أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-09-2015
2421
التاريخ: 31-3-2016
2092
التاريخ: 6-4-2016
1962
التاريخ: 10-10-2014
1409
|
قال تعالى : {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [النمل : 20، 21].
المرحلة الاولى : اخبار الهدهد عن عرش بلقيس.
كان لسليمان أصناف من الطيور تأتمر بأمره ، وهي مطلقة غير مسجونة في قفص وشبهه ، وفي ذات يوم تعهد الطيور ، كما يتعهد القائد جنوده ، فلم يجد الهدهد من بينها ، ولم يكن قد أذن له بالغياب ، فتهدده - على مسمع من الطيور - بالعذاب كالسجن ونحوه ، أو بالإعدام إذا لم يدل بحجة واضحة تبرر غيابه .
{فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ } [النمل : 22] . لم يمض أمد قصير على تهديد سليمان حتى جاء الهدهد ، وقال له : اكتشفت شيئا هاما لا تعرفه أنت على سعة علمك « وجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ولَها عَرْشٌ عَظِيمٌ » . المراد بسبأ القوم الذين ينتسبون إلى سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، والمرأة هي بلقيس بنت شراحيل ، وكان من الملوك ، وورثت ابنته بلقيس السلطان منه ، وكانت تملك جميع مظاهر الثراء
والترف في زمانها ، وكانت تجلس على سرير ضخم وثمين مرصع بقلوب المساكين ، ومطلي بعرقهم ودمائهم . . وطريف قول بعض المفسرين : انه كان مسقوفا ، وان مساحته ثمانون ذراعا مربعا ، وأيضا علوه ثمانون .
{وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} [النمل : 24]. وتسأل : ان الطيور والحيوانات والحشرات تعرف بغريزتها مأكلها ومشربها وما يضرها وينفعها ، ويعرف الذكر منها الأنثى من نوعه ، والأنثى تعرف الذكر من نوعها ، تعرف ذلك وما إليه لأنه من مقومات وجودها ، وحافظ لحياتها واستمرار بقائها ، اما ان تميز بين الذكر والأنثى من الآدميين ، وتعرف ان اسم هذه القبيلة سبأ وتلك ثمود - مثلا - وان هؤلاء القوم يؤمنون باللَّه ، وأولئك يكفرون به ، أما هذا وما إليه فلا يتصل بحياتها من قريب أو بعيد كي تعرفه بالفطرة والغريزة . . إذن فمن أين جاء العلم للهدهد باسم القبيلة ، وبالمرأة التي تملكهم ، وبأنهم يعبدون الشمس ، مع أننا نحن الآدميين لا نميز بمجرد النظر الذكر من الأنثى في أكثر أنواع الطيور ، وفي جميع الحشرات والأسماك ؟ .
الجواب : ان الآية أثبتت هذه الأوصاف لهدهد سليمان فقط ، وثبوتها له لا يستدعي ثبوتها لكل طير أو لكل هدهد تماما كما لا تستدعي معرفة فلان باللغة الانكليزية أن يعرفها كل الناس . . أما معرفة هدهد سليمان بما أخبره به فلا تفسير له عندنا إلا بمشيئة اللَّه .
« أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ والأَرْضِ ويَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وما تُعْلِنُونَ » . المراد بالخبء هنا خيرات الكون ، واللَّه سبحانه يخرجها لعباده بالأسباب الطبيعية كالنبات يخرجه من الأرض بسبب المطر ، والتوالد بسبب التلقيح ، أو بالوسائل العلمية كالمعادن وما إليها يخرجها اللَّه بأيدي العلماء وأدواتهم الفنية ، وقد عبّر سبحانه عن هذه الوسائل والأسباب بأيدي اللَّه حيث قال : أَولَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ - 71 يس . « اللَّهُ لا إِلهً إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ » الذي لا يقاس بملكه ملك ، ولا بعظمته عظمة .
المرحلة الثانية : ارسال كتاب سليمان الى بلقيس
{قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النمل : 27].
أخبر الهدهد سليمان عن قوم سبأ ، فقال له : سنختبر مقالتك لنعرف مكانها من الصدق {اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ } [النمل : 28] . كتب سليمان إلى القوم يدعوهم إلى طاعته ، وأعطى الكتاب للهدهد ، وقال له : أوصله إليهم بطريق من الطرق ، وتنح عنهم إلى مكان تراقبهم منه ، وتسمع ما يقولون وما يتفقون عليه ، وترجع إليّ بخبرهم .
{ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل : 29 - 31]. حمل الهدهد الكتاب إلى القوم ، وألقاه في مكان من قصر الملكة ، بحيث ترى الكتاب ، ولا تعلم من جاء به ، كما تشعر كلمة ألقي بصيغة المجهول ، ثم تنحى الهدهد إلى مكان قريب يسجل حركات القوم وأقوالهم ، تماما كالموظف في الاستخبارات ، ولما رأت الملكة الكتاب وعلمت ما فيه جمعت الوزراء والمستشارين ، وعرضته عليهم ، ووصفته بالكريم لأن صاحبه عظيم الجاه والسلطان . . والبسملة جزء من كتاب سليمان الذي اقتصر فيه على الدعوة إلى الطاعة من غير مقدمات وزيادة كلام . . وهذا هو شأن الأنبياء في رسائلهم ، يقتصرون فيها على الهدف المطلوب ، وكان الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله) يقتصر في رسائله إلى الملوك على قوله : « اسلم تسلم » بعد البسملة والحمد .
{قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ} [النمل : 32].
أشيروا عليّ ، فلا أبتّ بشيء حتى استظهر برأيكم ، وفيه إيماء إلى أن ديمقراطية الحكم لها جذور في التاريخ البعيد ، ثم تطورت بمرور الزمن إلى ما هي عليه الآن . {قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ } [النمل : 33] .
قالوا هذا على طريقة الساسة في الإعلان عن قوتهم وحزمهم وصلابتهم ، وفي الاحتفاظ أيضا نحط الرجعة حيث ألقوا بالمسؤولية كلها على عاتق الملكة حتى إذا ساءت العاقبة كانوا منها في حل .
هل الفساد طبيعة في الملوك ؟
{قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } [النمل : 34] . تطلق القرية على المدينة وعلى بلدة ريفية ، وشرح بعض المفسرين الجدد هذه الآية بقوله : فهي تعرف ان من طبيعة الملوك إذا دخلوا قرية أشاعوا فيها الفساد ، وحطموا الرؤساء وجعلوهم أذلة ، وهذا هو دأبهم الذي يفعلونه .
والحق ان الفساد ينتشر في الأرض بمقدار ما للمجرمين من قوة ، ويتضاعف كلما تضاعفت مقدرتهم عليه ملوكا كانوا أو غير ملوك ، وإنما خصت الآية الملوك بالذكر لأنهم أقوى وأقدر من غيرهم . . إن شخصية المجرم تختفي وراء ضعفه ، وتظهر مع قوته . . فمن الخطأ أن نحدد شخصية الضعيف من خلال تصرفاته . . فقد اشتهر البعض في زماننا بالتقى والصلاح قبل أن يتولى الرئاسة ، ولما أخذ نصيبه منها التصقت به تهم لا تمحوها الأيام . . نسأل اللَّه الهداية لنا وله .
وبهذا يتبين معنا ان صفة الفساد لا تختص بالملوك ، ولا هي من طبيعتهم ، وإلا استحال وجود العدل والصلاح فيهم ، وانما هي من طبيعة القوي المجرم ، سواء أجاءت قوته من المال أو الجسم أو العقل أو من منصب زمني أو ديني :
ولا رادع للمجرم القوي إلا الدين . قال الإمام علي ( عليه السلام ) : قد يرى الحوّل القلَّب وجه الحيلة ، ودونه مانع من أمر اللَّه ونهيه ، فيدعها رأي العين بعد القدرة عليها ، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين . الحوّل القلَّب هو البصير بتحويل الأمور وتقلَّبها ، والحريجة التحرز من الإثم .
{وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ } [النمل : 35]. أرجع الوزراء والمستشارون إلى الملكة أمر السلم والحرب ، وقبل أن تبت بشيء رأت أن ترسل إلى سليمان هدية ، فيها كل غال وثمين ، ثم تنظر هل يقبلها أو يرفضها ؟ فإن قبلها فهو طالب دنيا ، لا طالب دين ، يمكن مصانعته بالمال ، وان رفض الهدية وأصر على أن نأتيه مسلمين فهو من أصحاب المبادئ والرسالات الذين لا يساومون
على عقيدتهم ، ويضحّون من أجلها بكل عزيز ، ومثلهم لا تجوز محاربتهم ، وتصعب مقاومتهم .
المرحلة الثالثة : الاتيان بعرش بلقيس
« فَلَمَّا جاءَ » - الرسول - {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} [النمل : 36] . حمل وفد الملكة الهدية إلى سليمان ، وفيها كل نفيس وثمين ، ولما رآها قال للذين جاؤوا بها : دعوتكم إلى اللَّه ، فأتيتموني بالمال ، وعندي منه الشيء الكثير كما رأيتم ، بل أنعم اللَّه عليّ بما هو أعظم من المال ، أنعم علي بالنبوة والعلم ، وتسخير الرياح والجن والطير . . أتقيسونني بأنفسكم في عبادة المال وتعظيمه ؟
ويذكرنا هذا بقريش حين فاوضوا رسول اللَّه (صلى الله عليه واله) ، وقالوا له : ان كنت تريد بهذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ، وان كنت تريد ملكا ملكناك علينا . ولما استيأسوا منه لجأوا إلى عمه أبي طالب ليقنع ابن أخيه بالملك والمال ، وإلا فالبطش والحرب . فقال رسول اللَّه (صلى الله عليه واله) مقالته الشائعة الذائعة : واللَّه يا عماه لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره اللَّه أو أهلك فيه ما تركته .
{ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} [النمل : 37]. الخطاب في ارجع لرئيس الوفد الذين جاؤوا بالهدية ، والمعنى ارجع أنت ومن معك بما جئتم به ، وبلَّغ قومك اني سأغزوهم بجيش من الإنس والجن والطير لا طاقة لهم ولا لغيرهم بمقاومته والصمود له . وكان الهدهد قد نقل لسليمان قول الملكة لقومها : (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً ). فأكد سليمان ذلك بقوله للرسول : « ولَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها » - من بلادهم - « أَذِلَّةً وهُمْ صاغِرُونَ » .
{قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } [النمل : 38]. لما رجع الوفد من عند سليمان إلى الملكة ، وأخبرها بما سمع ورأى لم تر بدا من السمع والطاعة ، فتوجهت إليه مع حاشيتها ، وتركت عرشها العظيم يحفظه الجنود والحراس ، وحين علم سليمان بقدوم بلقيس أحب أن يريها آية تدل على نبوته وعظمته ، وان تكون هذه الآية والمعجزة أخذ عرشها الذي هو مظهر عزها وملكها ، فسأل من كان بين يديه : أيكم يأتيني به ؟
{قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} [النمل : 39] . سخر اللَّه سبحانه لسليمان الريح تجري بأمره ، وهذه معجزة خارقة ما في ذلك ريب ، وسخر له الطير يأتمر بأمره ، وهذه أيضا معجزة ، وأيضا خصه اللَّه ببعض الجنود من الإنس والجن يأتون بعجائب الأعمال بالنسبة إلى عصرهم ، وكانوا يرافقون جند سليمان يستعين بهم للتغلب على العدو تماما كالفنيين وأهل الاختصاص الذين يحتاج إليهم الجيش المحارب في هذا العصر ، ويومئ إلى ذلك طلب سليمان منهم أن ينقلوا إليه عرش بلقيس في لحظات ، وهو يعلم ما بينه وبين مكان العرش من البعد ، فقال له بعض الجن : أنا آتيك به سالما كما هو ، وأنت في مجلسك هذا و {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل : 40] فكان النصر لهذا حيث استطاع بسلطان ما عنده من العلم أن يأتي بالعرش المطلوب في لحظة لا في لحظات .
هذا ما دل عليه ظاهر الآية ، أما التساؤل : من هو هذا الذي عنده علم من الكتاب ؟ . هل هو من الملائكة أو الخضر أو عبد صالح من الإنس اسمه آصف ابن برخيا ، وانه كان يعلم اسم اللَّه الأعظم ؟ . وأي نوع من العلم استخدمه في نقل العرش هل هو اسم اللَّه الأعظم أو غيره ، أما هذا التساؤل وما إليه من التساؤلات الكثيرة فجوابها عند ربي ، لأن الآية لم تصرح ، والحديث الصحيح لم يثبت ، فمن أين يأتي العلم باسم من نقل هذا السرير ، وبنوع العلم الذي كان عنده ؟
وأقرب الاحتمالات انه لم يكن من الجن لأن النصر كان له على عفريت من الجن كما صرحت الآية السابقة ، وانه نقل العرش بمعجزة خارقة حيث أتى به قبل أن يرتد الطرف . . والمعجزة كما تظهر على أيدي الأنبياء فإنها تظهر أيضا على أيدي الذين يصطفيهم الأنبياء بأمر اللَّه تعالى .
ومحل العبرة والعظة في هذا الحادث ان بلقيس صاحبة الملك والنعيم قد خضعت
صاغرة لسليمان ، واستلبها عرشها العظيم في طرفة عين ، وهو مظهر مجدها وعظمتها .
( فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ) .
المراد بالكفر هنا كفران النعم ، لا الكفر باللَّه ، وسليمان لا يجحد نعمة ربه ، ومحال أن يجحدها لأنه نبي معصوم ، ولكن قال ذلك تمهيدا لقوله : « ومَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ » . وفي معناه {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء : 7].
المرحلة الرابعة : اعتراف بلقيس بالظلم واعلان اسلامها
{قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ} [النمل : 41]. قال سليمان لبعض رجاله : غيروا شيئا من عرش بلقيس لنرى هل تدرك انه هو أو يخفى عليها ؟ . {فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ} [النمل : 42] نكروا لها عرشها وسألوها عنه « قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ » لم تنف ولم تثبت . . لم تنف لأن وجه الشبه قوي ، ولم تثبت لأنها تركت عرشها في القصر ، ودونه الجنود والحراس . هذا ، إلى أن الساسة والحكام يحتفظون بخط الرجعة في أكثر كلامهم وأجوبتهم .
« وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وكُنَّا مُسْلِمِينَ » . هذا من كلام سليمان وقومه ، ومعناه انهم عرفوا الحق ، وآمنوا به قبل بلقيس {وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ} [النمل : 43] . أي ان الذي منع بلقيس عن معرفة الحق والايمان به هو شركها وعبادتها الشمس من دون اللَّه .
{قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ } [النمل : 44]. المراد بالصرح هنا القصر ، واللجة كثرة الماء ، والممرد المملَّس ، والقوارير الزجاج ، ويدل ظاهر الآية أنه كان لسليمان قصر من زجاج شفاف ، وان الماء كان يجري من تحته ، وان بلقيس لما دخلت القصر لم تتبين الزجاج من شدة صفائه ، ولذا كشفت عن ساقيها لتخوض الماء ، فقال لها سليمان :
هذا زجاج صاف ، والماء يجري من تحته قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ . ظلمت نفسها بالكفر ، ثم تابت وأسلمت ، وحسن إسلامها .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|