أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-9-2017
9871
التاريخ: 20-9-2017
1841
التاريخ: 5-2-2018
11871
التاريخ: 20-9-2017
1890
|
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَولَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْووَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة: 9 - 11].
خاطب سبحانه المؤمنين فقال {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلوة من يوم الجمعة} أي إذا أذن لصلاة الجمعة وذلك إذا جلس الإمام على المنبر يوم الجمعة وذلك لأنه لم يكن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) نداء سواه قال السايب بن زيد كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) مؤذن واحد بلال فكان إذا جلس على المنبر أذن على باب المسجد فإذا نزل أقام للصلاة ثم كان أبوبكر وعمر كذلك حتى إذا كان عثمان وكثر الناس وتباعدت المنازل زاد أذانا فأمر بالتأذين الأول على سطح دار له بالسوق ويقال له الزوراء وكان يؤذن له عليها فإذا جلس عثمان على المنبر أذن مؤذنه فإذا نزل أقام للصلاة فلم يعب ذلك عليه.
{فاسعوا إلى ذكر الله} أي فامضوا إلى الصلاة مسرعين غير متثاقلين عن قتادة وابن زيد والضحاك وقال الزجاج معناه فامضوا إلى السعي الذي هو الإسراع وقرأ عبد الله بن مسعود فامضوا إلى ذكر الله وروي ذلك عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وعمر بن الخطاب وأبي بن كعب ابن عباس وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام) وقال ابن مسعود لو علمت الإسراع لأسرعت حتى يقع ردائي عن كتفي وقال الحسن ما هو السعي على الأقدام وقد نهوا أن يأتوا الصلاة إلا وعليهم السكينة والوقار ولكن بالقلوب والنية والخشوع وقيل المراد بذكر الله الخطبة التي تتضمن ذكر الله والمواعظ {وذروا البيع} أي دعوا المبايعة قال الحسن كل بيع تفوت فيه الصلاة يوم الجمعة فإنه بيع حرام لا يجوز وهذا هو الذي يقتضيه ظاهر الآية لأن النهي يدل على فساد المنهي عنه.
{ذلكم} يعني ما أمرتكم به من حضور الجمعة واستماع الذكر وأداء الفريضة وترك البيع {خير لكم} وأنفع لكم عاقبة {إن كنتم تعلمون} منافع الأمور ومضارها ومصالح أنفسكم ومفاسدها وقيل معناه اعلموا ذلك عن الجبائي وفي هذه الآية دلالة على وجوب الجمعة وفي تحريم جميع التصرفات عند سماع أذان الجمعة لأن البيع إنما خص بالنهي عنه لكونه من أعم التصرفات في أسباب المعاش وفيها دلالة على أن الخطاب للأحرار لأن العبد لا يملك البيع وعلى اختصاص الجمعة بمكان ولذلك أوجب السعي إليه وفرض الجمعة لازم جميع المكلفين إلا أصحاب الأعذار من السفر أو المرض أو العمى أو العرج أو أن يكون امرأة أو شيخا هما لا حراك به أو عبدا أو يكون على رأس أكثر من فرسخين من الجامع وعند حصول هذه الشرائط لا يجب إلا عند حضور السلطان العادل أومن نصبه السلطان للصلاة والعدد يتكامل عند أهل البيت (عليهم السلام) بسبعة وقيل ينعقد بثلاثة سوى الإمام عن أبي حنيفة والثوري وقيل إنما ينعقد بأربعين رجلا أحرارا بالغين مقيمين عن الشافعي وقيل ينعقد باثنين سوى الإمام عن أبي يوسف وقيل ينعقد بواحد كسائر الجماعات عن الحسن وداود والاختلاف بين الفقهاء في مسائل الجمعة كثير موضعه كتب الفقه.
{فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض} يعني إذا صليتم الجمعة وفرغتم منها فتفرقوا في الأرض {وابتغوا من فضل الله} أي واطلبوا الرزق في البيع والشراء وهذا إباحة وليس بأمر وإيجاب وروي عن أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال في قوله {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا} الآية ليس بطلب دنيا ولكن عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله وقيل المراد بقوله {وابتغوا من فضل الله} طلب العلم عن الحسن وسعيد بن جبير ومكحول وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال الصلاة يوم الجمعة والانتشار يوم السبت وروى عمرو بن زيد عن أبي عبد الله قال إني لأركب في الحاجة التي كفاها الله ما أركب فيها إلا التماس أن يراني الله أضحى في طلب الحلال أ ما تسمع قول الله عز اسمه {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله} أ رأيت لو أن رجلا دخل بيتا وطين عليه بابه ثم قال رزقي ينزل علي كان يكون هذا أما أنه أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم قال قلت من هؤلاء الثلاثة قال رجل تكون عنده المرأة فيدعو عليها فلا يستجاب له لأن عصمتها في يده لوشاء أن يخلي سبيلها لخلى سبيلها والرجل يكون له الحق على الرجل فلا يشهد عليه فيجحده حقه فيدعو عليه فلا يستجاب له لأنه ترك ما أمر به والرجل يكون عنده الشيء فيجلس في بيته فلا ينتشر ولا يطلب ولا يلتمس حتى يأكله ثم يدعو فلا يستجاب له.
{واذكروا الله كثيرا} أي اذكروه على إحسانه واشكروه على نعمه وعلى ما وفقكم من طاعته وأداء فرضه وقيل إن المراد بالذكر هنا الفكر كما قال ((تفكر ساعة خير من عبادة سنة)) وقيل معناه اذكروا الله في تجارتكم وأسواقكم كما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال ((من ذكر الله في السوق مخلصا عند غفلة الناس وشغلهم بما فيه كتب له ألف حسنة ويغفر الله له يوم القيامة مغفرة لم تخطر على قلب بشر)) {لعلكم تفلحون} أي لتفلحوا وتفوزوا بثواب النعيم علق سبحانه الفلاح بالقيام بما تقدم ذكره من أعمال الجمعة وغيرها وصح الحديث عن أبي ذر قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من اغتسل يوم الجمعة فأحسن غسله ولبس صالح ثيابه ومس من طيب بيته أو دهنه ثم لم يفرق بين اثنين غفر الله له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام بعدها أورده البخاري في الصحيح وروى سلمان التميمي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال ((إن الله عز وجل في كل يوم جمعة ستمائة ألف عتيق من النار كلهم قد استوجب النار)).
ثم أخبر سبحانه عن جماعة قابلوا أكرم الكرم بالأم اللؤم فقال {وإذا رأوا تجارة أولهوا} أي عاينوا ذلك وقيل معناه إذا علموا بيعا وشراء أولهوا وهو الطبل عن مجاهد وقيل المزامير عن جابر {انفضوا إليها} أي تفرقوا عنك خارجين إليها وقيل مالوا إليها والضمير للتجارة وإنما خصت برد الضمير إليها لأنها كانت أهم إليهم وهم بها أسر من الطبل لأن الطبل إنما دل على التجارة عن الفراء وقيل عاد الضمير إلى أحدهما اكتفاء به وكأنه على حذف والمعنى وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها وإذا رأوا لهوا انفضوا إليه فحذف إليه لأن إليها يدل عليه وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال انصرفوا إليها {وتركوك قائما} تخطب على المنبر قال جابر بن سمرة ما رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) خطب إلا وهو قائم فمن حدثك أنه خطب وهو جالس فكذبه وسئل عبد الله بن مسعود أ كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يخطب قائما فقال أ ما تقرأ {وتركوك قائما} وقيل أراد قائما في الصلاة ثم قال تعالى {قل} يا محمد لهم {ما عند الله} من الثواب على سماع الخطبة وحضور الموعظة والصلاة والثبات مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) {خير} وأحمد عاقبة وأنفع {من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين} يرزقكم وإن لم تتركوا الخطبة والجمعة .
___________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج10 ، ص12-15.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ} .
صلاة الجمعة فرض كتابا وسنة واجماعا ، وهي ركعتان مع خطبتين قبلها ، ويكتفي بها عن صلاة الظهر ، وتختص بالرجال دون النساء ، ولا خلاف في شيء من ذلك بين المسلمين ، وانما الخلاف بينهم : هل تجب صلاة الجمعة مطلقا من غير شرط ، أو تجب مع وجود السلطان أومن يستنيبه لها ؟ .
قال الحنفية والإمامية : وجود السلطان أو نائبه شرط ، ولكن اشترط الإمامية عدالة السلطان وإلا كان وجوده كعدمه ، واكتفى الحنفية بوجود السلطان وان لم يكن عادلا .
وقال الشافعية والمالكية والحنابلة : تجب مطلقا وجد السلطان أم لم يوجد .
وقال كثير من فقهاء الإمامية : إذا لم يوجد السلطان العادل أو نائبه ووجد فقيه عادل يخيّر بينها وبين الظهر . والتفصيل في كتابنا فقه الإمام جعفر الصادق ج 1 .
{وذَرُوا الْبَيْعَ} . المراد بالبيع كل تصرف يصد عن صلاة الجمعة بيعا كان أم غيره ، وانما ذكر سبحانه البيع بالخصوص لأنه يفوت - في الغالب - بفوات وقته ، أو لأن النفس تميل إليه أكثر من الصناعة والزراعة ، وما إليهما . واختلف الفقهاء في البيع الذي يعقد وقت النداء لصلاة الجمعة : هل يقع صحيحا يجب الوفاء به ، أو فاسدا لا أثر له ، ولكن يأثم البائع والمشتري ؟ وهذا البيع - عندنا - صحيح يجب الوفاء به لأن النهي عن المعاملة لا يدل على الفساد خلافا لصاحب مجمع البيان {ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} مواقع الخير والشر ، وما يضركم وما ينفعكم .
{فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ واذْكُرُوا اللَّهً كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} . بعد أن أمر سبحانه بالصلاة أمر بالسعي في الأرض طلبا للرزق والعيش بالبيع وغيره مع التوكل على اللَّه في سائر الأحوال ، وبهذا التوازن يتحقق الفلاح دنيا وآخرة . ومثله قوله تعالى : {وابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ ولا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا} - 77 القصص . وبكلمة لا فرق عند اللَّه بين من ترك العمل لآخرته ، ومن ترك العمل لدنياه .
{وإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَولَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وتَرَكُوكَ قائِماً} . جاء في كتب التفسير والحديث : ان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) كان في ذات يوم من الأيام يخطب قائما لصلاة الجمعة ، فدخلت عير إلى المدينة تحمل طعاما ، فخرج إليها الصحابة ، ولم يبق حول النبي (صلى الله عليه واله وسلم) غير اثني عشر رجلا ، فنزلت هذه الآية . . وظاهرها يتفق تماما مع هذه الرواية عدا استثناء الاثني عشر رجلا ، ولكنها قد رويت بطرق متعددة ، ودوّنت في الكتب الصحاح لأن أحد رواتها عبد اللَّه بن جابر الأنصاري ، وهومن أهل الصدق والعدالة ، وعليه تكون الرواية تفسيرا وبيانا للآية .
وبهذه المناسبة نشير إلى ان للمصلحة المادية أثرا بالغا في حياة الناس لأن الاقتصاد قوام الحياة ، ما في ذلك ريب ، لذا قال سبحانه : {فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} فليس صحيحا ان الاقتصاد هو الباعث الوحيد على كل موقف يقفه الإنسان ، وكل حركة يتحركها . . كلا ، فإن هناك جوانب أخرى تبعث على الحركة والعمل ، وليس بينها وبين الاقتصاد والمصلحة المادية أية صلة ، فقد انفض كثير من حول الرسول إلى التجارة وتركوه قائما كما نصت الآية ، ولكن بقي حوله آخرون ولم يتركوه وحيدا كما قالت الرواية .
{قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْو ومِنَ التِّجارَةِ واللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} . عند اللَّه سبحانه رزق الدنيا ورزق الآخرة . . وليس بينهما مانعة جمع ، فلا العمل للآخرة ينقص من رزق الدنيا ، ولا العمل للدنيا ينقص من ثواب الآخرة ، بل كل عمل يسد حاجة من حاجات الحياة فهومن عمل الآخرة أيضا . . ولا أبتعد عن الحقيقة إذا قلت : ان كل عمل أحلَّه اللَّه في هذه الحياة فهو مطية للآخرة ، وما أكثر ما أحل اللَّه لعباده . . قال الإمام علي (عليه السلام) : ما أحل لكم اللَّه أكثر مما حرم عليكم ، فذروا ما قل لما كثر ، وما ضاق لما اتسع .
__________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص326-328.
تأكيد إيجاب صلاة الجمعة وتحريم البيع عند حضورها وفيها عتاب لمن انفض إلى اللهو والتجارة عند ذلك واستهجان لفعلهم.
قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلوة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع} إلخ، المراد بالنداء للصلاة من يوم الجمعة الأذان كما في قوله: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا} [المائدة: 58].
والجمعة بضمتين أو بالضم فالسكون أحد أيام الأسبوع وكان يسمى أولا يوم العروبة ثم غلب عليه اسم الجمعة، والمراد بالصلاة من يوم الجمعة صلاة الجمعة المشرعة يومها، والسعي هو المشي بالإسراع، والمراد بذكر الله الصلاة كما في قوله: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] ، على ما قيل وقيل: المراد به الخطبة قبل الصلاة وقوله: {وذروا البيع} أمر بتركه، والمراد به على ما يفيده السياق النهي عن الاشتغال بكل عمل يشغل عن صلاة الجمعة سواء كان بيعا أو غيره وإنما علق النهي بالبيع لكونه من أظهر مصاديق ما يشغل عن الصلاة.
والمعنى: يا أيها الذين آمنوا إذا أذن لصلاة الجمعة يومها فجدوا في المشي إلى الصلاة واتركوا البيع وكل ما يشغلكم عنها.
وقوله: {ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} حث وتحريض لهم لما أمر به من الصلاة وترك البيع.
قوله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله} إلخ، المراد بقضاء الصلاة إقامة صلاة الجمعة، والانتشار في الأرض التفرق فيها، وابتغاء فضل الله طلب الرزق نظرا إلى مقابلته ترك البيع في الآية السابقة لكن تقدم أن المراد ترك كل ما يشغل عن صلاة الجمعة، وعلى هذا فابتغاء فضل الله طلب مطلق عطيته في التفرق لطلب رزقه بالبيع والشري، وطلب ثوابه بعيادة مريض والسعي في حاجة مسلم وزيارة أخ في الله، وحضور مجلس علم ونحو ذلك.
وقوله: {فانتشروا في الأرض} أمر واقع بعد الحظر فيفيد الجواز والإباحة دون الوجوب وكذا قوله: {وابتغوا، واذكروا}.
وقوله: {واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون}المراد بالذكر أعم من الذكر اللفظي فيشمل ذكره تعالى قلبا بالتوجه إليه باطنا، والفلاح النجاة من كل شقاء، وهو في المورد بالنظر إلى ما تقدم من حديث التزكية والتعليم وما في الآية التالية من التوبيخ والعتاب الشديد، الزكاة والعلم وذلك أن كثرة الذكر يفيد رسوخ المعنى المذكور في النفس وانتقاشه في الذهن فتنقطع به منابت الغفلة ويورث التقوى الديني الذي هو مظنة الفلاح قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [آل عمران: 200].
قوله تعالى: {وإذا رأوا تجارة أولهوا انفضوا إليها وتركوك قائما} إلخ، الانفضاض - على ما ذكره الراغب - استعارة عن الانفضاض بمعنى انكسار الشيء وتفرق بعضه من بعض.
وقد اتفقت روايات الشيعة وأهل السنة على أنه ورد المدينة عير معها تجارة وذلك يوم الجمعة والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قائم يخطب فضربوا بالطبل والدف لإعلام الناس فانفض أهل المسجد إليهم وتركوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قائما يخطب فنزلت الآية.
فالمراد باللهو استعمال المعازف وآلات الطرب ليجتمع الناس للتجارة، وضمير {إليها} راجع إلى التجارة لأنها كانت المقصودة في نفسها واللهو مقصود لأجلها، وقيل: الضمير لأحدهما كأنه قيل: انفضوا إليه وانفضوا إليها وذلك أن كلا منهما سبب لانفضاض الناس إليه وتجمعهم عليه، ولذا ردد بينهما وقال: {تجارة أولهوا} ولم يقل: تجارة ولهوا والضمير يصلح للرجوع إلى كل منهما لأن اللهو في الأصل مصدر يجوز فيه الوجهان التذكير والتأنيث.
ولذا أيضا عد {ما عند الله}خيرا من كل منهما بحياله فقال: {من اللهو ومن التجارة} ولم يقل: من اللهو والتجارة.
وقوله: {قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين} أمر للنبي أن ينبههم على خطئهم فيما فعلوا - وما أفظعه - والمراد بما عند الله الثواب الذي يستعقبه سماع الخطبة والموعظة.
والمعنى قل لهم: ما عند الله من الثواب خير من اللهو ومن التجارة لأن ثوابه تعالى خير حقيقي دائم غير منقطع، وما في اللهو والتجارة من الخير أمر خيالي زائل باطل وربما استتبع سخطه تعالى كما في اللهو.
وقيل: خير مستعمل في الآية مجردا عن معنى التفضيل كما في قوله تعالى: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف: 39] ، وهو شائع في الاستعمال.
وفي الآية أعني قوله: {وإذا رأوا} التفات من الخطاب إلى الغيبة، والنكتة فيه تأكيد ما يفيده السياق من العتاب واستهجان الفعل بالإعراض عن تشريفهم بالخطاب وتركهم في مقام الغيبة لا يواجههم ربهم بوجهه الكريم.
ويلوح إلى هذا الإعراض قوله: {قل ما عند الله خير} حيث لم يشر إلى من يقول له، ولم يقل: قل لهم كما ذكرهم بضميرهم أولا من غير سبق مرجعه فقال: {وإذا رأوا} واكتفى بدلالة السياق.
وخير الرازقين من أسمائه تعالى الحسنى كالرزاق وقد تقدم الكلام في معنى الرزق فيما تقدم.
____________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج19 ، ص242-244.
أكبر تجمع عبادي سياسي أسبوعي :
كانت الأبحاث السابقة تدور حول مسألة التوحيد والنبوة والمعاد ، وكذلك ذم اليهود عبيد الدنيا ، بينما انصب الحديث في الآيات مورد البحث على الركائز الإسلامية المهمة التي تؤثر كثيرا على استقرار أساس الإيمان ، وتمثل الهدف الأساس للسورة ، وهي صلاة الجمعة وبعض الأحكام المتعلقة بها .
ففي البداية يخاطب الله تعالى المسلمين جميعا بقوله : {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} .
(نودي) من مادة (نداء) وهي هنا بمعنى الأذان إذ لا نداء للصلاة غير الأذان .
وجاء في الآية (58) من سورة المائدة {وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون} .
فعندما يرتفع الأذان لصلاة الجمعة يكون لزاما على الناس أن يتركوا مكاسبهم ومعايشهم ، ويذهبوا إلى الصلاة وهي أهم ذكر لله .
وعبارة {ذلكم خير لكم} . . . إشارة إلى أن إقامة صلاة الجمعة وترك المكاسب والعمل في هذا الوقت ، خير وأنفع للمسلمين من حطام الدنيا وملاذها الزائلة لو كانوا يعقلون . وإلا فإن الله غني عن الجميع .
هذه نظرة عابرة إلى فلسفة صلاة الجمعة وما فيها من فضائل سنبحثها تباعا .
من الواضح أن لأمر ترك البيع والشراء مفهوما واسعا يشمل كل عمل يمكن أن يزاحم الصلاة .
أما لماذا سمي يوم الجمعة بهذا الاسم ؟ فهو لاجتماع الناس في هذا اليوم للصلاة ، وهذه المسألة لها تاريخ سنبحثه في النقاط القادمة .
ومن الجدير بالملاحظة أن بعض الروايات جاءت حول الصلاة اليومية (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة )(2) .
وقد عبرت الآية السابقة فيما يتعلق بصلاة الجمعة بقولها (فاسعوا) لتعطي أهمية بالغة لصلاة الجمعة .
المقصود من (ذكر الله) بالدرجة الأولى هو الصلاة ، ولكننا نعلم أن خطبتي صلاة الجمعة مشتملة هي الأخرى ومتضمنة (لذكر الله) وهي في الحقيقة جزء من صلاة الجمعة . وبناء على ذلك ينبغي الإسراع لحضور الخطبتين أيضا .
تضيف الآية التي تليها قائلة : {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون} .
ورغم أن عبارة ابتغوا من فضل الله أو ما يشابهها من تعابير ، وردت في القرآن الكريم للحث على طلب الرزق والكسب والتجارة ، لكن الظاهر أن مفهوم هذه الجملة أوسع من ذلك بكثير . لهذا فسرها بعضهم بعيادة المريض وزيارة المؤمن وطلب العلم والمعرفة ، ولم يحصروها بهذه المعاني كذلك .
من الواضح أن الانتشار في الأرض وطلب الرزق ليس أمرا وجوبيا ، ولكن - كما هو معلوم أصوليا (أمر بعد الحظر والنهي )- دليل على الجواز والإباحة . مع أن البعض فهم من هذا التعبير أن المقصود هو استحباب طلب الرزق والكسب بعد صلاة الجمعة ، وإشارة إلى كونه مباركا أكثر .
وجاء في الحديث أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يمشي في السوق بعد صلاة الجمعة .
جملة واذكروا الله كثيرا إشارة إلى ذكر الله تعالى الذي وهب كل تلك البركات والنعم للإنسان . وقال بعضهم : إن الذكر هنا يعني التفكر كما جاء في الحديث (تفكر ساعة خير من عبادة سنة )(3) .
وفسرها آخرون بمعنى التوجه إلى الله تعالى في الكسب والمعاملات وعدم الانحراف عن جادة الحق والعدالة .
غير أنه من الواضح أن للآية مفهوما واسعا يشمل كل تلك المعاني ، كما أنه من المسلم أن روح الذكر هو التفكر . والذكر الذي لا يكون مقرونا بالتفكر لا يزيد عن كونه لقلقة لسان ، وإن الذكر الممزوج بالتفكر هو سبب الفوز في جميع الحالات .
ومما لا شك فيه أن استمرار الذكر والمداومة عليه يرسخ الخوف من الله ويعمقه في نفس الإنسان ، ويجعله يستشعر ذلك في أعماق نفسه ، ويقضي نهائيا على أسباب الغفلة والجهل اللذين يشكلان السبب الأساس لكل الذنوب ، ويضع الإنسان في طريق الفلاح دائما . وهناك تتحقق حقيقة {لعلكم تفلحون} .
في آخر الآية - مورد البحث - ورد ذم عنيف للأشخاص الذين تركوا رسول الله {صلى الله عليه وآله وسلم} في صلاة الجمعة وأسرعوا للشراء من القافلة القادمة ، إذ يقول تعالى : {وإذا رأوا تجارة أولهوا انفضوا إليها وتركوك قائما} .
ولكن قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين .
فمن المؤكد ، أن الثواب والجزاء الإلهي والبركات التي يحظى بها الإنسان عند حضوره صلاة الجمعة والاستماع إلى المواعظ والحكم التي يلقيها رسول الله {صلى الله عليه وآله وسلم} وما ينتج عن ذلك من تربية روحية ومعنوية ، لا يمكن مقارنتها بأي شيء آخر . فإذا كنتم تظنون انقطاع الرزق فإنكم على خطأ كبير لأن الله خير الرازقين .
التعبير ب (اللهو) إشارة إلى الطبل وسائر آلات اللهو التي كانت تستعمل عند دخول قافلة جديدة إلى المدينة . فقد كانت تستعمل كإعلان وإخبار عن دخول القافلة ، إضافة إلى كونها وسيلة للترفيه والدعاية واللهو، كما نشاهد ما يشابه ذلك في الغرب هذه الأيام .
التعبير ب {انفضوا }بمعنى الانتشار والانصراف عن صلاة الجمعة والذهاب إلى القافلة . فقد ورد في سبب النزول أن المسلمين تركوا الرسول في خطبة الجمعة وتجمعوا مع باقي الناس حول قافلة {دحية} - الذي لم يكن قد أسلم بعد - ولم يبق في المسجد إلا ثلاثة عشر شخصا أو أقل ، كما جاء في رواية أخرى .
والضمير في (إليها) يرجع إلى التجارة التي أسرعوا إليها ، ولم يكن (اللهو) هو الهدف المقصود بل كان مجرد مقدمة للإعلان عن وصول القافلة إلى المدينة ، وكذلك للترفيه والدعاية للبضاعة .
التعبير ب (قائما) يكشف عن أن الرسول كان واقفا يلقي خطبة الجمعة ، كما جاء في حديث عن جابر أنه قال : (لم أر رسول الله قط يخطب وهو جالس ، وكل من قال يخطب وهو جالس فكذبوه) (4) .
وجاء في رواية أخرى أنه سئل عبد الله بن مسعود يوما : هل كان الرسول يخطب واقفا ؟ قال : ألم تسمعوا قوله تعالى : وتركوك قائما (5) .
وجاء في (الدر المنثور) أن معاوية كان أول شخص ألقى خطبة الجمعة وهو (قاعد).
____________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج14 ، ص193-196.
2 - روح المعاني ، ج 28 ، ص 90 .
3 - مجمع البيان ، ج 10 ، ص 289 .
4 - مجمع البيان ، ج 10 ، ص 286 .
5 - تفسير الدر المنثور ، ج 6 ، ص 222 ، ومفسرين آخر ك (الآلوسي في روح المعاني والقرطبي) .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|