أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-3-2022
2083
التاريخ: 13-12-2014
3248
التاريخ: 2-4-2017
3084
التاريخ: 7-11-2017
2881
|
جاء الإسلام والمسيحية منتشرة في بلاد الدولة الرومانية شرقًا وغربًا، يدين بها ملوكها ورؤساؤها ومعظم رعاياها، وكان هؤلاء الملوك والرؤساء - قبل تنصرهم - يضطهدون المسيحيين ويعذبونهم، ولا يتورعون عن لون من ألوان العذاب يصبُّونه عليهم، فكانت محنة عظيمة صبر لها المسيحيون الأولون صبر المؤمنين الصادقين، ولكن هؤلاء الملوك والرؤساء كانت محنتهم للمسيحية - بعد تنصرهم - أشد عليهم من محنة الاضطهاد والتعذيب؛ لأنهم لم يكفوا عن الظلم، وزادوا عليه عبث السياسة بالعقائد والآراء، فدسوا مطامعهم بين المختلفين على تفسير المسيحية الأولى، وفرقوهم شيعًا متباغضة متنافرة، يرمي بعضها بعضًا بالكفر والضلالة، وينشب بينها الجدل فلا تتفق على قول حتى تتفتح أمامها مذاهب الخلاف على أقوال.
ولم يكن خلاف المذاهب يومئذ كخلاف المذاهب في العصر الحاضر يسمح بوجهات النظر، ولا يستلزم طرد المخالفين جميعًا من حظيرة الدين، بل كان بحث الآباء الأولين في سبيل الوصول إلى أركان العقيدة، وتقرير ما يسمى بالمسيحية وما لا يحسب منها، وإنما يحسب من الكفر والضلالة؛ فلم تبق نحلة من النحل الكثيرة إلا حكمت على مناقضيها بالمروق والهرطقة.
وتعددت هذه النحل بين الأريوسية والنسطورية واليعقوبية والملكية على تباعد الأقوال في الطبيعة الإلهية ومنزلة الأقاليم الثلاثة منها، ويأتي النزاع بين الكنيستين الشرقية والغربية فيقضي على البقية الباقية من الثقة والطمأنينة، ولا يدع ركنًا من أركان العقيدة بمبعدة من الجدل والاتهام، فلا جرم يتردد على الألسنة ويدون في كتب التاريخ يومئذ أنَّ القوم جميعًا قد استحقوا العقاب الإلهي، وأنَّ أبناءَ إسماعيل قد جاءوا من الصحراء بأمر لله عقابًا للظالمين والمارقين.
ويستطيع القارئ أن يترجم هذه البلبلة بحوادث السياسة ومنازعات العروش، فلا يرى من حوادثها يومئذ إلا زعازع من هذا القبيل على عروش الدول والإمارات، وأولها عرش الأكاسرة وعرش القياصرة رؤساء أكبر الدول في ذلك الحين، فلم يكن بين الملوك الخمسة أو الستة الذين تعاقبوا على عرش فارس أو عرش بيزنطية من مات حتف أنفه، أو مات مستقرٍّا على عرشه، ولم يكن منهم أحد كان له حق واضح في السلطان حين وثب عليه، ويتقلب العرش بين الغاصبين، فيفزع من كان آمنًا، ويأمن من كان مهددًا أو مشردًا في البلاد مع اختلاف الحظوة والنقمة بين الأنصار والخصوم، فلما تمادى الأمر على ذلك عامًا بعد عام، لم يبق من يأمن على نفسه وماله في زمن أنصارٍ ولا زمن خصومٍ، وعَمَّ الخوف أقرب الناس إلى السلطان وأبعدهم منه على حد سواء.
وتمت المحنة الكبرى بالقتال الدائم بين الدولتين، فإذا بالبلد الواحد يتقلب في الحكم بين سيادة الفرس وسيادة الروم، فلا تهدأ له حال في نظام، ولا في سلام، ولا في معاش يأمن الناس على مرافقه ومسالكه بين ميادين القتال، وبطل الأمان كما بطل الإيمان، فلا خلاصة لهذه الأحوال جميعًا غير خلاصة واحدة هي ضياع الثقة بكل منظور ومستور، فلا أمان من السياسة، ولا من الدين، ولا من الأخلاق، ولا من الواقع، ولا من الغيب.
هذه أحوال العالم، وهذه هي مقدمات الدعوة الإسلامية، من تلك الأحوال: مقدمات لا تأتي بنتائجها على وتيرة الداء الذي يتبعه الفناء، ولكنها مقدمات العناية الإلهية التي تدبر الدواء المستحكم على غير انتظار وبغير حسبان، عالم إذا صح أن يقال عنه: إنه كان ينتظر شيئًا من وراء الغيب، فإنما كان ينتظر عناية من لله.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|