المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية
آخر المواضيع المضافة
الإمام علي (عليه السلام) أوّل من يقرع باب الجنة ويدخلها التجفيف الصناعي لبعض الفواكه طبيعة وأهمية الإدارة الإستراتيجية في المصرف ( المهمات الثلاث لإستراتيجية المـصارف ــ تكوين الإستراتيجية Strategy Formulation) التقسيمات العلمية للنفقات العامة أشكال النفقات العامة بطاقة الدرجات المتوازنة في اطار إستراتيجية المصرف وربط المكافأة معها ومزايا التغذية العكسية الحماية الجنائية للأموال العامة في ظل القوانين العقابية مكونات ثمار الخضار والفواكه اسلوب بطاقة الدرجات المتوازنة Balanced Scorecard, BSC ( تعريف البطاقة ومقاييس الاداء على مستوى المصرف) درجة الاستقلال الذاتي لمراكز المسؤولية في المصرف والتضحية بالأمثلية الجزئية للأقسام تـحديـد أسعار التحويـل فـي المـصارف على أسـاس التـفـاوض صناعة السكاكر والكراميل تكنولوجيا تصنيع الهلاميات تكنولوجيا تصنيع المرملاد تكنولوجيا تصنيع المربيات

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16407 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الآية (59-62) من سورة الانعام  
  
8293   07:10 مساءً   التاريخ: 10-6-2021
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأنعام /

قال تعالى : {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام : 59 - 62] .

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قال تعالى : {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأنعام : 59 - 60]  .

 

لما ذكر سبحانه أنه أعلم بالظالمين ، بين عقيبه أنه لا يخفى عليه شيء من الغيب ، ويعلم أسرار العالمين فقال : {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} معناه وعنده خزائن الغيب الذي فيه علم العذاب المستعجل به ، وغير ذلك لا يعلمها أحد إلا هو ، أو من أعلمه به ، وعلمه إياه . وقيل . معناه وعنده مقدورات الغيب ، يفتح بها على من يشاء من عباده ، بإعلامه به ، وتعليمه إياه ، وتيسيره السبيل إليه ، ونصبه الأدلة له ، ويغلق عمن يشاء بأن لا ينصب الأدلة له .

وقال الزجاج : يريد عنده الوصلة إلى علم الغيب ، وكل ما لا يعلم ، إذا استعلم ، يقال فيه . أفتح علي ، وقال ابن عمر : مفاتح الغيب خمس : ثم قرأ {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان : 34] الآية . وقال ابن عباس : معناه وعنده خزائن الغيب من الأرزاق والأعمار . وتأويل الآية : إن الله تعالى عالم بكل شيء من مبتدءات الأمور وعواقبها ، فهو يعجل ما تعجيله أصوب وأصلح ، ويؤخر ما تأخيره أصوب وأصلح ، وإنه الذي يفتح باب العلم لمن يريد من الأنبياء والأولياء ، لأنه لا يعلم الغيب سواه ، ولا يقدر أحد أن يفتح باب العلم به للعباد ، إلا الله .

{وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} من حيوان وغيره . وقال مجاهد : البر : القفار .

والبحر : كل قرية فيها ماء . {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا} قال الزجاج : المعنى أنه يعلمها ساقطة وثابتة ، وأنت تقول ما يجيئك أحد إلا وأنا أعرفه ، فليس تأويله إلا وأنا أعوفه في حال مجيئه فقط . وقيل : يعلم مما سقط من ورق الأشجار ، وما بقي ، ويعلم كم انقلبت ظهرا لبطن عند سقوطها .

{وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ} معناه وما تسقط من حبة في باطن الأرض إلا يعلمها ، وكنى بالظلمة عن باطن الأرض ، لأنه لا تدرك ، كما لا يدرك ما حصل في الظلمة ، وقال أين عباس : يعني تحت الصخرة في أسفل الأرضين السبع ، أو تحت حجر ، أو شيء . {وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ} قد جمع الأشياء كلها في قوله . {وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ} لأن الأجسام كلها ، لا تخلو من أحد هذين ، وهو بمنزلة قولك : ولا مجتمع ولا مفترق ، لأن الأجسام لا تخلو من أن تكون مجتمعة ، أو متفرقة وقيل يريد ما ينبت وما لا ينبت ، عن ابن عباس ، وعنه أيضا : إن الرطب : الماء واليابس : البادية . وقيل الرطب الحي ، واليابس : الميت .

وروي عن أبي عبد الله عليه السلام ، أنه قال ؟ " الورقة . السقط . الحبة : الولد . وظلمات الأرض . الأرحام . والرطب ما يحيا . واليابس ما يغيض " .

{إِلَّا فِي كِتَابٍ} معناه : وهو مكتوب في كتاب {مُبِينٍ} أي في اللوح المحفوظ ، ولم يكتبها في اللوح المحفوظ ليحفظها ويدرسها ، فإنه كان عالما بها قبل أن كتبها ، ولكن ليعارض الملائكة الحوادث على ممر الأيام بالمكتوب فيه ، فيجدونها موافقة للمكتوب فيه ، فيزدادون علما ويقينا بصفات الله تعالى ، وأيضا فإن المكلف إذا علم أن أعماله مكتوبة في اللوح المحفوظ ، تطالعها الملائكة ، قويت دواعيه إلى الأفعال الحسنة ، وترك القبائح .

وقال الحسن . هذا توكيد في الزجر عن المعاصي ، والحث على البر ، لأن هذه الأشياء التي لا ثواب فيها ، ولا عقاب ، إذا كانت محصاة عند ه ، محفوظة ، فالأعمال التي فيها الثواب والعقاب أولى بالحفظ . وقيل : إن قوله {فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} : معناه أنه محفوظ غير منسي ، ولا مغفول عنه ، كما يقول القائل لغيره : ما تصنعه عندي مسطور مكتوب ، إنما يريد بذلك أنه حافظ له ، يريد مكافأته عليه ، وأنشد (إن لسلمى عندنا ديواناً) ، عن البلخي . قال الجرجاني صاحب النظم تم الكلام عند قوله . {وَلَا يَابِسٍ} ، ثم استأنف خبرا آخر بقوله : {إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} يعني وهو في كتاب مبين أيضا ، لأنك لو جعلت قوله {إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} متصلا بالكلام الأول ، لفسد المعنى ، ولما نبه سبحانه بهذه الآية على أنه عالم لذاته من حيث إنه لو كان عالما بعلم لوجب أحد ثلاثة أشياء كلها فاسدة ؟ إما أن يكون له علوم غير متناهية وإما أن يكون معلوماته متناهية ، أو يتعلق علم واحد بمعلومات غير متناهية ، وكلها باطل بالدليل نبه (2) في الآية التي تليها ، على أنه قادر لذاته من حيث إنه قادر على الإحياء والإماتة ، فقال : {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ} أي : يقبض أرواحكم عن التصرف ، عن ا بن عباس ، وغيره ، واختاره علي بن عيسى . وقيل ؟ معناه يقبضكم بالنوم ، كما يقبضكم بالموت ، فيكون كقوله {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر : 42] الآية . عن الزجاج ، والجبائي . {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} أي : ما كسبتم من الأعمال على التفصيل بالنهار ، على كثرته وكثرتكم . وفيه إشارة إلى رحمته ، حيث يعلم مخالفتهم إياه ، ثم لا يعاجلهم بعقوبة . ولا يمنعهم فضله ورحمته .

{ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ} أي : ينبهكم من نومكم في النهار ، عن الزجاج ، والجبائي . جعل انتباههم من النوم بعثا {لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى} معناه : لتستوفوا آجالكم ، وترتيب الآية : وهو الذي يتوفاكم بالليل ، ثم يبعثكم في النهار ، على علم بما تجترحون بالنهار ، ليقضى أجل مسمى . فاللام تتصل بقوله : {ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ} إلا أنه قدم ما من أجله بعثنا بالنهار ، لأنه أهم والعناية به أشد عن علي بن عيسى .

ومعنى القضاء : فصل الأمر على تمام . ومعنى قضاء الأجل : فصل مدة العمر من غيرها بالموت . وفي هذا حجة على النشأة الثانية ، لأن منزلتها بعد الأولى ، كمنزلة اليقظة بعد النوم ، في أن من قدر على أحدهما فهو قادر عل الآخر .

{ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} يريد : إذا تمت المدة المضروبة لكل نفس ، نقله إلى الدار الآخرة ، ومعنى {إِلَيْهِ} إلى حكمه وجزائه ، وإلى موضع ليس لأحد سواه فيه أمر {ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ} يخبركم {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي : بما غفلتم عنه من أعمالكم .

وفي هذه الآية دلالة على البعث والإعادة ، نبه الله سبحانه على ذلك بالنوم واليقظة ، فإن كلا منهما لا يقدر عليه غيره تعالى ، فأما ما يصح إعادته من الأشياء ، فالصحيح من مذهب أهل العدل فيه ، أن يكون الشيء من فعل القديم سبحانه ، القادر لذاته ، وأن يكون مما يبقى ، وأن لا يكون مما يتولد عن سبب .

 

- {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام : 61 - 62]  .

 

ثم زاد سبحانه في بيان كمال قدرته فقال : {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} معناه : والله المقتدر المستعلي على عباده ، الذي هو فوقهم ، لا بمعنى أنه في مكان مرتفع فوقهم ، وفوق مكانهم ، لأن ذلك من صفة الأجسام ؟ والله تعالى منزه عن ذلك ، ومثله في اللغة أمر فلان فوق أمر فلان ، أي هو أعلى أمرا ، وأنفذ حكما ، ومثله قوله : {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح : 10] : فالمراد به أنه أقوى وأقدر منهم ، وأنه القاهر لهم ، ويقال : هو فوقه في العلم أي : أعلم منه ، وفوقه في الجود أي ؟ أجود ، فعبر عن تلك الزيادة بهذه العبارة للبيان عنها .

{وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} عطف على صلة الألف واللام في (القاهر) وتقديره : وهو الذي يقهر عباده ، ويرسل عليكم حفظة أي : ملائكة يحفظون أعمالكم ، يحصونها عليكم ، ويكتبونها . وفي هذا لطف للعباد لينزجروا عن المعاصي إذا علموا أن عليهم حفظة من عند الله ، يشهدون بها عليهم يوم القيامة {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ} أي : تقبض روحه .

{رُسُلُنَا} يعني : أعوان ملك الموت ، عن بن عباس ، والحسن ، وقتادة ، قالوا . وإنما يقبضون الأرواح بأمره ، ولذلك أضاف التوفي إليه في قوله : {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} [السجدة : 11] . وقال الزجاج يريد بالرسل : هؤلاء الحفظة ، فيكون المعنى : يرسلهم للحفظ في الحياة ، والتوفية عند مجيء الممات ، وحتى هذه هي التي تقع بعدها الجملة .

{وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ}  أي : لا يضيعون ، عن ابن عباس ، والسدي . وقيل : لا يغفلون ، ولا يتوانون ، عن الزجاج . وقال معنى التفريط تقدمة العجز ، فالمعنى أنهم لا يعجزون ، ثم بين سبحانه أن هؤلاء الذين تتوفاهم رسله ، يرجعون إليه فقال {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ} أي : إلى الموضع الذي لا يملك الحكم فيه إلا هو {مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ} قد مر معناه عند قوله : {أَنْتَ مَوْلَانَا} [البقرة : 286] والحق : اسم من أسماء الله تعالى ، واختلف في معناه ، فقيل : المعنى أن أمره كله حق لا يشوبه باطل ، وجد لا يجاوره هزل ، فيكون مصدرا وصف به نحو قولهم : رجل عدل ، وفي قول زهير :

متى يشتجر قوم يقل سرواتهم            هم بيننا فهم رضا وهم عدل (3) .

وقيل : إن الحق بمعنى المحق ، كما قيل : غياث بمعنى مغيث . وقيل : إن معناه الثابت الباقي الذي لا فناء له ، وقيل : معناه ذو الحق يريد أن أفعاله وأقواله حق {أَلَا لَهُ الْحُكْمُ} أي القضاء فيهم يوم القيامة ، لا يملك الحكم في ذلك اليوم سواه ، كما قد يملك الحكم في الدنيا غيره بتمليكه إياه ، {وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} أي : إذا حاسب فحسابه سريع ، وقد مضى معناه في سورة البقرة عند قوله {سَرِيعُ الْحِسَابِ} [البقرة : 202] .

وروى عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه سئل كيف يحاسب الله الخلق ولا يرونه ؟ قال : كما يرزقهم ولا يرونه . وروى أنه سبحانه يحاسب جميع عباده على مقدار حلب شاة ، وهذا يدل علي أنه لا يشغله محاسبة أحد عن محاسبة غيره . ويدل على أنه سبحانه يتكلم بلا لسان ولهوات ، ليصح أن يحاسب الجميع في وقت واحد .

___________________________

1. تفسير مجمع البيان ، ج4 ، ص 70-75 .

2. جواب لما .

3. اشتجر القوم : تشاجروا . سروات القوم : سادتهم ورؤساؤهم .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{وعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ ويَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ والْبَحْرِ وما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها ولا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الأَرْضِ ولا رَطْبٍ ولا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ} . مفاتح الغيب خزائنه ، والمعنى ان اللَّه يعلم الكون وما حدث ويحدث فيه كليا كان أو جزئيا ، ماديا كان أو معنويا ، ولا يتقيد علمه تعالى بزمان أو مكان أو بحال دون حال ، لأن علمه . ذاتي لا كسبي ، وليس لذاته زمان ومكان ، ولا هي تتغير بتغير الأحداث والأحوال . وفي الحديث : ان مفاتح الغيب خمس : {إِنَّ اللَّهً عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ويُنَزِّلُ الْغَيْثَ ويَعْلَمُ ما فِي الأَرْحامِ وما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان - 34] .

وقال الفيلسوف الملا صدرا : إن جميع الأشياء الكلية والجزئية فائضة عنه ، وهو مبدأ لكل موجود عقليا كان أو حسيا ، ذهنيا كان أو عينيا ، وفيضانها عنه لا ينفك عن انكشافها لديه .

وقال العلامة الحلي المتكلم : كل موجود سوى اللَّه فهو ممكن مستند إليه ، فيكون عالما به ، سواء أكان جزئيا أم كليا ، وسواء أكان موجودا قائما بذاته أم عرضا قائما بغيره ، وسواء أكان في الأعيان أم في الأذهان ، لأن وجود الصورة في الذهن من الممكنات أيضا ، فيستند إليه ، وسواء أكانت الصورة الذهنية صورة أمر وجودي ، أم عدمي ممكن أم ممتنع ، فلا يعزب عن علمه شيء من الممكنات ولا من الممتنعات .

{وهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ} . الوفاة والموت بمعنى واحد في مفهوم العرف ، وهو عدم الحياة ، وتستعمل كل من الكلمتين في النوم مجازا ، لأن الحواس تتعطل عن أعمالها بسببه ، ومنه قوله تعالى : {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها والَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ ويُرْسِلُ الأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الزمر - 42] ، أي ان اللَّه يقطع صلة الأرواح بالأبدان ظاهرا وواقعا حين الموت ، ويمسكها عنده ، ويقطع هذه الصلة ظاهرا لا واقعا حين النوم ، وعند اليقظة ترجع الصلة كما كانت وتبقى إلى الوقت المضروب للموت الحقيقي . . فالنائم ميت وحي في آن واحد ، والمراد بالوفاة في الآية الموت المجازي ، قال الإمام علي (عليه السلام) : تخرج الروح عند النوم ، ويبقى شعاعها في الجسد ، وبذلك يرى الرؤيا فإذا انتبه من النوم عادت الروح بأسرع من لحظة .

{ويَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ} . يريد ما كسبت جوارحكم من أعمال {ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ} . ضمير فيه يعود إلى النهار ، ومعنى يبعثكم يوقظكم من النوم .

وقال المفسرون : إن هذا الكلام دليل على صحة البعث والقيامة ، لأن النوم يشبه الموت ، واليقظة تشبه الحياة بعده . {ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} من خير وشر في ليلكم ونهاركم .

والخلاصة ان كل إنسان يموت بانتهاء أجله المكتوب ، ثم يبعثه اللَّه بعد الموت ، تماما كما يوقظه من النوم ، ثم يجزي يوم البعث كل نفس بما كسبت ، وهم لا يظلمون .

وإذا قال قائل : لما ذا خصت الآية النوم بالليل ، والعمل بالنهار ، مع ان الإنسان قد ينام نهارا ، ويعمل ليلا ؟ قلنا له : إن الآية وردت مورد الغالب .

{وهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ} . وكفاهم قهرا ان يأتوا إلى هذه الحياة مسيرين ويتركوها مكرهين . . قال الإمام علي (عليه السلام) : لا شيء إلا الواحد القهار الذي إليه مصير جميع الأمور بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها ، وبغير امتناع منها كان فناؤها .

{ويُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} . وهؤلاء الحفظة من الملائكة ، قال تعالى : {وإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ} [الانفطار - 13] . ونحن نؤمن بذلك ، لأن الوحي أخبر عنه ، والعقل لا يأباه ، ولم يرد في كلام اللَّه ، ولا في كلام الرسول بيان لصفة الكاتب والكتابة ، والعقل لا يلزم بالبحث والسؤال عنهما ، فندعهما لعلم اللَّه تعالى . أما من شبّه الملائكة الكاتبين برجال البوليس السري ، كما في تفسير المنار والمراغي ، أما هذا التشبيه فهو من قياس الغيب على الشهادة ، والسماء على الأرض ، مع وجود الفارق البعيد .

{حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} . وتجد تفسيره في قوله تعالى : {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة - 11] ، وهذا أيضا من الغيب الجائز عقلا ، الثابت وحيا ، تماما كالحفظة الكاتبين .

{ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ} ليقضي فيهم بحكمه {أَلا لَهُ الْحُكْمُ وهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ} يحاسب ويحكم وينفذ في أقصر أمد ، لأن الحق جلي ، والحكم مبرم ، والجزاء معد ، وكل شيء يتم بمجرد الإرادة .

___________________________

1. تفسير الكاشف ، ج3 ، ص 200-202 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : {وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ} إلى آخر الآية . ذكروا في وجه اتصال الآية بما قبلها أن الآية السابقة لما ختمت بقوله : {وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ} زاد الله سبحانه في بيانه فذكر أن خزائن الغيب أو مفاتيح تلك الخزائن عنده سبحانه لا يعلمها إلا هو ، ويعلم كل دقيق وجليل .

وهذا الوجه لا يتضح به معنى الحصر الذي يدل عليه قوله : {لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ} فالأولى أن يوجه الاتصال بما يشتمل عليه مجموع الآيتين السابقتين أعني قوله : {قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ـ إلى قوله ـ وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ} حيث يدل المجموع على أن ما كانوا يقترحونه من الآية وما يستتبعه من الحكم الفصل والقضاء بينه وبينهم إنما هو عند الله لا سبيل إليه لغيره فهو العالم بذلك الحاكم به ، ولا يغلط في حكمه الفصل وتعذيب الظالمين لأنه أعلم بهم فهو عالم بالغيب لا يشاركه فيه غيره ، وعالم بكل ما جل ودق لا يضل ولا ينسى ، ثم زاد ذلك بيانا بقوله : {وعنده مفاتح الغيب} الآية فبين به اختصاصه تعالى بعلم الغيب وشمول علمه كل شيء ، ثم تمم البيان بالآيات الثلاث التي تتلوها .

وبذلك تصير الآيات جارية مجرى ما سيقت إليه نظائرها في مثل المورد كقوله تعالى في قصة هود وقومه : {قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ} [الأحقاف : 23] .

ثم نقول : المفاتح جمع مفتح بفتح الميم وهو الخزينة ، وربما احتمل أن يكون جمع مفتح بكسر الميم وهو المفتاح ، ويؤيده ما قرئ شاذا : (وعنده مفاتيح الغيب) ومآل المعنيين واحد فإن من عنده مفاتيح الخزائن هو عالم بما فيها قادر على التصرف فيها كيف شاء عادة كمن عنده نفس الخزائن إلا أن سائر كلامه تعالى فيما يشابه هذا المورد يؤيد المعنى الأول فإنه تعالى كرر في كلامه ذكر خزائنه وخزائن رحمته ـ وذلك في سبعة مواضع ـ ولم يذكر لها مفاتيح في شيء من كلامه قال تعالى : {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ} [الطور : 37] وقال : {لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ} [الأنعام : 50] وقال : {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ} [الحجر : 21] وقال : {وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} : [المنافقون : 7] وقال : {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ} [ـ ص : 9] فالأقرب أن يكون المراد بمفاتح الغيب خزائنه .

وكيف كان فقوله : {وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ} مسوق لبيان انحصار العلم بالغيب فيه تعالى إما لأن خزائن الغيب لا يعلمها إلا الله ، وإما لأن مفاتيح الغيب لا يعلمها غيره تعالى فلا سبيل لغيره إلى تلك الخزائن إذ لا علم له بمفاتيحها التي يتوصل بها إلى فتحها والتصرف فيها .

وصدر الآية وإن أنبأ عن انحصار علم الغيب فيه تعالى لكن ذيلها لا يختص بعلم الغيب بل ينبئ عن شمول علمه تعالى بكل شيء أعم من أن يكون غيبا أو شهادة فإن كل رطب ويابس لا يختص بما يكون غيبا وهو ظاهر فالآية بمجموعها يبين شمول علمه تعالى لكل غيب وشهادة ، غير أن صدرها يختص ببيان علمه بالغيوب ، وذيلها ينبئ عن علمه بكل شيء أعم من الغيب والشهادة .

ومن جهة أخرى صدر الآية يتعرض للغيوب التي هي واقعة في خزائن الغيب تحت أستار الخفاء وأقفال الإبهام ، وقد ذكر الله سبحانه في قوله : {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الحجر : 21] أن التي في خزائن الغيب عنده من الأشياء أمور لا يحيط بها الحدود المشهودة في الأشياء ، ولا يحصرها الأقدار المعهودة ، ولا شك أنها إنما صارت غيوبا مخزونة لما فيها من صفة الخروج عن حكم الحد والقدر فإنا لا نحيط علما إلا بما هو محدود ومقدر ، وأما التي في خزائن الغيب من الأشياء فهي قبل النزول في منزل الشهود والهبوط إلى مهبط الحد والقدر ، وبالجملة قبل أن يوجد بوجوده المقدر له غير محدودة مقدرة مع كونها ثابتة نوعا من الثبوت عنده تعالى على ما تنطق به الآية .

فالأمور الواقعة في هذا الكون المشهود المسجونة في سجن الزمان هي قبل وقوعها وحدوثها موجودة عند الله ثابتة في خزائنه نوعا من الثبوت مبهما غير مقدر وإن لم نستطع أن نحيط بكيفية ثبوتها فمن الواقع في مفاتح الغيب وخزائنه الأشياء قبل حدوثها واستقرارها في منزلها المقدر لها من منازل الزمان ، ولعل هناك أشياء أخر مذخورة مخزونة لا تسانخ ما عندنا من الأمور الزمانية المشهودة المعهودة ، ولنسم هذا النوع من الغيب غير الخارج إلى عرصة الشهود بالغيب المطلق .

وأما الأشياء بعد تلبسها بلباس التحقق والوجود ونزولها في منزلها بالحد والقدر فالذي في داخل حدودها وأقدارها يرجع بالحقيقة إلى ما في خزائن الغيب ويرجع إلى الغيب المطلق ، وأما هي مع ما لها من الحد والقدر فهي التي من شأنها أن يقع عليها شهودنا ويتعلق بها علمنا فعند ما نعلم بها تصير من الشهادة وعند ما نجهل بها تصير غيبا ، ومن الحري أن نسميها عند ما تصير مجهولة لنا غيبا نسبيا لأن هذا الوصف الذي يطرؤها عندئذ وصف نسبي يختلف بالنسب والإضافات كما أن ما في الدار مثلا من الشهادة بالنسبة إلى من فيها ، ومن قبيل الغيب بالنسبة إلى من هو في خارجها ، وكذا الأضواء والألوان المحسوسة بحاسة البصر من الشهادة بالنسبة إلى البصر ، ومن الغيب بالنسبة إلى حاسة السمع ، والمسموعات التي ينالها السمع شهادة بالنسبة إليه وغيب بالنسبة إلى البصر ، ومحسوساتهما جميعا من الشهادة بالنسبة إلى الإنسان الذي يملكهما في بدنه ومن الغيب بالنسبة إلى غيره من الأناسي .

والتي عدها تعالى في الآية بقوله : {وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ} من هذا الغيب النسبي فإنها جميعا أمور محدودة مقدرة لا تأبى بحسب طبعها أن يتعلق بها علمنا ولا أن يكون مشهودة لنا فهي من الغيب النسبي .

وقد دلت الآية على أن هذه الأمور في كتاب مبين فما هو الذي منها في كتاب مبين ؟ أهو هذه الأشياء من جهة شهادتها وغيبها جميعا أم هي من جهة غيبها فقط ؟ وبعبارة أخرى : الكتاب المبين أهو هذا الكون المشتمل على أعيان هذه الأشياء لا يغيب عنه شيء منها وإن غاب بعضها عن بعض أم هو أمر وراء هذا الكون مكتوبة فيه هذه الأشياء نوعا من الكتابة مخزونة فيه نوعا من الخزن غائبة من شهادة الشهداء من أهل العالم فيكون ما في الكتاب من الغيب المطلق .

وبلفظ آخر الأشياء الواقعة في الكون المعدودة بنحو العموم في الآية أهي واقعة بنفسها في الكتاب المبين كما تقع الخطوط بأنفسها في الكتب التي عندنا أم هي واقعة بمعانيها فيه كما تقع المطالب الخارجية بمعانيها بنوع من الوقوع في ما نكتبه من الصحائف والرسائل ثم تطابق الخارج مطابقة العلم العين . ؟

لكن قوله تعالى : {ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها} [الحديد : 22] يدل على أن نسبة هذا الكتاب إلى الحوادث الخارجية نسبة الكتاب الذي يكتب فيه برنامج العمل إلى العمل الخارجي ، ويقرب منه قوله تعالى : {وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ} [يونس : 61] وقوله : {لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ} [سبأ : 3] وقوله : {قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى ، قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى} [طه : 52] إلى غير ذلك من الآيات .

فالكتاب المبين أيا ما كان هو شيء غير هذه الخارجيات من الأشياء بنحو من المغايرة ، وهو يتقدمها ثم يبقى بعد فنائها وانقضائها كالبرنامجات المكتوبة للأعمال التي تشتمل على مشخصات الأعمال قبل وقوعها ثم تحفظ المشخصات المذكورة بعد الوقوع .

على أن هذه الموجودات والحوادث التي في عالمنا متغيرة متبدلة تحت قوانين الحركة العامة والآيات تدل على عدم جواز التغير والفساد فيما يشتمل عليه هذا الكتاب كقوله تعالى : {يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ} [الرعد : 39] وقوله : {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج : 22] وقوله : {وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ} [ق : 4] فالآيات ـ كما ترى ـ تدل على أن هذا الكتاب في عين أنه يشتمل على جميع مشخصات الحوادث وخصوصيات الأشخاص المتغيرة المتبدلة لا يتبدل هو في نفسه ولا يتسرب إليه أي تغير وفساد .

ومن هنا يظهر أن هذا الكتاب بوجه غير مفاتح الغيب وخزائن الأشياء التي عند الله سبحانه فإن الله تعالى وصف هذه المفاتح والخزائن بأنها غير مقدرة ولا محدودة ، وأن القدر إنما يلحق الأشياء عند نزولها من خزائن الغيب إلى هذا العالم الذي هو مستوى الشهادة ، ووصف هذا الكتاب بأنه يشتمل على دقائق حدود الأشياء وحدود الحوادث ، فيكون الكتاب المبين من هذه الجهة غير خزائن الغيب التي عند الله سبحانه ، وإنما هو شيء مصنوع لله سبحانه يضبط سائر الأشياء ويحفظها بعد نزولها من الخزائن وقبل بلوغها منزل التحقق وبعد التحقق والانقضاء .

ويشهد بذلك أن الله سبحانه إنما ذكر هذا الكتاب في كلامه لبيان إحاطة علمه بأعيان الأشياء والحوادث الجارية في العالم سواء كانت غائبة عنا أو مشهودة لنا ، وأما الغيب المطلق الذي لا سبيل لغيره تعالى إلى الاطلاع عليه فإنما وصفه بأنه في خزائنه والمفاتح التي عنده لا يعلمها إلا هو بل ربما أشعرت أو دلت بعض الآيات على جواز اطلاع غيره على الكتاب دون الخزائن كقوله تعالى : {فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة : 79] .

فما من شيء مما خلقه الله سبحانه إلا وله في خزائن الغيب أصل يستمد منه ، وما من شيء مما خلقه الله إلا والكتاب المبين يحصيه قبل وجوده وعنده وبعده غير أن الكتاب أنزل درجة من الخزائن ، ومن هنا يتبين للمتدبر الفطن أن الكتاب المبين ـ في عين أنه كتاب محض ـ ليس من قبيل الألواح والأوراق الجسمانية فإن الصحيفة الجسمانية أيا ما فرضت وكيفما قدرت لا تحتمل أن يكتب فيها تاريخ نفسه فيما لا يزال فضلا عن غيره فضلا عن كل شيء في مدى الأبد .

فقد بان بما مر من البحث أولا : أن المراد بمفاتح الغيب الخزائن الإلهية التي تشتمل على الأشياء قبل تفريغها في قالب الأقدار ، وهي تشتمل على غيب كل شيء على حد ما يدل عليه قوله تعالى : {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الحجر : 21] .

وثانيا : أن المراد بالكتاب المبين أمر نسبته إلى الأشياء جميعا نسبة الكتاب المشتمل على برنامج العمل إلى نفس العمل ففيه نوع تعيين وتقدير للأشياء إلا أنه موجود قبل الأشياء ومعها وبعدها ، وهو المشتمل على علمه تعالى بالأشياء علما لا سبيل للضلال والنسيان إليه ، ولذلك ربما يحدس أن المراد به مرتبة واقعية الأشياء وتحققها الخارجي الذي لا سبيل للتغير إليه فإن شيئا ما لا يمتنع من عروض التغير عليه إلا بعد الوقوع ، وهو الذي يقال : إن الشيء لا يتغير عما وقع عليه .

وبالجملة هذا الكتاب يحصي جميع ما وقع في عالم الصنع والإيجاد مما كان وما يكون وما هو كائن من غير أن يشذ عنه شاذ إلا أنه مع ذلك إنما يشتمل على الأشياء من حيث تقدرها وتحددها ، ووراء ذلك ألواح وكتب تقبل التغيير والتبديل ، وتحتمل المحو والإثبات كما يدل عليه قوله تعالى : {يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ} فإن المحو والإثبات ـ وخاصة إذا قوبلا بأم الكتاب ـ إنما يكونان في الكتاب .

وعند ذلك يتضح اتصال الآية أعني قوله : {وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ} إلى آخر الآية بما قبلها من الآيات فإن محصل الآيتين السابقتين أن الذي تقترحونه علي من الآيات القاضية بيني وبينكم ليس في مقدرتي ، ولا الحكم الحق راجع إلي بل هو عند ربي في علمه وقدرته ولو كان ذلك إلي لقضي بيني وبينكم وأخذكم العذاب الذي لا يأخذ إلا الظالمين لأن الله يعلم أنكم أنتم الظالمون وهو العالم الذي لا يجهل شيئا أما أنه لا سبيل إلى الوقوف والتسلط على ما يريده ويقضيه من آية قاضية فلأن مفاتح الغيب عنده لا يعلمها إلا هو ، وأما أنه أعلم بالظالمين ولا يخطئهم إلى غيرهم فلأنه يعلم ما في البر والبحر ويعلم كل دقيق وجليل ، والكل في كتاب مبين .

فقوله تعالى : {وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ} راجع إلى الغيب المطلق الذي لا سبيل لغيره تعالى إليه ، وقوله : {لا يَعْلَمُها} (إلخ) حال وهو يدل على أن مفاتح الغيب من قبيل العلم غير أن هذا العلم من غير سنخ العلم الذي نتعارفه فإن الذي يتبادر إلى أذهاننا من معنى العلم هو الصورة المأخوذة من الأشياء بعد وجودها وتقدرها بأقدارها ومفاتح الغيب ـ كما تبين ـ علم بالأشياء وهي غير موجودة ولا مقدرة بأقدارها الكونية أي علم غير متناه من غير انفعال من معلوم .

وقوله : {وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} تعميم لعلمه بما يمكن أن يتعلق به علم غيره مما ربما يحضر بعضه عند بعض وربما يغيب بعضه عن بعض ، وإنما قدم ما في البر لأنه أعرف عند المخاطبين من الناس .

وقوله : {وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها} اختص بالذكر لأنه مما يستصعب الإنسان حصول العلم به لأن الكثرة البالغة التي في أوراق الأشجار تعجز الإنسان أن يميز معها بعضها من بعض فيراقب كلا منها فيما يطرأ عليه من الأحوال ، ويتنبه على انتقاصها بالساقط منها إذا سقط .

وقوله : {وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ} إلخ ، معطوفات على قوله : {مِنْ وَرَقَةٍ} على ظاهر السياق ، والمراد بظلمات الأرض بطونها المظلمة التي تستقر فيها الحبات فينمو منها ما ينمو ويفسد ما يفسد فالمعنى : ولا تسقط من حبة في بطون الأرض المظلمة ولا يسقط من رطب ولا من يابس أيا ما كانا إلا يعلمها ، وعلى هذا فقوله : {إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ} بدل من قوله : {إِلَّا يَعْلَمُها} سد مسده ، وتقديره إلا هو واقع مكتوب في كتاب مبين .

وتوصيف الكتاب بالمبين إن كان بمعنى المظهر إنما هو لكونه يظهر لقارئه كل شيء على حقيقة ما هو عليه من غير أن يطرأ عليه إبهام التغير والتبدل وسترة الخفاء في شيء من نعوته ، وإن كان المبين بمعنى الظاهر فهو ذلك أيضا لأن الكتاب في الحقيقة هو المكتوب ، والمكتوب هو المحكي عنه ، وإذا كان ظاهرا لا سترة عليه ولا خفاء فيه فالكتاب كذلك .

قوله تعالى : {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ} التوفي أخذ الشيء بتمامه ، ويستعمله الله سبحانه في كلامه بمعنى أخذ الروح الحية كما في حال الموت كما في قوله في الآية التالية : {حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا} .

قد عد الإنامة توفيا كما عد الإماتة توفيا على حد قوله : {اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها} [الزمر : 42] لاشتراكهما في انقطاع تصرف النفس في البدن كما أن البعث بمعنى الإيقاظ بعد النوم يشارك البعث بمعنى الإحياء بعد الموت في عود النفس إلى تصرفها في البدن بعد الانقطاع ، وفي تقييد التوفي بالليل كالبعث بالنهار جري على الغالب من أن الناس ينامون بالليل ويستيقظون بالنهار .

وفي قوله تعالى {يَتَوَفَّاكُمْ} دلالة على أن الروح تمام حقيقة الإنسان الذي يعبر عنه بأنا لا كما ربما يتخيل لنا أن الروح أحد جزئي الإنسان لا تمامه أو أنها هيئة أو صفة عارضة له ، وأوضح منه دلالة قوله تعالى : {وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ * قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السجدة : 11] فإن استبعاد الكفار مبني على أن حقيقة الإنسان هو البدن الذي يتلاشى ويفسد بانحلال التركيب بالموت فيضل في الأرض ، والجواب مبني على كون حقيقته هو الروح (النفس) وإذ كان ملك الموت يتوفاه ويقبضه فلا يفوت منه شيء .

وقوله : {وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ} الجرح هو الفعل بالجارحة والمراد به الكسب أي يعلم ما كسبتم بالنهار ، والأنسب أن يكون الواو حالية والجملة حالا من فاعل يتوفاكم ، ويتصل حينئذ قوله : {ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ} بقوله : {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ} إلخ ، من غير تخلل معنى أجنبي فإن الآيتين في مقام شرح وقوع التدبير الإلهي بالإنسان في حياته الدنيا وعند الموت وبعده حتى يرد إلى ربه ، والأصل العمدة من جمل الآيتين المسرودة لبيان هذا المعنى قوله تعالى : {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ـ أي في النهار ـ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ} فهذا هو الأصل في المقصود ، وما وراء ذلك مقصود بالتبع ، والمعنى وهو الذي يتوفاكم بالليل والحال أنه يعلم ما كسبتم في النهار ، ثم يبعثكم في النهار إلخ .

قوله تعالى : {ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى} إلخ . سمي الإيقاظ والتنبيه بعثا محاذاة لتسمية الإنامة توفيا وجعل الغرض من البعث قضاء الأجل المسمى وهو الوقت المعلوم عند الله الذي لا يتخطاه حياة الإنسان الدنيوية كما قال : {فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف : 34] .

وإنما جعل قضاء الأجل المسمى غاية لأنه تعالى أسرع الحاسبين ، ولو لا تحقق قضاء سابق لأخذهم بسيئات أعمالهم ووبال آثامهم ، كما قال : {وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} [الشورى : 14] والقضاء السابق هو الذي يشتمل عليه قوله تعالى في قصة هبوط آدم عليه السلام : {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ} [الأعراف : 24] .

فالمعنى أن الله يتوفاكم بالليل والحال أنه يعلم ما كسبتم في النهار من السيئات وغيرها لكن لا يمسك أرواحكم ليديم عليها الموت بل يبعثكم في النهار بعد التوفي لتقضى آجالكم المسماة ثم إليه مرجعكم بنزول الموت والحشر فينبئكم بما كنتم تعملون .

قوله تعالى : {وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ} قد تقدم الكلام فيه في تفسير الآية 17 من السورة .

قوله تعالى : {وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} إلخ ، إطلاق إرسال الحفظة من غير تقييد لا في الإرسال ولا في الحفظة ثم جعله مغيا بمجيء الموت لا يخلو عن دلالة على أن هؤلاء الحفظة المرسلين شأنهم حفظ الإنسان من كل بلية تتوجه إليه ومصيبة تتوخاه ، وآفة تقصده فإن النشأة التي نحن فيها نشأة التفاعل والتزاحم ، ما فيه من شيء إلا وهو مبتلى بمزاحمة غيره من شيء من جميع الجهات لأن كلا من أجزاء هذا العالم الطبيعي بصدد الاستكمال واستزادة سهمه من الوجود ، ولا يزيد في شيء إلا وينقص بنسبته من غيره فالأشياء دائما في حال التنازع والتغلب ، ومن أجزائه الإنسان الذي تركيب وجوده ألطف التراكيب الموجودة فيه وأدقها فيما نعلم فرقباؤه في الوجود أكثر وأعداؤه في الحياة أخطر فأرسل الله إليه من الملائكة حفظة تحفظه من طوارق الحدثان وعوادي البلايا والمصائب ولا يزالون يحفظونه من الهلاك حتى إذا جاء أجله خلوا بينه وبين البلية فأهلكته على ما في الروايات .

وأما ما ذكره في قوله : {إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ * كِراماً كاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ} [الانفطار : 12] فإنما يريد به الحفظة على الأعمال غير أن بعضهم أخذ الآيات مفسرة لهذه الآية ، والآية وإن لم تأب هذا المعنى كل الإباء لكن قوله : {حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} إلى آخر الآية ، كما تقدم يؤيد المعنى الأول .

وقوله : {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} الظاهر أن المراد من التفريط هو التساهل والتسامح في إنفاذ الأمر الإلهي بالتوفي فإن الله سبحانه وصف ملائكته بأنهم يفعلون ما يؤمرون ، وذكر أن كل أمة رهن أجلهم فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون فالملائكة المتصدون لأمر التوفي لا يقصرون عن الحد الواجب المحدود المكشوف لهم من موت فلان في الساعة الفلانية على الشرائط الكذائية فهم لا يسامحون في توفي من أمروا بتوفيه ولا مقدار ذرة فهم لا يفرطون .

وهل هذه الرسل هم الرسل المذكورون أولا حتى تكون الحفظة هم الموكلين على التوفي ؟ الآية ساكتة عن ذلك إلا ما فيها من إشعار ضعيف بالوحدة غير أن هؤلاء الرسل المأمورين بالتوفي كائنين من كانوا هم من أعوان ملك الموت لقوله تعالى : {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة : 11] .

ونسبة التوفي إلى هؤلاء الرسل ثم إلى ملك الموت في الآية المحكية آنفا ثم إلى الله سبحانه في قوله : {اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ} [الزمر : 42] من قبيل التفنن في مراتب النسب فالله سبحانه ينتهي إليه كل أمر وهو المالك المتصرف على الإطلاق ، ولملك الموت التوسل إلى ما يفعله من قبض الأرواح بأعوانه الذين هم أسباب الفعل ووسائله وأدواته كالخط الذي يخط القلم وورائه اليد ووراءهما الإنسان الكاتب .

قوله تعالى : {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ} إشارة إلى رجوعهم إلى الله سبحانه بالبعث بعد الموت ، وتوصيفه تعالى بأنه مولاهم الحق للدلالة على علة جميع ما تقدم من تصرفاته تعالى بالإنامة والإيقاظ والتدبير والإماتة والبعث ، وفيه تحليل لمعنى المولى ثم إثبات حق المولوية له تعالى ، فالمولى هو الذي يملك الرقبة فيكون من حقه جواز التصرف فيها كيفما شاء ، وإذ كان له تعالى حقيقة الملك ، وكان هو المتصرف بالإيجاد والتدبير والإرجاع فهو المولى الحق الذي يثبت له معنى المولوية ثبوتا لا زوال له بوجه البتة .

والحق من أسماء الله الحسنى لثبوته تعالى بذاته وصفاته ثبوتا لا يقبل الزوال ويمتنع عن التغير والانتقال والضمير في {رُدُّوا} راجع إلى الآحاد الذي يومئ إليه سابق الكلام من قوله : {حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} فإن حكم الموت يعم كل واحد ويجتمع به آحادهم نفس الجماعة ، ومن هنا يظهر أن قوله : {ثُمَّ رُدُّوا} ليس من قبيل الالتفات من الخطاب السابق إلى الغيبة .

قوله تعالى : {أَلا لَهُ الْحُكْمُ} إلخ ، لما بين تعالى اختصاصه بمفاتح الغيب وعلمه بالكتاب المبين الذي فيه كل شيء ، وتدبيره لأمر خلقه من لدن وجدوا إلى أن يرجعوا إليه تبين أن الحكم إليه لا إلى غيره ، وهو الذي ذكره فيما مر من قوله : {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} أعلن نتيجة بيانه فقال {أَلا لَهُ الْحُكْمُ} ليكون منبها لهم مما غفلوا عنه .

وكذلك قوله : {وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ} نتيجة أخرى لسابق البيان فإنه تبين به أنه تعالى لا يؤخر حساب أعمال الناس عن الوقت الصالح له ، وإنما يتأخر ما يتأخر ليدرك الأجل الذي أجل له .

____________________________

1. تفسير الميزان ، ج7 ، ص 104-113 .

 

تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

أسرار الغيب :

في هذه الآيات يدور الكلام حول علم الله وقدرته وسعة حكمه وأمره ، وهي تشرح ما أجملته الآيات السابقة .

تشرع الآية في الكلام على علم الله فتقول : {وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُو} .

«مفاتح» جمع «مفتح» (بكسر الميم وفتح التاء) وهو المفتاح ، أمّا إذا كانت بفتح الميم فهي بمعنى الخزانة التي تختزن فيها الأشياء .

وعلى الأوّل يكون المعنى : إنّ جميع مفاتيح الغيب بيد الله .

وعلى الثّاني يكون المعنى : إنّ جميع خزائن الغيب بيد الله .

ويحتمل أن يكون المعنيان قد اجتمعا في عبارة واحدة ، وكما هو ثابت في علم الأصول ، فإن استعمال لفظة واحدة لعدة معان لا مانع منه ، وعلى كل حال فهاتان الكلمتان متلازمتان ، لأنّه حيثما كانت الخزانة كان المفتاح .

وأغلب الظن أنّ «مفاتح» بمعنى «مفاتيح» لا بمعنى «خزائن» لأنّ الهدف هو بيان علم الله ، فتكون المفاتيح وسائل لمعرفة مختلف الذخائر وهو أنسب بالآية ، وفي موضعين آخرين في القرآن ترد كلمة «مفاتح» بمعنى المفاتيح (2) .

ثمّ لتوكيد ذلك أكثر يقول : {وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} .

«البرّ» كل مكان واسع فسيح ، وتطلق على اليابسة ، «والبحر» كذلك تعني المحل الواسع الذي يتجمع فيه الماء ، وتطلق على البحار والمحيطات وعلى الأنهر العظيمة أحياناً .

فالقول بأنّ الله يعلم ما في البر والبحر ، كناية عن إحاطته بكل شيء ، وهذه الإحاطة بما في البرّ والبحر إنّما تمثل في الحقيقة جانباً من علمه الأوسع .

فهو عالم بحركة آلاف الملايين من الكائنات الحية ، الكبيرة والصغيرة ، في أعماق البحار .

وهو عالم بارتعاش أوراق الأشجار في كل غابة وجبل .

وهو عالم بمسيرة كل برعمة وتفتح أوراقها .

وهو عالم بجريان النسيم في البوادي ومنعطفات الوديان .

وهو عالم بعدد خلايا جسم الإنسان وكريات دمه .

وهو عالم بكل الحركات الغامضة في الإلكترونات في قلب الذّرة .

وهو عالم بكل الحركات الغامضة في الإلكترونات في قلب الذّرة .

وهو عالم بكل الأفكار التي تمرّ بتلافيف أدمغتنا حتى أعماق أرواحنا . . . نعم أنّه عالم بكل ذلك على حدّ سواء .

لذلك فإنّه يؤكّد ذلك مرّة أخرى فيقول : {وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها} .

أي أنّه يعلم عدد الأوراق ولحظة انفصال كل ورقة عن غصنها وطيرانها في الهواء ، حتى لحظة استقرارها على الأرض ، كل هذا جلي أمام علم الله .

كذلك لا تختفي حبّة بين طيات التراب إلّا ويعلمها الله ويعلم كل تفاصيلها : {وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ} .

التركيز هنا ـ في الحقيقة ـ على نقطتين حساستين لا يمكن أن يتوصل إليهما الإنسان حتى لو أمضى ملايين السنين من عمره يرتقي سلم الكمال في صنع أجهزته وأدواته المدهشة .

ترى من ذا الذي يستطيع أن يعرف كم تحمل الرياح معها في هبوبها على مختلف أصقاع الأرض في الليل والنهار ، من أنواع البذور المنفصلة عن نباتاتها؟ وإلى أين تحملها وتنشرها ، أو تدسها في التراب حيث تبقى سنوات مختفية ، حتى يتهيأ لها الماء فتنبت وتنمو؟

من ذا الذي يعلم كم من هذه البذور في كل أنحاء الدنيا تحمل عن طريق الإنسان أو الحشرات في كل ساعة من نقطة إلى نقطة أخرى ؟

أي دماغ الكتروني هذا الذي يستطيع أن يحصي عدد أوراق الشجر التي تسقط كل يوم من أشجار الغابات ؟ انظر إلى غابة من الغابات في الخريف ، وخاصّة بعد مطر شديد أو ريح عاصفة ، وتطلع إلى مشهد سقوط الأوراق المتواصل البديع ، عندئذ تتكشف لك هذه الحقيقة ، وهي أنّ علوما من هذا القبيل لن تكون يوما في متناول يد الإنسان .

إنّ سقوط الورقة ـ في الحقيقة ـ هو لحظة موتها ، بينما سقوط البذرة في مكمنها من الأرض هو لحظة بدء حياتها ، وما من أحد غير الله يعلم بنظام هذا الموت وهذه الحياة ، وحتى أنّ كل خطوة تخطوها البذرة نحو حياتها وانبعاثها وتكاملها خلال اللحظات والساعات ، جلية في علم الله .

إنّ لهذا الموضوع أثرا «فلسفيا» وآخر «تربويا» : أمّا أثره الفلسفي ، فينفي رأي الذين يحصرون علم الله بالكليات ، ويعتقدون أنّه لا يعلم عن الجزئيات شيئا ، وفي الآية هنا تأكيد على أنّ الله يعلم الكليات والجزئيات كلها .

أمّا أثره التربوي فواضح ، لأنّ الإيمان بهذا العلم الواسع لله يقول للإنسان : إنّ جميع أسرار وجودك ، وأعمالك ، وأقوالك ونياتك ، وأفكارك كلّها بيّنة أمام الله ، فإذا آمن الإنسان حقّا بهذا ، فكيف يمكن له أن لا يكون رقيبا على نفسه ويسيطر على أعماله وأقواله ونياته !

وفي ختام الآية يقول تعالى : {وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ} .

تبيّن هذه العبارة القصيرة سعة علم الله اللامحدود وإحاطته بكل الكائنات بدون أي استثناء ، إذ أن «الرطب» و «اليابس» لا يقصد بهما المعنى اللغوي ، بل هما كناية عن الشمول والعمومية .

وللمفسّرين آراء متعددة في معنى : «كتاب مبين» ، ولكنّ الأقوى أنّه كناية عن علم الله الواسع ، أي انّ كل الموجودات مسجلة في علم الله اللامحدود ، كما أنّه تفسر بكونه «اللوح المحفوظ» نفسه ، إذ لا يستبعد أن يكون اللوح المحفوظ هو صفحة علم الله .

وثمّة احتمال آخر عن معنى «كتاب مبين» وهو أنّه عالم الخلق وسلسلة العلل والمعلولات التي كتب فيها كل شيء .

 جاء فيما روي عن أهل البيت عليهم‌ السلام أنّ «الورقة» الساقطة بمعنى الجنين الساقط ، و «الحبّة» بمعنى الابن ، و «ظلمات الأرض» بمعنى رحم الأمّ ، و «رطب» ما بقي حيا من النطفة ، و «يابس» ما تلاشى من النطفة (3) .

لا شك أنّ هذا التّفسير لا ينسجم مع الجمود على المعاني اللغوية للآية ، إذ إنّ معنى «الورقة» و «الحبّة» و «ظلمات الأرض» و «الرّطب» و «اليابس» معروف ، ولكنّ أئمّة أهل البيت عليهم‌ السلام بهذا التّفسير أرادوا أن يوسعوا من آفاق نظرة المسلمين إلى القرآن ، وأن لا ينحصروا في إطار الألفاظ ، بل يتوسعوا في نظرتهم حين توجد قرائن على هذا التوسع .

الرّواية أعلاه تشير إلى أنّ معنى «الحبّة» لا ينحصر في بذور النباتات ، بل يشمل أيضا بذور النطف الإنسانية .

في الآية الثانية ينتقل الكلام إلى إحاطة علم الله بأعمال الإنسان وهو الهدف الأصلي وإلى بيان قدرة الله القاهرة ، لكي يستنتج الناس من هذا البحث الدروس التربوية اللازمة فتبدأ بالقول بأنّ الله هو الذي يقبض أرواحكم في الليل ، ويعلم ما تعملون في النهار : {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ} .

«توفى» تعني استرجع ، فالقول بأنّ النوم هو استرجاع للروح يعود إلى أنّ النوم أخو الموت ، كما هو معروف ، فالموت تعطيل كامل لجهاز الدماغ ، وانقطاع تام في ارتباط الروح بالجسد ، بينما النوم تعطيل قسم من جهاز الدماغ وضعف في هذا الارتباط ، وعليه فالنوم مرحلة صغيرة من مراحل الموت (4) .

«جرحتم» من «جرح» وهي هنا بمعنى الاكتساب ، أي أنّكم تعيشون تحت ظل قدرة الله وعلمه ليلا ونهارا ، وانّ الذي يعلم بانفلاق الحبّة ونموها في باطن الأرض ، ويعلم بسقوط أوراق الأشجار وموتها في أي مكان وزمان ، يعلم بأعمالكم أيضا .

ثمّ يقول : إنّ نظام النوم واليقظة هذا يتكرر ، فأنتم تنامون في الليل {ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى} (5) أي ثمّ يوقظكم في النهار . . وتستمر هذه العملية حتى نهاية حياتكم .

ويبيّن القرآن النتيجة النهائية لهذا المبحث بالشكل التالي : {ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} .

وفي الآية الثّالثة توضيح أكثر لإحاطة علم الله بأعمال عباده وحفظها بكل دقة ليوم الحساب ، بعد أن يسجلها مراقبون مرسلون لإحصاء أعمالهم : {وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} .

سبق أن قلنا إنّ «القاهر» هو المتسلط الغالب المهيمن الذي لا تقف أمامه أية قوّة ، ويرى بعضهم هذه الكلمة تستعمل حيث يكون المقهور عاقلاً .

أمّا كلمة «الغالب» فليست فيها هذه الخصوصية ، فهي عامّة واسعة المعنى .

«حفظة» جمع «حافظ» وهم هنا الملائكة الموكّلون بحفظ أعمال الناس ، كما جاء في سورة الانفطار ، الآيات 10 ـ 13 : {إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ} .

ويرى بعض المفسّرين أنّهم لا يحفظون أعمال الإنسان ، بل هم مأمورون بحفظ الإنسان نفسه من الحوادث والبلايا حتى يحين أجله المعين ، ويعتبرون {حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} بعد «حفظة» قرينة تدل على ذلك ، كما يمكن اعتبار الآية (11) من سورة الرعد دليلا عليه كذلك (6) .

ولكنّ بالتدقيق في مجموع الآية التي نحن بصددها نتبيّن أنّ القصد من الحفظ هنا هو حفظ الأعمال ، أمّا بشأن الملائكة الموكّلين بحفظ الناس فسوف نشرحه بإذن الله عند تفسير سورة الرعد .

ثمّ يبيّن القرآن الكريم أن حفظ الأعمال يستمر حتى نهاية الأعمار وحلول الموت : {حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا} .

وتبيّن الآية في النهاية أنّ هؤلاء الملائكة لا يقصرون ولا يفرطون في مهمتهم ، فلا يتقدمون لحظة ولا يتأخرون في موعد قبض الروح .

ويحتمل أيضا أنّ هذه الصفة ترتبط بالملائكة الذين يحفظون حساب أعمال البشر ، فهم في حفظهم للحساب لا يصدر منهم أدنى تقصير أو قصور ، والآية تركز على هذا القسم بالذات .

في الآية الاخيرة يشير القرآن الكريم إلى آخر مراحل عمل الإنسان ، فيقول : {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ} أي عادوا إلى الله بعد أنّ طووا مرحلة حياتهم ، واختتم ملفهم الحاوي على كل شيء .

وفي تلك المحكمة يكون النظر في القضايا وإصدار الأحكام بيد الله : {أَلا لَهُ الْحُكْمُ} .

وعلى الرغم من كل تلك الأعمال والملفّات المتراكمة عن أفراد البشر طوال تاريخهم الصاحب فانّ الله سريع في النظر فيها : {وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ} .

لقد جاء في بعض الرّوايات : «إنّه سبحانه يحاسب جميع عباده في مقدار حلب شاة» أي أنّ ذلك لا يتجاوز فترة حلب شاة (7) .

وكما قلنا في تفسير الآية (202) من سورة البقرة ، إنّ إجراء الحساب من السرعة بحيث إنّه يمكن أن يتمّ في لحظة واحدة بالنسبة للجميع ، بل إن ذكر فترة حلب شاة في الرواية المذكورة يقصد منه بيان قصر الزمن اللازم لذلك ، وعلى هذا نقرأ في رواية أخرى : «إن الله تعالى يحاسب الخلائق كلّهم في مقدار لمح البصر» (8) .

والدليل على ذلك هو ما ذكرناه في تفسير هذه الآية ، وهو أنّ أعمال الإنسان تؤثر في وجوده وفي وجود الكائنات المحيطة به ، تماما مثل الماكنة التي تسجل مقدار حركتها في عداد متصل بها .

وبتعبير أوضح ، لو كانت هناك أجهزة دقيقة جدا لاستطاعت أن تسجّل في عين الإنسان عدد النظرات الآثمة ، وعلى الألسنة عدد الأكاذيب والافتراءات والتهم والطعون التي اقترفتها ، أي أن كل عضو من أعضاء الجسم فيه ـ بالإضافة إلى روحه ـ جهاز حاسب يكشف الحساب في لحظة واحدة .

وإذا جاء في بعض الرّوايات أنّ محاسبة المسؤولين والأغنياء تطول يوم القيامة فإن هذا لا يعني في الواقع طول زمن الحساب ، بل هو طول زمن المحاسبة عليهم ، إذ لا بدّ لهم من الإجابة على الأسئلة الكثيرة التي تلقى عليهم بشأن الأعمال التي ارتكبوها ، أي أن ثقل مسئولياتهم ولزوم إجابتهم على الأسئلة لإتمام الحجّة عليهم هي التي تطيل زمن محاكمتهم .

يؤلف مجموع هذه الآيات درسا تربويا كاملا لعباد الله في إحاطة علمه تعالى بأصغر ذرات هذا العالم وبأكبرها وقدرته وقهره لعباده ومعرفته بجميع أعمال البشر ، وقيام كتبة أمناء بحفظ أعمال الناس وقبض أرواحهم في لحظات معينة بالنسبة لكل منهم ، وبعثهم يوم القيامة ، ومن ثمّ محاسبتهم محاسبة دقيقة وسريعة .

كيف يمكن أن يؤمن الشخص بمجموع هذه المسائل ثمّ لا يراقب أعماله ، يظلم دون وازع ، ويكذب ويفتري ويعتدي على الآخرين ؟

هل يجتمع كل هذا مع الإيمان والاعتقاد على صعيد واحد ؟

__________________

1. تفسير الأمثل ، ج4 ، ص 314 - 321 .

2. {ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} [القصص - 76] و {أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ} [النّور - 61] .

3. تفسير البرهان ، ج 1 ، ص 528 .

4. هناك شرح أو في لهذا في المجلد الثاني .

5. الضمير في «فيه» يعود على «النهار» و «يبعثكم» بمعنى يوقظكم وينهضكم ، و «أجل مسمى» هو العمر المحدد لكل فرد .

6. تفسير الميزان ، ج 7 ، ص 134 .

7. مجمع البيان ، ج 3 ، ص 313 .

8. المصدر نفسه ، ج 1 ، ص 298 .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



الأمين العام للعتبة الحسينية: ينبغي أن تحاط اللغة العربية بالجلالة والقدسية فهي سلاح الأمة وسبيل وحدتها ونهضتها
بالفيديو: الامين العام للعتبة الحسينية: مشروع الكابل الضوئي هو مشروع تنموي كبير سيرفع من سقف التنمية في محافظة كربلاء
بالفيديو: بحضور ممثل المرجعية العليا والامين العام للعتبة الحسينية.. جامعة الزهراء (ع) للبنات تحتفي بتخرج (دفعة طوفان الاقصى)
بالتعاون مع جامعة ليفربول وتستهدف مليون فحص مجاني... العتبة الحسينية تعلن عن موعد إطلاق حملة للكشف المبكر عن الأمراض السرطانية