مفتاح تحليل التطور الدلالي(الدرس التطوري في مناهج علم اللغة الحديث، ودرس اللحن في العربية) |
2046
10:41 صباحاً
التاريخ: 30-8-2017
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-8-2017
691
التاريخ: 10-9-2017
1272
التاريخ: 10-9-2017
1123
التاريخ: 30-8-2017
2177
|
إن درسنا للتطور الدلالي في نقد الشعر يستلزم مناقشة عامة لمفهوم التطور والكتب المدرجة ضمنه، وذلك في إطار العربية والمدة الزمنية التي يقف عندها أو ما يحيط بها في بعض الأحيان قبلاً وبعداً.
وإن التناول التاريخي للغة من اللغات لمعرفة تاريخ ألفاظها، وما طرأ
ص244
عليها من تبدلات وتحويرات لا يرجع الى أغوار بعيدة من عهود البحث، فقد استغرق الباحثون أزماناً طويلة وهم يحاولون إيجاد اللغة الأم التي تفرعت منها اللغات جميعاً. وخلال ذلك كانوا يقومون بالمقارنات بين اللغات الأوروبية وإنهم قرروا في أمد أن(العبرية) هي ذاك الأصل العتيق – مدفوعين بالمؤثرات الدينية – وأشهر الكتب ما ألفه(بوستيل) في الأصول أو في قدم اللغة العبرية والشعب العبراني وفي تفرع سائر اللغات عنها، في باريس 1538 م(1).
ولكن الآراء تعددت ولقيت هذه الفكرة معارضة علمية أسهم فيها – فيمن أسهموا – الفيلسوف(ليبنتز) في كتاب " أسماه: الموجز في الوصف الفلسفي لنشأة الجذور الأساسية المقتبسة عن اللغات المعروفة(2) ".
ولقد كان اكتشاف اللغة السنسكريتية الحدث اللغوي الكبير الذي وجه الدراسات وجهة صحيحة، وهي الوجهة المقارنة التي تمضي وفق اسس سليمة مستمدة من اللغة الهندية الأوروبية وأصولها القديمة، وتم الاكتشاف وتكامل مع مطلع القرن التاسع عشر 1818م(3)، ويطلعنا(مونان) على الملامح الدقيقة لتمايز الدراسات اللغوية " فنحن بوسعنا أن نقول بأن علم اللغة التاريخي قد نشأ عام 1830 م بل عام 1819 م ويكفينا أن نستشهد بآثار غريم " وديز(Dize) ويمكننا من جهة أخرى أن نؤخر نشأة علم اللغة التاريخي حتى مجيء(شلايشر) أي حوالي 1870 م، ويكون سندنا ظهور تلك الطرق العلمية التي لم تعد تستهدف إثبات القرابة بين اللغات، بل معرفة جميع التطورات اللفظية في لغة ما من خلال مجموع تاريخها(4) ".
ص245
وظلت هذه النزعة التطورية – المقارنة هي السائدة حتى أتى ف. دوسويسير بالاتجاه الذي يشكل معها ثنائياً لدرس اللغة وهو الاتجاه(التزامني)(5) وإن يكن بعضهم يلمح أحياناً الى أن الريادة يمكن أن ترد الى العالم السويسري(انطون مارتي) الذي دعا الى علم لغوي وصفي متزامن(1847-1914) إذا تأكد أن سوسير قد سمع آراءه في وقت مبكر(6).
ونلاحظ أن الاهتمام بالأصوات كان الغالب على المناهج التطورية، ومن ثم أخذت المختلفة عنه – ومنها الجوانب الدلالية التي تتبعت المعاني وتغيرها أو تطورها بأشكال عدة ولأسباب متنوعة.
وإننا عندما نحلل مشكلة التطور الدلالي في العربية إنما نتخذ منطلقاً أساسياً هو تمييزنا بين مرحلتين للغة الفصحى هما: المرحلة القديمة والمنتهية بالإسلام ومن ثم تدوين اللغة وتقعيدها، والمرحلة الأخرى هي ما يلي ذلك(التدوين)، وقد اكتملت صورة التركيب العربي وصيغة وأوزانه، والنظام الصوتي(مع اختلاف طفيف في الأداء الفصيح الذي تجعل القراءات القرآنية أعلى درجاته) فلا حديث يجري في التطوير والتغيير(ولا تغنينا هنا فكرة التسهيل والتبسيط فإنها لا تخرج على كل حال عن النظام الأساسي) أما المفردات فهي مجال خصب للتنويع والتكثير وفق القواعد والمناهج الموضوعة بعناية علماء النحو والصرف واللغة عامة، أي أن الآلات تفيد في تطويع المادة الاصلية لتلائم العصور المتتابعة(وهذا لا يناقض ما قلناه من قبل بصدد المعجمات والهيكل العام للغة، فالمجموعات المبتكرة تظل في حيز العصر إذ لا يكتب لكثير منها البقاء بزوال الأشياء أو الجزئيات الفكرية وبالتالي تكون المصنفات المعجمية المكملة مستقلة وذلك لاستخدام ضيق يختلف عن الاستخدام العام للمعجم الأساسي ).
ص246
وإن الحاجة الى استعمال واف للغة تحمل على تلمس السبل الأكثر نفعاً في الاشتقاق أو تقل المعاني أو تطويرها، ويمثل الاهتداء بنهج القدماء جانباً هاماً في الحقب المتلاحقة بعد عصر التدوين والتقعيد ولقد سعى علماء اللغة والشروح، وأصحاب المعجمات الى التنبيه بطرق غير مباشرة على أساليب للعرب في استغلال حيوية العربية، ونحاول في الفصل التطبيقي أن نكشف عن أمثلة في هذا الباب تضمنتها الشروح الأدبية من كتب النقد.
وشهدت الحياة اللغوية ازدواجاً اخذت الشقة بين طرفيه في الاتساع مع انتشار العربية في الشام وفارس وبلاد ما وراء النهر ومصر وإفريقية والأندلس، فكانت الفصحى هي اللغة الرسمية في الدولة.
وهي لغة العلم ودرسه بمختلف ضروبه وصنوفه، وهي لغة الدين الإسلامي الذي ضم أقواماً شتى من أرجاء الأرض التي وصل إليها الفتح ورسله، وكانت هناك أيضا الاستعمالات اللغوية غير الفصيحة وهي تتدرج بحسب المستوى الثقافي للجماعات، وطبيعة تكونها البشري، إضافة الى عامل الزمن ذلك أن العصور العباسية أخذت الفصحى تضمحل فيها مع هيمنة الأتراك وجندهم على إدارة الخلافة وشؤونها، بعد أن مضى عهد عمل فيه العباسيون على المحافظة على الروح العربية بقدر ما أتاحته لهم حياتهم البعيدة عن الصحراء والبداوة(7). وهناك البيئات العلمية التي تظل لغتها أعلى سوية من البيئات الأخرى رغم تخفف بعض العلماء من الاستخدام المعرب أحياناً في الأحاديث العادية خارج التداول العلمي(8)، وثمة مؤثرات قديمة للغات السابقة على قدوم المسلمين كالآرامية والسريانية، والفارسية، واللاتينية الشعبية في إسبانيا القديمة، والهندية(أو ضروب من فروع الأصل القديم الهندي السنسكريتي).
ص247
ويبين لنا الجاحظ آثاراً فارسية في لهجة الكوفة – فكما حصل بالبصرة كان يرد على الكوفة سيل من التجار والصناع وغيرهم سرعان ما كانوا مع أسارى الحرب ذوي الأصل الفارسي جزءاً كبيراً من السكان – فقد أورد بعض الألفاظ المستعملة معربة: فالكوفيون يقولون: خيار بدلاً من قثاء، وباذروج بدلاً من الحوك(البقلة الهوجاء، الرجلة) وكل سوق بالكوفة تسمى(وازار) وهذا النطق مطابق للفارسية القديمة(9). وذكر الجاحظ – بعض التأثيرات القديمة للجالية الفارسية في المدينة(يثرب) وما حولها من القرى – وهذا مما جعل اللغويين والرواة يشترطون في صحة المنقول أن يكون بعيداً عن الحواضر خاصة ما أتصل أهله بالأعاجم – وطبقاً لما ذكره كان أهل المدينة يستعملون كلمة خربوز الفارسية(المعربة الى خربز) بدلاً من بطيخ، وروذق بمعنى سميط واشترنج بدلاً من شطرنج، وممزوز بدلاً من ممصوص أي هزيل(10).
" وعندما نتحدث في تاريخ الأدب عن تغير في اللغة والأساليب اللغوية إنما نشير الى تنويع محدث متلون بالروح العامة للعصر، كما يبدو في اختلاف لغة الأدب في شعر المحدثين في أوائل العصر العباسي كشعر بشار وأبي العتاهية وابن الأحنف اختلافاً كبيراً من حيث صوغ القوالب وتركيب الجمل وطرق التعبير عن لغة شعراء البادية ولكن عربية – هذه الحقبة – احتفظت بالتصرف الإعرابي وبقواعد الإعراب والتصريف احتفاظاً تاماً "(11) على النقيض مما آلت إليه اللهجات أو الاستعمالات العادية فقد تخلت عن الإعراب بالتدريج. وحرّفت فيها الكلمات وتداخلت مع ألفاظ غريبة، ونطالع في هذا المجال مصطلحات: المولّد، والمعرب. وما شابههما. ولا نبتغي في بحثنا الخوض في تفصيلاتهما بل إننا
ص248
نحدد مفهوماً يتفق ومنهجاً في(تعريف الفصحى ودرسها) فالمولد ينصرف الى وجهتين: الأولى هي العامة إذ إنها تعني اللغة المتأثرة بالعناصر الأجنبية عموماً منذ القرن الأول الهجري في مجتمعات المدن والحواضر، وأخذ هذا المولد في التوسع مع التزاوج وإنجاب جيل موزع بين عربية وعجمة(12)، حتى طغى على عظم المساحة اللغوية الدارجة وإليه يقصد السيوطي في تعريفه إذ يقول " هو ما أحدثه المولدون الذين لا يحتج بكلامهم، والفرق بينه وبين المصنوع أن المصنوع يورده صاحبه على أنه عربي فصيح، وهذا – المولد – بخلافه. وفي مختصر العين للزبيدي(المولد): من الكلام المحدث – وفي ديوان الأدب للفارابي، يقال هذه عربية، وهذه مولدة، وقال: وكان الأصمعي يقول: النحرير ليس في كلام العرب، وهي كلمة مولدة. وقال الخم: القوصرة يجعل فيها التبن لتبيض الدجاجة، وهي مولدة "(13) ويتضمن كلام السيوطي إشارة المرتبة الفصحى الاشتقاق فيها على الأوزان المعتمدة فهو: المصنوع ؛ وقد يكون من أصل قديم أو على قياسه وزناً، وكل ما خرج من الصيغ والأقيسة العربية فهو موضوع في مستوى غير فصيح(مولّد).
وأما مصطلح(المعرّب) فإنه متأخر ظهر في القرن السادس مع كتاب الجواليقي(المعرب من الكلام الأعجمي) وتوالت بعده المصنفات التي تبحث فيه، ونجد تفصيلاً لمعنى الكلمة المعربة عند مؤلف متأخر ونورده تقريراً لزاوية تناقش في نتاج في غير لغتها "(14) أي لم يحدث عند استعماله أي تبديل لمعناه وإن يكن التغيير – ممكناً – في شكله وصيغته.
ص249
وإننا نتفق مع يوهان فك في تحليله المجمل للعربية المولدة فهو يمزيها من الفصحى بالتغير الذي طرأ على تكوينها وأبرز مظاهره ترك الإعراب(15)، ولكننا نبني على هذه النتيجة فكرة مؤداها أن كل نظر تطوري في العربية لابد له من أن يتأطر بإطار القوانين والأحكام الفصحى سواء في ذلك الجانب الصرفي والنحوي والدلالي، أي أن(المعيارية) أساس العمل مع اعترافنا بضرورة التطور وتقبل العربية له، ذلك أنه لو استمدت القواعد من الاستعمالات الدارجة غير المقيدة لأصابت اللغة انحرافات في المستويات الصوتية والصرفية: الصيغ والأوزان، والتركيبة النحوية، ومن ثم الدلالية.
وإن الحالة الخاصة للفصحى تنجلي إذا ما قارنا استمرارها واحتفاظها بكيانها الأصلي – رغم التلوين والتطوير الجزئي – بالصور التي وصلت إليها اللغات السامية الأخرى من جهة، وتقارب هذا الوضع المتحول في الساميات مع صور للعاميات واللهجات العربية المتأخرة، وأقصد أن الفروع السامية شهدت عدداً من التطورات بعد بلوغ درجة النمو المتكامل، وأنها انحدرت وتخففت – افتراضاً مني – من الأنظمة المركبة الى البسيطة السهلة بسبب عدم المحافظة على السوية العالية استجابة لمتطلبات العامة الذين يبتعدون في الاعم الاغلب عن الثقافة اللغوية خاصة في الحقب التي يضعف كيان مجتمعهم السياسي ويخضع لحكم ضعيف أو اجنبي، وسنقارن بين بعض الحالات القليلة – شواهد لا على أنها دراسة تفصيلية في هذا الباب:
والحالة العامة هي ترك الإعراب الذي تتميز به العربية الفصحى ؛ وقد بقيت اللهجات البدوية تحتفظ ببقايا إعرابية حتى الوقت الحاضر سواء في ذلك بادية الشام وأطرافها المتاخمة للحواضر السورية والعراقية، أو البوادي الحجازية النجدية
ص250
- بحسب ما أعرف وألاحظ – ومثال ذلك ما يعرف في النحو بالأمثلة الخمسة(16) (المضارع لمتصل به ضمير التثنية أو الجماعة، او المخاطبة المؤنثة) فالبدو أبقو على النون في حالة الرفع مع ياء المخاطبة. وواو الجماعة: ترجعين ترجعون).
والحالة الثانية هي التخفف من الأسماء الموصولة واختصارها الى واحد يؤدي مهمتها في المواضع المتطلبة موصولاً:(الجمع، والإفراد، والتثنية، والتذكير، والتأنيث) والاسم المختزل " اللي " لا نستطيع الحكم على أصله وترجيحه ذلك أن حرف اللام مشترك وبارز بين الموصولات – عدا العامة من، ما، أي -: الذي، اللذان، التي، اللتان، الذين، اللائي، اللاتي )(17) وعندما تضاف همزة الوصل إليه(أل) ويتقدمان أسماء الفاعلين والمفعولين تعد اللام موصولة(18).
والحالة الثالثة هي الاقتصار على استعمالات محدودة لصيغة التثنية وهي مخصوصة بحالتي النصب والجر إعرابياً:(الدارين، الولدين، العينين، الرجلين)، وأحياناً يعبر عن هذه التثنية لدى الرجل أو المرأة بصيغة الجمع:(الأكتاف، العيون: بدلاً من الكتفين)، ومما يتصل بهذا الجانب أننا نلاحظ الاكتفاء بصيغة واحدة للفعل المسبوق بمبتدأ مثنى أو في حالة الجمع:(الشجرتين حملوا...، الأولاد عملوا) وكل الأمثلة التي سقناها هنا تعد حالات مجتزأة من الهيكل اللغوي الصحيح الذي يوضح ويفصل بشكل يبعد أي لبس، وإن سمة التركيب والتفصيل متصلة بالنضج والارتقاء الحضاري في الأداء اللغوي.
وبمتابعتنا لعدد من اللغات السامية نجد ظواهر مشابهة أو قريبة مما ذكرنا(التثنية والموصل في العبرية والسريانية)(19).
ص251
ولا يدرك بعض المستشرقين هذا التمايز بين الفصحى والاستخدام الدارج أو العامي، وهم بذلك يخلطون بين واقع الدراسات الأوربية التي ترى أمثل طريقة في الانطلاق مما هو موجود لا مما يجب أن يكون، أي بنبذ(المعيارية) والأخذ بمنهج(وصفي)، وبين درس العربية. لذا فنحن لا نقبل قولة برجستراسر: إن الذي منع علماء الشرق من الاعتناء الكافي بالكشف عن تطور اللغة بعد الإسلام... مداومتهم على السؤال عن الجائز في اللغة وضده، وعلى المنع من كثير من العبارات، وهذا وإن كان واجباً نافعاً فهو عمل المعلم لا العالم، فالعالم يفحص عما يكون في الحقيقة لا عما كان ينبغي "(20) فإن نهجاً كهذا مبني على مغالطة في المقايسة بين اللغات.
وقد حملت لنا بعض المصنفات أشياء من التطور اللغوي عامة – والدلالي من خلاله -، ولكن دارسين محدثين يرون في سياق تلك الكتب أمراً غير سوي إذ تتحدث عن(اللحن) والخطأ. وهي تسعى لإعادة المتجاوزين الى جادة الصواب في الفصحى، وإننا نفيد علماً بالتطور عن طريق غير مباشر فهم لم يقصدوا الى إخبارنا به " ونستطيع من خلال تلك الكلمات التي جمعوها في كتبهم أن نلحظ بعض ملامح ذلك التطور ولا سيما في نواحي الأصوات والصيغ والدلالة. أما الجملة العربية ونظام الكلمات في بنائها. فإننا لا نستطيع معرفة نوع التطور الذي أصابها، لأن المادة التي بين أيدينا لا يدخل في حسابها: الجمل والتراكيب، ولا تمدنا إلا بالمفردات المجردة "(21).
ونحن لا نرى في عمل المصنفين لكتب " اللحن " مفارقة بل إنهم يتوافقون مع
ص252
قوانين الحفاظ على العربية من الاندثار والامحاء، ونستطيع معالجة القضايا الدلالية مما أورده على أسس من الصلة بين الأصل المنقول عنه المعنى، والفرع الجديد في الاشياء والمسميات، ومن أختبار القواعد الاشتقاقية القياسية إضافة الى المفهومات البيانية وخاصة المجاز المرسل بين خاص وعام، وجزئي وكلي، والحا والمحل.. فعلى هذا النحو من التناول لا نرتفع الفواصل بين الدلالات القديمة والحديثة، ولا نثبت كل مجاز آني ليحول معنى ثابتاً، فقد يكون ثمرة سياق شعري أو تعبيري خاص يعطيه سياقه إشعاعاً ويمكن أن يعود الى حيزه الأول ليغنى بألوان وإشعاعات أخرى، فلا نميت – إذن – أصلاً لاستخدامه في حالات وسياقات خاصة، وهذه المميزة الحيوية للعربية كفيلة بدفع أحاديث التطور ورفضها على أنها حلقات منفصلة.
ومن المصنفات التي تسلك في كتب(اللحن) حتى القرن الخامس أبواب وفصول في(إصلاح المنطق) لابن السكيت(ت 244) و(أدب الكاتب) لابن قتيبة الدينوري(ت 276 هـ) و(لحن العامة) لأبي بكر محمد بن الحسن الزبيدي(ت 379هـ)، وثمة مؤلفات تضيء هذا الجانب الدلالي:
1) إما بالتنبيه الى ظواهر لغوية من ضمنها تخصص أصحاب الصناعات والفئات الأخرى بمجموعات لغوية دلالية كما صنع الجاحظ " فمن النفاسة ما ذكره عن اللهجات واللغات الخاصة وألسنة الحرف والمهن فهو يبين أن كل مصر يتكلم على لغة من نزل به من العرب، ويذكر أمثلة لفرق ما بين مكة والبصرة في الاستعمال اللغوي، وفي موضع من " البخلاء " يسوق الجاحظ خطبة في آداب المائدة ويعلق عليها بشرح عدد من الاصطلاحات التي يعبر بها عن مختلف العادات السيئة عند الأكل. وقد يستطرد أيضاً بذكر بعض القصص عن الملاحين مع ذكر اصطلاحات من لغة مهنتهم "(22)، ويبرز الموازاة بين الكلمات العادية في
ص253
التعبير اليومي أو غير المختص بفن من الفنون أو صناعة أو نشاط خاص، وتلك المصطلحات التي تعد(لغة مجازية) قد تعبر عنها في العصر الحديث بـ(اللغة الفنية) أي الاصطلاحية " فهو – الجاحظ – يتفكه بالطبيب الذي يعبر عن الأمور المعتادة بالألفاظ الفنية، ويسمى البحح المصحوب بالمخاط باللفظ اليوناني الدخيل: بلغم "(23).
2) وإما باستخدامها – أي تدوينها – الألفاظ المتأثرة باللغات الاجنبية كالفارسية وسواها، وهذا ما نجده في كتاب المقدسي الجغرافي فالمجال العلمي الذي يخوض فيه تتنوع جوانبه، لذا فإن(يوهان فك) يحلل صنيعه ويقول: إن المد اللغوي للعربية الفصحى لم يكن تسارعه بالقدر الكافي في " نتائج الصناعة ومحاصيل الزراعة والمهن والحرف، والظواهر المختلفة للحياة اليومية "(24)، فكان المقدسي يستعين " بالعربية المولدة ليسد الفجوة إلا أنه أحياناً كان يجنح الى الفارسية في مصنفه حيث لا توجد أسباب واقعية لهذا "(25).
ويسلك ابن النديم في هذا النوع من التأثر باللغات الاجنبية والمشاركة – التلقائية – في ظاهرة دلالية وهي اتساع مفردات العربية مما يتطلب تقصي الجديد في(المعاني) وإمكانية الأصول الفصيحة – لفظاً ومعنى – في أداء هذا الجديد بالتطور الاشتقاقي، أو بالمقايسة الشكلية الوزنية، ويقصد هنا(الفهرست) المصنف الذي تركه ابن النديم سنة(377 هـ)(26).
ونورد بعضاً من الأمثلة التي جاءت في كتب(اللحن) حتى القرن الخامس لتكون مادة للمقارنة بين هذا الصنيع اللغوي في مجال الدلالة، وما نحن مقبلون
ص254
عليه من تحليل المادة التطورية في نقد القرن الرابع ذاته، ولا نغفل الفارق الأساسي الذي يفصل بين العمل التصححي في مصنفات اللحن وذاك النمط التحليلي في ثنايا الشرح الأدبي والعملية النقدية بعامة.
والنماذج الاولى نستقيها من(إصلاح المنطق) لاب السكيت ففيه بابان بعنوان " ومما تضعه العامة في غير موضعه "(27) وباب ثالث بـ " مما يضعه الناس في غير موضعه "(28)، وأوضح ما جاء لديه: مما تضعه العامة في غير موضعه قولهم:
أكلنا ملّة وإنما الملة الرماد الحار، ومنه قول الشاعر(الراعي).
جلد الندى زاهدٌ في كل مكرمة كأنما ضيفه في ملة النار(29)
وقولهم: " خرجنا نتنزه إذا خرجوا الى البساتين، وإنما التنزه التباعد عن المياه والأرياف، ومنه قيل فلا يتنزه عن الأقذار أي يتباعد منها... وإن فلاناً لنزيه كريم إذا كان بعيداً عن اللوم قال الشاعر:
أقب طريدٌ بنزه الفلا ة لا يردُ الماء إلا ائتيابا
بنزه الفلاة يعني ما تباعد من الفلاة عن المياه والأرياف "(30). ومما يضعه الناس في غير موضعه قولهم للمعلف ؛ آري وإنما الآري محبس الدابة، وهي الأواري والآواخي ويقال قد تأرى بالمكان إذا تحبس به قال الشاعر:
لا يتأرّون في المضيق وإن نا دى منادٍ كي ينزلوا نزلوا(31)
ص255
وقد ينفع في هذا المقام التحليل المجازي الذي يعتمد على: المرسل منه، والتشبيهي أو الكنائي، فالعلاقة بين(الملة): الرماد الحار أو النار عموماً وما يشوي عليها أو ينضج بينة وهي المسماة عند البلاغيين الحالية والمحلية، وقريب منها المثال الثالث: الآري والمعلف إذ يتجاوران في الأعم الأغلب وقد يربط بينهما بالعلاقة المجاورة، و(التنزه) أقرب الى الكناية في قوله من الأصل، وإن الاستعمال الذي يشير إليه ابن السكيت هو واحد من التطبيقات والتشقيقات المحتملة في أصل الفعل(تنزه) في شقه الماديُ: التباعد عن أماكن إلخ...، وقد يؤكد المنحى الجديد اقتران وزن(تنزه) بوزن آخر ملائم في إطاره وهو(تنسم: التمس النسائم وعبق الأزاهير).
والمصنف الثاني هو(أدب الكاتب) لابن قتيبة، وسنورد أمثلة منه بحسب الترتيب المنطقي الذي يقتفي أثر التقسيم العام لدى دارسي الدلالة الأوربيين منذ دار مستيتر وبريال، وبول(32):(التخصيص، التعميم، انتقال الدلالة).
ففي باب(معرفة ما يضعه الناس في غير موضعه) يعرض ابن قتيبة للتخصيص فمن ذلك: الطرب يذهب الناس الى أنه في الفرح دون الجزع، وليس كذلك، إنما الطرب خفة تصيب الرجل لشدة السرور أو لشدة الجزع، و " المأتم يذهبون الى أنه: المصيبة: كنا في مأتم فلان وليس كذلك إنما المأتم النساء يجتمعن في الخير والشر، وأيضاً: الدلج يذهب الناس الى أنه الخروج من المنزل في آخر الليل وليس كذلك إنما الدلج سير الليل"(33).
ومن أمثلة التعميم في الدلالة والخروج بها عن نطاقها المحدود الأول:(يتصدق) فالناس يقولون بمعنى أعطى فلان: يتصدق، وبمعنى سأل وهذا غلط، والصواب: فلان يسأل، وإنما المتصدق: المعطي ونلاحظ هنا أن مبعث
ص256
الخطأ او التجانف هو اختلاط في استعمال الوزن(تفعل) فمنه: تسور، وتزين اللذين يقربان من معنى(استفعل) بعض الشيء مما دعا الى الأزدواج في دلالة يتصدق، وحق العصر الحديث يجنح العامة الى مثل هذا عندما يقولون(فلان يتأمل من الله ان يرزقه ثروة) بمعنى يطلب، او يطلب الامل ولم ان الفعل(يأمل) يفي بالغرض.
ومن امثلة التعميم لدى ابن قتيبة: التعبير اذ يقصد الناس به الى اخلاط من الطيب، وقد قال ابو عبيدة: العبير عند العرب: الزعفران وحده ".
ومن امثلة انتقال الدلالة: اشفار العين اذ يذهب الناس الى انها: الشعر النابت على حروف العين وذلك غلط إنما الاشفار، حروف العين التي ينبت عليها الشعر، والشعر هو: الهدب ". وهذا المثال الاخير يشبه ما وقفنا عنده من كلمات لدى ابن السكيت وعلاقتها المجازية المرسلة، ويؤلف ابو بكر الزبيدي الاشبيلي مصنفه(لحن العامة) متحدثا عن عربية الاندلس متتبعا ما انحرف فيه مدلول الكلام ومعناه في المفردات، وههنا نتبع ايضا في مطالعتنا لبعض الامثلة الترتيب المنطقي(34)، فمن تخصيص الدلالة ان عرب الاندلس يقولون: الوادي للنهر خاصة، والوادي كل بطن مطمئن من الارض، وربما استقر فيه الماء، ويطلقون اسم الريحان على الآس خاصة والريحان اعم اذ يشمل كل نبت طيب الريح كالورد والنعنع والنمام. ويطلقون لفظ الخمار على ما تغطي به المرأة رأسها من شفاف الحرير خاصة، والخمار يشمل كل ما غطت به المرأة رامها من ثوب او غيره. وهذه الامثلة التي اخترتها تدل على تخصيص متأثر بالبيئة الاندلسية، وما اشتهرت به من ولع بالطبيعة وانتشار الرفاه وتلمس مظاهر الترف(الوادي، الآس، الخمار الحريري) وبذا يمكن موافقة الزبيدي على عدها انحرافا فيما لو
ص257
استحالت الى حالة ثابتة هي البديل للأصل اللغوي او غير مميزة منه لغوياً ذلك اننا عندما نفسرها بحدود بيئة معينة، واستعمال عادي عامي فلا خطر من ورائها الا انها عندما تختلط في التعبير الادبي والفصيح عامة فههنا مبعث الاضطراب، فلا بد من النص على: وادي النهر، خمار الحرير، الآس من الرياحين.
ومن امثلة الزبيدي على التعميم الدلالي" اطلاقهم: الاستحمام على ما كان بالماء الحار او البارد، والاستحمام خاص بالماء الحار. وفي هذا المثال تشدد واضح في التفسير ذلك ان قاعدة التغليب ممكنة التطبيق لان الاعم هو الاغتسال بماء حار او دافئ حق اننا نطلق لفظ(الحمى) على الحالة المرضية التي يعاني فيها المرء من ارتفاع درجة حرارة جسمه وسخونته طورا ؛ وفي طور اخر تصيبه قشعريرة من احساس بالبرد شديد. وفي القاموس المحيط العديد من المعاني الفرعية(حمم) الا ان المعنى المركزي المتردد هو ان مادة حم متصلة بالحرارة والنار(حم التنور سخن الماء وحر الظهيرة، والعين الساخنة من الماء)(35)، وهي كذلك في السريانية تدل حيث تدل كلمة( )(36) على: حار، ينبوع حار، وكذا على استحمام، اي ان التفريع على مادة حم بالاشتقاق يؤدي الى الاستحمام، واما التخصيص بالابتراد وافراده عن الحالة الاول فهذا قليل يدرج احيانا ضمن التسمية الاعم.
ومن الالفاظ التي غير مجال استعمالها في عربية الاندلس كما يراها الزبيدي(بلاط) فتطلق على البيت المحسن، وهي الحجارة المفروشة(المنقوشة) و(صار) لعود الشراع في المركب، والصاري هو الملاح، ويقولون ايضا(قلادة) للحزام، والقلادة هي العقد الذي يوضع في العنق. ولقد تتالت مؤلفات في(اللحن) كانت نتاجا للقرون التالية، وان رجعت مادتها في معظمها الى القرن
ص258
الرابع ثم زيد عليها كما نجد ذلك في(تثقيف اللسان وتلقيح الجنان)(37) لابي حفص عمر بن خلف بن مكي الصقلي(ت ٥١٥ هـ)، الذي ذكر اخطاء العامة في جزيرة صقلية، و(درة الغواص في اوهام الخواص) سنة 516 للحريري(38)، وفي(تقويم اللسان) لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي(39):(ت 597)، الذي درس اخطاء عامة بغداد، وفي(المدخل الى تقوم اللسان) لابن هشام اللخمي الاندلسي الاشبيلي(ت 577)(40) .
اما الحريري في درة الغواص فنجد لديه تناولا دلاليا من خلال تتبعه الاخطاء التي اتخذت سبيلها الى اقلام الكتاب ممن " قد ضاهوا العامة في بض ما يفرط من كلامهم "(41). ويتجه جهد الحريري ههنا الى شطرين ؟ واحد منهما يدرج في مباحث الالفاظ الدالة وساحاتها الدلالية ويبين فيه ما يغطي الدال كيلا يحدث التداخل والاشتجار بين الدالات، ومن ثم يتجوز في التعبير دون مسوغ من حاجة الى الجديد والمبتكر من الرموز اللغوية: وهذا ما نفرد له حيزا في فصل الدال والمدلول.
والشطر الاخر نفيد منه حركة التطور الدلالية، وان لم يسهما في كل حالة مؤلف دره الغواص " ذلك ام نها تعث من الاخطاء لديه.
فمن شواهد التطور من المحسوس الى المجرد ما اورده في(البشارة) التي تؤخذ من البشرة وما يظهر عليها من الانفعالات " فالعلة ان البشارة انما سميت بذلك
ص259
لاستبانة تأثير خبرها في بشرة المبشر بها وقد تتغير البشرة للمساءة بالمكروه، كما تتغير عند المسرة "(42).
ونعرض لعدد من حالات التطور الدلالي بالاتساع، فنبدأ بقولهم " يستأهل فقد اتسع ليعبر الجدارة والاستحقاق، ونحن لا نرى تجاوزا للاستعمال الصحيح مادام التأويل المجازي قائما، فكل من غدا بعضا من الاهل ينال ما ينالون ويصيب مما يصيبون، وقد يكون الخلاف ههنا بيننا وبين الحريري في اكتاب الصيغة الاشتقاقية(استأهل) التطور والقيمة المجازية التي تؤديها الجملة والعبارة(هو اهل للمكرمة)، ولا شك ان الاثر في غنى الرصيد اللغوي يظهر في البنية الصرفية الواحدة، او الاضافية بأكثر مما يكون في الجملة التي لا يتيسر دائما تكرارها بتامها، بل يعمد الكتاب مرة بعد مرة الى تغييرها وتحويرها بحسب ايقاع السياق(43).
وكذلك تتسع دلالة(الفيء) لتدل على ما يكون في استتار بأردية الليل وظلامه وما يستظل به في النهار من الشمس، فالكلمة كانت تخصص للضرب الاول في الليل ثم انداحت متسعة، وهذا ما يعده الحريري منافياً للاستعمال القويم لكننا نفر هذا التطور كما ثبته صاحب(لسان العرب) في مادة(فيأ)(44).
ويمكننا ان ندرج ضمن التطور بالاتساع ما طرأ على لفظ(اخطأ) بالصيغة الفعلية ؛ فالحريري يقول: " يقولون لمن يأتي الذنب متعمداً: قد اخطأ فيحرفون اللفظ والمعنى لأنه لا يقال اخطأ الا لمن ا يتعقد الفعل او لمن اجتهد فلم يوافق الصواب ".
ص260
ان التقارب في الاشتقاق رجح استعمالا دون اخر " ما يدل على اتيان الذنب عمدا"(45).
ومن الاتساع تحول دلالة(القافلة) من الركب العائدين الى مطلق السفر سواء في الذهاب ام الاياب، وفي مختلف احوال هؤلاء المسافرين(46)، ودلالة " لدغ " على ما يكون من الايذاء المسبب عن الضرب بالمؤخرة كالعقرب، وهو مخصوص لما يضرب بالفم(كالحيّة)(47).
وثمة لفظ تطور ليدل على ما هو اوسع من دلالته المخصوصة قبل: شفع الذي يدل على التثنية اسماً وفعلاً، ثم كثر استعماله لمعنى الاضافة المطلقة لا ثانية. يقول الحريري: " يقولون شفعت الرسولين بثالث فيوهون فيه، لان العرب تقول شعت الرسول بآخر، اي جعلتهما اثنين، فأما اذا بعثت ثالثاً فوجه الكلام ان يقال: عزّزت الرسولين بثالث "(48)، واما الرأي ههنا فهوان كثرة الاستخدام مع الدلالة المجازية للشفاعة وهي المؤدية دلالة: العزة جعل شفع يؤدي ما نراه وهو تطور دلال.
ومن امثلة التخصيص التي يمكن تحليلها في كل صاحب درة الغواص: التطور الدلال الصاحب للاشتقاق في(المائدة)، فبعد دلالة الاصل على الحركة في تأويل او العطاء المطلق في تأويل آخر تقلص صيغة(مائدة) لترتبط بالخوان يوضع عليه الطعام. يقول الحريري: " وقد اختلف في تسمية المائدة فقيل لأنها تميد بما عليها، أي تتحرك، مأخوذ من قوله تعالى: {وألقى في الارض ق رواسي أن تميد بكم} [النحل 16/15]،
ص261
وقيل: بل هو من ماد أي أعطى، ومنه قول رؤبة بن العجاج:
الى أمير المؤمنين الممتادْ
أي المستعطى، فكأنها تميد من حواليها مما أحضر عليها "(49).
ومن ذلك تخصيص بعضهم(الراحلة) بالناقة النجيبة، وكان اللفظ يدل على الجمل والناقة(50).
ومن أمثلة الانتقال الدلالي مما يلحظ فيه الأثر المجازي التطور الذي عاشته كلمة(شحاذ) ؛ فقد " اشتق هذا الاسم من قولك: شحذت السيف إذا بالغت في إحداده، فكأن الشحاذ هو الملح في المسألة والمبالغ في طلب الصدقة "(51).
وكذلك تمثل دلالة(مشورة) انتقالاً من مجال الى آخر " فقد اختلف في اشتقاق اسمها، فقيل إنه من قولك: شرت العسل أشوره، إذا جنيته فكأن المستشير يجتني الرأي من المشير... "(52).
ونصل الى الجزء الأخير في هذا الفصل لنقف فنبين الخطوط العامة للتطور الدلالي في بعض الدراسات الأوروبية الهامة، وذلك ليستقم – قدر الإمكان – الأخذ عنهم إن أخذنا، والتعديل إذا ما رغبنا عن أشياء لا تتلاءم وخصائص العربية(53).
ص262
وأول الملامح الواضحة في درس الدلالة الاوروبي هو الصلة بالبلاغة قديماً والافادة من سماتها، فلقد رأى علماء الدلالة الاوائل كـ(دارمستيتر، وبريال) في ضروب المجاز المرسل. وخاصة ذا العلاقة الكلية والجزئية - والاستعارة نماذج اساسية لتغييرات المعنى، وعلى هديها قاموا بتصنيف منطقي يشمل: تخصيص الدلالة او(حصرها) وتعميها، ونقلها الى مجال اخر. فالمجاز المرسل ذو العلاقة الكلية والجزئية يؤدي الى تخصيص عندما نورد الجزء للتعبير عن الكل، او النوع تعبيرا عن الجنس الخ... والتعميم(او الاتساع في الدلالة) في الحالات العكسية. وتمثل الاستعارة حالات نقل الدلالة من مجال الى اخر. ويعد كتاب:(حياة الكلمات) لدار مستيتر خير مصدر فيه عرض لهذه المسائل.
ولكن استقلال علم الدلالة كان بفضل بريال الذي اتجه - وحذا حذوه اخرون – نحو تحليل مميز من البلاغة فكانت المعايير الحديثة للدلالة، فمن جهة برزت فكرة الثنائية في فهم الكلمات، فثمة دالات ومدلولات ومن جهة اخرى نما التفكير في الطبيعة النفسية لعلاقات الدلالية - تحت ذاك الشكل المزدوج - للمماثلة(المشابهة)، والمجاور(الملاصقة).
واقتضى الامر انتظاراً حق مطلع القرن العشرين اذ ظهر(تشوشاردت) و(وندت)، وعلى الاخص(ف. دوسوسير). وقدموا نظرية تغير المعنى مؤسسة على المعايير الرمزية(الاشارية)، واخذة في الاعتبار تلك الثنائية(المماثلة، والمجاورة) والمقابلة بين(الدال، والمدلول)، وظل كتاب دي سوسير " محاضرات في علم اللغة العام " مرجعا لكل الدارسين في هذا الحين حيث افاض في شرح الروابط النفسية في هذه الاقسام، ولكل النظريات التي تستحق ان تفف عندها واهمها دراسة(ستيرن):(المعنى وتغيرات المعنى) التي افاد فيها ايضا من مفهوم العلاقة الثلاثية للكلمة(1- اللفظ او الرسم(الرمز)، 2- الشيء المسمى ٣- تصوره: دلالته) كما وردت لدى أوجدن وريتشادز، والدراسة الهامة
ص262
لستيفن أولمان(المبادئ الاساسية لعلم الدلالة) التي كانت اكثر دقة والتزاماً بالمنهج السوسيري، فهو يحدد أولا أنماطاً من التغييرات ويعزلها جانباً وهي المتصلة بما يسميه: غريزة البقاء اللغوية وهي تشل التغيرات ذات الاصول التاريخية، وتلك الراجعة الى اسباب خارجة عن اللغة نفسها اي الى العالم الخارجي كتغير معالم اجتماعية، او صناعية الية الخ...، وبعد ذلك يصنع جدولاً لحركة الدلالة وتجاورها، وسنوردها نحن ههنا مختصرة مع امثلة فرنسية مما جاء في كتاب بيير غيرو(علم الدلالة):
1- تحولات الامم:
أ) عن طريق المماثلة(المشابهة) بين المعاني، فكلمة قبعة chapeau تشابه معنى انواعاً من اغطية الرأس الخاصة، او ما يقرب منها كالغطاء الصوفي المميز للعمال في الاغلب(beret) او الخوذة(casque) الخ.
ب) عن طريق المجاورة بين المعاني: فالقبعة(تلاصق) الرأس tete او البزة الكاملة veston.
2. تحولات المعنى:
أ) من طريق المماثلة بين الاسماء: فالقبعة تشبه(قفزعة، او مقرعة في العربية) chapelle – chapeau مصلى chapou -: طير مسمن او دالية عنب drapeau: علم.
ب) عن طريق المجاورة في الاستعمال بين الاسماء chapeau تقرب من claque مقرن melon بطيخ لانهم درجوا على استعمال التركيبين التعبيريين chapeau - claque قبعة مقرنة الاطراف و chapeau - melon قبعة ذات شكل يشبه البطيخة.
وهناك ضرب من التحولات التي تنتج عن علاقات وارتباطات مركبة فتضم
265
في آن واحد: الاسم والمعنى مشتجرة صلاتها بغيرهما من الفروع المشابهة، او الكلات والمعاني المجاورة والمقاربة(54).
وننتقل الى نظرة كلية للأسباب التفصيلية التي عالجها أولمان وستيرن وسواها من علماء الدلالة ذلك اننا نهدف في بحثنا من امثلتنا وشواهدنا العربية كما وردت في مصنفات اللغة والادب، وما وقوفنا عند التحليلات للغات الاجنبية هنا الا من قبيل الاهتداء باتجاهات عامة، وحوافز للمقارنة ولاستخراج ما هو متفق مع الاصول اللغوية الفصحى لا الى ان نتابع المباحث الخاصة بالحيوية الدلالية في اللغة الفرنسية مثلا او الانكليزية فنطبقها على عربيتنا حرفيا لأنه لابد من تمييز بين اماد العربية الفصحى القديمة، وما يتداول من العربية بعد اكتمالها.
والتصنيف الاكثر بساطة وتماسكاً من بين ما كتب في ترتيب اسباب تغير الدلالات هو ذاك الذي تركه انطوان مايّه، ونقحه العالم الدانماركي نيروب Nyrop(ت 1931)(55)، فلدينا:
أ) اسباب تاريخية او هي تغيرات في العلوم، وبحالات التقنية، والمؤسسات العامة، والاخلاق والسلوك، جاذبة تغييرا في الاشياء دون الاساء، وهو الذي لا يبلغ النظام اللغوي المنظومة اللغوية الا بطريق غير مباشرة.
وهذا القسم كاد الدلاليون ان يكونوا موافقين عليه جميعاً.
ب) اسباب لغوية او هي تغيرات ناتجة من اسباب صوتية، أو لأسباب تتعلق بالصياغة والشكل، او اسباب تركيبية نحوية: بالعدوى اللغوية، والاشتقاق العامي، والتنازع الجناسي، والاجتزاء.
ص265
ج) اسباب اجتماعية:(الاقتراض الاجتماعي)(56)، والاستبدال للجو الاجتماعي للكملة(وبالتخصيص، أو بالتعميم) يجذبان استبدالا للجو الدلالي للكلمة تقليصاً وتوسيعاً.
د) اسباب نفسية: وهي الرغبة في اداء تعبيري واف بالمراد، والمحرمات لقداسة او لحرج(التابو)، والتوريات، والقم(القدرة) الانفعالية.(وهذا القسم اضافه نيروب) ويذيل غيرو تصنيف هذه الاسباب بإضافة هي " التمييز بين اسباب خارجية وهي التي يكون مصدرها: الاشياء المسماة، والحياة التي يتقلب فيها المتكلمون، واسباب داخلية وهي المتصلة بالصيغ والاشكال اللغوية، وعلاقاتها في كنف المنظومة الخاصة بلغة من اللغات وقوانينها(57).
ويؤكد غيرو ان الكثير من حالات التغير والتحول الدلالي انما هي نتيجة لسبل عديدة لا يسهل حصرها لتشبها ولغرابتها كذلك، ويضرب مثالا على التعقيد والالتواء في تقلبات الكلمات ومعانيها، فان(الكبد الفرنسية Le foie)، كانت في اللاتينية بلفظ jecur الا انه كان في مدينة روما طبق شبي خاص يمنع من الكبد وثمرات التين(هذا اذا لم يكن يقصد بالتين غذاء يخصص لأنواع من الاوز تعرف به) فيغدو اسمه مركباً بالإضافة – jecur – ficatum. ولكن التخفف والاختمار جعلاه ficatum على نحو ما تعرف الفرنسية الحديثة عندما تعبر عن البطاطس المحمرة بـ La pomme de terre frites، وتختصرها فيما بعد بـ(frit: المحمرة) ولكنها تعود الى استعمال هذا المختصر للدلالة على الثمرات الاصلية فيقال " المحمرة المسلوقة ويقصد البطاطس المسلوقة " و " محصول المحمرة بدلا عن محصول البطاطس " وبذا غدت اللفظة اللاتينية ficatum هذه دالة على ذاك النوع من الكبد المطبوخ. وعلى العضو في الجسم(كبد) عامة بدلا من(jecur)
ص266
واذا ما تقصينا تطور الكلمة الفرنسية(foie)، عن الأصل اللاتيني(بعد تقلبه ذاك واستبداله واختصاره) فإننا سنجد تطوراً صوتياً شاذاً، وغير ممكن الشرح والتحليل(58).
لذا كله - كما يقول غيرو - يبدو من الصعب ان نتحدث عن القوانين الدلالية بالدقة العلمية لمصطلح(القانون).
واننا نلاحظ في الافكار التي يقدمها الدلاليون الاوروبيون(بعضهم) وامثلتهم انهم يعاملون اللغة على انها ممتدة ومنتشرة في حقول عديدة منها: المتكلمون في جنبات الحياة كلها، اي باللغة الادبية والعلمية الرسمية، بل ان العامية argot تدرج نتائجها في الدرس اللغوي، ولم يتحدثون عن الاشتقاق العامي(populaire) اضافة الى بحثهم في تاريخ الالفاظ اللاتينية واليونانية، والتغيرات الطارئة عليها صوت ودلالة. وهذا يحملنا على التمييز بن التطبيقات الجزئية الاوروبية وما نحن بسبيله من حديث التطور ؛ ذلك اننا نشير دائماً الى الفصحى والرعية لا العامية - في اي عصر للعربية بعد التدوين - وكذلك نتنبه الى حدود كل من المصطلحات المتداولة من مثل:(اللغة، والكلام) لان طبائع اللغات تباين العربية في اشياء يترتب عليها تفسيرات خاصة بالعربية.
عني اللغويين الاوروبيون - والمحدثون عموماً - منذ ان وفع دوسوسير ثنائية اللغة والكلام ضمن محاوره الاساسية في دراسة علم اللغة، بإقامة حدود تفصل بين هذين القسمين من الظاهرة الحضارية اللغة ومن ثم تتحدث عن خصائص لازمة لكل منهما.
فاللغة(Langage) La langue تمثل نظاماً من الرموز(الكلمات) يتوزع
ص267
على قوانين صوتية وصرفية وتركيبية(نحوية) واسس دلالية، ويستوعب هذا النظام في كتب تحفظ المفردات ودلالاتها، هي المعاجم ومصنفات تحدد القوانين في ابواب اللغة ثم يلحظ في(اللغة) الشمول والاكتمال، والاستقرار الذي يخضع لبعض التبدلات ببطء وعبر ازمان متطاولة، وكذلك يتبين دور الجماعة البشرية في تكوين اللغة وبنائها.
والكلام(Speech) La parole يعني تحقيقاً فعليا محليا لأجزاء من بنيان اللغة فهو فردي، وآني وهو معرض للتبدل والتغير على نطاق واسع نتيجة اختلاف المتحدثين ومستوياتهم، وتأثير ظروفهم والملابسات الخارجية واللغوية الداخلية ؛ واجتماع هذه الحالات من التبدل يؤدي بعد اقرار الجماعة الى تطور في(اللغة)، ويمثل الكلام نوعاً من الاختيار او الابتكار مقابل تعلم(اللغة) بطريقة ولا مجال للتحكم فيه ولا للاختيار(59).
والاشكال في تطبيق هذه المفهومات بحرفية غير متبصرة يكمن في عدم التنبه الى ان الكلام يلتبس بالعامية، ونحن لا نوليها اي اهتمام ونعمل على تصحيح مجاوزتها لقوانين(الفصحى) واعادتها الى الصواب في الاصوات والصيغ والتراكيب، لذا فان عظم ما يعتمد عند اللغويين المحدثين المتأثرين بتقسيم دوسوسير ومن جاء بعده في ميدان(الكلام) ليس مقبولا لدينا برسومه الاوروبية وفي اللغات الاجنبية، واننا نرى تفسير لهذا الجانب من الظاهرة اللغوية.
فاللغة يقبل فيها التصور المذكور مع اشارة الى ان العربية الفصحى تحافظ على بنيانها المتكامل المحفوظ في المعجم، ومصنفات النحو والموف والاصوات
وينظر في دور الكلمة في اللغة، أولمان ٢٨ - 3١ ، ترجمة د. كمال بشر، ط مكتبة الشباب، القاهرة ١٩٧٥ م .
ص268
المعيارية وتبقى ابواب الدلالة للزيادة والنماء في المفردات، اذ تتطور دلالياً بحسب قوانين التطور، وتولد وتبتكر الالفاظ من غير مباينة للامس المعيارية، فالكثرة والازدياد مقبولان في هذه الزاوية.
اما(الكلام) في الفصحى فهو استعمال لجزء من الرصيد اللغوي المتضمن في المعاجم في سياقات متعددة ومتنوعة دلالياً، وهو تحقيق فعلي لضروب من الاوزان والصيغ، ولأنماط اساسية من الوان التركيب النحوي. ونلحظ بعد ذلك امورا:
1- ان الجزء المستعمل من الرصيد(الدلالات) يغنى ويفصل عندما يدور في بيئة تخصصية علمية او علمية ويجاوز(القدر المحدود العام) الذي يمثل عددا من المفردات يدور على الألسنة، ويدون أن في الكتابات السريعة(الصحفية والتعليمية المبسطة او المتداولة خارج بيئات التخصص). 2- ان الالوان التركيبية تتعدد وتغدو تفصيلية في التدوين الادبي بمعناه الواسع اي عند الكتابة الشعرية والنثرية الفنية، وكذلك عندما تؤلف المصنفات الفلسفية والفكرية.
3- ان الصيغ الصرفية تتعدد وتكثر في الحالتين السابقتين، ففي الاولى تدفع الضرورة العلمية الى المصطلحات ودقة ادائها، وفي الاخرى يبحث الكاتب عن الظلال الدقيقة بين الدلالات لتأثيرها الفني والفكري ولبعدها عن اللبس.
وعلى هذا فمصطلح(الكلام) يعني لدينا: التحقيق الفعلي للحديث باللغة العربية في بحالات الحياة اليومية والعلمية، والكتابة والتأليف بها(حتى ذاك الذي يخصص للتمثيل في المسرج والسينما والتلفاز والاذاعة)، واما اللهجات فهي حالات طارئة نشعر بأنها تتأثر بدرجة التعلم والثقافة وتقترب شيئا فشيئا من الفصحى.
ص269
_________________
(1) تاريخ علم اللغة، جورج مونان، ترجمة بدر الدين القاسم، دمشق، وزارة التعليم العالي 1972 م 124.
(2) تاريخ علم اللغة، مونان 149.
(3) تاريخ علم اللغة، مونان 161 – 164.
(4) تاريخ علم اللغة، مونان 187-215.
(5) تاريخ، مونان 217.
(6) تاريخ، مونان 212.
(7) العربية، فك 54، 94، 128، 129.
(8) العربية، فك 40، 75.
(9) البيان والتبيين للجاحظ(1/19-20)، وينظر العربية لفك 17.
(10) العربية، يوهان فك 19، والبيان والتبيين 301.
(11) العربية، فك 100.
(12) فك 26.
(13) المزهر،(1/204).
(14) المزهر(1/268).
(15) العربية، يوهان فك 105.
(16) شرح شذور الذهب، ابن هشام الأنصاري، التجارية 61، تحقيق محيي الدين عبد الحميد.
(17) شرح شذور الذهب، لابن هشام 141-142.
(18) مغني اللبيب لابن هشام الأنصاري(1/49) ط محيي الدين عبد الحميد.
(19) الكنز، بدر، 76، 94، السريانية، زاكية رشدي 55، 59 دار الثقافة القاهرة 1978 م.
(20) برجستراسر في كتابه. التطور النحوي، كما أورده رمضان عبد التواب في(لحن العامة) 31، ويقابل هذا الفهم المنحرف للعربية نظرة أقرب ما تكون الى الصورة الصحيحة، جاءت عند(يوهان فك) في مطلع مصنفه: العربية 2.
(21) لحن العامة، رمضان عبد التواب 65.
(22) العربية، يوهان فك 116 – 118.
(23) العربية، فك 118.
(24) العربية، يوهان فك 203-204.
(25) العربية، فك 205 – 206.
(26) العربية، فك 205 – 206.
(27) إصلاح المنطق لابن السكيت، تحقيق أحمد محمود شاكر، وعبد السلام هارون. دار المعارف بمصر ط 3، 1970، 274 – 278.
(28) إصلاح المنطق 313.
(29) إصلاح المنطق 284.
(30) إصلاح المنطق 278.
(31) إصلاح المنطق 313 – 314، لرمضان عبد التواب فضل الإشارة العامة الى هذه المواضع في(لحن العامة)، وبذا فتح الباب لتحليلنا الدلالي.
(32) Pierre Guiraud, La Semantique p. 43.
(33) رمضان عبد التواب، 158 من(لحن العامة).
(34) الامثلة مستمدة من بحت عبد العزيز مطر: لحن العامة ١١٠ ، ١١١ ، ١١٢.
(35) القاموس المحيط للفيروز ابادي(4/100-101)، ط الحلبي القاهرة.
(36) قاموس سرياني عربي كوستاز 107.
(37) لحن العامة، عبد العزيز مطر ١٦٠ - ١٦١.
(38) لحن العامة رمضان عبد التواب ٢١7
(39) لحن العامة، عبد العزيز مطر ١٩٦ - ١٩٨.
(40) لحن العامة، رمضان عبد التواب ٢3٥ - ٢3٦.
(41) (درة الغواص)، الحريري 3 .
(42) (درة الغواص)، 190.
(43) درة الغواص 13.
(44) درة الغواص 124-125.
(45) درة الغواص ١٥٢ - ١٥٣ .
(46) درة الغواص ١٥٩ .
(47) درة الغواص ٢١٩ .
(48) درة الغواص ٢43 .
(49) درة الغواص 23.
(50) درة الغواص 268، وانظر أيضا 267، القيمة 106 الرياح.
(51) درة الغواص 220.
(52) درة الغواص 28.
(53) أخذت مادة هذا الجانب التاريخي من كتاب: p. Guiraud , la sein , chapitre. III , Iv ومواضع من كتاب أولمان، دور الكلمة، 161 – 162.
(45) pierre Guiraud , La semantique p , p. 49-50
(55) p. Guiraud , semantique p , 70(K. Nyrop , grammaire bistorique de la langue fiancaise IV , Copenhagen 1913).
(56) " Emprunls sociaux "
(57) p. Guiraud , Sem. p. 71.
(58) Pierre Guiraud , La semantique p, p. 71 – 72. Et dictionnaire etymologique p. 312.
(59) De Saussure f. cours de ling. Generale , payol, Paris 1975 p.p. 36-39
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|