أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-3-2018
982
التاريخ: 27-8-2017
1440
التاريخ: 27-8-2017
663
التاريخ: 26-8-2017
1031
|
انتقال الإمامة وموقف المأمون منه:
اقتضت سياسة المأمون العباسي - وهي حال كل مغتصب للسلطة، يقيم حكمه بقوة الحديد والنار -
تصفية خصومه ومنافسيه على الحكم:
فبعد أن قضى على أخيه الأمين سنة (198 هـ / 813م)، ووطد سلطته شيئا فشيئا في بغداد، وأطراف الدولة التي كانت تنتابها القلاقل، بويع له خليفة للمسلمين في كل أنحاء الإمبراطورية الإسلامية. وبعد أن استتب له أمر خراسان وبقية المناطق، جعل مقر خلافته المؤقت مدينة (مرو)، ثم استدعى إليه الإمام الرضا (عليه السلام) وجماعة من كبار ورؤوس الهاشميين من آل أبي طالب من المدينة المنورة سنة (200 هـ / 815م)، لما كان يرى من اقبال الناس على ابن موسى بن جعفر (عليه السلام) وتعطفهم عليه، وأنه أخذ يستهوي قلوب القاصي والداني. فكان هذا الأمر يقلقه كثيرا، إضافة إلى ذلك فإن المأمون العباسي كان يرى أن لجماعة الهاشميين وعلى رأسهم الإمام الرضا (عليه السلام) دور في الثورات والحركات - العلوية خاصة - التي حدثت في الكوفة أو اليمن أو المدينة ومكة، كثورة ابن طباطبا وأبي السرايا سنة (199 هـ / 814م) التي انطلقت من الحجاز وامتدت إلى الكوفة ثم تطورت فشملت أكثر مناطق العراق. وحركة إبراهيم بن موسى بن جعفر في اليمن، وثورة محمد بن جعفر الصادق في المدينة المنورة على عهد هارون الرشيد. وثورة زيد بن موسى بن جعفر الملقب ب (زيد النار) في البصرة. خاصة وأن دعواتهم كانت تنطلق باسم: (للرضا من آل محمد).
وفي مناورة سياسية حاذقة دبرها المأمون مع وزيره الفضل بن سهل، رأى أن يسلم الخلافة للإمام الرضا (عليه السلام) فأبى عليه الإمام إباء شديدا، فأصر عليه المأمون قبول ولاية العهد. وأحس الإمام بالمناورة وأهدافها البعيدة، فقبل ذلك بشروط رآها (عليه السلام) تحقق المصلحة العامة، على الأقل في مرحلته الراهنة. ولم تمر سنة ونصف على جلوس الإمام الرضا (عليه السلام) في ولاية العهد، كان خلالها المأمون يتحين الفرصة السانحة للقضاء عليه دون أن يشعر أحد بذلك، ودون أن توجه إليه أصابع الاتهام، ويسخط عليه الرأي العام. وفعلا فقد نجح الداهية اللعين في مسعاه ذلك، وقضى على أفضل رجل على وجه الأرض، كما عبر هو بذلك عنه (1). ثم بعد أن استراح من تصفية أعظم وأقوى شخصية دينية واجتماعية وسياسية، كانت تقض مضجعه، وهو متوجه في طريقه إلى بغداد، للقضاء على التمرد الذي حدث فيها، من قبل العباسيين الناقمين والحاقدين عليه لمقتل الأمين وتنصيبه للرضا (عليه السلام) وليا للعهد، مع حقدهم على آل أبي طالب، واستبداله لبس الخضرة بدل السواد شعار العباسيين التقليدي. فقد كان العباسيون أن أعلنوا الانفصال في بغداد، وبايعوا إبراهيم الخليع الماجن خليفة عليهم، وتبعه الغوغاء من الناس، وأهل المجون والطرب. وقبل دخول المأمون بغداد في المحرم من سنة (204هـ/818م) هرب إبراهيم وأعوانه مختفين في بغداد مدة طويلة، يطاردهم الخوف والرعب من سطوة المأمون، وبعد دخوله بغداد واستتباب الأمن فيها، بدأ بإنشاء قصور جديدة له ولوزرائه وقواده، وأخذ في تنظيم عاصمة الخلافة من جديد. في خضم تلك الظروف الحساسة التي كان الجهاز الحاكم يعالج بها أوضاعه لتوطيد سلطانه، وفي ظلال الهدوء الذي ساد المدينة ومكة، نتيجة توقف الانتفاضات والثورات بعد قبول الإمام الرضا (عليه السلام) لولاية العهد، بدأ الإمام الجواد (عليه السلام) يمارس مهامه القيادية للأمة في توجهاتها الدينية والفكرية. وهكذا فقد شغل الصبي الوصي، والوريث الوحيد لأبيه الرضا (عليه السلام) منصب الإمامة منذ اللحظة التي توفي فيها الإمام الرضا (عليه السلام).. فما أن وافى نبأ شهادة الإمام أبي الحسن (عليه السلام) أهالي المدينة (2) حتى هرعوا إلى أبي جعفر الجواد (عليه السلام) يعزونه مصابه، ويشاركونه الأسى، وأخذت الوفود تقصده من بقية المناطق، وتتقاطر عليه مسلمة ورافعة إليه التعازي، وهي منبهرة بإمامة ابن سبع سنين، خاصة وأنه (عليه السلام) كان يستهوي الجماهير وشيعته بحسن منطقه، ويستجلب انتباههم بإجاباته العلمية الدقيقة وما يحمله من علوم ومعارف، الأمر الذي لم يعهده أحد من قبل لا من الشيعة ولا من غيرهم، لذا فقد أضحى حديث أبي جعفر الثاني (عليه السلام) يطغى على الساحة، وأخذ حديث إمامته ونبوغه يسري شيئا فشيئا إلى مختلف أقطار الدولة الإسلامية، بعد أن أصبح حديث الناس عامة في مكة والمدينة وبغداد والكوفة.
لقاء الوفود:
الاستدعاء إلى بغداد:
وينتقل إلى سمع المأمون خبر الوفود التي أمت دار الإمام في الموسم، لاستفتائه في المسائل الشرعية أو لتحويل الحقوق الشرعية إليه، أو لزيارته والتبرك بالنظر إليه والسلام عليه فقط.. كما أن وفاة الإمام الرضا (عليه السلام) لم يمض عليها وقت طويل.. وأصابع الاتهام ما زالت تشير إليه بقتل الإمام الرضا (عليه السلام)..
والأسئلة والاستفسارات ما زالت تطرح في النوادي والتجمعات.. والشائعات تثار هنا وهناك من أن تدبير القتل صدر من بلاط الخليفة.. إذن لا بد من موقف جديد، يكم الأفواه، ويموه على العامة، ويجلب رضا البسطاء.. فينبغي إذا والحال هذه أن يستدعي المأمون بإشخاص ابن الرضا إليه وإظهار المبالغة في إكرامه، وتعظيمه، وإجلاله. وهكذا كان: فقد أصدر أوامره باستحضار أبي جعفر من المدينة إلى بغداد. ومن خلال استعراض ومتابعة حياة الإمام الجواد (عليه السلام) بما لدينا من النصوص التاريخية والروايات، نستطيع استظهار وتثبيت عدة أمور، وفي ضوء تلك الثوابت - اعتبرناها ثوابت تاريخية لعدم وجود نصوص موثقة أخرى تعارضها - يمكن قبول بعض النصوص والروايات أو تصحيحها. والأمل أن نوفق للصواب إن شاء الله تعالى. ومن تلك الثوابت:
1 - إن زواج الإمام من أم الفضل بنت المأمون كان أول زواج له، أي لم يقترن بامرأة قبلها. ثم بعد اقترانه بها سنة (205 ه) وعودته إلى المدينة تسرى (3) عليها، لأنه على ما يظهر لم يكن راغبا بها، ولم يشأ أن يكون له منها نسل، أو أنها أصلا لم تحمل منه (عليه السلام) بمشيئة الله.
2 - إن الزواج من أم الفضل تم على ثلاث مراحل: الأولى: أنها سميت له في رمضان سنة (201 ه) يوم عقد لأبيه الرضا (عليه السلام) ولاية العهد وتزوج من ابنة المأمون أم حبيبة. والمرحلة الثانية: تم إجراء العقد الشرعي عليها في حفل رسمي مجلل، لدى وروده بغداد، للمرة الأولى، وفي تقديرنا - وحسب ما استنتجناه من الروايات - كان ذلك سنة (205 ه) أو نحوها. والمرحلة الثالثة: عودته ثانية إلى بغداد ودخوله بها بأمر من المأمون العباسي، وذلك سنة (215 ه).
3 - إن ولادة ابنه علي الهادي (عليه السلام) كانت في المدينة المنورة سنة (212 ه)، على الأرجح في قريتهم (صريا) التي بناها جده الكاظم (عليه السلام) واتخذوها مسكنا ثانيا لهم.
4 - من خلال الروايات والنصوص التاريخية نستنتج أن للإمام الجواد (عليه السلام) ثلاث رحلات إلى بغداد، الأولى في صباه يوم كان ابن سبع أو تسع سنين، بعد قدوم المأمون إليها، واستقراره بها، والثانية يوم استدعاه المأمون العباسي أيضا في القدوم عليه، وأمره بالدخول، بابنته أم الفضل، وكان يومها في العشرين من عمره أو نحوها، والثالثة وهي الخاتمة لحياته، وكانت في عهد المعتصم في أوائل سنة (220 ه). أما رواية إسماعيل بن مهران التي يرويها الكليني في الكافي بسنده عنه، والتي تحدث فيها عن وجود رحلتين لأبي جعفر (عليه السلام) إلى بغداد، وهو - أي إسماعيل - المحدث الثقة، المعتمد عليه، قال في روايته: لما خرج أبو جعفر (عليه السلام) من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولى من خرجتيه، قلت له - عند خروجه -: جعلت فداك إني أخاف عليك في هذا الوجه، فإلى من الأمر بعدك؟ فكر بوجهه إلي ضاحكا، وقال: ليس حيث ظننت في هذه السنة. فلما أخرج الثانية إلى المعتصم، صرت إليه، فقلت له: جعلت فداك، أنت خارج، فإلى من الأمر من بعدك؟ فبكى حتى اخضلت لحيته، ثم التفت إلى فقال: عند هذه يخاف علي، الأمر بعدي إلى ابني علي (4). أقول: في توجيه هذا الخبر، لعل الراوي ناظر إلى الرحلتين الأخيرتين، الثانية والثالثة التي كان يخشى فيهما على حياة الإمام، دون الأولى يوم كان صغيرا بعد لم يبلغ الحلم، ولم تكن شخصيته قد تبلورت بالشكل الذي كانت عليه وهو في العشرين من عمره، بعد أن أذعنت له الأمة الإسلامية في جميع أطراف الدولة المترامية شرقا وغربا بالإمامة، وشهدت له بالتفوق العلمي، ومكارم الأخلاق، وفي القرابة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبانت معجزاته (عليه السلام) للحاضر والبادي، والقاصي والداني، وحيث إن الاستدعائين الأخيرين لم يكونا طبيعيين، خاصة في المرة الثانية، إذ كان التوتر بين البيتين العباسي والهاشمي يتصاعد حدة، وكان للزواج اللاموفور، والاقتران المريب بين البيتين، عامل مساعد لطرف الصراع القوي في الانتقام من الطرق الآخر الذي هو تحت سيطرته، وفي قبضته الحديدية، لكن حلم المأمون ودهائه، وحنكته السياسية لم تجعله يتورط في الاسراع بتسديد الضربة القاضية النهائية لمنافسه الذي كان ينمو وينتشر في وسط الأمة، ولعله أو كل الأمر إلى خليفته من بعده ليقوم بتنفيذ المهمة. ثم إن الراوي أبدى تخوفه وقلقه في الدفعة الأولى، وهي الاستدعاء الثاني له من قبل المأمون العباسي، بقوله: إني أخاف عليك من هذا الوجه. وهو تخوف كان يساور بيت الإمام وأصحابه من طاغية زمانه لما ذكرناه، فكان التوقع عدم عودة الإمام في هذه من بغداد. أما في الخرجة الثانية من الخرجتين الأخيرتين، التي أشار إليها الراوي بقوله: أنت خارج. يعني لا ندري إما أت تعود وإما لا تعود، فلو قدر أن لا تعود، فإلى من الأمر من بعدك؟ هنا يبدي الراوي السائل قلقه، لكنه بدرجة أقل من المرة الأولى. وفي كلا المرتين كان جواب الإمام (عليه السلام) خلاف ما توقعه السائل. فالرحلات إلى بغداد ثلاثة بناء على ما سيأتي في استظهار جدول السنين، ولم يسافر إلى غيرها، إلا ما كان من ذهابه إلى خراسان وغسل والده الإمام الرضا (عليه السلام) والصلاة عليه. ثم شهوده موسم الحج، فإنه كان يتردد على مكة المكرمة، إذ تركه أباه الرضا (عليه السلام) في مكة حين سفره إلى خراسان، ثم عاد إليها سنة (205 ه) بعد الزواج حاجا. ويبدو أنه (عليه السلام) كان يحج بعد ذلك كل عام. وأما ما انفرد به البيهقي محمد بن الحسين المتوفى سنة (469هـ/ 1077م) في تاريخ بيهق، من أن الجواد (عليه السلام) قدم على أبيه في خراسان سنة (202ه)، فهي رواية تبقى محل تأمل ونظر، لأن المعروف والذي يتناقله العلماء والمشايخ، أن الرضا (عليه السلام) كان يراسل ابنه أبا جعفر على الدوام طيلة مدة ولايته للعهد. اللهم إلا أن يكون قدومه لغرض غسل وتجهيز والده بعد وفاته سنة (203ه). وقد اختلف العلماء والمؤرخون في تأريخي الرحلتين الأولى والثانية، واتفقوا جميعا على تاريخ الرحلة الثالثة، من أنها كانت سنة (220ه)، حيث حضر موسم الحج لسنة (219ه)، ثم من مكة توجه في طريقه إلى بغداد، فدخلها يوم الثامن والعشرين من المحرم من السنة التالية (220 ه).
_____________
(1) راجع الإرشاد / المفيد: 2 / 261.
(2) في تقديرنا أن الإمام الجواد (عليه السلام) أخبر أهل بيته وعمومته بشهادة أبيه في صباح ليلة وفاته وتغسيله من قبله (عليه السلام)، لكن يبدو لصغر سن أبي جعفر أنهم لم يلتفتوا إلى قوله، حتى كرر عليهم في اليوم التالي بأن ينصبوا مأتما لخير من صلى. فعرفوا منه شهادة أبي الحسن الرضا بعد يومين من وفاته (عليه السلام)، ثم بعد عدة أيام ورد الخبر من خراسان بشهادته. هكذا ورد في الرواية التي ذكرناها في باب معاجز الإمام وكراماته عن أمية بن علي.
(3) أي اتخذ سدية وهي الأمة تقام في البيت لغرض الاستيلاد. راجع الإرشاد: 2 / 288.
(4) أصول الكافي: 1 / 323.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|