الأمثلة في الفصل السابق يصلح برهانا على هذه الظاهرة ، وإن تكن سياقته في ذلك الفصل كانت سريعة لمجرد البرهنة على أن التصوير هو الأداة المفضلة في أسلوب القرآن.

ولكننا في هذا الفصل لا نكتفي بالإحالة على تلك الأمثلة ، فالقرآن‏ بين أيدينا حافل بالأمثلة الجديدة. ونحن نختار منها هنا بعض ما له دلالة خاصة على هذه الطريقة المعينة : ظاهرة التخييل الحسي والتجسيم في ذلك التصوير.

قليل من صور القرآن هو الذي يعرض صامتا ساكنا- لغرض فني يقتضي الصمت والسكون- أما أغلب الصور ففيه حركة مضمرة أو ظاهرة ، حركة يرتفع بها نبض الحياة ، وتعلو بها حرارتها.

وهذه الحركة ليست مقصورة على مشاهد القصص والحوادث ، ولا على مشاهد القيامة ، ولا صور النعيم والعذاب ، أو صور البرهنة والجدل. بل إنها لتلحظ كذلك في مواضع أخرى لا ينتظر أن تلحظ فيها.

ويجب أن ننبه إلى نوع هذه الحركة ، فهي حركة حيّة مما تنبض به الحياة الظاهرة للعيان ، أو الحياة المضمرة في الوجدان. هذه الحركة هي التي نسميها «التخييل الحسي» ، وهي التي يسير عليها التصوير في القرآن لبث الحياة في شتى الصور ، مع اختلاف الشيات والألوان.

و ظاهرة أخرى تتضح في تصوير القرآن وهي «التجسيم» :

تجسيم المعنويات المجردة ، وإبرازها أجساما أو محسوسات على العموم. وإنه ليصل في هذا إلى مدى بعيد ، حتى ليعبر به في مواضع حساسة جد الحساسية ، يحرص الدين الإسلامي على تجريدها كل التجريد ، كالذات الإلهية وصفاتها. ولهذا دلالته الحاسمة ، أكثر من كل دلالة أخرى ، على أن طريقة «التجسيم» هي الأسلوب المفضل في تصوير القرآن ، مع الاحتراس والتنبيه إلى خطورة التجسيم في الأوهام. والآن نأخذ في ضرب الأمثال.

1- لون من ألوان «التخييل» يمكن أن نسميه «التشخيص» يتمثل في خلع الحياة على المواد الجامدة ، والظواهر الطبيعية ، والانفعالات الوجدانية. هذه الحياة التي قد ترتقي فتصبح حياة إنسانية ، تشمل المواد والظواهر والانفعالات؛ وتهب لهذه الأشياء كلها عواطف آدمية ، وخلجات إنسانية ، تشارك بها الآدميين ، وتأخذ منهم وتعطي؛ وتتبدى لهم في شتى الملابسات؛ وتجعلهم يحسون الحياة في كل شي‏ء تقع عليه العين ، أو يتلبس به الحس ، فيأنسون بهذا الوجود أو يرهبونه ، في توفز وحساسية وإرهاف.

هذا هو الصبح يتنفس : { وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} [التكوير : 18], فيخيّل إليك هذه الحياة الوديعة الهادئة التي تنفرج عنها ثناياه ، وهو يتنفس ، فتتنفس معه الحياة ، ويدب النشاط في الأحياء ، على وجه الأرض والسماء.

وهذا هو الليل يسرع في طلب النهار ، فلا يستطيع له دركا :

{ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} [الأعراف : 54]. ويدور الخيال مع هذه الدورة الدائبة ، التي لا نهاية لها ولا ابتداء.

أو هذا هو الليل يسري : {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } [الفجر : 4].فتحس سريانه في هذا الكون العريض ، وتأنس بهذا الساري على هينة واتئاد!

وهاتان هما الأرض والسماء عاقلتين ، يوجه إليهما الخطاب ، فتسرعان بالجواب :

{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت : 11]

والخيال شاخص إلى الأرض والسماء ، تدعيان وتجيبان الدعاء.

وهذه هي الشمس والقمر والليل والنهار في سباق دائم ولكن :

{لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} [يس : 40] وإنه لسباق جبّار ، لا يني أو يفتر في ليل أو نهار.

وهذه هي الأرض «هامدة» مرة و«خاشعة» مرة ، ينزل عليها الماء فتهتز وتحيا :

{وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } [الحج : 5]

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ } [فصلت : 39] وهكذا تستحيل الأرض الجامدة ، كائنا حيّا بلمسة واحدة في لفظة واحدة.

وهذه جهنم. جهنم النهمة المتغيّظة التي لا يفلت منها أحد ، ولا تشبع بأحد! جهنم التي تدعو من كانوا يدعون إلى الهدى ويدبرون ، وهم لدعوتها على الرغم منهم يجيبون! جهنم التي ترى المجرمين من بعيد فتتغيّظ وتفور! :

{يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ } [ق : 30]

{إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} [الفرقان : 12]. { إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} [الملك : 7 ، 8]

{إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى} [المعارج : 15 - 18]و هذا هو الظل الذي يلجأ إليه المجرمون : { وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ } [الواقعة : 43 ، 44] ففي نفسة كزازة وضيق ، لا يحسن استقبالهم ، ولا يهش لهم هشاشة الكريم ، فهو ليس «لا بارد» فقط ، ولكن كذلك «و لا كريم»!

وهذه هي الرياح لواقح : {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} [الحجر : 22] بما تحمل من ماء. ولكن التعبير عنها أكسبها حياة ، تلقح وتنتج!

وهذا هو الغضب ، أو هذا هو الروع ، أو هذه هي البشرى ، تهيج وتسكن ، وتوحي وتسكت ؛ وتجي‏ء وتذهب :

{وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ} [الأعراف : 154]. { فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} [هود : 74]

2- ولون من ألوان «التخييل» يتمثل في تلك الصور المتحركة التي يعبر بها عن حالة من الحالات أو معنى من المعاني. فصورة الذي يعبد اللّه على حرف‏ {حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} [الحج : 11]. وصورة المسلمين قبل أن يسلموا ، وهم‏ { عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ}[آل عمران : 103].و صورة الذي‏ { أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ} [التوبة : 109]. كلها صور تخيل للحس حركة متوقعة في كل لحظة ، وتتم هذه الحركة في الصورة الأخيرة ، كما قلنا في فصل «التصوير الفني».

وقريب من هذه الصور في التخييل صورة ولوج الجمل في سم الخياط. الموعد المضروب لدخول الكافرين الجنة بعد عمر طويل. فالخيال يظل عاكفا على تمثل هذه الحركة العجيبة ، التي لا تتم ولا تقف ما تابعها الخيال!

والصورة التي تخيلها الآية :

{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف : 109]. فالخيال يظل يتصور تلك الحركة الدائبة : حركة الامتداد بماء البحر لكتابة كلمات اللّه؛ في غير ما توقف ولا انتهاء ، إلا أن ينتهي البحر بالنفاد!

وشبيه بهذه الصورة ما تخيّله للحس هذه الآية :

{فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران : 185]

والآية : { وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ} [البقرة : 96]

فلفظة الزحزحة ذاتها تخيل حركتها المعهودة (و هذا فن خاص سيأتي عنه الكلام). وهذه الحركة تخيل الموقف على شفا النار ، ماثلا للخيال والأبصار!

3- ولون من ألوان «التخييل» يتمثل في الحركة المتخيلة ، التي تلقيها في النفس بعض التعبيرات مثل :{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان : 23].و قد سجلنا منها في فصل «التصوير الفني» صورة الهباء المنثور ، التي هي صورة حسية لإضاعة الأعمال. فالآن تلفتنا فيها لفظة «فقدمنا» ذلك أنها تخيل للحس حركة القدوم التي سبقت نثر العمل كالهباء. وهذا التخييل يتوارى بكل تأكيد لو قيل : وجعلنا عملهم هباء منثورا. حيث كانت‏

تنفرد حركة النثر وصورة الهباء ، دون الحركة التي تسبقها : حركة القدوم.

ومثلها : { قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا} [الأنعام : 71]. فكلمات‏ «نُرَدُّ عَلى‏ أَعْقابِنا» تخيل حركة حسيّة للارتداد في موضع الارتداد المعنوي ، وتمنح الصورة حياة محسوسة.

ومن هذا القبيل : { وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة : 168] في موضع : لا تطيعوا الشيطان فإن كلمتي : تتبعوا ، وخطوات ، تخيّلان حركة خاصة ، هي حركة الشيطان يخطو والناس وراءه يتبعون خطواته. وهي صورة حين تجسّم هكذا تبدو عجيبة من الآدميين ، وبينهم وبين الشيطان الذي يسيرون وراءه ، ما أخرج أباهم من الجنة!

وكذلك : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ} [الأعراف : 175]. باختلاف يسير ، وهو أن الشيطان في هذه المرة هو الذي تبع هذا الضال ليغويه : {فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ } [الأعراف : 175]

ومن هذا الوادي : {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء : 36]فحركة الاقتفاء تتهيّأ للذهن ، ويتمثلها الخيال ، بالجسم والأقدام ، لا بمجرد الذهن والجنان.

4- ولون من ألوان «التخييل» يتمثل في تلك الحركات السريعة المتتابعة التي عرضنا منها مثالا في الفصل السابق ، صورة الذي يشرك باللّه‏ { فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج : 31]

وشبيه بها في سرعتها وتعدد مناظرها تلك الحركة المتخيلة في قوله :

{مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} [الحج : 15].

وتلك صورة عجيبة ، فمن يئس من نصرة اللّه لنبيّه ، وضاق صدره ، وبلغ حنقه على هذه الحال مبلغا لا يطيقه ، فليحاول أن يغيّر من هذه الحال ما استطاع ، ما دام لا يصبر ، ولا ينتظر وعد اللّه بالنصر .. ليمدد إلى السماء بحبل يتعلق به ليصعد عليه ، فإذا لم يجده هذا ، فليقطع هذا الحبل الممدود ، ثم لينظر : هل أفلح تدبيره هذا في إذهاب ما يغيظه! لينظر ، إن كان قد بقي فيه شي‏ء ينظر ، بعد قطع حبله الممدود ، وبعد السقطة التي يترقبها الخيال!

ومن هذا القبيل - مع شي‏ء من التحوير والتلطيف يناسب المخاطب هنا ، وهو النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم- وقد عزّ عليه إعراض المشركين ، وتمنى لو يستطيع هدايتهم للحق ، وإتيانهم بالمعجزة التي يطلبون :

{وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ} [الأنعام : 35]

5- ولون من «التخييل» يتمثل في الحركة الممنوحة لما من شأنه السكون كقوله : {وَ اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً} فحركة الاشتعال هنا تخيل للشيب في الرأس حركة كحركة اشتعال النار في الهشيم ، فيها حياة وجمال ، كما أسلفنا.

وأما «التجسيم» فقد وردت له أمثلة كثيرة في فصل «التصوير الفني» كذلك. ومنه كل التشبيهات التي جي‏ء بها لإحالة المعاني‏

والحالات صورا وهيئات. نذكر منها :

{مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ } [إبراهيم : 18]‏ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ} [البقرة : 264]‏. و{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} [البقرة : 265] ... ... إلخ‏

ومن هذا النوع :

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} [إبراهيم : 24 ، 26] ولكن الذي نعنيه هنا بالتجسيم ، ليس هو التشبيه بمحسوس ، فهذا كثير معتاد ، إنما نعني لونا جديدا هو تجسيم المعنويات ، لا على وجه التشبيه والتمثيل ، بل على وجه التصيير والتحويل.

1- يقول :

{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} [آل عمران : 30]. أو{وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } [الكهف : 49]. أو {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ} [البقرة : 110]

فيجعل كأن هذا العمل المعنوي مادة محسوسة. تحضر (على وجه التجسيم) أو تحضر هي (على وجه التشخيص) أو توجد عند اللّه كأنها وديعة تسلّم هنا فتتسلّم هناك.

وقريب من هذا تجسيم الذنوب كأنها أحمال (تحمل على الظهور زيادة في التجسيم) : { وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ} [الأنعام : 31]

{ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام : 164]

ومن تجسيم المعنويات أمثال : {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } [البقرة : 197] فالتقوى زاد. أو{صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً } [البقرة : 138]فدين اللّه صبغة معلمة. أو {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً } [البقرة : 208] فالسلم مما يدخل فيه. أو {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ} [الأنعام : 120] فالإثم مما له ظاهر وباطن. إلى آخر هذا النحو من الاستعارات.

2- ويحدث عن حالة نفسية معنوية هي حالة التضايق والضجر والحرج. فيجسمها كحركة جثمانية :

{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ } [التوبة : 118].

فالأرض تضيق عليهم ، ونفوسهم تضيق بهم كما تضيق الأرض ، ويستحيل الضيق المعنوي في هذا التصوير ضيقا حسّيا أوضح وأوقع ، وتتجسّم حالة هؤلاء الذين تخلّفوا عن الغزو مع الرسول ، فأحسّوا بهذا الضيق الخانق ، وندموا على تخلّفهم ذلك الندم المحرج ، حتى لا يجدون لهم ملجأ ولا مفرا ، ولا يطيقون راحة ، إلى أن قبل اللّه توبتهم‏ «1».

ومثله : {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ}[غافر : 18]

فالقلوب كأنما تفارق مواضعها وتبلغ الحناجر حقّا من شدّة الضيق.

ومنه : { فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ} [الواقعة : 83 ، 84]

كأنما الروح شي‏ء مجسّم ، يبلخ الحلقوم في حركة محسوسة.

ومنه : {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ} [النساء : 90] أي ضاقت صدورهم من الحيرة والحرج ، بين أن يقاتلوكم انتصارا لقومهم ، أو يقاتلوا قومهم انتصارا لكم.

3- ويصف حالة عقلية أو معنوية ؛ وهي حالة عدم الاستفادة مما يسمعه بعضهم من الهدى ، وكأنهم لم يسمعوا به ، أو يتصلوا اتصالا ما. فيجعل كأنما هناك حواجز مادية تفصل بينهم وبينه.

مثل :

{ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} [الشعراء : 212]‏. أو {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً «2» أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا «3»} [الأنعام : 25]. أو { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد : 24]. أو{إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ } [يس : 8]‏ «4» ، و{ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ } [يس : 9] أو {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة : 7]أو { الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي} [الكهف : 101]

وكلها تجسّم هذه الحواجز المعنوية ، كأنما هي موانع حسية ، لأنها في هذه الصورة أوقع وأظهر.

4- ويكون الوصف حسيّا بطبيعته ، فيختار عن الوصف هيئة تجسّمه. كقوله : {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} [العنكبوت : 55] في مكان : يأتيهم من كل جانب ، أو يحيط بهم. لأن هيئة الغشيان من فوق ومن تحت أدخل في الحسية من الوصف بالإحاطة. ومثله : { إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ } [الأحزاب : 10]و {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ } [المائدة : 66]

ومن هذا النوع : {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا} [يونس : 27] فهذا السواد الذي أصاب وجوههم ليس لونا ولا صبغة ، وإنما هو قطعة من الليل المظلم غشّيت بها وجوههم!

5- ومن «التجسيم» وصف المعنوي بمحسوس : كوصف العذاب بأنه غليظ {وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ}[إبراهيم : 17]. واليوم بأنه ثقيل. { وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا} [الإنسان : 27]

فينتقل العذاب من معنى مجرد إلى شي‏ء ذي غلظ وسمك؛ وينتقل اليوم من زمن لا يمسك إلى شي‏ء ذي كثافة ووزن!

6- وضرب الأمثلة على المعنوي بمحسوس ، كقوله : {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ }[الأحزاب : 4] لبيان أن القلب الإنساني لا يتّسع لاتجاهين. ومثل : { وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا «5»} [النحل : 92] » لبيان العبث في نقض العهد بعد المعاهدة.

ومثل : {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا } [الحجرات : 12] لتفظيع الغيبة ، حتى لكأنما يأكل الأخ لحم أخيه الميت!

7- ثم لما كان هذا التجسيم خطة عامة ، صوّر الحساب في الآخرة كما لو كان وزنا مجسما للحسنات والسيئات :

{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ } [الأنبياء : 47]. { فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} [القارعة : 6]... {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ } [القارعة : 8]‏. {وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا} [الأنبياء : 47]. {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء : 49]. { وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء : 124]

و كل ذلك تمشيا مع تجسيم الميزان.

و كثيرا ما يجتمع التخييل والتجسيم في المثال الواحد من القرآن ، فيصور المعنوي المجرد جسما محسوسا ، ويخيّل حركة لهذا الجسم أو حوله من إشعاع التعبير. وفي الأمثلة السابقة نماذج من هذا؛ ولكنا نعرض هذه الظاهرة في أمثلة جديدة؛ فلدينا وفر من الأمثلة على كل قاعدة!

1- من ذلك :

{ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ } [الأنبياء : 18]

{وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} [الحشر : 2]‏. {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة : 64]

{إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [المائدة : 14]. { ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة : 26]‏.{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ } [الإسراء : 24]...

فكأنما الحق قذيفة خاطفة تصيب الباطل فتزهقه. وكأنما الرعب قذيفة سريعة تنفذ في القلوب لفورها. وكأنما العداوة والبغضاء مادة ثقيلة ، تلقى بينهم ، فتبقى إلى يوم القيامة. وكأنما السكينة مادة مثبّتة تنزل على رسول اللّه وعلى المؤمنين. وكأنما للذل جناح يخفض من الرحمة بالوالدين.

وفي كل مثال من هذه يجتمع التجسيم- بإحالة المعنى جسما- مع التخييل بحركة هذا الجسم المفروضة.

2- ومن ذلك : {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} [البقرة : 81] و{أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا}[التوبة : 49]. فبعد أن تصبح الخطيئة شيئا ماديّا ، تتحرك حركة الإحاطة ، وبعد أن تصبح الفتنة لجة ، يتحركون هم بالسقوط فيها.

3- ومنه : { وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} [البقرة : 42]. { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ } [الحجر : 94] ففي المثال الأول يصبح الحق والباطل مادتين تستر إحداهما بالأخرى. وفي المثال الثاني يصبح ما أمر به مادة يشق بها ويصدع ، دلالة على القوة والنفاذ.

4- ومنه :

{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} [البقرة : 257]‏ { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}[البقرة : 256]

ففي المثال الأول يستحيل الهدى والضلال نورا وظلمة ، ثم تبدأ عملية الإخراج المتخيلة. وفي المثال الثاني يصبح الإيمان عروة ، ثم تبدأ الحركة المتخيلة في الاستمساك بها. فتؤدي هذه الصور المجسّمة المتحركة إلى تمثل أوضح وأرسخ للمعنى الخيالي المجرد.

بهذه الطريقة المفضلة في التعبير عن المعاني المجردة ، سار الأسلوب القرآني في أخص شأن يوجب فيه التجريد المطلق ، والتنزيه الكامل : فقال :

{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح : 10]‏. {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود : 7].

{ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة : 255]‏. {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [يونس : 3]‏.

{ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ } [فصلت : 11]‏. {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } [الزمر : 67]. {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال : 17]‏. {وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} [البقرة : 245]ُ. {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر : 22]. و{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة : 64]‏. {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ } [آل عمران : 55]‏ ... إلخ.

وثار ما ثار من الجدل حول هذه الكلمات ، حينما أصبح الجدل صناعة ، والكلام زينة. وإن هي إلا جارية على نسق متبع في التعبير ، يرمي إلى توضيح المعاني المجردة وتثبيتها؛ ويجري على سنن مطرد ، لا تخلف فيه ولا عوج. سنن التخييل الحسي والتجسيم في كل عمل من أعمال التصوير. ولكن اتباع هذا السنن في هذا الموضع بالذات ، قاطع في الدلالة- كما قلنا- على أن هذه الطريقة في القرآن أساسية في التصوير؛ كما أن «التصوير هو القاعدة الأولى في التعبير».

_____________________________

(1) الثلاثة هم : كعب بن مالك ، وهلال بن أميّة ، ومرارة بن الربيع.

(2) أغطية.

(3) الصمم وأصله الثقل.

(4) مرفوعو الرأس اضطرارا.

(5) طاقات حلّ فتلها.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .