المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16676 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
من آداب عصر الغيبة: القيام عند ذكر القائم
2024-07-03
من آداب عصر الغيبة: طلب التشرف بلقائه
2024-07-03
ما الفرق بين الأفعال الأخلاقيّة وغيرها؟
2024-07-03
ما الأخلاق؟
2024-07-03
من آداب عصر الغيبة: الزيارة
2024-07-03
صور الرقابة الإدارية
2024-07-03

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الاية (187) من سورة البقرة  
  
11368   02:26 مساءً   التاريخ: 20-2-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الباء / سورة البقرة /


قال تعالى : {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } [البقرة: 187].

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآية (1) :

بين سبحانه وقت الصيام وما يتعلق به من الأحكام فقال {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} أي الجماع وقال ابن عباس أن الله سبحانه حيي يكني بما شاء أن الرفث واللباس والمباشرة والإفضاء هو الجماع وقال الزجاج الرفث هو كلمة جامعة لكل ما يريد الرجل من المرأة وهذا يقتضي تحريما متقدما أزيل عنهم والمراد بليلة الصيام الليلة التي يكون في غدها الصوم وروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله كراهية الجماع في أول ليلة من كل شهر إلا أول ليلة من شهر رمضان فإنه يستحب ذلك لمكان الآية والأشبه أن يكون المراد به ليالي الشهر كله وإنما وحده لأنه اسم جنس يدل على الكثرة { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } أي هن سكن لكم وأنتم سكن لهن كما قال { وجعلنا الليل لباسا } أي سكنا عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والمعنى تلابسونهن وتخالطونهن بالمساكنة أي قل ما يصبر أحد الزوجين عن الآخر وقيل إنما جعل كل واحد منهما لباسا للآخر لانضمام جسد كل واحد منهما إلى جسد صاحبه حتى يصير كل واحد منهما لصاحبه كالثوب الذي يلبسه فلما كانا يتلابسان عند الجماع سمي كل واحد منهما لباسا لصاحبه وقال الربيع هن فراش لكم وأنتم لحاف لهن.

 { علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم } لما حرم عليهم الجماع والأكل بعد النوم وخالفوا في ذلك ذكرهم الله بالنعمة في الرخصة التي نسخت تلك التحريمة فقال { علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم } بالمعصية أي لا تؤدون الأمانة بالامتناع عن المباشرة وقيل معنى تختانون تنقصون أنفسكم من شهواتها وتمنعونها من لذاتها باجتناب ما نهيتم عنه فخففه الله عنكم { فتاب عليكم } أي قبل توبتكم وقيل معناه فرخص لكم وأزال التشديد عنكم { وعفا عنكم } فيه وجهان ( أحدهما ) غفر ذنوبكم ( والآخر ) أزال تحريم ذلك عنكم وذلك عفو عن تحريمه عليهم.

{ فالآن باشروهن } بالليل أي جامعوهن لفظه أمر ومعناه الإباحة { وابتغوا ما كتب الله لكم } فيه قولان ( أحدهما ) اطلبوا ما قضى الله لكم من الولد عن الحسن وأكثر المفسرين وهو أن يجامع الرجل أهله رجاء أن يرزقه الله ولدا يعبده ويسبح له ( والآخر ) اطلبوا ما كتب الله لكم من الحلال الذي بينه في كتابه فإن الله يحب أن يؤخذ برخصة كما يحب أن يؤخذ بعزائمه وقوله { وكلوا واشربوا } إباحة للأكل والشرب { حتى يتبين لكم } أي ليظهر ويتميز لكم على التحقيق الخيط الأبيض من الخيط الأسود أي النهار من الليل فأول النهار طلوع الفجر الثاني وقيل بياض الفجر من سواد الليل وقيل بياض أول النهار من سواد آخر الليل وإنما شبه ذلك بالخيط لأن القدر الذي يحرم الإفطار من البياض يشبه الخيط فيزول به مثله من السواد ولا اعتبار بالانتشار.

 {من الفجر} يحتمل - من – معنيين (أحدهما) أن يكون بمعنى التبعيض لأن المعنى من بعض الفجر وليس الفجر كله عن ابن دريد (والآخر) أنه للتبيين لأنه بين الخيط الأبيض فكأنه قال الخيط الأبيض الذي هو الفجر وروي أن عدي بن حاتم قال للنبي إني وضعت خيطين من شعر أبيض وأسود فكنت أنظر فيهما فلا يتبين لي فضحك رسول الله حتى رؤية نواجذه ثم قال يا ابن حاتم إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل فابتداء الصوم من هذا الوقت.

 ثم بين تعالى الانتهاء فقال { ثم أتموا الصيام إلى الليل } أي من وقت طلوع الفجر الثاني وهو المستطيل المعترض الذي يأخذ الأفق وهو الفجر الصادق الذي يجب عنده الصلاة إلى وقت دخول الليل وهو بعد غروب الشمس وعلامة دخوله على الاستظهار سقوط الحمرة من جانب المشرق وإقبال السواد منه وإلا فإذا غابت الشمس مع ظهور الآفاق في الأرض المبسوطة وعدم الجبال والروابي(2) فقد دخل الليل وقوله { ولا تباشروهن } في معناه قولان هاهنا ( أحدهما ) أنه أراد به الجماع عن ابن عباس والحسن وقتادة ( والثاني ) أنه أراد الجماع وكل ما دونه من قبلة وغيرها من مالك وابن زيد وهو مذهبنا .

وقوله { وأنتم عاكفون في المساجد } أي معتكفون أي لا تباشروهن في حال اعتكافكم في المساجد والاعتكاف لا يصح عندنا إلا في أحد المساجد الأربعة المسجد الحرام ومسجد النبي ومسجد الكوفة ومسجد البصرة وعند سائر الفقهاء يجوز في سائر المساجد إلا أن مالكا قال أنه يختص بالجامع ولا يصح الاعتكاف عندنا إلا بصوم وبه قال أبو حنيفة ومالك وعند الشافعي يصح بغير صوم وعندنا لا يكون إلا في ثلاثة أيام وعند أبي حنيفة يوم واحد وعند مالك عشرة أيام لا يجوز أقل منه وعند الشافعي ما شاء ولوساعة واحدة وفي الآية دلالة على تحريم المباشرة في الاعتكاف ليلا ونهارا لأنه علق المباشرة بحال الاعتكاف .

وقوله {تلك حدود الله} تلك إشارة إلى الأحكام المذكورة في الآية حدود الله حرمات الله عن الحسن وقيل معناه معاصي الله عن الضحاك وقيل ما منع الله منه عن الزجاج {فلا تقربوها} أي فلا تأتوها وقيل معناه تلك فرائض الله فلا تقربوها بالمخالفة {كذلك} أي مثل هذا البيان الذي ذكر {يبين الله آياته للناس} أي حججه وأدلته على ما أمرهم به ونهاهم عنه {لعلهم يتقون} أي لكي يتقوا معاصيه وتعدي حدوده فيما أمرهم به ونهاهم عنه وأباحهم إياها وفي هذا دلالة على أن الله تعالى أراد التقوى من جميع الناس .

__________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج2، ص22-24.

2- الروابي جمع رابية : ما ارتفع من الارض.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآية (1) :

{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ} . أي يجوز للصائم أن يأتي امرأته في ليلة الصيام ، وليلة الصيام تشمل جميع ليالي رمضان ، ولا تختص بليلة دون أخرى ، ولا بجزء من الليلة دون جزء ، للإطلاق وعدم التقييد .

وكنّى اللَّه سبحانه بالرفث عن الجماع تنزيها في التعبير ، كما كنّى عنه في آيات أخر باللمس والإفضاء والدخول والغشيان والمقاربة ، قال تعالى : {لامَسْتُمُ النِّساءَ} .

أفضى بعضكم إلى بعض . دخلتم بهن . فلما تغشاها . ولا تقربوهن حتى يطهرن .

قال ابن عباس : ان اللَّه حيي يكني بما شاء .

{هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ } . قال بعض المفسرين : اللباس هنا كناية عن المعانقة . وقال الرازي : ان الربيع قال : المراد هن فراش لكم ، وأنتم لحاف لهن . . وهذا تماما كترجمة بعض المستشرقين : هن بنطلون لكم وأنتم بنطلون لهن . . والصحيح ان اللباس هنا مصدر لابس ، بمعنى خالط ، والقصد بيان حكمة الترخيص في مباشرة النساء ليلة الصيام ، وهي ان شدة المخالطة والمعاشرة بين الزوجين تجعل من العسير على الرجل أن يصبر عن امرأته .

{عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وعَفا عَنْكُمْ } . الخطاب للبعض لا للكل ، ونستكشف من لفظ الخيانة والتوبة والعفوان البعض قد صدرت عنه معصية للَّه ، ونستكشف نوع هذه المعصية من قوله تعالى : { فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ } ، إذ المفهوم منه انه قد أحل لكم من الآن مباشرة نسائكم ، ولازم هذا ان المباشرة كانت محرمة من قبل ، ثم صارت حلالا .

وقال أكثر المفسرين : ان اللَّه أحل للصائم في أول الشريعة أن يأكل ويشرب ويجامع في ليلة الصيام بشرط أن لا ينام ، أو يصلي صلاة العشاء ، فإذا نام في الليل أو صلى العشاء حرم عليه الطعام والشراب والجماع ، حتى تدخل الليلة التالية ، وان بعض الصحابة لم يتقيد بهذا الشرط ، وجامع امرأته بعد ان استيقظ من

رقاده ، ثم ندم ، واعترف للنبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) بذنبه ، فنزلت الآية . .

ومهما يكن ، فان للنفس ميولا لا يملك الإنسان كبح جماحها في كثير من الأحيان ، فيشبعها مستخفيا من الناس ، أو محرفا دين اللَّه ، فالأفضل تحليل الشيء المرغوب ، ان كان هناك وجه للتحليل ، كي لا يتمادى الإنسان في الغي ، وتجره المعصية الأولى إلى المعصية مرات ومرات ، وبالتالي إلى الاستخفاف واللامبالاة بالدين واحكام اللَّه .

{وابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} من التمتع بالنساء ليلة الصيام الذي كان محرما عليكم من قبل .{ وكُلُوا واشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}. أي أبيح لكم الأكل والشرب ، كما أبيح لكم الجماع من أول الليل ، حتى مطلع الفجر ، وعن رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) : ( الفجر فجران : فأما الذي كأنه ذنب السرحان ، فإنه لا يحل شيئا ، ولا يحرمه ، واما المستطيل الذي يأخذ في الأفق - أي ينتشر فيه - فإنه يحل الصلاة ، ويحرم الطعام) .

{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ } . مبدأ الصيام أول الفجر ، ومنتهاه أول الليل ، ويدخل الليل بمجرد مغيب الشمس ، ولكن مغيبها لا يعرف بمواراتها عن العيان ، بل بارتفاع الحمرة من المشرق ، لأن المشرق مطل على المغرب ، وعلى هذا تكون الحمرة المشرقية انعكاسا لنور الشمس ، وكلما أوغلت الشمس في المغيب تقلص هذا الانعكاس . أما ما نسب إلى الشيعة من أنهم يؤخرون صلاة المغرب والإفطار في رمضان حتى تشتبك النجوم فهو كذب وافتراء ، فقد قيل للإمام الصادق ( عليه السلام ) : ان أهل العراق يؤخرون المغرب حتى تشتبك النجوم ، قال : هذا من عمل عدو اللَّه أبي الخطاب .

{ولا تُبَاشِرُوهُنَّ وأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ } . في كتب الفقه باب خاص ، اسمه باب الاعتكاف ، وفي الغالب يذكره الفقهاء بعد باب الصوم ، ومعنى الاعتكاف في الشرع أن يقيم الإنسان في المسجد الجامع ثلاثة أيام بليلتين على الأقل صائما ، على أن لا يخرج من المسجد إلا لحاجة ماسة ، ويعود بعد قضائها مباشرة ، ويحرم على المعتكف مباشرة النساء ليلا ونهارا ، حتى التقبيل واللمس بشهوة . . والنهي هنا متعلق بمباشرة النساء إطلاقا في المسجد وخارجه ، فإذا خرج المعتكف من المسجد ، وجامع ليلا ، واغتسل ، ثم رجع إلى المسجد فقد

ارتكب محرما ، وعليه كفارة من أفطر في شهر رمضان متعمدا : عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو اطعام ستين مسكينا .

_____________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1 ، ص289-291.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآية (1) :

قوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} ، الإحلال بمعنى الإجازة، وأصله من الحل مقابل العقد، والرفث هو التصريح بما يكنى عنه مما يستقبح ذكره، من الألفاظ التي لا تخلو عنها مباشرة النساء، وقد كني به هاهنا عن عمل الجماع وهومن أدب القرآن الكريم وكذا سائر الألفاظ المستعملة فيه في القرآن كالمباشرة والدخول والمس واللمس والإتيان والقرب كلها ألفاظ مستعملة على طريق التكنية، وكذا لفظ الوطء والجماع وغيرهما المستعملة في غير القرآن ألفاظ كنائية وإن أخرج كثرة الاستعمال بعضها من حد الكناية إلى التصريح، كما أن ألفاظ الفرج والغائط بمعناهما المعروف اليوم من هذا القبيل، وتعدية الرفث بإلى لتضمينه معنى الإفضاء على ما قيل.

قوله تعالى: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن}، الظاهر من اللباس معناه المعروف وهوما يستر به الإنسان بدنه، والجملتان من قبيل الاستعارة فإن كلا من الزوجين يمنع صاحبه عن اتباع الفجور وإشاعته بين أفراد النوع فكان كل منهما لصاحبه لباسا يواري به سوأته ويستر به عورته.

وهذه استعارة لطيفة، وتزيد لطفا بانضمامها إلى قوله: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم، فإن الإنسان يستر عورته عن غيره باللباس، وأما نفس اللباس فلا ستر عنه فكذا كل من الزوجين يتقي به صاحبه عن الرفث إلى غيره، وأما الرفث إليه فلا لأنه لباسه المتصل بنفسه المباشر له.

قوله تعالى: {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم}، الاختيان والخيانة بمعنى، وفيه معنى النقص على ما قيل، وفي قوله: أنكم تختانون، دلالة على معنى الاستمرار، فتدل الآية على أن هذه الخيانة كانت دائرة مستمرة بين المسلمين منذ شرع حكم الصيام فكانوا يعصون الله تعالى سرا بالخيانة لأنفسهم، ولولم تكن هذه الخيانة منهم معصية لم ينزل التوبة والعفو، وهما وإن لم يكونا صريحين في سبق المعصية لكنهما، وخاصة إذا اجتمعا، ظاهران في ذلك.

وعلى هذا فالآية دالة على أن حكم الصيام كان قبل نزول الآية حرمة الجماع في ليلة الصيام، والآية بنزولها شرعت الحلية ونسخت الحرمة كما ذكره جمع من المفسرين، ويشعر به أو يدل عليه قوله: {أحل لكم}، وقوله: {كنتم تختانون}، وقوله: {فتاب عليكم وعفا عنكم}، وقوله: {فالآن باشروهن}، إذ لولا حرمة سابقة كان حق الكلام أن يقال: فلا جناح عليكم أن تباشروهن أو ما يؤدي هذا المعنى، وهو ظاهر.

وربما يقال: إن الآية ليست بناسخة لعدم وجود حكم تحريمي في آيات الصوم بالنسبة إلى الجماع أو إلى الأكل والشرب، بل الظاهر كما يشعر به بعض الروايات المروية من طرق أهل السنة والجماعة، أن المسلمين لما نزل حكم فرض الصوم وسمعوا قوله تعالى: {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} الآية، فهموا منه التساوي في الأحكام من جميع الجهات، وقد كانت النصارى كما قيل: إنما ينكحون ويأكلون ويشربون في أول الليل ثم يمسكون بعد ذلك فأخذ بذلك المسلمون، غير أن ذلك صعب عليهم، فكان الشبان منهم لا يكفون عن النكاح سرا مع كونهم يرونه معصية وخيانة لأنفسهم، والشيوخ ربما أجهدهم الكف عن الأكل والشرب بعد النوم، وربما أخذ بعضهم النوم فحرم عليه الأكل والشرب بزعمه فنزلت الآية فبينت أن النكاح والأكل والشرب غير محرمة عليهم بالليل في شهر رمضان، وظهر بذلك: أن مراد الآية بالتشبيه في قوله تعالى: {كما كتب على الذين من قبلكم}، التشبيه في أصل فرض الصوم لا في خصوصياته، وأما قوله تعالى: {أحل لكم} فلا يدل على سبق حكم تحريمي بل على مجرد تحقق الحلية كما في قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ } [المائدة: 96] ، إذ من المعلوم أن صيد البحر لم يكن محرما على المحرمين قبل نزول الآية، وكذا قوله تعالى: {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم}، إنما يعني به أنهم كانوا يخونون بحسب زعمهم وحسبانهم ذلك خيانة ومعصية، ولذا قال: تختانون أنفسكم ولم يقل: تختانون الله كما قال: {لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ} [الأنفال: 27] ، مع احتمال أن يراد بالاختيان النقص، والمعنى علم الله أنكم كنتم تنقصون أنفسكم حظوظها من المشتهيات من نكاح وغيره، وكذا قوله تعالى: فتاب عليكم وعفا عنكم، غير صريح في كون النكاح معصية محرمة هذا.

وفيه ما عرفت: أن ذلك خلاف ظاهر الآية فإن قوله تعالى: {أحل لكم}، وقوله: {كنتم تختانون أنفسكم}، وقوله: {فتاب عليكم وعفا عنكم}، وإن لم تكن صريحة في النسخ غير أن لها كمال الظهور في ذلك، مضافا إلى قوله تعالى: {فالآن باشروهن} "إلخ"، إذ لولم يكن هناك إلا جواز مستمر قبل نزول الآية وبعدها لم يكن لهذا التعبير وجه ظاهر، وأما عدم اشتمال آيات الصوم السابقة على هذه الآية على حكم التحريم فلا ينافي كون الآية ناسخة فإنها لم تبين سائر أحكام الصوم أيضا مثل حرمة النكاح والأكل والشرب في نهار الصيام، ومن المعلوم أن رسول الله كان قد بينه للمسلمين قبل نزول هذه الآية فلعله كان قد بين هذا الحكم فيما بينه من الأحكام، والآية تنسخ ما بينه الرسول وإن لم تشتمل كلامه تعالى على ذلك.

فإن قلت: قوله تعالى: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن}، يدل على سبب تشريع جواز الرفث فلا بد أن لا يعم الناسخ والمنسوخ لبشاعة أن يعلل النسخ بما يعم الناسخ والمنسوخ معا وإن قلنا: إن هذه التعليلات الواقعة في موارد الأحكام حكم ومصالح لا علل، ولا يلزم في الحكمة أن تكون جامعة ومانعة كالعلل فلوكان الرفث محرما قبل نزول الآية ثم نسخ بالآية المحللة لم يصلح تعليل نسخ التحريم بأن الرجال لباس للنساء وهن لباس لهم.

قلت: أولا إنه منقوض بتقييد قوله: {أحل لكم} بقوله: {ليلة الصيام} مع أن حكم اللباس جار في النهار كالليل وهو محرم في النهار، وثانيا: أن القيود المأخوذة في الآية من قوله: {ليلة الصيام}، وقوله: {هن لباس لكم}، وقوله: {أنكم كنتم تختانون أنفسكم}، تدل على علل ثلاث مترتبة يترتب عليها الحكم المنسوخ والناسخ فكون أحد الزوجين لباسا للآخر يوجب أن يجوز الرفث بينهما مطلقا، ثم حكم الصيام المشار إليه بقوله: {ليلة الصيام}، والصيام هو الكف والإمساك عن مشتهيات النفس من الأكل والشرب والنكاح يوجب تقييد جواز الرفث وصرفه إلى غير مورد الصيام، ثم صعوبة كف النفس عن النكاح شهرا كاملا عليهم ووقوعهم في معصية مستمرة وخيانة جارية يوجب تسهيلا ما عليهم بالترخيص في ذلك ليلا، وبذلك يعود إطلاق حكم اللباس المقيد بالصيام إلى بعض إطلاقه وهو أن يعمل به ليلا لا نهارا، والمعنى والله أعلم: أن إطلاق حكم اللباس الذي قيدناه بالصيام ليلا ونهارا وحرمناه عليكم حللناه لكم لما علمنا أنكم تختانون أنفسكم فيه وأردنا التخفيف عنكم رأفة ورحمة، وأعدنا إطلاق ذلك الحكم عليه في ليلة الصيام وقصرنا حكم الصيام على النهار فأتموا الصيام إلى الليل.

والحاصل: أن قوله تعالى: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن}، وإن كان علة أو حكمة لإحلال أصل الرفث إلا أن الغرض في الآية ليس متوجها إليه بل الغرض فيها بيان حكمة جواز الرفث ليلة الصيام وهو مجموع قوله: {هن لباس لكم} إلى قوله: {وعفا عنكم}، وهذه الحكمة مقصورة على الحكم الناسخ ولا يعم المنسوخ قطعا.

قوله تعالى: {فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم}، أمر واقع بعد الحظر فيدل على الجواز، وقد سبقه قوله تعالى: في أول الآية: {أحل لكم} والمعنى فمن الآن تجوز لكم مباشرتهن، والابتغاء هو الطلب، والمراد بابتغاء ما كتب الله هو طلب الولد الذي كتب الله سبحانه ذلك على النوع الإنساني من طريق المباشرة، وفطرهم على طلبه بما أودع فيهم من شهوة النكاح والمباشرة، وسخرهم بذلك على هذا العمل فهم يطلبون بذلك ما كتب الله لهم وإن لم يقصدوا ظاهرا إلا ركوب الشهوة ونيل اللذة كما أنه تعالى كتب لهم بقاء الحياة والنمو بالأكل والشرب وهو المطلوب الفطري وإن لم يقصدوا بالأكل والشرب إلا الحصول على لذة الذوق والشبع والري، فإنما هو تسخير إلهي.

وأما ما قيل: إن المراد بما كتب الله لهم الحل والرخصة فإن الله يحب أن يؤخذ برخصة كما يحب أن يؤخذ بعزائمه، فيبعده: أن الكتابة في كلامه غير معهودة في مورد الحلية والرخصة.

قوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}، الفجر فجران، فجر أول يسمى بالكاذب لبطلانه بعد مكث قليل وبذنب السرحان لمشابهته ذنب الذئب إذا شاله، وعمود شعاعي يظهر في آخر الليل في ناحية الأفق الشرقي إذا بلغت فاصلة الشمس من دائرة الأفق إلى ثمانية عشر درجة تحت الأفق، ثم يبطل بالاعتراض فيكون معترضا مستطيلا على الأفق كالخيط الأبيض الممدود عليه وهو الفجر الثاني، ويسمى الفجر الصادق لصدقه فيما يحكيه ويخبر به من قدوم النهار واتصاله بطلوع الشمس.

ومن هنا يعلم أن المراد بالخيط الأبيض هو الفجر الصادق، وأن كلمة من، بيانية وأن قوله تعالى: {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض} من قبيل الاستعارة بتشبيه البياض المعترض على الأفق من الفجر، المجاور لما يمتد معترضا معه من سواد الليل بخيط أبيض يتبين من الخيط الأسود.

ومن هنا يعلم أيضا: أن المراد هو التحديد بأول حين من طلوع الفجر الصادق فإن ارتفاع شعاع بياض النهار يبطل الخيطين فلا خيط أبيض ولا خيط أسود.

قوله تعالى: {ثم أتموا الصيام إلى الليل}، لما دل التحديد بالفجر على وجوب الصيام إلى الليل بعد تبينه استغنى عن ذكره إيثارا للإيجاز بل تعرض لتحديده بإتمامه إلى الليل، وفي قوله: {أتموا} دلالة على أنه واحد بسيط وعبادة واحدة تامة من غير أن تكون مركبة من أمور عديدة كل واحد منها عبادة واحدة، وهذا هو الفرق بين التمام والكمال حيث إن الأول انتهاء وجود ما لا يتألف من أجزاء ذوات آثار والثاني انتهاء وجود ما لكل من أجزائه أثر مستقل وحده، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } [المائدة: 3] ، فإن الدين مجموع الصلاة والصوم والحج وغيرها التي لكل منها أثر يستقل به، بخلاف النعمة على ما سيجيء بيانه إن شاء الله في الكلام على الآية.

قوله تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد}، العكوف والاعتكاف هو اللزوم والاعتكاف بالمكان الإقامة فيه ملازما له.

والاعتكاف عبادة خاصة من أحكامها لزوم المسجد وعدم الخروج منه إلا لعذر والصيام معه، ولذلك صح أن يتوهم جواز مباشرة النساء في ليالي الاعتكاف في المسجد بتشريع جواز الرفث ليلة الصيام فدفع هذا الدخل بقوله تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد}.

قوله تعالى: {تلك حدود الله فلا تقربوها}، أصل الحد هو المنع وإليه يرجع جميع استعمالاته واشتقاقاته كحد السيف وحد الفجور وحد الدار والحديد إلى غير ذلك، والنهي عن القرب من الحدود كناية عن عدم اقترافها والتعدي إليها، أي لا تقترفوا هذه المعاصي التي هي الأكل والشرب والمباشرة أولا تتعدوا عن هذه الأحكام والحرمات الإلهية التي بينها لكم وهي أحكام الصوم بإضاعتها وترك التقوى فيها.

__________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج1 ، ص38-42.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآية (1) :

رخصة في أحكام الصّوم

مرّ بنا في سبب نزول الآية أن النكاح كان محرّماً في ليالي شهر رمضان إضافة إلى نهاره، وأن الأكل والشرب كانا محرمين في الليل أيضاً بعد النوم، ولعل ذلك كان اختباراً للجيل الإِسلامي الأوّل وإعداداً له كي يتقبل أحكام الصوم الثابتة.

الآية الكريمة تتضمن أربعة أحكام إسلامية في حقل الصوم والاعتكاف. تقول أولا: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ(2) إِلى نِسَائِكُمْ}.

ثم تذكر الآية سبب الحكم فتقول: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}.

واللباس يحفظ الجسم من الحر والبرد وأنواع الأخطار من جهة، ويستر عيوب الجسم من جهة اُخرى، أضف إلى أنه زينة للإِنسان، وتشبيه الزوج باللباس يشمل كل هذه الجوانب.

الزوجان يحفظ كل منهما الآخر من الإِنحراف والعيوب، ويوفّر كل منهما سبل الراحة والطمأنينة للآخر، وكل منهما زينة للآخر.

هذا التعبير يوضّح غاية الإِرتباط المعنوي بين الرجل والمرأة ومساواتهما في هذا المجال، فالتعبير جاء للرجل كما جاء للمرأة بدون تغيير.

ثم يبين القرآن سبب تغيير هذا القانون الإِلهي ويقول: {عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ}.

فالله سبحانه وسّع عليكم الأمر وخفّفه، وجعل فيه رخصة بلطفه ورحمته، كي لا تتلوثوا بالذنوب.

{فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ}.

وهذا الأمر لا يعني طبعاً الوجوب، بل هو رخصة بعد المنع، أو هو بتعبير الأُصوليين (الأمر عقيب الخطر) ، ويدل على الجواز.

عبارة {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ} إشارة إلى أن الإِستفادة من هذه الرخصة الكائنة في مسير قوانين الخلقة وحفظ النظام وبقاء النسل لا مانع فيها.

ثمّ تبيّن الآية الحكم الثاني وتقول: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الاَْبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الاَْسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}.

للمسلم ـ إذن ـ أن يأكل ويشرب في الليل، حتى إذا طلع الفجر يمسك.

وتبين الآية الحكم الثالث: {ثُمَّ أَتِمُوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيلِ}.

هذه الجملة تأكيد على حظر الأكل والشرب والنكاح في أيّام شهر رمضان للصائمين، وتشير إلى أن الحظر يبدأ من طلوع الفجر وينتهي عند الليل.

تطرح الآية بعد ذلك الحكم الرّابع وتقول: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمِسَاجِدِ}.

هذا الحكم يرتبط بالاعتكاف، وهو شبيه بالاستثناء من الحكم السابق، ففي الاعتكاف الذي لا تقلّ مدّته عن ثلاثة أيّام، لا يحق للمعتكف الصائم أن يباشر زوجته لا في الليل ولا في النهار.

في ختام الآية عبارة تشير إلى كل ما ورد فيها من أحكام تقول: {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا} لأن الاقتراب من الحدود يبعث على الوسوسة ، وقد يدفع الإِنسان إلى تجاوز الحدود والوقوع في الذنب.

نعم، {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}.

_____________________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج1 ، ص441-443.

2 ـ الرفث: هو الحديث المكشوف عن المسائل الجنسية، واستعير لمعنى الجماع كما في الآية.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .