المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
اختيار الزوج وأثره
2024-11-23
جلوس البنات على شاشة التلفزة وصفحات الأنترنت
2024-11-23
مرحلة التخيلات
2024-11-23
وجوه وجوب طلب المعرفة والتصديق والتدين
2024-11-23
مراتب التحقيق والنظر
2024-11-23
نضج وحصاد وتداول الثوم
2024-11-22



تفسير الاية (1-19) من سورة العلق  
  
8655   08:36 صباحاً   التاريخ: 8-2-2018
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف العين / سورة العلق /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-2-2018 8656

قال تعالى : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَو أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 1 - 19].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{اقرأ باسم ربك} هذا أمر من الله سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يقرأ باسم ربه وأن يدعوه بأسمائه الحسنى وفي تعظيم الاسم تعظيم المسمى لأن الاسم ذكر المسمى بما يخصه فلا سبيل إلى تعظيمه إلا بمعناه ولهذا لا يعظم اسم الله حق تعظيمه إلا من هو عارف به ومعتقد عبادته ولهذا قال سبحانه قل ادعوا الله أوادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى وقال سبح اسم ربك الأعلى فالباء هنا زائدة والتقدير اقرأ باسم ربك وأكثر المفسرين على أن هذه السورة أول ما نزل من القرآن وأول يوم نزل جبرائيل (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وهو قائم على حراء علمه خمس آيات من أول هذه السورة وقيل أول ما نزل من القرآن قوله {يا أيها المدثر} وقد مر ذكره وقيل أول سورة نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فاتحة الكتاب.

 رواه الحاكم أبوعبد الله الحافظ بإسناده عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لخديجة : إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء فقالت ما يفعل الله بك إلا خيرا فو الله إنك لتؤدي الأمانة وتصل الرحم وتصدق الحديث قالت خديجة : فانطلقنا إلى ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى هو ابن عم خديجة فأخبره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بما رأى فقال له ورقة : إذا أتاك فاثبت له حتى تسمع ما يقول ثم أتيني فأخبرني فلما خلا ناداه يا محمد قل له ذلك فقال له أبشر ثم أبشر فأنا أشهد أنك الذي بشر به ابن مريم وأنك على مثل ناموس موسى وأنك نبي مرسل وأنك سوف تؤمر بالجهاد بعد يومك هذا ولئن أدركني ذلك لأجاهدن معك فلما توفي ورقة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) : ((لقد رأيت القس في الجنة عليه ثياب الحرير لأنه آمن بي وصدقني)) يعني ورقة وروي أن ورقة قال في ذلك :

فإن يك حقا يا خديجة فأعلمي *** حديثك إيانا فأحمد مرسل

وجبريل يأتيه وميكال معهما *** من الله وحي يشرح الصدر منزل

يفوز به من فاز عزا لدينه *** ويشقى به الغاوي الشقي المضلل

فريقان منهم فرقة في جنانه *** وأخرى بأغلال الجحيم تغلغل

 ثم وصف سبحانه ربه وبينه بفعله الدال عليه فقال {الذي خلق} أي خلق جميع المخلوقات على مقتضى حكمته وأخرجه من العدم إلى الوجود بكمال قدرته ثم خص الإنسان بالذكر تشريفا له وتنبيها على إبانته إياه عن سائر الحيوان فقال {خلق الإنسان من علق} أراد به جنس بني آدم أي خلقهم من دم جامد بعد النطفة وقيل معناه خلق آدم من طين يعلق باليد والأول أصح وفي هذا إشارة إلى بيان النعمة بأن خلقه من الأصل الذي هو في الغاية القصوى من المهانة ثم بلغ به مبالغ الكمال حتى صار بشرا سويا مهيئا للنطق والتمييز مفرغا في قالب الاعتدال وأنه كما نقل الإنسان من حال إلى حال حتى استكمل كذلك بنقلك من الجهالة إلى درجة النبوة والرسالة حتى تستكمل شرف محلها.

 ثم أكد الأمر بالإعادة فقال {اقرأ} وقيل أمره في الأول بالقراءة لنفسه وفي الثاني بالقراءة للتبليغ وليس بتكرار عن الجبائي ومعناه اقرأ القرآن {وربك الأكرم} أي الأعظم كرما فلا يبلغه كرم كريم لأنه يعطي من النعم ما لا يقدر على مثله غيره فكل نعمة توجد من جهته تعالى إما بأن اخترعها وإما سببها وسهل الطريق إليها وقيل معناه بلغ قومك وربك الأكرم الذي يثيبك على عملك بما يقتضيه كرمه ويقويك ويعينك على حفظ القرآن {الذي علم بالقلم} أي علم الكاتب أن يكتب بالقلم أوعلم الإنسان البيان بالقلم أوعلم الكتابة بالقلم امتن سبحانه على خلقه بما علمهم من كيفية الكتابة بالقلم لما في ذلك من كثرة الانتفاع فيما يتعلق بالدين والدنيا قال قتادة : القلم نعمة من الله عظيمة لولاه لم يقم دين ولم يصلح عيش وقال بعضهم في وصفه :

لعاب الأفاعي القاتلات لعابه *** وأري الجنى اشتارته أيد عواسل(2)

 وقيل أراد سبحانه آدم لأنه أول من كتب عن كعب وقيل أول من كتب إدريس عن الضحاك وقيل أراد كل نبي كتب بالقلم لأنه ما علمه إلا بتعليم الله إياه {علم الإنسان ما لم يعلم} من أنواع الهدى والبيان وأمور الدين والشرائع والأحكام فجميع ما يعلمه الإنسان من جهته سبحانه إما بأن اضطره إليه وإما بأن نصب الدليل عليه في عقله وإما بأن بينه له على ألسنة ملائكته ورسله فكل العلوم على هذا مضاف إليه وفي هذا دلالة على أنه سبحانه عالم لأن العلم لا يقع إلا من عالم {كلا} أي حقا {إن الإنسان ليطغى} أي يتجاوز حده ويستكبر على ربه ويعدو طوره {أن رآه استغنى} أي لأن رآه نفسه مستغنية عن ربه بعشيرته وأمواله وقوته كأنه قال إنما يطغى من رأى أنه مستغن عن ربه لا من كان غنيا قال قتادة : كان إذا أصاب مالا زاد في ثيابه ومركبه وطعامه وشرابه فذلك طغيانه وقيل إنها نزلت في أبي جهل هشام من هنا إلى آخر السورة.

 {إن إلى ربك الرجعى} أي إلى الله مرجع كل أحد أي فهذا الطاغي كيف يطغى بماله ويعصي ربه ورجوعه إليه وهو قادر على إهلاكه وعلى مجازاته إذا رجع إليه {أ رأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى} هذا تقرير للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأعلام له بما يفعله بمن ينهاه عن الصلاة فقد جاء في الحديث أن أبا جهل قال هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم قالوا نعم قال فبالذي يحلف به لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته فقيل له ها هو ذلك يصلي فانطلق ليطأ على رقبته فما فجاهم إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه فقالوا ما لك يا أبا الحكم قال إن بيني وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة وقال نبي الله ((والذي نفسي بيده لودنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا)) فأنزل الله سبحانه {أ رأيت الذي ينهى} إلى آخر السورة رواه مسلم في الصحيح ومعنى الآية أ رأيت يا محمد من منع من الصلاة ونهى من يصلي عنها ما ذا يكون جزاؤه وما يكون حاله عند الله تعالى وما الذي يستحقه من العذاب فحذف لدلالة الكلام عليه والآية عامة في كل من ينهى عن الصلاة والخير وروي عن علي (عليه السلام) أنه خرج في يوم عيد فرأى ناسا يصلون فقال يا أيها الناس قد شهدنا نبي الله في مثل هذا اليوم فلم يكن أحد يصلي قبل العيد أوقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال رجل يا أمير المؤمنين أ لا تنهى أن يصلوا قبل خروج الإمام فقال لا أريد أن أنهي عبدا إذا صلى ولكنا نحدثهم بما شهدنا من النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أو كما قال ومعنى أ رأيت هاهنا تعجيب للمخاطب.

 ثم كرر هذه اللفظة تأكيدا في التعجيب فقال {أ رأيت إن كان على الهدى} يعني العبد المنهي وهو محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) {أو أمر بالتقوى} يعني بالإخلاص والتوحيد ومخافة الله تعالى وهاهنا حذف أيضا تقديره كيف يكون حال من ينهاه عن الصلاة ويزجره عنها ثم قال {أ رأيت إن كذب} أبو جهل {وتولى} عن الإيمان وأعرض عن قبوله والإصغاء إليه {أ لم يعلم بأن الله يرى} ما يفعله ويعلم ما يصنعه والتقدير أ رأيت الذي فعل هذا الفعل ما الذي يستحق بذلك من الله تعالى من العقاب وقيل إن تقدير نظم الآية أ رأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى وهو على الهدى آمر بالتقوى والناهي كاذب مكذب متول عن الإيمان فما أعجب هذا ثم هدده بقوله أ لم يعلم هذا المكذب فإن لم يعلم فليعلم بأن الله يرى هذا الصنيع الشنيع فيؤاخذه به وفي هذا إشارة إلى فعل الطاعة وترك المعصية.

 ثم قال سبحانه {كلا} أي لا يعلم ذلك {لئن لم ينته} يعني أن لم يمتنع أبو جهل عن تكذيب محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وإيذائه {لنسفعن بالناصية} أي لنجرن بناصيته إلى النار وهذا كقوله فيؤخذ بالنواصي والأقدام ومعناه لنذلنه ونقيمنه مقام الأذلة ففي الأخذ بالناصية إهانة واستخفاف وقيل معناه لنغيرن وجهه ونسودنه بالنار يوم القيامة لأن السفع أثر الإحراق بالنار ثم أخبر سبحانه عنه بأنه فاجر خاطىء بأن قال {ناصية كاذبة خاطئة} وصفها بالكذب والخطأ بمعنى أن صاحبها كاذب في أقواله خاطئ في أفعاله ، لما ذكر الجر بها أضاف الفعل إليها قال ابن عباس : لما أتى أبوجهل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) انتهره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال أبو جهل أ تنتهرني يا محمد فو الله لقد علمت ما بها أحد أكثر ناديا مني فأنزل الله سبحانه {فليدع نادية} وهذا وعيد أي فليدع أهل نادية أي أهل مجلسه يعني عشيرته فليستنصر بهم إذا حل عقاب الله به والنادي الفناء قال وتأتون في ناديكم المنكر.

 ثم قال {سندع الزبانية} يعني الملائكة الموكلين بالنار وهم الملائكة الغلاظ الشداد قال ابن عباس : لودعا نادية لأخذته زبانية النار من ساعته معاينة وقيل إنه إخبار بأنه يدعو إليه الزبانية دعا نادية أم لم يدع وصدق سبحانه ذلك فقتل أبو جهل يوم بدر ثم قال {كلا} أي ليس الأمر على ما عليه أبو جهل {لا تطعه} في النهي عن الصلاة {واسجد} له عز اسمه {واقترب} من ثوابه وقيل معناه وتقرب إليه بطاعته وقيل معناه اسجد يا محمد للتقرب منه فإن أقرب ما يكون العبد من الله إذا سجد له وقيل {واسجد} أي وصل لله واقترب من الله وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال أقرب ما يكون العبد من الله إذا كان ساجدا وقيل المراد به السجود لقراءة هذه السورة والسجود هنا فرض وهومن العزائم وروي عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال العزائم الم تنزل وحم السجدة والنجم إذا هوى واقرأ باسم ربك وما عداها في جميع القرآن مسنون وليس بمفروض .

_______________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج10 ، ص398-402.

2- الأري : العسل اشتارته : استخرجته . عواسل جمع عاسلة . والعاسل : مستخرج العسل . والبيت لابي تمام الطائي يصف القلم من قصيدة يمدح بها ابن الزيات . قال الشريف المرتضى (ره) في أماليه : واجمع العلماء ان هذه الابيات احسن وافخم من جميع ما قيل في القلم ، ثم ذكرها في (ج1:536-537من الامالي ).

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

قيل : أول ما نزل على رسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) فاتحة الكتاب ، وهذا القول يتناسب مع الاسم ، ولكنه قول نادر . وقيل : أول ما نزل يا أيها المدثر ، والقائلون بهذا قليل . وذهب أكثر المفسرين والرواة والعلماء إلى ان أول ما نزل سورتنا هذه أو أوائلها . قال الشيخ محمد عبده : {صح في الاخبار ان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) أول ما تمثل له الملك الذي تلقى عنه الوحي قال له : اقرأ باسم ربك الذي خلق حتى بلغ ما لم يعلم} ومهما يكن فان على المسلم أن يؤمن ايمانا لا ريب فيه ان كل ما في القرآن هومن عند اللَّه ، ولا يطلب منه البحث عن زمن الآيات وتاريخ نزولها .

والذي لا شك فيه ان الوحي نزل على الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) وهو في الأربعين من عمره الشريف ، وانه كان من قبل يؤمن بإله واحد ولا يشرك به شيئا ، وكانت ثقته به لا تتزعزع أبدا ، أما مصدر هذا الايمان فأمران : الأول ذاتي وهو عقله وفطرته . والثاني موروث عن جده إبراهيم الخليل (عليه السلام) . . . ومن تتبع حياة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وسيرته يجد الكثير من الشواهد على إيمانه بإله واحد ، من ذلك انه ما سجد لصنم قط في صغره وكبره . ونقل الرواة ان أحد المشركين قال له قبل أن يبلغ سن الرجال : يا غلام أسألك بحق اللات والعزى ألا أخبرتني عن كذا . فقال له محمد (صلى الله عليه واله وسلم) : لا تسألني باللات والعزى فو اللَّه ما بغضت شيئا بغضهما . وكان بينه وبين مشرك خلاف في شيء قبل البعثة ، فقال له المشرك :

احلف باللات والعزى . فقال : ما حلفت بهما قط ، وإني أعرض عنهما .

وأيضا من ذلك قول زوجته السيدة خديجة حين شكا إليها ما أصابه عند نزول الوحي : (واللَّه ما يخزيك اللَّه أبدا ، انك تصل الرحم ، وتحمل الكلّ ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق} . وفي هذه العبارة التاريخية - أي واللَّه ما يخزيك اللَّه - تظهر لنا بطريقة لا تحتمل الجدل فكرة الإله الواحد تشيع في الوسط العائلي المحمدي حتى قبيل دعوته - كتاب الظاهرة القرآنية لمالك بن نبي) .

وفي كل عصر من العصور حتى في عصر الجاهلية الجهلاء وجد أفراد آمنوا بالإله الواحد بدافع من عقولهم وصفاء فطرتهم ، ومنهم ورقة بن نوفل ، وزيد ابن عمرو، وعثمان بن الحويرث وغيرهم . أنظر ج 5 من ، هذا التفسير ص 96 فقرة {الحنفاء} فهل يكثر على سيد الكونين وأشرف الخلق من الأولين والآخرين أن يهتدي بعقله إلى اللَّه الواحد القهار ؟ .

{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} . هذا أول ما نزل من القرآن كما أشرنا ، ويؤيده الأمر بالابتداء باسمه تعالى . وقال سبحانه : الذي خلق مع حذف المفعول تعميما له وانه خالق لجميع الكائنات ، قال علماء العربية : ان حذف المتعلق يدل على العموم .

وتسأل : كان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) أميا لا يقرأ ولا يكتب ، واللَّه سبحانه يعلم ذلك من نبيّه ، فكيف يوجه له الأمر بالقراءة ؟ أليس هذا تكليفا بما لا يطاق ؟ .

وأجاب الشيخ محمد عبده بأن الأمر في قوله تعالى : اقرأ باسم ربك هو أمر تكويني يقول للشيء : كن فيكون ، وليس أمرا تكليفيا مثل أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة . أنظر ج 1 ص 72 فقرة (التكوين والتشريع) . وعليه يكون المعنى كن الآن قارئا ، وإن لم تكن كذلك من قبل ، فإن الرب الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يجعلك يا محمد قارئا من غير أن تتعلم القراءة .

{خَلَقَ الإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ} . بعد أن ذكر سبحانه انه خالق كل شيء خص الإنسان تكريما له {ولَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ} - 70 الإسراء وتنبيها على عظيم قدرته تعالى التي جعلت من العلقة - وهي دم جامد - هذا الإنسان العظيم العجيب بتركيبه وغرائزه كي يستدل بذلك على وجود الخالق القادر {أَولا يَذْكُرُ الإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ ولَمْ يَكُ شَيْئاً} - 67 مريم .

{اقْرَأْ ورَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} . اقرأ هذا الأمر تأكيد للأمر الأول بالقراءة . وربك الأكرم الذي علم بالقلم جملة مستأنفة ، ومعناها ان اللَّه كريم ولا حد لكرمه تماما كقدرته وعلمه ، ولا شيء أدل على جوده وفضله من انه ، جلت عظمته ، ارتقى بالإنسان من أدنى المراتب وهي العلقة إلى أعلاها وهي الكتابة بالقلم ، ولها من الفوائد ما لا يبلغه الإحصاء ، من ذلك انها تربط الماضي بالمستقبل ، وشرق الأرض بغربها ، بخاصة بعد اكتشاف الطباعة التي جعلت العلم مشاعا للجميع حتى العميان يقرؤن الكتابة بالحروف البارزة ، وإذا كان اللسان يفصح عما في الجنان فإن كلامه يذهب مع الريح ، ومن هنا قيل : القلم ينوب عن اللسان ، واللسان لا ينوب عن القلم .

{عَلَّمَ الإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ} . اللَّه سبحانه لا يقذف العلم بقلب الإنسان ، وانما يمنحه العقل الذي هو مصدر العلوم ، وليس للعقل حد ينتهي إليه لا الصعود إلى القمر ولا إلى المريخ ، وكذلك علوم الإنسان ، فإنها تزداد يوما بعد يوم إلى ما لا نهاية . . واتفق أكثر المفسرين على ان هذه الآيات من أول السورة إلى هنا نزلت دفعة واحدة ، أما بقية السورة فمتأخرة زمانا .

المال والطغيان :

{كَلَّا إِنّ الإنسان ليطغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى} . كلا للردع ، والطغيان تجاوز الحد ، والحكم على الإنسان باعتبار الأغلب من أفراده . . وأكثر الناس - وكنت منهم - يستشهدون بهذه الآية على ان الإنسان يستعلي ويظلم حين يملك من المال والثروة أكثر من غيره . . وعلى هذا جمهور المفسرين . قال الرازي : {أول السورة يدل على مدح العلم ، وآخرها على مذمة المال} . وقال صاحب مجمع البيان :

(أي إن رأى نفسه مستغنية عن ربه بعشيرته وأمواله وقوته) . وقال الشيخ محمد عبده : أي متى أحس من نفسه وبقطع النظر عما قبلها ، وهو قوله تعالى :

{عَلَّمَ الإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ} . أما إذا نظرنا إلى مجموع الآيتين ، وانهما وردتا في كلام واحد بلا فاصل بينهما ، ولا بد من هذا النظر ، إذا فعلنا ذلك كان المعنى ان الإنسان يتجاوز الحدود المشروعة حين يرى نفسه غنيا بالعلم وأدواته كالمختبرات والمصانع ، ويظلم من هو دونه بقسوة وضراوة ، ويؤيد هذا التفسير بالإضافة إلى ظاهر السياق - انه الواقع الذي تعيش فيه الإنسانية الآن ، فإن الذين يملكون العلم يحاولون أن يخضعوا العالم كله لسيطرتهم واستغلالهم ، بعد أن اتجهوا بالعلم إلى الانتاج الحربي والصناعة العسكرية وأصبح لديهم من الأسلحة ما يقضون به على الكرة الأرضية بما فيها في بضع ساعات . . هذا هو التفسير الصحيح لقوله تعالى : {أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى} نقول هذا ، ونحن من المؤمنين بالحقيقة الشائعة {الإنسان ان استغنى بطر وفتن ، وان افتقر قنط ووهن} ولكن الحقيقة في ذاتها شيء ، ودلالة اللفظ والسياق شيء آخر .

{إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى} لا تغتر بالدنيا وزينتها أيها الطاغية ، ولا بالعلم وقنابله والمال وخداعه فإن قوة الحق أمضى من القنابل النووية . . فهذه ثورة الإنسان ضد الاستغلال والاستعباد في الهند الصينية وغيرها قد لقنت أرباب المعامل والصناعة العسكرية في أمريكا أبلغ الدروس ، ثم يردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئهم بما كانوا يعملون .

{أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى} . هذا انكار على كل من ينهى عن المعروف بطريق أو بآخر {أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى أَو أَمَرَ بِالتَّقْوى} . أخبرني عن هذا الضال الذي ينهى عن المعروف ويأمر بالمنكر - هل هو على حق في نهيه وأمره {أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وتَوَلَّى أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهً يَرى} . لقد كذب هذا الضال بالحق وأعرض عنه ، أفلا يخشى عذاب اللَّه الذي يعلم سره وعلانيته ؟ .

{كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ} . الناصية شعر الجبهة ، والسفع الجذب بشدة ، وكانت العرب تأنف من الجر بالناصية ، وتعده غاية الاذلال والتحقير ، لأنه للحيوان لا للإنسان ، وكاذبة خاطئة أي صاحبها كاذب خاطئ ، والمعنى ليرتدع هذا الضال عن ضلاله وإلا قدمناه بناصيته إلى عذاب الحريق {فَلْيَدْعُ نادِيَهُ} النادي المجلس ، وفي الكلام حذف مضاف أي ليدع هذا الضال أهل مجلسه يمنعوا عنه العذاب ، والمراد بأهل مجلسه أعوانه وعشيرته ، ومثله {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ ولا تَحْوِيلًا} - 56 الإسراء .

{سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ} . وهم ملائكة العذاب ، والزبانية من الزبن بفتح الزاي ، وهو الدفع أي ان الملائكة يدفعون بالطاغية إلى نار جهنم ، وأصل {سندع} بالواو في آخر الكلمة ولكنها حذفت في كتابة المصاحف {كلا} زجر عن متابعة الطاغية والإصغاء لدعاياته المضللة {لا تُطِعْهُ واسْجُدْ} للَّه وحده ، ولا تخش من مخلوق كائنا من كان {واقْتَرِبْ} أي وتقرب إلى اللَّه بأعمال الخير ، وأفضلها جهاد الطغاة .

وقسّم الفقهاء السجود إلى سجدة الصلاة المعهودة ، وسجدة السهو ومكانها بعد الصلاة بلا فاصل وموجبها الخلل في الصلاة زيادة أو نقصانا ، والتفصيل في كتب الفقه ، وسجدة الشكر عند تجدد نعمة أو دفع نقمة ، وسجدة التلاوة ، وقد أوجبها الإمامية عند تلاوة آية السجدة من سورة ألم تنزيل ، وسورة حم فصلت ، وسورة النجم ، وسورة العلق ، وما عدا ذلك فهو ندب لا فرض .

_________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص585-589.

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

أمر للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتلقي القرآن بالوحي منه تعالى وهي أول سورة نزلت من القرآن، وسياق آياتها لا يأبى نزولها دفعة واحدة كما سنشير إليه، وهي مكية قطعا.

قوله تعالى: {اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق} قال الراغب: والقراءة ضم الحروف والكلمات بعضها إلى بعض في الترتيل، وليس يقال ذلك لكل جمع لا يقال: قرأت القوم إذا جمعتهم، ويدل على ذلك أنه لا يقال: للحرف الواحد إذا تفوه به: قراءة انتهى.

وعلى أي حال، يقال: قرأت الكتاب إذا جمعت ما فيه من الحروف والكلمات بضم بعضها إلى بعض في الذهن وإن لم تتلفظ بها، ويقال: قرأته إذا جمعت الحروف والكلمات بضم بعضها إلى بعض في التلفظ، ويقال قرأته عليه إذا جمعت بين حروفه وكلماته في سمعه ويطلق عليها بهذا المعنى التلاوة أيضا قال تعالى: {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً} [البينة: 2].

وظاهر إطلاق قوله: {اقرأ} المعنى الأول والمراد به الأمر بتلقي ما يوحيه إليه ملك الوحي من القرآن فالجملة أمر بقراءة الكتاب وهي من الكتاب كقول القائل في مفتتح كتابه لمن أرسله إليه: اقرأ كتابي هذا واعمل به فقوله هذا أمر بقراءة الكتاب وهومن الكتاب.

وهذا السياق يؤيد أولا ما ورد أن الآيات أول ما نزل من القرآن على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

وثانيا أن التقدير اقرأ القرآن أو ما في معناه، وليس المراد مطلق القراءة باستعمال {اقرأ} استعمال الفعل اللازم بالإعراض عن المفعول، ولا المراد القراءة على الناس بحذف المتعلق وإن كان ذلك من أغراض النزول كما قال: { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106]، ولا أن قوله: {باسم ربك} مفعول {اقرأ} والباء زائدة والتقدير اقرأ اسم ربك أي بسمل.

وقوله: {باسم ربك} متعلق بمقدر نحو مفتتحا ومبتدئا أو باقرأ والباء للملابسة ولا ينافي ذلك كون البسملة المبتدأة بها السورة جزء من السورة فهي من كلام الله افتتح سبحانه بها وأمر أن يقرأ مبتدئا بها كما أمر أن يقرأ قوله: {اقرأ باسم} إلخ ففيه تعليم بالعمل نظير الأمر بالاستثناء في قوله: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } [الكهف: 23، 24] فافهم ذلك.

وفي: قوله {ربك الذي خلق} إشارة إلى قصر الربوبية في الله عز اسمه وهو توحيد الربوبية المقتضية لقصر العبادة فيه فإن المشركين كانوا يقولون: إن الله سبحانه ليس له إلا الخلق والإيجاد وأما الربوبية وهي الملك والتدبير فلمقربي خلقه من الملائكة والجن والإنس فدفعه الله بقوله: {ربك الذي خلق} الناص على أن الربوبية والخلق له وحده.

وقوله: {خلق الإنسان من علق} المراد جنس الإنسان المتناسل والعلق الدم المنجمد والمراد به ما يستحيل إليه النطفة في الرحم.

ففي الآية إشارة إلى التدبير الإلهي الوارد على الإنسان من حين كان علقة إلى حين يصير إنسانا تاما كاملا له من أعاجيب الصفات والأفعال ما تتحير فيه العقول فلم يتم الإنسان إنسانا ولم يكمل إلا بتدبير متعاقب منه تعالى وهو بعينه خلق بعد خلق فهو تعالى رب مدبر لأمر الإنسان بعين أنه خالق له فليس للإنسان إلا أن يتخذه وحده ربا ففي الكلام احتجاج على توحيد الربوبية.

قوله تعالى: {اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم} أمر بالقراءة ثانيا تأكيدا للأمر الأول على ما هو ظاهر سياق الإطلاق.

وقيل: المراد به الأمر بالقراءة على الناس وهو التبليغ بخلاف الأمر الأول فالمراد به الأمر بالقراءة لنفسه، كما قيل: إن المراد بالأمرين جميعا الأمر بالقراءة على الناس، والوجهان غير ظاهرين.

وقوله: {وربك الأكرم} أي الذي يفوق عطاؤه عطاء ما سواه فهو تعالى يعطي لا عن استحقاق وما من نعمة إلا وينتهي إيتاؤها إليه تعالى.

وقوله: {الذي علم بالقلم} الباء للسببية أي علم القراءة أو الكتابة والقراءة بواسطة القلم والجملة حالية أو استئنافية، والكلام مسوق لتقوية نفس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإزالة القلق والاضطراب عنها حيث أمر بالقراءة وهو أمي لا يكتب ولا يقرأ كأنه قيل: اقرأ كتاب ربك الذي يوحيه إليك ولا تخف والحال أن ربك الأكرم الذي علم الإنسان القراءة بواسطة القلم الذي يخط به فهو قادر على أن يعلمك قراءة كتابه وأنت أمي وقد أمرك بالقراءة ولولم يقدرك عليها لم يأمرك بها.

ثم عمم سبحانه النعمة فذكر تعليمه للإنسان ما لم يعلم فقال: {علم الإنسان ما لم يعلم} وفيه مزيد تقوية لقلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتطييب لنفسه.

والمراد بالإنسان الجنس كما هو ظاهر السياق وقيل: المراد به آدم (عليه السلام)، وقيل: إدريس (عليه السلام) لأنه أول من خط بالقلم، وقيل: كل نبي كان يكتب وهي وجوه ضعيفة بعيدة عن الفهم.

قوله تعالى: {كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} ردع عما يستفاد من الآيات السابقة أنه تعالى أنعم على الإنسان بعظائم نعم مثل التعليم بالقلم وسائر ما علم والتعليم من طريق الوحي فعلى الإنسان أن يشكره على ذلك لكنه يكفر بنعمته تعالى ويطغى.

وقوله: {إن الإنسان ليطغى} أن يتعدى طوره، وهو إخبار بما في طبع الإنسان ذلك كقوله: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34].

وقوله: {أن رآه استغنى} من الرأي دون الرؤية البصرية، وفاعل {رآه} ومفعوله الإنسان.

وجملة {أن رآه استغنى} في مقام التعليل أي ليطغى لأنه يعتقد نفسه مستغنيا عن ربه المنعم عليه فيكفر به، وذلك أنه يشتغل بنفسه والأسباب الظاهرية التي يتوصل بها إلى مقاصده فيغفل عن ربه من غير أن يرى حاجة منه إليه تبعثه إلى ذكره وشكره على نعمه فينساه ويطغى.

قوله تعالى: {إن إلى ربك الرجعى} الرجعى هو الرجوع والظاهر من سياق الوعيد الآتي أنه وعيد وتهديد بالموت والبعث، والخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقيل: الخطاب للإنسان بطريق الالتفات للتشديد، والأول أظهر.

قوله تعالى: {أ رأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى أ رأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أ رأيت إن كذب وتولى أ لم يعلم بأن الله يرى} بمنزلة ذكر بعض المصاديق للإنسان الطاغي وهو كالتوطئة لوعيده بتصريح العقاب والنهي عن طاعته والأمر بعبادته تعالى، والمراد بالعبد الذي كان يصلي هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على ما يستفاد من آخر الآيات حيث ينهاه (صلى الله عليه وآله وسلم) عن طاعة ذلك الناهي ويأمره بالسجود والاقتراب.

وسياق الآيات - على تقدير كون السورة أول ما نزل من القرآن ونزولها دفعة واحدة - يدل على صلاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل نزول القرآن وفيه دلالة على نبوته قبل رسالته بالقرآن.

وأما ما ذكره بعضهم أنه لم يكن الصلاة مفروضة في أول البعثة وإنما شرعت ليلة المعراج على ما في الأخبار وهو قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ } [الإسراء: 78].

ففيه أن المسلم من دلالتها أن الصلوات الخمس اليومية إنما فرضت بهيئتها الخاصة ركعتين ركعتين ليلة المعراج ولا دلالة فيها على عدم تشريعها قبل وقد ورد في كثير من السور المكية ومنها النازلة قبل سورة الإسراء كالمدثر والمزمل وغيرهما ذكر الصلاة بتعبيرات مختلفة وإن لم يظهر فيها من كيفيتها إلا أنها كانت مشتملة على تلاوة شيء من القرآن والسجود.

وقد ورد في بعض الروايات صلاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع خديجة وعلي في أوائل البعثة وإن لم يذكر كيفية صلاتهم.

وبالجملة قوله: {أ رأيت} بمعنى أخبرني، والاستفهام للتعجيب، والمفعول الأول لقوله: {أ رأيت} الأول قوله: {الذي ينهى} ولأرأيت الثالث ضمير عائد إلى الموصول، ولأرأيت الثاني ضمير عائد إلى قوله: {عبدا} والمفعول الثاني لأرأيت في المواضع الثلاث قوله: {أ لم يعلم بأن الله يرى}.

ومحصل معنى الآيات أخبرني عن الذي ينهى عبدا إذا صلى وعبد الله الناهي يعلم أن الله يرى ما يفعله كيف يكون حاله.

أخبرني عن هذا الناهي إن كان ذاك العبد المصلي على الهدى أو أمر بالتقوى كيف يكون حال هذا الناهي وهو يعلم أن الله يرى.

أخبرني عن هذا الناهي أن تلبس بالتكذيب للحق والتولي عن الإيمان به ونهي العبد المصلي عن الصلاة وهو يعلم أن الله يرى؟ هل يستحق إلا العذاب؟.

وقيل: المفعول الأول لأرأيت في جميع المواضع الثلاث هو الموصول أو الضمير العائد إليه تحرزا عن التفكيك بين الضمائر.

والأولى على هذا أن يجعل معنى قوله: {أ رأيت إن كان على الهدى أوأمر بالتقوى} أخبرني عن هذا الناهي إن كان على الهدى أوأمر بالتقوى وهو يعلم أن الله يرى ما ذا كان يجب عليه أن يفعله ويأمر به؟ وكيف يكون حاله وقد نهى عن عبادة الله سبحانه؟ وهو مع ذلك معنى بعيد ولا بأس بالتفكيك بين الضمائر مع مساعدة السياق وإعانة القرائن.

وقوله: {أ لم يعلم بأن الله يرى} المراد به العلم على طريق الاستلزام فإن لازم الاعتقاد بأن الله خالق كل شيء هو الاعتقاد بأن له علما بكل شيء وإن غفل عنه وقد كان الناهي وثنيا مشركا والوثنية معترفون بأن الله هو خالق كل شيء وينزهونه عن صفات النقص فيرون أنه تعالى لا يجهل شيئا ولا يعجز عن شيء وهكذا.

قوله تعالى: {كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة} قال في المجمع،: والسفع الجذب الشديد يقال: سفعت بالشيء إذا قبضت عليه وجذبته جذبا شديدا.

انتهى، وفي توصيف الناصية بالكذب والخطإ وهما وصفا صاحب الناصية مجاز.

وفي الكلام ردع وتهديد شديد، والمعنى ليس الأمر كما يقول ويريد أوليس له ذلك.

أقسم لئن لم يكف عن نهيه ولم ينصرف لنأخذن بناصيته أخذ الذليل المهان ونجذبنه إلى العذاب تلك الناصية التي صاحبها كاذب فيما يقول خاطىء فيما يفعل، وقيل: المعنى لنسمن ناصيته بالنار ونسودنها.

قوله تعالى: {فليدع نادية سندع الزبانية} النادي المجلس وكان المراد به أهل المجلس أي الجمع الذين يجتمع بهم، وقيل: الجليس، والزبانية الملائكة الموكلون بالنار، وقيل: الزبانية في كلامهم الشرط، والأمر تعجيزي أشير به إلى شدة الأخذ والمعنى فليدع هذا الناهي جمعه لينجوه منا سندع الزبانية الغلاظ الشداد الذين لا ينفع معهم نصر ناصر.

قوله تعالى: {كلا لا تطعه واسجد واقترب} تكرار الردع للتأكيد، وقوله: {لا تطعه} أي لا تطعه في النهي عن الصلاة وهي القرينة على أن المراد بالسجود الصلاة، ولعل الصلاة التي كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يأتي بها يومئذ كانت تسبيحه تعالى والسجود له وقيل: المراد به السجود لقراءة هذه السورة التي هي إحدى العزائم الأربع في القرآن.

والاقتراب التقرب إلى الله، وقيل: الاقتراب من ثواب الله تعالى.

_________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج20 ، ص295-299.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

 {اقرأ باسم ربّك}

الآية الاُولى فيها خطاب للنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) تقول له:

{اقرأ باسم ربّك الذي خلق}(2)، قيل إنّ مفعول إقرأ محذوف وتقديره: إقرأ القرآن باسم ربّك، وإستدلّ بعضهم بهذه الآية على أنّ البسملة جزء من سور القرآن.(3)

وقيل: إنّ الباء هنا زائدة، أي إقرأ اسم ربّك، وهذا بعيد لأنّ المناسب وهذه الحالة أن يقال اذكر اسم ربّك لا إقرأ...

ويلاحظ هنا قبل كلّ شيء التركيز على مسألة الربوبية، ونعلم أنّ «الربّ» يعني «المالك المصلح»، أي الشخص الذي يملك شيئاً، ويتعهد إصلاحه وتربيته أيضاً.

ولإثبات ربوبية اللّه جاء ذكر الخلقة... خلقة الكون، إذ إن أفضل دليل على ربوبيته خالقيته، فالذي يُدبّر العالم هو خالقه.

وهذا في الحقيقة ردّ على مشركي العرب الذين قبلوا خالقية اللّه، وأوكلوا الربوبية والتدبير إلى الأوثان، ثمّ إنّ ربوبية اللّه وتدبيره لنظام الكون أفضل دليل على إثبات ذاته المقدسة.

ثمّ اختارت الآية التالية «الإنسان» باعتباره أهم مظاهر الخليقة وقالت:

{خلق الإنسان من علق}.

«العلق» في الأصل الإلتصاق بشيء، ولذلك سمّي الدم المنعقد المتلاصق، وهكذا الحيوان الذي يلتصق بالجسم لمصّ الدم، بـ «العلق» والنطفة بعد أن تطوي المراحل الجنينية الاُولى تتحول إلى قطعة دم متلاصقة هي العلق، وهي مع تفاهتها الظاهرية تعتبر مبدأ خلقة الإنسان، والآية تركز على هذه الظاهرة لتبيّن قدرة الرّب العظيمة على خلق هذا الإنسان العجيب من هذه العلقة التافهة.

وقيل: إنّ العلق في الآية يعني الطين الذي خلق منه آدم، وهو أيضاً مادة متلاصقة، وبديهي أنّ الربّ الذي خلق آدم من طين لازب يستحق كلّ تمجيد وثناء.

وقيل أيضاً: أنّ العلق يعني «صاحب العلاقة»، وفيه إشارة إلى الروح الإجتماعية للإنسان، والعلاقة الموجودة بين أفراد البشر هي في الواقع أساس تكامل البشر وتطور الحضارات.

وقال آخرون: إنّ العلق إشارة إلى نطفة الرجل (الحيمن)، وهي تشبه دودة العلق إلى حدّ كبير، وهذا الموجود المجهري يسبح في ماء النطفة، ويتجه إلى بويضة المرأة في الرحم، ويلقحها ويكون منها النطفة الكاملة للإنسان.

والقرآن الكريم بطرحه هذه المسألة يسجل معجزة علمية اُخرى من معاجزه، إذ لم تكن هذه الاُمور معروفة أبداً في عصر نزوله.

ومن بين التفاسير الأربعة، يبدو أنّ التّفسير الأوّل أوضح، وإن كان الجمع بين التّفاسير الأربعة ممكن أيضاً.

ممّا تقدم نفهم أنّ «الإنسان» في الآية هو آدم حسب أحد التّفاسير وهو مطلق الإنسان حسب التفاسير الثلاثة الاُخرى.

وللتأكيد، تقول الآية مرّة اُخرى: {إقرأ وربّك الأكرم}.(4)

قيل: إنّ «إقرأ» في هذه الآية تأكيد لإقرأ في الآية السابقة، وقيل: إنّها تختلف عن الآية الاُولى، فالاُولى قراءة النبيّ لنفسه، وفي الثّانية القراءة للناس غير أنّ الرأي الأوّل أنسب، إذ لا يوجد دليل على اختلاف الإثنين.

وهذه الآية في الواقع جواب على قول الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) لجبرائيل: ما أنا بقاريء، وهذه الآية تقول: إنّك قادر على القراءة بكرم الرّب وفضله ومنّه.

ثمّ تصف الآيتان التاليتان الربّ الأكرم:

{الذي علم بالقلم}.

{علم الإنسان ما لا يعلم}.

وهاتان الآيتان أيضاً تتجهان إلى الجواب على قول رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): ما أنا بقاريء، أي إنّ اللّه الذي علم البشر بالقلم وكشف لهم المجاهيل، قادر على أن يعلم عبده الأمين القراءة والتلاوة.

جملة {الذي علم بالقلم} تحتمل معنيين.

الأوّل: أنّ اللّه علم الإنسان الكتابة، وأعطاه هذه القدرة العظيمة التي هي منبثق تاريخ البشر، ومنطلق جميع العلوم والفنون والحضارات.

والثّاني: المقصود أنّ اللّه علم الإنسان جميع العلوم عن طريق القلم وبوسيلة الكتابة.

وبإيجاز إمّا أن يكون التعليم، تعليم الكتابة، أو تعليم العلوم عن طريق الكتابة.

وهوـ على أي حال ـ تعبير عميق المعنى في تلك اللحظات الحساسة من بداية نزول الوحي

وقوله تعالى : {كَلاَّ إِنَّ الاْنَسنَ لَيَطْغَى(6) أَن رَّءاهُ استَغْنَى(7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى(8) أَرَءَيْتَ الَّذِى يَنْهَى(9) عَبْداً إِذَا صَلَّى(10)أَرَءَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى(11) أَو أَمَرَ بِالتَّقْوَى(12) أَرَءَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى(13) أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى}:

سبب الطغيان:

استتباعاً للآيات السابقة التي تحدثت عن النِعم المادية والمعنوية الإلهية على الإنسان... والنِعَم التي تستلزم شكر الإنسان وتسليمه أمام اللّه، هذه الآيات تبدأ بالقول: ليست نِعَم اللّه تحيي روح الشكر في الإنسان دائماً، بل إنّه يطغى:

{كلاّ إنّ الإنسان ليطغى}(5) ومتى يكون ذلك؟ فيما لو رأى نفسه مستغنياً وغير محتاج.

{أن رآه استغنى}(6).

هذه طبيعة أغلب أفراد البشر... الأفراد الذين لم يتربوا في مدرسة العقل والوحي، حين يرون أنفسهم مستغنين غير محتاجين يعمدون إلى الطغيان، وينسلخون من عبودية اللّه، ويرفضون الإعتراف بأحكامه، ويصمّون أذانهم عن ندائه، ولا يراعون حقّاً ولا عدلاً.

لا الإنسان ولا أي مخلوق آخر قادر على أن يستغني، بل كلّ الموجودات الممكنة بحاجة إلى لطف اللّه ونِعَمِه، وإذا انقطع فيضه سبحانه عنها لحظة واحدة، ففي هذه اللحظة بالذات تفنى بأجمعها، غير أنّ الإنسان يحسّ خطأ أحياناً أنّه مستغن غير محتاج. والقرآن يشير إلى هذا الإحساس بعبارة دقيقة يقول: {أن رآه استغنى} لم يقل أن استغنى.

قيل: إنّ المقصود بالإنسان في الآية أبو جهل الذي كان يطغى أمام الدعوة لكن مفهوم الإنسان هنا عام، وأمثال أبي جهل مصاديق له.

يبدو أنّ الهدف من الآية الفات نظر الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بمنعطفات الطبيعة البشرية كي لا يتوقع قولاً سريعاً من النّاس لدعوته، وليعدّ نفسه لإنكار المنكرين ومعارضة الطغاة المستكبرين، وليعلم أنّ الطريق أمامه وعر مليء بالمصاعب.

ثمّ يأتي التهديد لهؤلاء الطغاة المستكبرين وتقول الآية التالية:

{إن إلى ربّك الرجعى} وهو الذي يعاقب الطغاة على ما اقترفوه، وكما إنّ رجوع كلّ شيء إليه، وميراث السماوات والأرض له سبحانه: {وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 180] فكل شيء في البداية منه، ولا مبرّر للإنسان أن يشعر بالإستغناء ويطغى.

ثمّ تتحدث الآيات التالية عن بعض أعمال الطغاة المغرورين، مثل صدّهم عباد اللّه عن السير في طريق الحقّ.

{أرأيت الذي ينهى}.

{عبداً إذا صلّى}؟!

ألا يستحق مثل هؤلاء عذاباً سحيقاً؟!

وفي الحديث أن أبا جهل قال: «هل يعفّر محمّد وجهه بين أظهركم {أي هل يسجد محمّد بينكم} قالوا: نعم، قال: فبالذي يحلف به لئن رأيته يفعل ذلك لأطأنَّ على رقبته. فقيل له: ها هو ذاك يصلّي، فانطلق ليطأ على رقبته، فما فاجأهم إلاّ وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه. فقالوا: مالك يا أبا الحكم؟! قال: إنّ بيني وبينه خندقاً من نار، وهولاً، وأجنحة. وقال نبيّ اللّه: والذي نفسي بيده لودنا منّي لاختطفته الملائكة عضواً عضواً. فأنزل اللّه سبحانه: {أرأيت الذي ينهى} إلى آخر السّورة»(7)

حسب هذه الرّواية: الآيات التي نحن بصددها لم تنزل في بداية البعثة، بل نزلت حين أعلنت الدعوة، ولذلك قيل إنّ الآيات الخمس الاُولى هي التي كانت أوّل ما نزل من الوحي والباقي بعد ذلك بمدّة.

على أي حال، سبب نزول الآيات لا يمنع من سعة مفهومها.

الآيات التالية تأكيد على نفس المفاهيم.

{أرأيت إن كان على الهدى}.

(أوأمر بالتقوى).

أي أرأيت إن كان هذا العبد المصلّي على الهدى أوأمر بالتقوى فهل يصح نهيه؟ ألا يستحق من ينهاه النّار؟

{أرأيت إن كذّب وتولّى} ولو كذّب هذا الطاغية بالحق وتولى وأعرض عنه فماذا سيكون مصيره؟

{ألم يعلم بأن اللّه يرى} ويثبت كلّ شيء ليوم الجزاء والحساب.

والتعبير بالقضية الشرطية في الآيتين إشارة إلى أن هذا الطاغي المغرور ينبغي أن يحتمل ـ على الأقل ـ أنّ النّبي على طريق الهداية ودعوته تتجه إلى التقوى،. وهذا الإحتمال وحده كاف لصده عن الطغيان.

من هنا فمفهوم الآيات ليس فيه ترديد في هداية النّبي ودعوته إلى التقوى، بل ينطوي على إشارة دقيقة إلى المعنى المذكور.

بعض المفسّرين أرجع الضمير في «كان» و«أمر» إلى الشخص الطاغي الناهي، مثل أبي جهل، ويكون المعنى عندئذ: أرأيت إن قبل هذا هداية الإسلام، وأمر بالتقوى بدلاً من نهيه عن الصلاة، فما أنفع ذلك له!

لكن التّفسير الأوّل أنسب!

وقوله تعالى :{كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعَاً بِالنّاصِيَة(15) نَاصِيَة كَذِبَة خَاطِئَة(16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ(17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ(18) كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَاسْجُدْ واقْتَرِب}

السجود والتقرب:

بعد الحديث في الآيات السابقة عن الطغاة الكافرين الصادين عن سبيل اللّه، توجّه هذه الآيات أشدّ التهديد لهم وتقول: (كلاّ) لا يكون ما يتصور (لانّه تصور أن يصدّ عن عبادة اللّه بوضعه قدمه على رقبة النّبي).

{كلاّ لئن لم ينته لنسفعنّ بالناصية) نعم، إذا لم ينته من إثمه وطغيانه سنجرّه بالقوّة من شعر مقدمة رأسه (وهي الناصية}، وثمّ وصف الناصية هذه بأنّها كاذبة خاطئة وهو وصف لصاحبها (ناصية كاذبة خاطئة).

«لنسفعاً»: من السفع، وذكر له المفسّرون معاني متعددة: الجرّ بالشدّة، الصفع على الوجه، تسويد الوجه (الأثافي الثلاثة التي يوضع عليها القدر تسمى «سفع» لأنّها تسوّد بالدخان)، ووضع العلامة والإذلال(8).

والأنسب المعنى الأوّل، وإن كانت الآية تحتمل معاني اُخرى أيضاً.

وهل حدوث هذا السفع بالناصية في يوم القيامة، حيث يسحب أبو جهل وأمثاله من مقدمة شعر الرأس إلى جهنم، أم في الدنيا، أم في كليهما؟ لا يستبعد أن يكون في كليهما، والشاهد على ذلك الرّواية التالية:

«لمّا نزلت سورة الرحمن، علم القرآن... قال النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه: من يقرؤها منكم على رؤوساء قريش؟ فتثاقلوا مخافة أذيتهم، فقام ابن مسعود وقال: أنا يارسول اللّه، فأجلسه عليه السلام، ثمّ قال: من يقرؤها عليهم؟ فلم يقم إلاّ ابن مسعود، ثمّ ثالثاً كذلك إلى أن أذن له، وكان عليه السلام يبقي عليه لما كان يعلم من ضعفه وصغر جثته. ثمّ إنّه وصل إليهم فرآهم مجتمعين حول الكعبة، فافتتح قراءة السّورة، فقام أبو جهل فلطمه فشقّ أذنه وأدماه، فانصرف وعيناه تدمع. فلمّا رآه النّبي عليه السلام رق قلبه وأطرق رأسه مغموماً، فإذا جبريل عليه السلام يجيء ضاحكاً مستبشراً، فقال: يا جبريل تضحك وابن مسعود يبكي! فقال: ستعلم.

فلمّا ظهر المسلمون يوم بدر التمس ابن مسعود أن يكون له حظ في المجاهدين، فأخذ يطالع القتلى: فإذا أبو جهل مصروع يخور... فصعد على صدره، فلمّا رآه أبو جهل قال: يا رويعي الغنم لقد ارتقيت مرتقى صعباً. فقال ابن مسعود: الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.

فقال أبو جهل: بلغ صاحبك أنّه لم يكن أحد أبغض إليّ منه في حياتي، ولا أحد أبغض إليّ منه في حال مماتي.

روي أنّه عليه السلام لما سمع ذلك قال: «فرعوني أشدّ من فرعون موسى فإنّه قال آمنت وهو قد زاد عتواً».

ثمّ قال أبو جهل لابن مسعود: اقطع رأسي بسيفي هذا، لأنّه أحدّ وأقطع. فلمّا قطع رأسه لم يقدر على حمله، فراح يجرّه على ناصيته إلى رسول اللّه، (وبذلك تحقق قوله سبحانه: (لنسفعن بالناصية) في هذه الدنيا أيضاً»(10).

«الناصية»: شعر مقدم الرأس، و(السفع بالناصية) يراد به الإذلال والإرغام، لأنّ أخذ الشخص بناصيته يفقده كلّ حركة ويجبره على الإستسلام.

«الناصية» تستعمل لمقدمة رأس الأفراد، وللجزء النفيس من الشيء كأن نقول «ناصية البيت».

ووصف الناصية بأنّها «كاذبة خاطئة» يعني أنّ صاحبها كاذب في أقواله وخاطيء في أعماله، كما كان أبو جهل.

ولقد وردت بعض الرّوايات الصحيحة بأنّ السّورة ـ عدا المقطع الأوّل منها ـ قد نزلت في أبي جهل إذ مرّ برسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يصلي عند المقام فقال (يا محمّد ألم أنهك عن هذا؟ وتوعده فاغلظ له رسول اللّه وانتهره...) ولعلها هي التي أخذ فيها رسول اللّه بخناقه وقال له: {أولى لك ثمّ أولى} فقال: يا محمّد بأي شيء تهددني؟ أما واللّه وإنّي لأكثر هذا الوادي نادياً)(11).

وهنا نزلت الآية التالية تقول لأبي جهل: فليدع هذا الجاهل المغرور كل قومه وعشيرته وليستنجد بهم.

{فليدع ناديه}.

ونحن سندع أيضاً زبانية جهنم:

{سندع الزبانية} ليعلم هذا الجاهل الغافل أنّه عاجز عن فعل أي شيء وإنّه في قبضة خزنة جهنم كقشة في مهبّ الريح.

«النادية» من مادة (ندا) وهو المكان الذي يجتمع فيه القوم، وتارة يطلق على مركز التفريح، لأنّ القوم فيه ينادي بعضهم بعضاً، أومن «النَّدا» بمعنى الكرم، لأنّ الأفراد يكرم فيه بعضهم بعضاً. ومنه أيضاً «الندوة» وهي مكان يتشاور فيه الجماعة. و«دار الندوة» مقر معروف لتشاور قريش.

و«النادي» في الآية يقصد به القوم الذين يجتمعون في النادي. وأرادت منه الآية اُولئك الذين يستند إليهم أمثال أبي جهل من أهل وعشير وأصحاب.

و«الزبانية» جمع «زبنية» وهو في الأصل بمعنى الشرطة من مادة «زَبن» ـ على زنة متن ـ وهو الدَفع والردع والإبعاد. وهنا بمعنى ملائكة العذاب وخزنة جهنم.

وفي آخر آية من السّورة وهي آية السجدة يقول سبحانه: (كلاّ) أي ليس الأمر كما يتصور بأنّه قادر على أن يمنع سجودك: (لا تطعه واسجد واقترب) فأبو جهل أقل من أن يستطيع منع سجودك أو الوقوف بوجه دينك، فتوكل على اللّه وأعبده واسجد له، وبذلك تقترب منه سبحانه على هذا المسير أكثر فأكثر.

ويستفاد ضمنياً من هذه الآية أن «السجود» عامل اقتراب من اللّه، ولذا ورد في الحديث: «أقرب ما يكون العبد من اللّه إذا كان ساجداً».

وفي روايات أهل البيت(عليهم السلام) أنّ القرآن يتضمّن أربعة مواضع فيها سجود واجب وهي في «ألم السجدة» و«فصلت» و«النجم» وفي هذه السّورة «العلق» وبقية المواضع السجدة فيها مستحبة(12).

_____________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج15 ، ص415-428.

2 ـ الراغب في المفردات يقول: إنّ القراءة تعني ضم الحروف والكلمات إلى بعضها. ولذلك لا يقال لنطق الحرف قراءة.

3 ـ الباء في هذه الحالة للملابسة.

4 ـ جملة «وربّك الأكرم» جملة استئنافية مكونة من مبتدأ وخبر.

5 ـ حسب المعنى الذي ذكرناه للآية (كلا) هنا للردع بالنسبة لما يستلزمه مضمون الآيات السابقة وقيل أيضاً أنّها بمعنى «حقّاً» للتأكيد.

6 ـ جملة «أن رآه استغنى» مفعول لأجله، والتقدير: لأنّ... والرؤية هنا بمعنى العلم ولذا نصبت مفعولين، ويحتمل أيضاً أن تكون الرؤية هنا حسّية. و«استغنى» تكون عندئذ بمثابة الحال.

7 ـ مجمع البيان، ج10، ص515.

9 ـ التّفسير الكبير، ج32، ص23.

10 ـ الفخر الرازي، ج32، ص23.

11 ـ تفسير في ظلال القرآن، ج6، ص3942 ذيل الآية.

12-المراد ان كل واحدة من هذه الايات الاربع التي ورد فيها السجود اذا قرئت او سمعت من شخص اخر يجب السجود عندها كما في السجود الصلاة ، فاصل السجود واجب الا ان الذكر فيه مستحب ، واعادة يقرأ في ذكر هذا السجود الواجب في القران : ((لا اله الا الله حقا حقا ، لا اله الا الله ايمانا وتصديقا ، لا اله الا الله عبوديتا ورقا ، سجدت لك يارب تعبدا ورقا ، لا مستنكفا ولا مستكبرا بل انا عبد ضعيف ذليل ، خائف مستجير )).




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .