أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-7-2019
1547
التاريخ: 2023-04-15
1138
التاريخ: 18-7-2019
1649
التاريخ: 7-2-2017
2040
|
ولما فتح رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) مكة في السنة الثامنة من الهجرة النبوية المباركة، ودانت له قريش، وفرغ من تبوك، وأسلمت ثقيف، وكذا عاد علي بن أبي طالب(عليه السلام)من إعلان البراءة في موسم الحج في السنة التاسعة من الهجرة النبوية المباركة، أقبلت وفود القبائل العربية من شتى أنحاء الجزيرة تترى على المدينة.
كما وبعث رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) رسله إلى الآفاق في السنة العاشرة من الهجرة النبوية المباركة، فكانت الرسل والوفود بين فتح مكة وارتحاله (صلى الله عليه وآله)، كما كانت مراسلاته ومكاتباته مع الملوك والرؤساء بعد صلح الحديبية في السنة السادسة من الهجرة النبوية المباركة حتى ارتحاله (صلى الله عليه وآله) أيضاً، وحيث كانت الوفود مستمرة حتى زمن ارتحاله (صلى الله عليه وآله)، لذلك قال (صلى الله عليه وآله) في وصاياه: (أجيزوا الوفد).
وفد هوازن وثقيف:
وكان ممن قدم عليه (صلى الله عليه وآله): وفد هوازن، ووفد ثقيف، وذلك انه قدم على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) عروة بن مسعود الثقفي مسلماً، ثم استأذن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) في الرجوع إلى قومه وإنذارهم، فقال (صلى الله عليه وآله): إني أخاف أن يقتلوك.
فقال: إنهم إن وجدوني نائماً ما أيقظوني، إشفاقاً منهم عليَّ.
فأذن له رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فرجع إلى الطائف ودعاهم إلى الإسلام ونصح لهم، فعصوه، وأسمعوه الأذى، حتى إذا طلع الفجر قام في غرفة من داره فأذّن وتشهّد، فرماه رجل بسهم فقتله.
ثم أقبل بعد ذلك وفد ثقيف بضعة عشر رجلاً هم من أشراف ثقيف، فأسلموا، ثم دعوا قومهم ثقيف إلى الإسلام، فأسلموا.
فلما أسلمت ثقيف، ضربت إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وفود العرب، فدخلوا في دين اللّه أفواجاً، كما قال اللّه سبحانه في سورة النصر:
{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)} (1).
وفد بني تميم:
وقدم على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وفد بني تميم في جماعة من أشرافهم، منهم: الأقرع بن حابس، والزبرقان بن بدر، وقيس بن عاصم، وعيينة بن حصن الفزاري، وعمرو بن الأهتم، وعلى رأسهم: عطارد بن حاجب بن زرارة، وكان الأقرع وعيينة شهدا مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فتح مكة وحنيناً والطائف، فلما قدم وفد تميم دخلا معهم، فأجارهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وأحسن جوارهم.
وفد بني عامر:
وممّن قدم على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وفد بني عامر بن صعصعة، وفيهم: عامر بن الطفيل، وأربد بن قيس أخو لبيد بن ربيعة الشاعر لاُمه، وكان عامر وأربد يريدان أن يغدرا برسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، فقيل: يا رسول اللّه هذا عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك.
فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): دعوه، إن يرد اللّه به خيراً يهده.
فأقبل حتى قام عليه فقال: يا محمد ما لي إن أسلمت؟
قال (صلى الله عليه وآله): لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم.
فقال: تجعل الأمر لي بعدك؟
قال (صلى الله عليه وآله): ليس ذلك إليّ، إنما ذلك إلى اللّه يجعله حيث يشاء.
قال: فاجعلني على الوبر وأنت على المدر.
قال (صلى الله عليه وآله): لا.
قال: فماذا تجعل لي؟
قال (صلى الله عليه وآله): أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها.
قال: وليس ذلك إليّ اليوم؟
وقيل: انه لما قدموا عليه قال عامر: يا محمد خالّني.
فقال (صلى الله عليه وآله): لا، حتّى تؤمن باللّه وحده، قالها مرّتين.
فلما أبى عليه قال عامر: واللّه لأملأنّها عليك خيلاً جرداً ورجالاً مرداً.
وكان عامر قد قال لأربد: إذا قدمنا على الرجل فأنا شاغل عنك وجهه، فإذا رأيتني اُكلمه فدر من خلفه فاضربه بالسيف. فدار أربد ليضربه، فاخترط من سيفه شبراً، فحبس اللّه يده، فلم يقدر على ذلك، فالتفت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فرأى أربد وما يصنع بسيفه..
فلما ولّى قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): اللّهمّ اكفني عامر بن الطفيل وأربد بن قيس، اللّهمّ اكفنيهما بما شئت.
فلما خرجوا من عند رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) قال عامر لأربد: أين ما أمرتك به؟
قال: ويحك واللّه ما هممت بالذي أمرتني به إلا وحلتَ بيني وبينه، أفأضربك بالسيف؟
فأرسل اللّه على أربد وجمله صاعقة فأحرقتهما. وقيل: وأنزل اللّه عزّوجل { وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ} [الرعد: 13] (2).
وفي رواية: قال عامر: واللّه لأربطن بكل نخلة فرساً.
فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): يمنعك اللّه من ذلك وأبناء قيلة، يعني الأوس والخزرج.
وبعث اللّه على عامر بن الطفيل في طريقه ذلك الطاعون في عنقه فقتله في بيت امرأة من سلول، وكان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) قد قال في عامر وأربد: اللّهمّ أبدلني بهما فارسي العرب، فقدم عليه زيد بن مهلل الطائي، وهو زيد الخيل الذي سماه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) زيد الخير، وعمرو بن معدي كرب.
وفد طي:
وقدم وفد طي على النبي (صلى الله عليه وآله) وفيهم زيد الخيل وهو سيّدهم، وعديّ بن حاتم، فلما انتهوا إليه (صلى الله عليه وآله) كلمهم وعرض عليهم الإسلام فأسلموا وحسن إسلامهم، وقال (صلى الله عليه وآله): ما ذكر لي رجل من العرب بفضل، ثم جاءني إلا رأيته دون ما يقال فيه، إلا زيد الخيل فإنه لم يبلغ كل ما فيه، ثم سماه (زيد الخير).
فلما خرج زيد من عند رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) راجعاً إلى المدينة قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله): إن ينج زيد من حمى المدينة، فلما انتهى إلى ماء من مياه نجد يقال له فردة أصابته الحمى فمات بها.
وفد زبيد:
وقدم وفد بني زبيد على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) في المدينة، وفيهم: عمرو بن معدي كرب، وقيل: انه قتل في قتال الفرس.
وفد عبد القيس:
وقدم وفد عبد القيس على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وهي قبيلة كبيرة ينسبون إلى عبد القيس بن أفعمي بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار، فقال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله): ممن القوم؟
قالوا: من ربيعة.
قال (صلى الله عليه وآله): مرحباً بالوفد غير خزايا ولا ندامى.
فقالوا: يا رسول اللّه إنّ بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، وإنا لا نصل إليك إلا في شهر حرام، فمرنا بأمر فصل نأخذ به من ورائنا وندخل به الجنّة.
فقال (صلى الله عليه وآله): آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: آمركم بالإيمان باللّه وحده، أتدرون ما الإيمان باللّه؟ شهادة أن لا إله إلا اللّه وأنّ محمداً رسول اللّه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخمس، وأنهاكم عن أربع: الدبّاء، والحنتم، والنقير، والمزفت ـ وكانت هذه الأربعة ظروفاً خاصة يصنع فيها الخمرـ، فنهاهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) عن الخمر وعن الشرب فيها، ثم أوصاهم قائلاً: فأحفظوهن وادعوا إليهنّ من ورائكم.
قالوا: يا رسول اللّه ما علمك بالنقير؟
قال (صلى الله عليه وآله): بلى، جذع تنقرونه ثم تلقون فيه من التمر ثم تصبون عليه الماء حتى يغلى، فإذا سكن شربتموه، فعسى أن يضرب ابن عمه بالسيف ـ أي: على أثر السكرـ وفي القوم رجل به ضربة لذلك. قال: وكنت أخبئُها حياءً من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله).
قالوا: ففيم نشرب الماء يا رسول اللّه؟
قال (صلى الله عليه وآله): اشربوا في أسقية الأدم التي تلاث ـ أي تشد ـ على أفواهها.
قالوا: يا رسول اللّه إنّ أرضنا كثيرة الجرذان لا تبقي بها أسقية الأدم.
قال (صلى الله عليه وآله): وإن أكلتها الجرذان (مرتين أو ثلاثاً).
ثم قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) لأشج عبد القيس: إنّ فيك لخصلتين يحبّهما اللّه: الحلم والأناة.
وفد بني حنيفة:
وقدم على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وفد بني حنيفة، وفيهم مسيلمة الكذاب الذي ارتدّ وادّعى النبوّة فيما بعد، وكانوا قد خلّفوا مسيلمة في رحالهم، فلما أسلموا ذكروا له (صلى الله عليه وآله) مكانه فقالوا: يا رسول اللّه إنا قد خلّفنا صاحباً لنا في رحالنا وركابنا، فأمر له رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بما أمر للقوم، ثم انصرفوا وجاءوه بالذي أعطاه.
فلما قدم مسيلمة اليمامة ارتدّ على عقبه وتنبّأ وقال: إني اُشركت في الأمر معه، ثم جعل يسجع السجعات فيقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن: (لقد أنعم اللّه على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشى) ووضع عنهم الصلاة، وأحل لهم الخمر والزنا ونحو ذلك، وكان مسيلمة الكذاب هذا صاحب يمامة، كما كان العنسي الكذاب صاحب صنعاء هو الآخر أيضاً الذي ادّعى النبوّة، وكذلك كانت سجاح التي ادّعت النبوّة كذباً، فأخزاهم اللّه جميعاً وأذلّهم.
وقيل: انه كتب مسيلمة لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله):
(من مسيلمة رسول اللّه إلى محمد رسول اللّه، أما بعد: فإني قد أشركت في الأمر معك، وإن لنا نصف الأمر ولقريش نصف الأمر، وليس قريش قوماً يعدلون).
فقدم عليه رسوله بهذا الكتاب، فكتب إليه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): (بسم اللّه الرحمن الرحيم، من محمد رسول اللّه إلى مسيلمة الكذّاب، سلام على من اتّبع الهدى، أما بعد فإن الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتّقين).
وعن ابن عباس قال: لما قدم مسيلمة الكذاب على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده اتّبعته، وقدمها في بشر كثير من قومه.
فأقبل النبي (صلى الله عليه وآله) ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وفي يد النبي (صلى الله عليه وآله) قطعة من جريد حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال: إن سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن تعد أمر اللّه فيك، ولئن أدبرت ليعقرنّك اللّه.
وقيل: انه (صلى الله عليه وآله) قال: وإن أراك الذي رأيت فيه ما رأيت، وهذا ثابت بن قيس يجيبك عني، ثم انصرف.
قال ابن عباس: فسألت عن قول رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): وإن أراك الذي رأيت فيه ما رأيت، فأخبرني أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: بينا أنا نائم رأيت رؤيا، فأوحي إليَّ في المنام: أن كذّابين يخرجان من بعدي: أحدهما العنسي صاحب صنعاء، والآخر مسيلمة صاحب اليمامة.
وفد كندة:
وقدم وفد كندة على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) في ثمانين راكباً، وفيهم: الأشعث بن قيس، فدخلوا عليه (صلى الله عليه وآله) مسجده وقد رجّلوا (أي: مشطوا) جممهم وتكحلوا، وعليهم جبات الحبرات مكفوفة بالحرير.
فلما دخلوا قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): أو لم تسلّموا؟
قالوا: بلى.
قال (صلى الله عليه وآله): فما هذا الحرير في أعناقكم؟ فشقّوه ونزعوه منها, فألقوه.
وفد بني مراد:
وقدم فروة بن مسيك المرادي مفارقاً لملوك كندة ومباعداً لها إلى رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، فقال له رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): هل سائك ما أصاب قومك يوم الردم؟ ـ وقد كان بين مراد وهمدان وقعة قبل الإسلام أصابت فيها همدان من مراد ما أرادوا حتى أثخنوهم في يوم كان يقال له يوم الردم ـ .
فقال: من ذا يصيب قومه مثل ما أصاب قومي يوم الردم ولا يسوؤه ذلك؟
فقال له رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): أما إنّ ذلك لم يزد قومك في الإسلام إلا خيراً، واستعمله على مراد وزبيد ومذحج كلها، وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة، فكان معه في بلاده حتى توفى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله).
ولما توجّه فروة بن مسيك إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) مفارقاً كندة قال:
لما رأيت ملوك كندة أعرضت *** كالرِّجل خان الرِّجل عرق نسائها
يمّمــــت راحلتــــي أؤم محمـدا *** أرجو فواضلها وحســــن ثرائها
وفد الأشعريين:
وقدم على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) الأشعريون من أهل اليمن، وروي ان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) قال قبل قدومهم: سوف يقدم عليكم قوم هم أرق منكم قلوباً، فقدم الأشعريون، فجعلوا يرتجزون ويقولون:
غداً نلقي الأحبّة محمداً وحزبه
وفد أهل اليمن:
وقدم على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وفد من أهل اليمن فقالوا: يا رسول اللّه جئنا لنتفقّه في الدين، ونسألك عن أول هذا الأمر.
فقال لهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): كان اللّه ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء.
وفد أزد:
وقدم على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) صرد بن عبداللّه الأزدي فأسلم وحسن إسلامه، فأمّره رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) على من أسلم من قومه، وأمره أن يجاهد بمن أسلم من كان يليه من أهل الشرك من قبائل اليمن.
فخرج يسير بأمر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) حتى نزل بجرش وهي يومئذ مدينة كان يقطن بها بعض قبائل العرب، قال: وقد ضوت اليهم خثعم فدخلوا معهم حين سمعوا بمسير المسلمين إليهم فحاصروهم قريباً من شهر، وامتنعوا فيها فرجع عنهم قافلاً حتى إذا كان في جبل لهم، ظن أهل جرش انه انما ولى عنهم منهزماً، فخرجوا في طلبه حتى إذا أدركوه، فوقع القتال بينهم.
وقيل: انه قد كان أهل جرش بعثوا إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) رجلين منهم يرتادان وينظران، فبينما هما عند رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) عشية بعد العصر، إذ قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): بأي بلاد اللّه شكر؟
فقام الجرشيان فقالا: يا رسول اللّه ببلادنا جبل يقال له كسر، وكذلك يسميه أهل جرش.
فقال (صلى الله عليه وآله): إنه ليس بكسر ولكنه شكر.
قالا: فما شأنه يا رسول اللّه؟
قال (صلى الله عليه وآله): إن بدن اللّه لتنحر عنده الآن.
قال: فجلس الرجلان إلى أحد الصحابة فقال لهما: ويحكما إن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) لينعي لكما قومكما، فقوما فاسألاه أن يدعو اللّه أن يرفع عن قومكما.
فقاما إليه فسألاه ذلك، فقال (صلى الله عليه وآله): اللّهمّ ارفع عنهم.
فخرجا من عند رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) راجعين إلى قومهما فوجدا قومهما قد اُصيبوا في اليوم الذي قال فيه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ما قال، وفي الساعة التي ذكر فيها ما ذكر، فخرج وفد جرش حتى قدموا على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فأسلموا، وحمي لهم حمى حول قريتهم.
وفد بجيلة:
وقدم على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) جرير بن عبداللّه البجلّي ومعه مائة وخمسون رجلاً من قومه، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) قبل قدومه: يطلع عليكم من هذا الفج من خير ذي يمن، على وجهه مسحة ملك، فطلع جرير على راحلته ومعه قومه، فأسلموا وبايعوا.
وفد بني كعب:
وقدم وفد بني الحارث بن كعب على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وفيهم: قيس بن الحصين، فسلّموا عليه وقالوا: نشهد أن لا إله إلا اللّه وانّك رسول اللّه.
فقال لهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): وأنا أشهد أن لا إله إلا اللّه وانّي رسول اللّه، ثم قال لهم: بم كنتم تغلبون من قاتلتم في الجاهلية؟
قالوا: كنا نجتمع ولا نتفرّق، ولا نبدأ أحداً بظلم.
قال (صلى الله عليه وآله): صدقتم، وأمّر عليهم قيس بن الحصين، فرجعوا إلى قومهم، ثم بعث إليهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بعد ذلك عمرو بن حزم الأنصاري ليفقّههم في الدين، ويعلّمهم السنّة ومعالم الإسلام ويأخذ منهم صدقاتهم.
وفد همدان:
وقدم عليه (صلى الله عليه وآله) وفد همدان، وفيهم: مالك بن النمط ومالك بن أيفع وضمام بن مالك، وعمرو بن مالك فلقوا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وعليهم مقطعات الحبرات والعمائم العدنية على الرواحل المهرية، ومالك بن النمط يرتجز بين يدي رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ويقول:
همــدان خير ســـــوقة وأقيال *** ليس لها في العالمين أمثال
محلها الهضب ومنها الأبطال *** لهــا اطابات بهــــــا وأكال
ويقول الآخر:
إليك جاوزن سواد الريف في هبوات الصيف والخريف
مخطمات بحبال ليف
وذكروا له كلاماً كثيراً حسناً فصيحاً، فكتب لهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) كتاباً وأمر عليهم مالك بن النمط.
وفد مزينة:
وقدم وفد مزينة على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وفيهم: النعمان بن مقرن.
قال النعمان: قدمنا على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أربعمائة رجل من مزينة، فلما أردنا أن ننصرف قال (صلى الله عليه وآله): (زوّدوا القوم) فزوّدونا بتمر كثير.
وقيل: انه (صلى الله عليه وآله) قال لبعض أصحابه: زوّد القوم.
فقال: ما عندي إلا شيء من تمر، ما أظنه يقع من القوم موقعاً.
قال (صلى الله عليه وآله): إنطلق فزوّدهم.
فانطلق بهم فأدخلهم منزله ثم أصعدهم إلى علية، فلما دخلوا إذا فيه من التمر مثل الجمل الأورق، فأخذ القوم منه حاجتهم.
قال النعمان: وكنت في آخر من خرج، فنظرت وما أفقد موضع تمرة من مكانها.
وفد نجران:
وقدم على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وفد نصارى نجران وفيهم: السيد والعاقب والأتهم، وآل أمرهم إلى المباهلة فأحجموا عنها وقبلوا الجزية، فكتب لهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) كتاب صلح، وذلك في قصة مفصّلة مرّ ذكرها في حديث المباهلة.
وفد ملوك حمير:
وقدم على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وافد ملوك حمير: مالك بن مرة بكتابهم إليه(صلى الله عليه وآله)، وبإسلامهم ومفارقتهم الشرك وأهله، فكتب لهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) كتاباً وأرسله إليهم مع رسولهم مالك بن مرة وأوصاهم به خيراً، وقد سبق تفصيله.
وفد جماعة الأعراب:
وقدم على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) اُهيب بن سمّاع وكان كبير قوم من الأعراب.
قال الراوي: كان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) يوماً جالساً في نفر من أصحابه، وقد صلّى الغداة، إذ أقبل أعرابي على ناقة له حتى وقف بباب المسجد فأناخها ثم عقلها ودخل المسجد يتخطّى الناس والناس يوسّعون له، وإذا هو رجل مديد القامة، عظيم الهامة، متعجّر بعمامة، فلما مثل بين يدي رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أسفر عن لثامه، ثم همّ أن يتكلّم فارتجّ، ثمّ همّ أن يتكلّم فارتجّ، حتى اعترضه ذلك ثلاث مرات.
فلما رآه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وقد ركبه الزمع ـ أي: الدهشة ـ لهى عنه بالحديث ليذهب عنه بعض الذي أصابه، وقد كسا اللّه نبيه (صلى الله عليه وآله) جلالة وهيبة، فلما أنس وفرّخ روعه قال له النبي (صلى الله عليه وآله): قل للّه أنت، ما أنت قائل، فأنشد أبياتاً اعتذاراً عما أصابه.
فاستوى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) جالساً وقد كان متكئاً ثم قال له: أنت اُهيب بن سماع؟ ولم يره قطّ قبل ذلك.
فقال: أنا اُهيب بن سماع، الآبي الدفّاع، القوي المنّاع.
قال (صلى الله عليه وآله): أنت الذي ذهب جلّ قومك بالغارات، ولم ينفضوا رؤوسهم من الهفوات، إلا منذ أشهر وسنوات؟
قال: نعم أنا ذاك.
قال (صلى الله عليه وآله): أتذكر الأزمة التي أصابت قومك، احر نجم لها الزيخ، وأخلف نوء المرّيخ، وامتنعت السماء، وانقطعت الأنواء، واحترقت العنمة، وخفّت البرمة، حتى ان الضيف لينزل بقومك وما في الغنم عرق ولا غزر، فترصدون الضب المكنون فتقتنصونه؟ وكأنك قلت في طريقك إليّ: لتسألني عن حلّ ذلك وعن حرمته؟ ألا ولا حرج على مضطرّ، ومن كرم الأخلاق برّ الضيف؟
قال: فقال اُهيب: لا واللّه لا أطلب أثراً بعد عين، لكأنّك كنت معي في طريقي وشريكي في أمري، أشهد أن لا إله إلا اللّه، وأنّك محمداً رسول اللّه، ثم قال: يا رسول اللّه زدني شرحاً وبياناً ازدد بك إيماناً.
فقال له رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): أتذكر إذ أتيت صنمك في الظهيرة، فعترت له العتيرة ـ وهي الذبيحة كانت تذبح للأصنام فيصبّ دمها على رأسها ـ؟
فقال اُهيب: نعم بأبي أنت واُمّي يا رسول اللّه، ان الحارث بن أبي ضرار جمع لك جموعاً ليدهمك بالمدينة، واستعان بي على حربك، وكان لي صنم يقال له: واقب، فرقبت خلوته، وقممت ساحته، ثم نفضت التراب عن رأسه، ثم عترت له عتيرة، فإني لأستخبره في أمري، وأستشيره في حربك، إذ سمعت صوتاً قفّ له شعري، واشتدّ منه ذعري، فولّيت عنه وهو يقول:
اُهيــب مـا لك تجزع *** لا تنـأ عنّي وارجع
واسمــع مقـــالاً ينفع *** جــاءك ما لا يــدفع
بنــي صـــدق أروع *** فاقصد إليه واسْرع
تأمن وبال المصرع *** وهـول يـوم المطلع
قال اُهيب: فأتيت أهلي ولم اُطلع أحداً على أمري، فلما كان من الغد أتيته في الظهيرة فرقبت خلوته، وقممت ساحته، وعترت له عتيرة، ثم جسدته بدمها، فبينا أنا كذلك إذ سمعت صوتاً هائلاً، فولّيت عنه هارباً وهو يقول كلاماً في معنى كلامه الأول.
قال: فلما كان من غد ركبت ناقتي، ولبست لامتي، وتكبّدت الطريق حتى أتيتك.
عندها قال النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): يا علي خذ بيد اُهيب وعلّمه القرآن، فأقام عندهم حتى حذق شيئاً من القرآن وتعلّم أحكام الإسلام.
وفد دوس:
وقد قدم وفد دوس قبل عام الوفود، وكان قدومهم بخيبر.
وفد فروة بن عمرو الجذامي
وقدم وافد فروة بن عمرو الجذامي على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بإسلام فروة بن عمرو الجذامي وإيصال هديته إليه بغلة بيضاء، وكان فروة عاملاً للروم على ما يليهم من العرب، وكان منزله (معان) فلما بلغ الروم ذلك طلبوه حتى أخذوه فحبسوه ثم صلبوه وقتلوه.
وفد بني سعد
وقدم وفد بني سعد بن بكر على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وفيهم: ضمام بن ثعلبة.
قال الراوي: بينما نحن جلوس مع النبي (صلى الله عليه وآله) في المسجد، إذ دخل جماعة ومعهم رجل على جمل فأناخه في المسجد، ثم عقله ثم التفت إلينا وقال: أيكم محمد؟ والنبي (صلى الله عليه وآله) متكيء بين ظهرانينا.
فقلنا وقد أشرنا إليه (صلى الله عليه وآله): هذا.
فالتفت الرجل إليه وقال: يابن عبدالمطلب؟
فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): قد أجبتك.
قال الرجل: إني سائلك ومشدد عليك في المسألة فلا تجد عليّ في نفسك.
فقال (صلى الله عليه وآله): سل عما بدا لك.
قال: أسألك بربّك وربّ من قبلك، آللّه أرسلك إلى الناس كلهم؟
فقال (صلى الله عليه وآله): اللّهمّ نعم.
فقال: نشدتك باللّه، آللّه أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة؟
قال (صلى الله عليه وآله): اللّهمّ نعم.
قال: نشدتك باللّه، آللّه أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا وتقسّمها على فقرائنا؟
قال (صلى الله عليه وآله): اللّهمّ نعم.
فقال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي مع هذه الجماعة، وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر.
فأجازهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) كما يجيز كل وفد وأكرمهم، ثم انصرفوا وانصرف معهم الرجل راجعاً إلى بعيره.
فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) حين ولّى: إن يصدق ذو العقيصتين يدخل الجنّة، وكان ضمام رجلاً جلداً أشقر ذا غديرتين، ثم أتى بعيره فأطلق عقاله ثم خرج، حتى قدم على قومه بجماعته فاجتمعوا إليه، وكان أول ما تكلّم به أن قال: بئست اللات والعزّى.
فقالوا: مه يا ضمام.
فقال: ويلكم انهما ما يضرّان ولا ينفعان، وإن اللّه قد بعث رسولاً وقد أنزل عليه كتاباً استنقذكم مما كنتم فيه، وإني أشهد أن لا إله إلا اللّه وأنّ محمداً عبده ورسوله، واني جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه.
قال الراوي: فواللّه ما أمسى في ذلك اليوم في حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلماً.
وفد طارق
وقدم وفد طارق بن عبداللّه وقومه، قال طارق: دخلنا المدينة فدخلنا المسجد، فإذا هو (صلى الله عليه وآله) قائم على المنبر يخطب، فأدركنا من خطبته وهو يقول: (تصدّقوا فإن الصدقة خير لكم، اليد العليا خير من اليد السفلى، اُمك وأباك، واُختك وأخاك).
وفد نجيب:
وقدم وفد نُجيب على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وهم من السكون ثلاثة عشر رجلاً قد ساقوا معهم صدقات أموالهم التي فرض اللّه عليهم.
فقال لهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): ردّوها فاقسموها على فقرائكم.
فقالوا: يا رسول اللّه ما قدمنا عليك إلا بما فضل عن فقرائنا، ثم جعلوا يسألونه عن القرآن والسنن، ورسول اللّه (صلى الله عليه وآله) يجيبهم عما يسألونه.
ثم أمر (صلى الله عليه وآله) بلالاً أن يحسن ضيافتهم، فلما أرادوا أن ينصرفوا أمر (صلى الله عليه وآله) بلالاً فأجازهم بأرفع ما كان يجيز به الوفود.
وقيل: انه (صلى الله عليه وآله) قال: هل بقي منكم أحد؟
قالوا: غلام خلّفناه على رحالنا.
قال (صلى الله عليه وآله): أرسلوه إلينا.
فجاء الغلام فقال: يا رسول اللّه، إنّ حاجتي ليست كحاجة أصحابي، إني واللّه ما حملني من بلادي إلا أن تسأل اللّه أن يغفر لي ويرحمني ويجعل غناي في قلبي.
قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): اللّهمّ اغفر له وارحمه واجعل غناه في قلبه، ثم أمر (صلى الله عليه وآله) له بمثل ما أمر به لرجل من أصحابه، فانطلقوا راجعين إلى أهليهم، ووافوا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) في الموسم بمنى سنة عشر، فقالوا: نحن بنو أيدي.
فقال (صلى الله عليه وآله): ما فعل الغلام الذي أتاني معكم؟
قالوا: يا رسول اللّه ما رأينا مثله قطّ، ولا حدثنا بأقنع منه بما رزقه اللّه، لو أن الناس اقتسموا الدنيا ما نظر نحوها ولا التفت إليها.
فقال (صلى الله عليه وآله): الحمد للّه.
قالوا: فعاش ذلك الرجل فينا على أفضل حال وأزهده في الدنيا وأقنعه بما رزق، فلما توفى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ورجع من رجع من أهل اليمن عن الإسلام قام في قومه، فذكّرهم اللّه والإسلام.
وفد بني سعد:
وقدم وفد بني سعد هذيم بن قضاعة، وهم من أهل اليمن.
وفد بني فزارة:
وقدم على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وفد بني فزارة بضعة عشر رجلاً، فيهم: خارجة بن حصن، والحر بن قيس بن أخي عيينة بن حصن وهو أصغرهم، فنزلوا في دار بنت الحارث، وجاءوا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) مقرّين بالإسلام، وهم مسنتون على ركاب عجاف، فسألهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) عن بلادهم.
فقال أحدهم: يا رسول اللّه اسنتت بلادنا، وهلكت مواشينا، وجدبت جناننا، وغرث عيالنا، فادع لنا ربّك يغيثنا، وتشفع لنا إلى ربّك.
فصعد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) المنبر ودعى لهم فكان مما حفظ من دعائه: (اللّهمّ اسق عبادك وانشر رحمتك وأحي بلادك، اللّهمّ اسقنا غيثاً مغيثاً مريحاً مريعاً طبقاً واسعاً عاجلاً غير آجل، نافعاً غير ضارّ، اللّهمّ سقيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا هدم، ولا غرق، ولا محق، اللّهمّ اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء).
فرجعوا وقد استجيب فيهم دعاء رسول اللّه (صلى الله عليه وآله).
وفد بني أسد:
وقدم على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وفد بني أسد، وفيهم: وابصة بن معبد وطليحة بن خويلد، ورسول اللّه (صلى الله عليه وآله) في المسجد مع أصحابه، فتكلّموا وقالوا: يا رسول اللّه إنا شهدنا أن لا إله إلا اللّه وأنّك رسوله وجئناك ولم تبعث إلينا بعثاً، فأنزل اللّه ـ على رواية: {مُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ} [الحجرات: 17] (3) الآية.
وكان مما سألوا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) عنه: العيافة والكهانة وضرب الحصى، فنهاهم عن ذلك كلّه.
وفد بهراء:
وقدم وفد بهراء من اليمن على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وكانوا ثلاثة عشر رجلاً، ونزلوا على المقداد بن عمرو وأقاموا أياماً وتعلموا الفرائض، ثم ودّعوا رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) لينصرفوا إلى بلادهم، وعند توديعهم له (صلى الله عليه وآله) أمر لهم بالجوائز وانصرفوا إلى بلادهم.
وفد عذرة:
وقدم وفد عذرة، وكانوا اثني عشر رجلاً، منهم حمزة بن النعمان، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): من القوم؟
فقال متكلّمهم: ممن لا تنكر، نحن بنو عذرة إخوة قصي لاُمه، نحن الذين عضدوا قصياً وأزاحوا من بطن مكة خزاعة وبني بكر، ولنا قرابات وأرحام.
فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): مرحباً بكم وأهلاً، فأسلموا، وبشّرهم رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) بفتح الشام وهروب هرقل إلى ممتنع من بلاده، ونهاهم عن سؤال الكاهنة وعن الذبائح التي كانوا يذبحونها، وأخبرهم أن ليس عليهم إلا الأضحية، ثم انصرفوا إلى بلادهم وقد اُجيزوا.
وفد بلّي:
وقدم وفد بَليّ على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فنزلوا على رويفع بن ثابت البلوي، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): الحمد للّه الذي هداكم إلى الإسلام، ثم ودَّعوا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بعد أن أجازهم.
وقال (صلى الله عليه وآله) له أبو الضبيب شيخ الوفد: يا رسول اللّه إنّي رجل فيّ رغبة من الضيافة، فهل لي في ذلك أجر؟
قال (صلى الله عليه وآله): نعم، وكل معروف صنعته إلى غنيّ أو فقير فهو صدقة.
قال: يا رسول اللّه كم وقت الضيافة؟
قال (صلى الله عليه وآله): ثلاثة أيام، ما كان بعد ذلك فصدقة، ولا يحل للضيف أن يقيم عندك حتى يحرجك.
وفد ذي مرة:
وقدم على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وفد ذي مرة، وكانوا ثلاثة عشر، ورئيسهم الحارث بن عرف.
فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): كيف البلاد؟
فقالوا: واللّه إنا لمسنتون، فادع اللّه لنا.
فقال (صلى الله عليه وآله): اللّهمّ اسقهم الغيث، ثم أقاموا أياماً ورجعوا بالجائزة، ووجدوا بلادهم قد اُمطرت في ذلك اليوم الذي دعا لهم فيه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله).
وفد خولان:
وقدم على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وفد خولان ـ وكانوا عشرة ـ مسلمين، فقال(صلى الله عليه وآله): ما فعل صنم خولان الذي كانوا يعبدونه؟
قالوا: أبدلنا اللّه ما جئت به، إلا أن عجوزاً وشيخاً كبيراً يتمسّكان به، وإن قدمنا عليه هدمناه إن شاء اللّه، ثم علمهم فرائض الدين، وأمرهم بالوفاء بالعهد والأمانة وحسن الجوار، وأن لا يظلموا، ثم أجازهم، ورجعوا إلى قومهم وهدموا الصنم.
وفد محارب:
وكان ممّن قدم على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وفد محارب، وهم عشرة نفر، فيهم سواء بن الحارث وابنه خزيمة وأسلموا، وقيل انه لم يكن أحد أفظّ ولا أغلظ على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) منهم، وكان في الوفد رجل منهم يعرفه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فقال وهو يعلن عن إسلامه: الحمد للّه الذي أبقاني حتى صدقت بك.
فقال له رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): إنّ هذه القلوب بيد اللّه، ومسح وجه خزيمة فصارت له غرة بيضاء، وأجازهم كما يجيز كل وفد، وانصرفوا.
وفد صداء:
وقدم وفد صداء على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فأسلموا، وهم خمسة عشر رجلاً، فبايعوه على الإسلام ورجعوا إلى قومهم، ففشى فيهم الإسلام، فوافى رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) منهم مائة رجل في حجّة الوداع.
وفد غسان:
وقدم وفد غسان على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وكانوا ثلاثة نفر، فأسلموا وأجازهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فانصرفوا راجعين، وقالوا: لا ندري أيتبعنا قومنا أم لا؟ فلما قدموا على قومهم دعوهم إلى الإسلام، فلم يستجيبوا لهم.
وفد سلامان:
وقدم وفد سلامان على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وهم سبعة نفر، وقيل: هم ستّة عشر نفراً، وعلى رأسهم حبيب السلاماني فأسلموا، وشكوا إليه (صلى الله عليه وآله) جدب بلادهم فدعا لهم، ثم ودعوه وأمر (صلى الله عليه وآله) لهم بالجوائز، فرجعوا إلى بلادهم فوجدوها قد أمطرت في تلك الساعة من ذلك اليوم الذي دعا لهم فيه رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) بالمطر.
وفد عبس:
وقدم مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وفد عبس، فقالوا: يا رسول اللّه قدم علينا قراؤنا فأخبرونا أنه لا إسلام لمن لا هجرة له، ولنا أموال ومواشٍ، فإن كان لا إسلام لمن لا هجرة له بعناها وهاجرنا.
فقال (صلى الله عليه وآله): اتّقوا اللّه حيث كنتم فلن يلتكم من أعمالكم شيئاً.
وفد بني سليم:
وقدم على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وفد بني سليم، وفيهم: العباس بن مرداس، فأسلموا وحسن إسلامهم وأمر لهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بالجائزة.
وفد عامر:
وقدم وفد عامر على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، وكانوا عشرة، فأقروا بالإسلام، وكتب (صلى الله عليه وآله) لهم كتاباً فيه شرائع الإسلام، وأمر اُبيَّ بن كعب فعلّمهم قرآناً وأجازهم (صلى الله عليه وآله) وانصرفوا.
وفد الأزد
وقدم وفد الأزد على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وفيهم: سويد بن الحارث، قال: وفدت سابع سبعة من قومي على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، فلما دخلنا عليه وكلمناه وأعجبه ما رأى من صمتنا وزيّنا فقال (صلى الله عليه وآله): من أنتم؟
قلنا: قوم من أزد مؤمنون.
فتبسّم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وقال: لكل شيء حقيقة، فما حقيقة إيمانكم؟
قلنا: خمس عشرة خصلة: خمساً أمَرَتْنا رسلك أن نؤمن بها، وخمساً أمرتَنا أن نعمل بها، وخمساً تخلّقنا بها في الجاهلية فنحن عليها إلا أن تكره منها شيئاً.
فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): ما الخمس التي أمرَتْكم رسلي أن تؤمنوا بها؟
قلنا: أن نؤمن باللّه، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت.
قال (صلى الله عليه وآله): وما الخمس التي أمَرْتُكم أن تعملوا بها؟
قلنا: أن نقول لا إله إلا اللّه، ونقيم الصلاة، ونؤدّي الزكاة، ونصوم شهر رمضان، ونحجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً.
قال (صلى الله عليه وآله): وما الخمس التي تخلّقتم بها في الجاهلية؟
قالوا: الشكر عند الرخاء، والصبر عند البلاء، والرضا بمر القضاء، والصدق في مواطن اللقاء، وترك الشماتة بالأعداء.
فقال (صلى الله عليه وآله): حكماء علماء، كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء، ثم قال(صلى الله عليه وآله): وأنا أزيدكم خمساً فتتم لكم عشرون خصلة: إن كنتم كما تقولون فلا تجمعوا ما لا تأكلون، ولا تبنوا ما لا تسكنون، ولا تنافسوا في شيء أنتم عنه غداً زائلون، واتّقوا اللّه الذي إليه ترجعون وعليه تعرضون، وارغبوا في ما عليه تقدمون وفيه تخلدون.
فانصرف القوم من عند رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بعد أن أجازهم، وقد حفظوا وصيّته وعملوا بها.
وفد بني المنتفق
وقدم على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وفد بني المنتفق: لقيط بن عامر، فإنه خرج ومعه صاحب له يقال له: نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق.
قال لقيط: فخرجت أنا وصاحبي حتى قدمنا على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، فوافيناه حين انصرف من صلاة الغداة، فقام في الناس خطيباً، فقمت أنا وصاحبي إليه وسألته عما عنده من علم الغيب.
فقال (صلى الله عليه وآله): اختص ربكم بمفاتيح خمس من الغيب.
فقلت: ما هنّ يا رسول اللّه؟
فقال (صلى الله عليه وآله): علم المنية، قد علم متى منية أحدكم ولا تعلمونه، وعلم النطفة متى يكون في الرحم، قد علمه ولا تعلمونه، وعلم ما في غد، قد علم ما أنت صانع ولا تعلمه، وعلم يوم الغيث، وعلم الساعة.
قلت: يا رسول اللّه علمنا مما علّمك اللّه، فانا من قبيل لا يصدِّق تصديقنا أحد من مذحج التي تربو علينا، وخثعم التي توالينا وعشيرتنا.
قال (صلى الله عليه وآله): تلبثون فيها ما لبثتم، ثم يتوفى نبيكم، ثم تبعث الصائحة، فلا تدع على ظهر الأرض شيئاً إلا مات، وكذلك الملائكة، ثم تحدّث (صلى الله عليه وآله) عن القيامة والآخرة، وعن الثواب والعقاب، وعن الجنّة والنار.
قال: قلت: يا رسول اللّه فبم نجزى من حسناتنا وسيّئاتنا؟
قال (صلى الله عليه وآله): الحسنة بعشر أمثالها، والسيّئة بمثلها، إلا أن يعفو اللّه.
قال: قلت: يا رسول اللّه ما الجنّة وما النار؟
قال (صلى الله عليه وآله): إن النار لها سبعة أبواب، ما منها بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاماً، وإنّ للجنّة ثمانية أبواب، وعرضها كعرض السماوات والأرض، أعدّها اللّه للمتّقين من عباده.
قال: قلت: يا رسول اللّه فعلى مَ نطلع من الجنّة؟
قال (صلى الله عليه وآله): على أنهار من عسل مصفّى، وأنهار من خمر لذّة للشاربين، ما بها صداع ولا ندامة، وأنهار من لبن لم يتغيّر طعمه، وأنهار من ماء غير آسن، وفاكهة مما تعلمون، وخير من مثله معه، وأزواج مطهّرة.
فقلت: يا رسول اللّه ما هو أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه؟
قال (صلى الله عليه وآله): ما لا عين رأت، ولا اُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
فقلت: يا رسول اللّه على مَ اُبايعك؟
فبسط النبي (صلى الله عليه وآله) يده وقال: على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن لا تشرك باللّه شيئاً.
وفد النخع:
وقدم على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وفد النخع في مائتي رجل فنزلوا دار الأضياف، ثم جاءوا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) مقرّين بالإسلام ومؤمنين باللّه وحده لا شريك له، فأكرمهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وأجازهم كما يجيز غيرهم من الوفود، ثم رجعوا إلى قومهم وبلادهم.
وقيل: انه كان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) قد بعث معاذ بن جبل إلى اليمن قبل ذلك هو وأبا موسى الأشعري، كل واحد منهما على خلاف (أي: إقليم) ثم قال (صلى الله عليه وآله): يسّرا ولا تعسّرا، وبشّرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تخالفا.
وقال (صلى الله عليه وآله) لمعاذ: (إنك ستأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا اللّه وأنّ محمداً رسول اللّه، فإن هم أطاعوك بذلك فأخبرهم أنّ اللّه قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم ليس بينها وبين اللّه حجاب).
وروي انه (صلى الله عليه وآله) قال لمعاذ: يا معاذ انك تقدم على قوم أهل كتاب، وانهم سائلوك عن مفاتيح الجنّة، فأخبرهم ان مفاتيح الجنّة (لا إله إلا اللّه) وانها تخرق كل شيء حتى تنتهي إلى اللّه ولا تحجب دونه، من جاء بها يوم القيامة مخلصاً رجحت بكل ذنب.
فقال معاذ: أرأيت ما سُئلت عنه واُختصم الي فيه مما ليس في كتاب اللّه ولم أسمع منك سنة اللّه؟
فقال (صلى الله عليه وآله): تواضع يرفعك اللّه، ولا تقضين إلاّ بعلم، فإن أشكل عليك أمر فسَلْ ولا تستحي، واستشر ثم اجتهد، فإن اللّه إن علم من قلبك الصدق يوفقك، فإن التبس عليك فقف حتى تنتبه أو تكتب إليّ فيه، واحذر الهوى، فإنه قائد الأشقياء، وعليك بالرفق.
سائر الوفود:
إلى غير ذلك ممن وفد المدينة وتشرّف باللقاء مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) حتى ان بعض أهل السير والتاريخ ذكر مواصفات أكثر من سبعين وفداً قدموا المدينة من مختلف مناطق الحجاز ومن اليمن واليمامة والبحرين وما إلى ذلك.
قيل: انه كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا قدم الوفد لبس أحسن ثيابه وأمر أصحابه بذلك.
__________
(1) النصر: 1 ـ 3.
(2) الرعد: 13.
(3) الحجرات: 17.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|