أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-2-2017
2295
التاريخ: 2023-10-18
942
التاريخ: 15-7-2019
2248
التاريخ: 2023-08-05
987
|
لما بلغ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أربعين سنة بعثه اللّه تعالى رحمة للعالمين، وكافة للناس أجمعين.
وكان اللّه قد أخذ له الميثاق على كل نبيّ بعثه قبله بالإيمان به، والتصديق له، والنصر على من خالفه، وأخذ عليهم أن يؤدّوا ذلك إلى كل من آمن بهم وصدقهم، فأدّوا من ذلك ما كان عليهم من الحق فيه، يقول اللّه تعالى لنبيه محمد (صلى الله عليه وآله { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ} [آل عمران: 81] (1).
وقيل: انه أول ما بدأ به رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) من الوحي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلوة فكان يخلو بغار حراء فيتعبّد فيه الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله ويتزوّد لذلك، ثم يرجع إلى خديجة(عليها السلام) فيتزوّد لمثلها، حتى فجأه الحق في السابع والعشرين من شهر رجب الحرام، وهو (صلى الله عليه وآله) في غار حراء فجاءه الملك فقال له: اقرأ!
قال: وما أقرأ ؟
قال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } [العلق: 1 - 5] (2) فرجع بها رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) يرجف فؤاده، حتى دخل على خديجة(عليها السلام)، فقال: زمّلوني زمّلوني، فزمّلوه حتى ذهب عنه الروع.
لقاء في الشام:
عن عبد اللّه بن عباس: ان أبا سفيان بن حرب أخبره قائلاً: ان هرقل أرسل إليه في ركب من قريش كانوا تجاراً بالشام في المدة التي كان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) قد أظهر الإسلام وهاجر إلى المدينة وكفار قريش تجحده.
فأتوه وهم بايلياء، فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا بترجمانه فقال: أيّكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟
قال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم نسباً.
قال: أدنوه مني وقربوا أصحابه واجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه: قل لهم: إني سائل هذا عن هذا الرجل، فإن كذَبني فكذِّبوه.
قال أبو سفيان: فواللّه لولا الحياء من أن يأثر عليّ كذباً لكذبتُ عليه، ثم كان أول ما سألني عنه أن قال:
كيف نسبكم فيه ؟
فقلت: هو فينا ذو نسب.
قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟
قلت: لا.
قال: فهل كان من آبائه من ملك؟
فقلت: لا.
قال: فأشرافهم اتّبعوه أم ضعفاؤهم؟
قلت: بل ضعفاؤهم.
قال: أيزيدون أم ينقصون؟
قلت: بل يزيدون.
قال: فهل يرتدّ أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟
قلت: لا.
قال: فهل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟
قلت: لا.
قال: فهل يغدر؟
قلت: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها، قال: ولم يمكنّي كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة.
قال: فهل قاتلتموه؟
قلت: نعم .
قال: فكيف كان قتالكم إيّاه؟
قلت: الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منا وننال منه.
قال: بماذا يأمركم؟
قلت: يقول: اعبدوا اللّه وحده ولا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة.
فقال للترجمان: قل له: سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها.
وسألتك: هل قال أحد منكم هذا القول؟ فذكرت: أن لا. فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت: رجل يتأسّى بقول قيل قبله.
وسألتك: هل كان في آبائه من ملك؟ فذكرت: أن لا، قلت: فلو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه.
وسألتك: هل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرتَ: أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على اللّه.
وسألتك: أأشراف الناس اتّبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرتَ: أن ضعفاءهم اتّبعوه، وهم أتباع الرُسُل.
وسألتك: أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت: أنهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم.
وسألتك: أيرتدّ أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت: أن لا، وكذلك الإيمان حين يخالط بشاشة القلوب.
وسألتك: هل يغدر؟ فذكرت: أن لا، وكذلك الرُسُل لا يغدرون.
وسألتك: بما يأمركم؟ فذكرت: أنه يأمركم بأن تعبدوا اللّه ولا تُشركوا به شيئاً، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدميَّ هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج فلم أكن أظن أنه فيكم، فلو أعلم أنني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه.
ثم دعا بكتاب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) الذي بعث به مع دحية الكلبي إليه فقرأه عليهم فإذا فيه:
بسم اللّه الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد اللّه ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتّبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، أسلم يؤتك اللّه أجرك مرّتين، وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلاّ اللّه ولا نُشرك به شيئاً ولا يتّخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون اللّه فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون)(3).
قال أبو سفيان: فلمّا قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصخب وارتفعت الأصوات، وأخرجنا.
فقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد عظم أمرُ ابن أبي كبشة، انه ليخافه ملك بني الأصفر...
أول المؤمنين:
وكان أول من آمن بالرسول (صلى الله عليه وآله) من الرجال علي (عليه السلام)، ومن النساء زوجته خديجة(عليها السلام).
وعن أبي ذر انه قال: سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) يقول لعلي (عليه السلام): (أنت أوّل من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وأنت الصدّيق الأكبر، وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل...)(4).
وفي نهج البلاغة: (ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وخديجة وأنا ثالثهما أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوّة)(5).
ثم زيد، وكان غلاماً لخديجة، فوهبته لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله) لمّا تزوّجها، وقدم أبوه وعمه في فدائه فسألا عن النبي (صلى الله عليه وآله) فقيل: هو في المسجد، فدخلا عليه فقالا: يابن عبد المطلب يابن هاشم يابن سيّد قومه، أنتم أهل حرم اللّه وجيرانه، تفكون العاني وتطعمون الأسير، جئناك في ابننا عبدك فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائه.
قال: من هو؟
قالا: زيد بن حارثة.
فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): فهلا غير ذلك؟
قالا: ما هو؟
قال: ادعوه فاُخيِّره، فإن اختاركم فهو لكم، وإن اختارني فواللّه ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحداً.
قالا: قد زدتنا على النصف.
فدعاه فقال (صلى الله عليه وآله): أتعرف هؤلاء؟
قال: نعم.
قال: من هذا؟
قال: هذا أبي، وهذا عمّي.
قال: أنا من قد علمتَ ورأيتَ صحبتي، فاخترني أو اخترهما.
قال: ما أنا بالذي أختار عليكَ أحداً، أنت منّي بمكان الأب والعم.
قالا: ويحك يا زيد! أتختار العبودية على الحريّة وعلى أبيك وعمّك وعلى أهل بيتك؟
قال: نعم، قد رأيتُ من هذا الرجل شيئاً ما أنا بالذي أختار عليه أحداً أبداً.
فلمّا رأى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ذلك أخرجه إلى الحجر فقال: اُشهدكم أنّ زيداً ابني.
فلمّا رأى ذلك أبوه وعمّه طابت نفوسهما فانصرفا، ودعي زيد بن محمّد، حتى جاء اللّه بالإسلام فنزلت { ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب: 5] (6) فدعي يومئذ زيد بن حارثة.
ثم دخل الناس في الإسلام أرسالاً من الرجال والنساء حتى فشا ذكر الإسلام بمكة وتحدّثت به قريش.
إبلاغ الرسالة:
ثم ان اللّه سبحانه أمر رسوله (صلى الله عليه وآله) أن يصدع بما جاءه منه، وأن ينادي الناس بأمره ويدعو إليه، فأنزل سبحانه: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94] (7). ثم قال تعالى { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ } [الشعراء: 214 - 216] (8).
فعن سالم عن علي (عليه السلام) قال: أمر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) خديجة وهو بمكّة فاتخذت له طعاماً، ثم قال لي: ادع لي بني عبد المطلب، فدعوتُ أربعين رجلاً.
فقال لي (صلى الله عليه وآله): هلمّ طعامك، فأتيتهم بثريد إن كان الرجل منهم ليأكل مثلها، فأكلوا منها جميعاً حتى أمسكوا.
ثم قال (صلى الله عليه وآله): اسقهم، فسقيتهم بإناء هو ريّ أحدهم، فشربوا منه جميعاً حتى صدروا.
فقال أبو لهب: لقد سحركم محمد، فتفرقوا ولم يدعهم.
فلبثوا أياماً ثم صنع لهم طعاماً مثله ثم أمرني فجمعتهم فطعموا ثم قال لهم:
(انّ الرائد لا يكذب أهله، واللّه الذي لا إله إلاّ هو اني رسول اللّه إليكم خاصّة، وإلى الناس عامة، واللّه لتموتنّ كما تنامون، ولتبعثنّ كما تستيقظون، ولتحاسبنّ بما تعملون، وانها الجنّة أبداً، والنار أبداً).
ثم قال (صلى الله عليه وآله): يا بني عبد المطلب! انني واللّه ما أعلم أحداً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به، قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني اللّه تعالى أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟
قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، فقلت ـ واني لأحدثهم سنّاً: يا نبيّ اللّه أكون وزيرك، فأخذ (صلى الله عليه وآله) برقبتي ثم قال: انّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا.
قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع(9).
وعن ابن عباس: لمّا أنزل اللّه تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين)(10) أتى النبي (صلى الله عليه وآله) الصفا فصعده، ثم نادى: يا صباحاه! فاجتمع الناس إليه ـ بين رجل يأتي إليه وبين رجل يبعث رسوله ـ فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدّقتموني؟
قالوا: نعم.
قال: فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد
فقال أبو لهب: تبّاً لك سائر اليوم، أما دعوتنا إلاّ لهذا؟ فأنزل اللّه تعالى فيه: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} [المسد: 1 - 3] (11).
موقف أبي طالب (عليه السلام)
مضى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) على أمر اللّه مظهراً لأمره لا يردّه عنه شيء، فلمّا رأت قريش أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) لا يعتبهم من شيء أنكروه عليه، ورأوا أنّ عمّه أبا طالب (عليه السلام) قد حدب عليه وقام دونه فلم يسلمه لهم، مشى رجال من أشراف قريش إلى أبي طالب وفيهم:
عتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، وأبو سفيان بن حرب بن اُمية واسمه صخر، وأبو البختري واسمه العاص بن هشام بن الحارث بن أسد بن عبد العزّى بن قصي، والأسود بن عبد المطلب بن أسد بن العزّى بن قصي، وأبو جهل واسمه عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد اللّه بن مخزوم، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب، والعاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم، وغيرهم.
فقالوا: يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سبّ آلهتنا وعاب ديننا وسفّه أحلامنا وضلل آباءنا، فإما أن تكفه عنا وإما أن تخلّي بيننا وبينه، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه(12) فنكفيكه.
فقال لهم أبو طالب قولاً رفيقاً، وردّ عليهم ردّاً جميلاً، ثم بعث إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، فلما دخل عليه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) قال له: يا ابن أخي هؤلاء مشيخة قومك وسراتهم، وقد سألوك أن تكفّ عن شتم آلهتهم ويدَعوك وإلهك.
قال: يا عم أفلا تدعوهم إلى ما هو خير لهم؟
قال: وإلى ما تدعوهم؟
قال: أدعوهم إلى أن يتكلّموا بكلمة تدين لهم بها العرب ويملكون بها العجم؟
فقال أبو جهل من بين القوم: ما هي وأبيك لنعطيكها وعشر أمثالها؟
قال: تقولون: (لا إله إلاّ اللّه).
فنفروا وقالوا: سلنا غيرها
قال: لو جئتموني بالشمس حتى تضعوها في يديّ ما سألتكم غيرها، فقاموا من عنده غضاباً، وولّوا على أدبارهم نفوراً.
وهنا التفت أبو طالب (عليه السلام) إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وقال: يا ابن أخي ادع كما أمرت، ثم أنشأ:
واللّه لن يصلوا إليك بجمعهم حتى اُوسّد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة وابشر وقر بذاك منك عيونا
ودعوتني وعلمت أنك ناصحي ولقد صدقتَ وكنتَ ثم أمينا
ولقد علمت بأنّ دين محمد من خير أديان البريّة دينا
منطق الجاهليّين:
فلمّا نادى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بالإسلام وصدع بما أمره اللّه تعالى به، استجاب له الأحداث من الرجال، والضعفة من الناس، حتى كثر من آمن به، فعظم ذلك على أصحاب الأغراض والأطماع من قومه، ورأوا أنّ مصالحهم الشخصية المعتمدة على عبادة الأصنام مهدّدة بالخطر، فناكروه وأجمعوا على خلافه وعداوته، وأكبّوا على منابذته وايذائه، فحدب أبو طالب (عليه السلام) على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ومنعه وقام دونه، لأنه بالإضافة إلى ايمانه باللّه والرسول (صلى الله عليه وآله) كان شريفاً في قومه، معظّماً في قريش، مطاعاً في أهل مكة، فلم يتجاسروا معه مكاشفة الرسول (صلى الله عليه وآله) بشيء من الأذى.
أما أصحابه:
فمن كانت له عشيرة تحميه امتنع بعشيرته، وأما من لم تكن له عشيرة، فقد تصدّوا له بالأذى والعذاب، فلقي أصحاب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) من العذاب أمراً عظيماً.
عمّار وأبواه:
وكان ممّن عذّبوه: عمّار بن ياسر واُمّه وأباه، وكان إذا مرّ بهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) يقول: صبراً يا آل ياسر فإنّ موعدكم الجنّة، فمات ياسر أبو عمّار تحت التعذيب القاسي، وكذلك ماتت سمية اُم عمار على أثر حربة طعنها في قلبها أبو جهل، وبقي عمّار في أيدي أسياده وأخذوا يعذّبونه أشدّ التعذيب، إلى أن قالوا له: لا نتركك حتى تكفر بمحمّد وإلهه، فأجابهم إلى ذلك مكرهاً، فتركوه، فأتى النبي (صلى الله عليه وآله) معتذراً باكياً، فأنزل اللّه تعالى: { إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 106] (13) فقال له (صلى الله عليه وآله): لا بأس عليك يا عمّار إن عادوا فعد.
مع بلال:
وكذلك كان بلال، فإن أسياده كانوا يأخذونه إلى التعذيب خارج مكة، فيطرحونه على الرمضاء ثم يلقون على بطنه الصخرة العظيمة المحماة بالشمس، ثم يأخذونه ويلبسونه في ذلك الحرّ الشديد درع من حديد، ويضعون في عنقه حبلاً ويسلّمونه إلى الصبيان يطوفون به، وهو في كل ذلك صابر محتسب لا يبالي بما يلقى في ذات اللّه، وكان كلما اشتدّ به العذاب يقول: أحد، أحد.
________
1 ـ آل عمران: 81.
2 ـ القلم : 1 ـ 5.
3 ـ آل عمران: 64.
4 ـ بحار الأنوار: ج 22 ص 435 ب 12 ح 49، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 13 ص 228 ب 238 دار إحياء التراث العربي ط 2.
5 ـ نهج البلاغة: الخطبة 192.
6 ـ الأحزاب : 5.
7 ـ الحجر : 94.
8 ـ الشعراء : 214 - 215.
9 ـ راجع شرح النهج لابن أبي الحديد المعتزلي : ج 13 ص 210 ـ 211 ط دار إحياء التراث العربي.
10 ـ الشعراء : 214.
11 ـ المسد : 1.
12 ـ سبق أنّ أبا طالب (ع) كان مؤمناً بالله تعالى.
13 ـ النحل : 106.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|