أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-10-2016
1496
التاريخ: 23-10-2016
1523
التاريخ: 24-10-2016
2520
التاريخ: 24-10-2016
1796
|
اللغة الآرامية وانتشارها:
تنتمي الآرامية إِلى أسرة لغوية كبيرة عرفت في أوساط الباحثين باسم (اللغات السامية) وأقرب اللغات القديمة إِليها الكنعانية, وبينها وبين العربية عناصر مشتركة كثيرة في النطق والمفردات والتصريف.
وقد أظهرت الدراسات اللغوية المقارنة التي قام بها الباحثون الأوربيون تشابهاً في الأصوات والمفردات والتركيب والقواعد بين اللغات الآشورية والبابلية والكنعانية والآرامية والعبرية والعربية وغيرها من اللغات. وأول من استخدم اصطلاح (اللغات السامية) في ميدان علم اللغات المقارن في الغرب, هو عالم اللغات الألماني النمسوي شلوتزر (Schloetzer) (1781) وعنى به اللغات التي كانت معروفة آنذاك, وتتكلمها شعوب الشرق العربي في بلاد الشام والجزيرة وبلاد العرب, وهي العربية والعبرية والسريانية والكلدانية والحبشية, وتستند هذه التسمية إِلى اسم سام بن نوح الذي نسبت إِليه الشعوب التي بقيت بعد الطوفان بحسب رواية أسفار العهد القديم, إلاّ أن هذا التقسيم العرقي للشعوب ولغاتها واجه نقداً حاداً من باحثين كثيرين ولاسيما نولدكه ودياكونوف لأنه غير دقيق, ولا يتطابق مع الحقائق التاريخية, ولأن توزع اللغات وتفرعها يخضع لعوامل سياسية - ثقافية - جغرافية وليس لعوامل عرقية, ولأنه لا يمكن تجاهل ما بين مجموعة (اللغات السامية) ومجموعة (اللغات الحامية) من صلات, حتى إِن بعض الباحثين يفضل اسماً مشتركاً هو اللغات الحامية - السامية ومن هؤلاء مارسيل كوهين, ودياكونوف.
ومع توسع الدراسات اللغوية المتعلقة بلغات المشرق العربي القديم وثقافاته اتسع مدلول مصطلح (السامية) ليشمل لغات أخرى, من المجموعة اللغوية نفسها, اكتشفت مع التقدم في التنقيبات والبحوث الأثرية, وبدئ بدراستها منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر في المجامع العلمية والجامعات في بلاد الغرب (إِنكلترة وفرنسة وألمانية وايرلندة والدنمارك والسويد) قبل أن تنتقل هذه الدراسات إِلى الجامعات العربية, ومن هذه اللغات المصرية القديمة والأكدية والكنعانية - الآرامية والعربية الجنوبية وأخيراً الأوغاريتية والإِبلوية. وقد أظهرت نتائج هذه الدراسات المقارنة بين هذه اللغات بلهجاتها المختلفة عناصر التشابه والتقارب الوثيق في بنيتها وفي كثير من مظاهر تطورها في المراحل المختلفة التي مرت بها في تاريخها الطويل وهذه العوامل جميعاً تدعو إِلى الاعتقاد, من دون إِغفال عاملي الزمان والمكان, بوجود أصل أوليّ يتمثل في لغة أم وُجدت في مكان ما من بلاد العرب ثم تفرعت عنها تلك اللغات.
ويمكن تبين موقع اللغة الآرامية وفروعها بين اللغات السامية, كما في النتائج التي توصلت إِليها أحدث الدراسات المقارنة, التي صنفتها في أربع فئات هي السامية الشمالية والسامية الشرقية والسامية الغربية والسامية الجنوبية. وتضم السامية الشمالية لهجات سورية والفرات القديمة ومنها كيش وماري وإِبلا (2500ق.م) وبعض شواهد الأوغاريتية واليأدية (الشمأل), أما السامية الشرقية فتضم الأكدية: البابلية - الآشورية, وأما السامية الغربية فتضم الكنعانية والآرامية, وأما السامية الجنوبية فتضم العربية والعربية الشمالية القديمة والعربية الجنوبية (لغات اليمن) والحبشية.
وقد تأثرت اللغة الآرامية, باللغات السابقة التي انتشرت في البلاد قبل دخول الآراميين وانتشارهم بقرون, كالسومرية - الأكدية والكنعانية, وسعى الأمراء الآراميون بادئ الأمر إِلى اتخاذ هذه اللغات لغة كتابة في دواوينهم وقصورهم, حينما تبنوا ثقافة البلد الذي استقروا فيه, ففي سمأل مثلاً (القرن التاسع ق.م) صارت الآرامية لغة الديوان الملكي عندما كانت الكنعانية ما تزال لغة الحديث اليومي. ويدل على ذلك وجود كلمات كنعانية في النصوص الآرامية الرسمية.
وبعد استقرار الآراميين وتأسيس دولهم في سورية وبلاد الجزيرة والفرات على أنقاض الممالك والإِمارات الأمورية والحثية في القرنين الحادي عشر والعاشر ق.م. استخدم الكتّاب الآراميون الأبجدية الكنعانية, واستخدموا أربعة من الحروف الصوتية وهي الألف والهاء والواو والياء لكتابة الحركات. وانتقلت هذه الأبجدية الآرامية المؤلفة من اثنين وعشرين حرفاً بعد ذلك إِلى الشعوب الأخرى المعاصرة, وتم تبنيها في كتابة اللغات واللهجات السورية ـ الفلسطينية القديمة مثل العبرية والمؤابية والأدومية والفلستية (عسقلان وأسدود وغزّة) والعمونية. كما اقتحمت الآرامية مواقع اللغات واللهجات التي كانت سائدة في آشور وبابل وتداخلت باللغات المعاصرة كالأكدية, وكان الآراميون قادرين على نطق عدة حروف ساكنة كما يستخلص من النقوش, ولم يكن بعض هذه الحروف موجوداً في الكنعانية الفينيقية. وبقي الكتّاب الآراميون يستخدمون الحروف المستعارة بالتدريج وعلى نحو يتوافق مع مقتضيات النطق في اللغة الآرامية.
وتعود أقدم نماذج اللغة الآرامية المكتوبة إِلى القرنين العاشر والتاسع ق.م. وهي التي وجدت في تل حلف في الجزيرة. ولكن أقدم النصوص الملكية الآرامية المعروفة يعود إِلى النصف الثاني من القرن التاسع وإِلى القرن الثامن ق.م. وقد كتب أحد هذه النصوص وهو نقش كيلاموا ملك سمأل بالحروف الكنعانية الفينيقية, أما النص الآخر, وهو نقش (هدد يسعى) ملك غوزانا (تل حلف) وسيكان وأرزان فهو مزدوج اللغة والخط, فقد كتب بالخط الآشوري المسماري والآرامي الأبجدي, واكتشف في تل الفخيرية عند ينابيع الخابور, ويمكن إِرجاعه تقريباً إِلى ما بين عامي 850-825 ق.م. وهكذا تطور الحرف الآرامي الأبجدي مستقلاً عن الحرف الكنعاني كما ظهر الخط الآرامي المربع الذي انتشر فيما بعد على نطاق واسع, ولاسيما في العصر الفارسي, من آسيا الصغرى إِلى أفغانستان والسند.
وإِذا لم يتمتع الآراميون باستقلال سياسي حقيقي إِلا نادراً لقوة الدول الطامعة المجاورة لهم, فإِنهم لم يتوانوا في بذل الجهد من أجل تطوير ثقافة قوية خاصة بهم طبعت الشرق القديم كله بطابعها. وأخذت لغة المغلوبين تحل بالتدريج محل لغة الظافرين. فبعد التوسع الآشوري في آرام النهرين (الجزيرة), وبعد سقوط مملكة بيت عديني أمام جيوش شلما نصر الثالث 855ق.م أضحت اللغة الآرامية بكتابتها الأبجدية اللغة الثانية في الامبراطورية الآشورية.
وبدءاً من النصف الأول من القرن الثامن ق.م, أخذت النصوص والنقوش الآرامية موقعها إِلى جانب النصوص الآشورية المسمارية لتبرهن على وجود كتّاب آراميين إِلى جانب الكتّاب الآشوريين في دواوين الدولة, حتى ليمكن القول إِن الامبراطورية الآشورية غدت امبراطورية آشورية ـ آرامية. وانتشرت اللغة الآرامية انتشاراً واسعاً بسبب سهولة نظام الكتابة الأبجدية, في حين أخذت اللغات الأكدية والآشورية البابلية, تميل إِلى التراجع بسبب صعوبة تعليم الكتابة المسمارية وتعلمها. وفي القرن الثامن ق.م, أخذت تتولد لهجات آرامية بتأثيرات محلّية. ولكن كانت توجد لغة آرامية عامة متداولة ومفهومة في أوساط الكتّاب والمتعلمين, ويدل عدد من النقوش الآرامية القديمة على أهمية اللغة الآرامية في القرن الثامن ق.م في عدد من الممالك الآرامية السورية مثل دمشق وحماة (نقش زكر ملك حماة ولعش) وسمأل, وأرفاد (نقوش سفيرة) وكان هذا العصر هو العصر الذهبي الأول للغة الآرامية القديمة. ولكن كل هذه الممالك أخضعت تباعاً لسيطرة آشور حتى سنة 612-610ق.م, وأدمجت في إِدارتها, وظل الأمر كذلك إِلى أن ورثت بابل تركة آشور التي انهارت أمام الاجتياح الميدي-البابلي. واستخدمت الآرامية في الدولة البابلية الكلدانية لغة للدواوين والمراسلات الدبلوماسية والمعاملات التجارية, حتى أضحت في النصف الأول من القرن السادس ق.م لغة دارجة في كل بلاد الرافدين إِضافة إِلى انتشارها في سورية وفي بعض المدن المصرية من ممفيس إِلى أسوان. وغدت الآرامية في العصر الفارسي الأخميني (539-331 ق.م) اللغة الرسمية المعمول بها من وادي النيل في مصر إِلى حوض السند في شمال الهند وأفغانستان, فكانت هذه الآرامية - الامبراطورية هي اللغة العامة لأرام كلها, أي لكل سورية وفلسطين والجزيرة وحوض الفرات, واللغة الرسمية الإِدارية الأولى في آخر امبراطوريات الشرق القديم قبل الاسكندر المقدوني. وإِلى هذا العصر تعود مئات لفائف البردي المكتوبة بالآرامية والتي عثر عليها في مصر (أسوان وهرموبوليس وممفيس). وبعد أن اجتاح الاسكندر أراضي الامبراطورية الفارسية وقضى عليها, واجه العالم الآرامي غزواً آخر تمثل بقدوم الهلينيين المستعمرين المستوطنين الذين أنشؤوا المدن ـ المستعمرات وجعلوها مراكز لنشر الحضارة الهلّينية في بلاد الشرق. وهكذا أخذت اللغة الآرامية منذ القرن الرابع ق.م تفقد تفوقها في ديارها, بعد أن غدت اللغة اليونانية الوافدة لغة رسمية في الدول الهلينية. إِلا أن الدول والمجتمعات المحلية التي كان يغلب عليها الطابع الآرامي في العالم الهليني أخذت تطور لهجاتها الآرامية المحلية في هذه الأوضاع السياسية ـ الثقافية الجديدة, مما أدى إِلى تفرع اللهجات الآرامية عن اللغة الآرامية الأم القديمة. وإِلى هذه المرحلة تعود أهم الآثار المكتوبة بالنبطية والآرامية الفلسطينية (التي حلت محل العبرية في التداول منذ القرن الثاني ق.م) والتدمرية والحضرية (لهجة مملكة الحضر (حطرا) في غربي الموصل), والسامرية التي كتبت بها أسفار موسى الخمسة, والسريانية. وقد تعدد تكون هذه اللهجات في العصر الروماني المتأخر. وفي حقبة لاحقة, أي في العصر البيزنطي, تطور الأدب الآرامي وقدم إِنتاجاً غزيراً بالآرامية - البابلية, وبالسامرية والمندعية (لغة الصابئة), ولاسيما بالسريانية وهي اللغة الآرامية التي تضم أقدم تراث مسيحي محلي, وهو تراث ثقافي ديني وعلماني بقي حياً ومتداولاً إِلى اليوم.
ومن الصعب أن يتفق الباحثون على تصنيف لفروع الآرامية وعلى الأسماء التي تطلق على هذه الفروع ولهجاتها لتعددها وتداخلها. ومن أهم اللهجات الآرامية تلك التي تكونت في فلسطين, فقد انتشرت الآرامية على نطاق واسع في مناطق الجليل وشمالي فلسطين منذ أواخر القرن الثامن ق.م عندما نقل الملوك الآشوريون سكاناً آراميين إِلى المدن الفلسطينية الشمالية, وتقدمت الآرامية على حساب اللغتين الكنعانية والعبرية لتصبح لغة دارجة في منطقة بيت المقدس, واقتصر استخدام العبرية على أحبار اليهود. ويشتمل العهد القديم على أجزاء كتبت بالآرامية في تلك المرحلة, منها: سفر إِريما, الإِصحاح 11:100 وسفر التكوين (الإِصحاح 47:31) وسفر عزرا, (الإِصحاحات 8:4 و6: 18و12:7و 26) وتتضمن الأجزاء التي كتبت بالآرامية من سفر عزرا وثائق مهمة عن وضع الطائفة اليهودية في العصر الفارسي الأخميني. أما الأجزاء الآرامية من سفر دانيال فهي الإِصحاح 4:2 والإِصحاح 28:7, وبما أن الآرامية التي وضعت بها أجزاء سفر دانيال المذكورة كتبت على لسان الكلدانيين فإنها صارت تسمى خطأً كلدانية, إِذ إِن اللغة التي تكلمها الكلدانيون أو البابليون بعد القرن السادس ق.م كانت لهجة من الأكدية وأصبحت الآرامية بعد العبرية اللغة التي استخدمت للتعبير عن الفكر الديني عند اليهود. ويعدّ التلمود (يعني كتاب التعليم أو التعاليم) أهم المؤلفات اليهودية المهمة بعد أسفار التوراة. ويضم التلمود الشرائع التقليدية المتواترة التي كانت متداولة بالروايات الشفهية, وهو يشرح ما ورد في أسفار العهد القديم من تشريع. وقد وضع النص بالعبرية وهو المشنة, أما الشرح (الجمارة) وهو التكملة فقد وضع بالآرامية. ويتفوق التلمود البابلي على التلمود الأورشليمي الذي وضع لاحقاً (القرن الرابع الميلادي). وإِلى جانب التوراة العبرية ظهرت ترجمة للأسفار بالآرامية (الترجوم الفلسطيني) والمدراش. وكان السيد المسيح يتكلم بالآرامية ويعظ الناس بها, وهي كذلك لغة الحواريين وتلاميذهم.
وقد أدى الفتح العربي في القرن السابع إِلى انتشار العربية على نطاق واسع في المناطق التي كان الناس فيها يتحدثون بالآرامية, فانحسرت اللهجات الآرامية الغربية في سورية وفلسطين. وبقي استعمال اللغة الآرامية للحديث في بعض قرى منطقة القلمون القريبة من دمشق (معلولا, جبعدين, بخعة (الصرخة)). ويعتز أبناء هذه المناطق بأنهم ما يزالون يتكلمون اللغة الآرامية التي تبقى, مهما دخل عليها من تأثيرات, لغة الناس على عهد السيد المسيح عليه السلام. وأضحت اللغة الآرامية السريانية أهم اللهجات المتفرعة عن الآرامية الأم بعد انتشار المسيحية. ومنذ ذلك العهد أخذت الآرامية الشرقية تفرض نفسها وتؤكد وجودها لغةً للآداب والدين بلهجات ثلاث هي: البابلية أو اليهودية البابلية وهي لغة التلمود, والمندعية وهي لغة الصابئة والسريانية التي انتشرت من مدينة الرّها (إِديسا) وكتب فيها الأدب السرياني المسيحي. وقد كان للغة السريانية دور ثقافي كبير إِلى جانب اليونانية والفارسية قبل أن تتفوق عليها اللغة العربية منذ القرن السابع الميلادي, لكنها لم تمت بل بقيت حية حتى القرن الثالث عشر لغة أدب وثقافة دينية للكنيسة السريانية. وهي تستعمل اليوم في شعائر كثير من الكنائس الشرقية. وما تزال لغة الحديث والحياة اليومية للألوف من السوريين وفي منطقة الموصل في شمالي العراق وفي شرقي الأناضول وطور عابدين وعند بحيرة أورمية, كما أنها انتشرت مع انتشار السريان إِلى ساحل الملابار في الهند وإِلى أسترالية وبلاد المهجر في العالم الجديد.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|