مناهضة الجبرية والسكونية في نظرية المعرفة الوجودية عند الإمام الخميني					
				 
				
					
						
						 المؤلف:  
						جواد علي كسار					
					
						
						 المصدر:  
						فهم القرآن دراسة على ضوء المدرسة السلوكية					
					
						
						 الجزء والصفحة:  
						ص 288- 290 .					
					
					
						
						22-12-2014
					
					
						
						9341					
				 
				
				
				
				
				
				
				
				
				
			 
			
			
				
				لا يعكس هذا التصوّر في المعرفة الوجودية
حتمية جبريّة بل ولا يحكي حالة ساكنة، بحيث يكون لكلّ إنسان نصيب خاصّ من المعرفة
ليس بمقدوره أن يتجاوزه ، وله منها قدر محتّم لا يستطيع أن يتخطّاه. أجل، هذه
النظرية تبدي اصرارا كبيرا على الربط بين مقدار المعرفة والدرجة الوجودية للإنسان،
لكن الطريق مفتوح أمام الإنسان للصيرورة والحركة آنا بعد آن وحالا بعد حال لكي
يتجاوز مرتبته إلى ما هو أعلى منها، وليس أمامه ما يصدّه عن الصعود والارتقاء.
الإنسان في هذه المدرسة ذو مراتب وله نشآت وعوالم
ومقامات، كما له قابلية الارتقاء على خطّ صاعد، وقد مرّ علينا نص الإمام الذي يصف
فيه الإنسان بقوله : «
الإنسان ... 
حيوان أسوأ من بقية الحيوانات ، لكنّه حيوان له
هذه الخاصّية : 
بمقدوره أن يرتقي إلى الإنسانية وإلى مراتب
الكمال ، 
وإلى الكمال المطلق» 
(1).
غاية ما هناك أنّ هذه الامكانات موجودة في
الإنسان بالقوّة، تحتاج إلى من يستثيرها ويحرّرها ويحوّلها من دائرة القوّة إلى
نطاق الفعل. وهذه هي المهمّة الأساسية التي تنهض بها الأديان والنبوّات والكتب
الإلهية، وخاصة القرآن : «يأتي القرآن الكريم في طليعة جميع الاتجاهات والمدارس والكتب
كافة حتّى الكتب الإلهية الاخرى ، في مهمة أنسنة الإنسان وبنائه؛ يحوّل الإنسان
بالقوّة إلى إنسان وموجود بالفعل. على هذه المهمة تلتقي دعوات الأنبياء بأجمعهم
بحسب اختلاف مراتبهم، فكلّ الدعوات جاءت من أجل أن تصيّر الإنسان إنسانا ، وتحوّل
الإنسان بالقوّة إلى الإنسان بالفعل ... القرآن كتاب أنسنة الإنسان ، كتاب لو تمّت
العناية به يكفي لصناعة الإنسان وبنائه بجميع ما ينطوي عليه من مراتب، كتاب عني
بكلّ مراتب الإنسان» 
(2).
بعد أربع سنوات من هذا النص عاد الإمام
ليؤكّد المفهوم ذاته بالعبارات نفسها، وهو يتحدّث عن دور القرآن في استثارة
مكنونات الإنسان وما ينطوي عليه من خزين تكويني واستعدادات بالقوّة، لكي يحوّلها
إلى مرتبة الفعل ويدفع بالإنسان صوب الارتقاء مرتبة بعد مرتبة ، حين قال : «
القرآن
كتاب لصناعة الإنسان وبنائه وأنسنته ، وللقرآن كلمة وموقف إزاء جميع المراحل والأشواط
التي يقطعها الإنسان» 
(3).
فإذن التصوّر الوجودي للمعرفة القرآنية هو
أبعد ما يكون عن الجبرية والسكونية، بل لا يمكن لهذا التصور أساسا أن يتسم
بالجبرية والسكونية، لأنّ طبيعته تأبى ذلك. فهي طبيعة جدلية متحرّكة تضجّ
الموجودات فيها بحركة متجدّدة دائبة لا تكفّ أبدا، وإذا كان هناك معنى للجدل فهو
الذي ينطبق بعمق على العلاقة ما بين الإنسان والقرآن والعالم.
______________________
(1)- تفسير سورة حمد : 165- 166.
(2)- صحيفه امام 3 : 218- 219، والنص يعود
إلى صيف عام 1977 حين كان الإمام لا يزال بالنجف الأشرف.
(3)- نفس المصدر 15 : 504، والنص يعود إلى
شتاء 1981. يلحظ هذا التصور ويقارن- بحذافيره مع الشيرازي في قوله : «فاعلموا أنّ
الإنسان- هو أشرف الأكوان- لما كان في أوّل تكوّنه في حدود السفالة والنقصان ...
كسائر أنواع الحيوان وهي في مراتب التسفّل ... إلّا أنّ في ذاته قوّة الترقي إلى
حدّ الكمال والارتقاء إلى أنوار المبدأ المتعال». وهذه النقلة بالإنسان هي التي
تنهض بها الأديان والنبوات عامة، وبالنسبة لنا هي ما تنهض به بعثة نبينا محمد صلّى
اللّه عليه وآله وسلّم والقرآن : «وهذه ممّا لا يتيسّر إلّا بالهداية والتعليم والتهذيب
والتقويم، فبعث اللّه عزّ وجل رسولا هاديا معلما، وأنزل إلينا كتابا إلهيا محكما
فيه جوامع العلوم الإلهية والأسرار الربانية والسنن والآداب العملية والأحكام
السياسية ... فجعله سورا وآيات كلّ سورة من سوره بحر مملوّ من جواهر المعاني والبيان،
بل فلك محشو من كواكب الحقائق والأعيان». راجع تفسير القرآن الكريم 1 : 2. 				
				
					
					
					 الاكثر قراءة في  شبهات وردود					
					
				 
				
				
					
					
						اخر الاخبار
					
					
						
							  اخبار العتبة العباسية المقدسة