أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-10-2016
3303
التاريخ: 19-10-2016
999
التاريخ: 19-10-2016
935
التاريخ: 19-10-2016
728
|
أدت التطورات إلى العولمة خلال العقدين الماضيين إلى انتقال مركز القرار فيما يتعلق بسياسات الاستثمار والعمالة والصحة والتعليم وحماية البيئة من الحكومات القومية إلى يد الشركات العملاقة، حيث تتركز القوة الفعلية في يد تلك الشركات والمؤسسات المالية والتمويلية العالمية ومؤسسات الأعلام الضخمة، ويمكنهم التأثير على السياسات القومية في الدول المختلفة بما يملكوه من قوة ضغط اقتصادية وسياسية. لم تنحصر نتائج عولمة النموذج الليبرالى الجديد في الحد من استقلال الحكومات القومية المنتخبة ديموقراطياً ولا في غياب حق الشعوب في اختيار ما يناسبها، فقد كانت أثارها السلبية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية شديدة الحدة. كانت التكلفة الاجتماعية لسياسات التثبيت عالية للغاية ؛ فقد دمرت الحكومات بنى المجتمع الاجتماعية تحت دعوى جذب الاستثمارات الخارجية. وقبلت الحكومات خفض الإنفاق الحكومي في مجال التعليم والصحة من اجل التخلص من عجز الميزانية، وقد أدى ذلك إلى زيادة حد الفقر وعدم العدالة الاجتماعية وتحطم بنى التضامن التقليدية في دول الجنوب. وقامت العولمة بتحطيم بنى الصناعة التقليدية في الجنوب وزادت مظاهر استغلال الإنسان مع الاستغلال المكثف لعمل المرأة والأطفال (وصلت حجم عمالة الأطفال إلى 300 مليون طفل في العالم وفق تقرير منظمة العمل الدولية). وقد زاد حجم الـهوة بين الشمال والجنوب مع عولمة الليبرالية الاقتصادية لتختل النسبة بين الناتج المحلي الإجمالي للدول الغنية والفقيرة، ، مما أدى إلى تركز الثروة خلال العشر سنوات الماضية في أيدي قلة قليلة من المجموعات والأشخاص و الشركات والبلاد، على نحو ما يوضح الجدول المرفق.
النسبة بين الناتج المحلي الإجمالي للدول الغنية والفقيرة
الناتج القومي الإجمالي للدول الفقيرة الناتج القومي الإجمالي للدول الغنية العام
1 3 1816
1 35 1950
1 44 1973
1 72 1992
1 82 1995
1 86 2000
Source: Ignacio Ramonet, Le Nouveau Capitalisme: Une Regression, Manier de Voir, No. 72, 1/2004, p.7.
وسوف نركز فيما يلى على ثلاثة آثار رئيسية للعولمة على النحو التالي:
1ـ العولمة والبطالة، في تعبير واضح عن جوهر العولمة، يقول السيد بيرسي برنيفيك رئيس مجموعة ABB عن مفهومه عن العولمة أنها الحرية لكل فرع من فروع مجموعة الشركات التي ترأسها لتستثمر أينما وحينما تشاء، ولتنتج ما تحب أن تنتجه وتبيع ما تود بيعه . كل هذا دون أن تواجه أي معوقات حتى لو كانت بسيطة من قبل أي قوانين لتنظيم العمل أو أي تشريعات اجتماعية. وتعد البطالة من أهم الكوارث التي نتجت وتنتج عن تعميم نظام الليبرالية الجديدة عبر نظام العولمة وهو ما وضح بشدة في الدول التي طبقت نظم الليبرالية الجديدة مثل الأرجنتين و المكسيك والبرازيل و تايلاند. ووفقا لتقرير منظمة العمل الدولية الصادر في عام 2001، فإن الصورة قد تبدو قاتمة بعض الشيء حيث وصل عدد العاطلين عن العمل و يبحثون عن فرصة عمل في العالم إلى 160 مليون متعطل عن العمل، ينتمي 50 مليون متعطل منهم للبلدان الصناعية المتقدمة. كما انه هناك أكثر من 500 مليون من الحاصلين على أجر مقابل العمل يعيشون بدخل أقل من 1 دولار يومياً. هذا هو نتاج العولمة التي لا تضع في حسبانها اختلاف معدلات الإنتاجية من منطقة لأخرى في العالم وبالتالي لا يمكن أن توجد فرص منافسة حقيقية على المستوى العالمي لو قمنا بتطبيق معيار وشروط إنتاجية واحدة في كافة أنحاء العالم. هذا بالإضافة إلى أن سعي رأس المال إلى الحصول على معدل ربح عالي ( معيار 15% من حجم رأس المال المستثمر كحد أدني) أو الانسحاب من الأسواق و حرمان الكثير من المجتمعات من صناعات هي في حاجة إليها ليخرج الكثير من العاملين لسوق البطالة. تعتبر المعايير الموحدة للإنتاجية التي تفرضها عملية العولمة من أهم الأسباب التي تؤدي إلى اختفاء المنتجين ذوي معدلات الإنتاجية المخالفة للمعيار العالمي المفروض عليهم من قبل الليبرالية الجديدة و من ثم المزيد من البطالة والوظائف المؤقتة. ثبت عبر دراسة علمية أن تحول بعض الوظائف من الشمال المتقدم للجنوب الفقير بحثاً عن الأيدي العاملة رخيصة الثمن ليس هو السبب الحقيقي في انتشار البطالة بين صفوف الطبقة العاملة في العالم المتقدم. هذه النتيجة هي محصلة دراستين في غاية الأهمية قام بهما المركز القومي للأبحاث الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1997. تتم الدارسة عبر عينات كبيرة من الشركات المتعددة الجنسيات الأمريكية وتصل في النهاية إلى نتيجة بمقتضاها أن منافسة الوظائف في فروع الشركة في العالم الثالث للوظائف في الفرع الرئيسي للشركة بالولايات المتحدة الأمريكية هامشية إلى حد كبير، ولكن هناك منافسة شرسة بين الوظائف في فروع الشركة الموجودة خارج الولايات المتحدة الأمريكية. ترى الدراسة أن الوظائف الجديدة التي يتم خلقها عبر الاستثمارات في فرع الشركة في البرازيل على سبيل المثال تهدد بشكل أقل الوظائف الموجودة في الفرع الرئيسي بالولايات المتحدة الأمريكية، ولكنها تهدد بشدة الوظائف الموجودة في فرع الشركة في جنوب شرق أسيا. بمعنى آخر تكون أعلى درجات المنافسة على الوظائف بين الأيدي العاملة للدول الآخذة في النمو و بالذات في المجالات الإنتاجية ذات المعدلات المنخفضة للقيمة المضافة. هذا لا يمنع أن الوظائف في البلدان الصناعية المتقدمة تكون في حالة منافسة فيما بينها ولكن بدرجة أقل عن تلك التي تتم بين القوى العاملة في البلدان الآخذة في النمو والعاملة في مجالات الاستثمارات الأجنبية للشركات متعددة الجنسية. تثبت تلك الدراسة أن عمالة الدول الآخذة في النمو لا تسرق الوظائف من العمالة في الدول المتقدمة وأن تأثير ذلك على التشغيل الكلي في الدول المتقدمة لا يذكر. بل أن نموذج العولمة وتسيد النظام الحر المعتمد على التصدير للسوق العالمي وجذب الاستثمارات الأجنبية الذي يروج له البنك الدولي وصندوق النقد هو واحد من أهم أسباب البطالة في الدول الآخذة في النمو. تلك الدول التي تجذب الاستثمارات بغرض إنشاء صناعات تصديرية تدخل في حلقة مفرغة جهنمية عرفتها المكسيك في عام 1994 إبان أزمة انهيار البيزو المكسيكي. تتمثل تلك الحلقة في أن اقتصاد الدولة المتوجه نحو الخارج والذي ترتبط عملته ارتباطاً وثيقاً بالدولار لا ينجح رفع حجم صادراته بالقدر الذي يفوق نمو وارداته، والتي ترتفع أسعارها بمعدلات تفوق معدلات الزيادة في أسعار الصادرات، وينتج عن ذلك خللاً في الميزان التجاري وتزداد الفجوة بين الصادرات والواردات ليؤثر ذلك على قيمة العملة الوطنية لتصل لمرحلة الانهيار، ويستتبع ذلك في كثير من الحالات انسحاب الاستثمارات الأجنبية من سوق الدولة المعنية لتختفي الوظائف التي تم خلقها أثناء فترة النمو والتوسع.
2ـ التركيز على عولمة رأس المال وليس التكنولوجيا، تسعى العولمة لفتح الأبواب أمام الاستثمارات في كل أنحاء العالم دون أن تواجه بأي عائق يمنعها من تحقيق الأرباح وتحويلها إلى خارج البلدان المستثمر فيها.
عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا فأننا سنجد الأمر على العكس تماماً حيث يسيطر العالم المتقدم وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية على أسواق التكنولوجيا في العالم، فلقد تعلمت الدرس تماما من التقدم الذي أحرزته بعض دول جنوب شرق أسيا في مجال التصنيع، ولذا فهي تسعى منذ مدة إلى حصر نشاط دول الجنوب في مجال الوكلاء من الباطن وتلافي تحقيق دول أخرى لمستوى تصنيع مستقل وله القدرة على تطوير تكنولوجياته الخاصة، وهو ما سيدخله في تنافس واضح مع صناعات العالم المتقدم. وتسعى الدول المتقدمة إلى عدم نقل التكنولوجيا حتى لا تتولد مراكز تنافسية جديدة، ويتمثل السلاح الفعال لتلك السياسة في تطبيق الشعار الذي أطلقه بيل جيتس، أغنى أغنياء العالم ورئيس شركة مايكروسوفت في التسعينيات حين طالب تسجيل براءات الاختراعات بأكبر حجم ممكن. سمعت نصيحة بيل جيتس بحذافيرها حيث تضاعفت براءات الاختراع في الولايات المتحدة الأمريكية خلال العشر سنوات الماضية، حيث حدث نوع من التركيز تمثل فى أن 87% من 160 ألف براءة التي تم تسجيلهم في عام 2000 في العالم كانوا في الولايات المتحدة الأمريكية. أدت هذه الـهيمنة الغربية في مجال التكنولوجية إلى رسم خريطة جديدة للعالم وفقاً لتعبير الاقتصادي جيفري ساتشس والذي اعترف بهذا، بالرغم من إنكاره لتلك الحقيقة عندما كان يعمل مع صندوق النقد الدولي. يري جيفري ساتشس أن 15% فقط من سكان العالم يشكلون المنطقة الأولى على مستوى العالم الذين يحتكرون التكنولوجيا الجديدة، والمنطقة الثانية من خريطة التكنولوجية العالمية والتي تضم حـوالي 50% من سكان العالم يمكن لهم التعامل وتبني التكنولوجيات الجديدة، والمنطقة الثالثة والتي يطلق عليها منطقة المهمشين تكنولوجيا وهم على سبيل المثال سكان جنوب المكسيك وجزء كبير من البرازيل الاستوائية وأفريقيا وبعض مناطق روسيا، وهي المناطق التي تعاني من الفقر و تدني مستوى المعيشة. هذا التقسيم التكنولوجي من قبل العولمة سيؤدي إلى اتساع الفجوة بين الشمال والجنوب و إلى حصر عملية التطوير التكنولوجي في معيار الربح المتوقع وليس في إطار الحاجة الفعلية للبشرية، ولعل اكبر مثال على هذا قطاع الدواء وشركاته العالمية والمعركة الشهيرة مع جنوب أفريقيا والبرازيل حول حقوق الملكية الفكرية لدواء معالجة مرض الإيدز.
3 ـ نقل التضخم من الاقتصاد إلى أسواق المال، فمنذ تولي فكر النقديين زمام الأمور في الدول الصناعية، يتم ضبط الاقتصاد عبر الأدوات النقدية المتعارف عليها، مثل ضبط حجم الكتلة النقدية وسعر الفائدة. كان رفع أسعار الفائدة هو أحد أهم الأسلحة لمحاربة التضخم, و لكن رفع سعر الفائدة هو واحد من أهم الأسباب في زيادة البطالة . حيث تجمدت قيمة المرتبات الحقيقية في الدول الأوربية التي تمتلك نظام حد أدنى للراتب يعمل بفاعلية، في حين انخفضت القيمة الفعلية للرواتب في كل من الولايات المتحدة الأمريكية و بريطانيا، وهناك حوالي 13% من حجم سكان الولايات المتحدة الأمريكية يعيشون تحت خط الفقر. لا يدرك النقديون الجدد الحقيقة الاقتصادية بشكل كلي ولا السبب الحقيقي للتضخم الذي جعلوا من مكافحته التبرير الرئيسي لصلاحية نظرياتهم، حيث إن السبب الحقيقي للتضخم يكمن في الخلل وعدم التوازن الحادث بين الاستهلاك والادخار( الاستثمار). فعند ارتفاع الاستهلاك بنفس معدلات الادخار فان الإنتاج لا يزيد بنفس معدلات الطلب على السلع والخدمات لنقص الاستثمارات، فيتولد حينئذ التضخم. وفي حالة ارتفاع الادخار الكلي على حساب الإنفاق على الاستهلاك، فإن فائض الادخار لا يمكن أن يتحول إلى استثمارات في مجال الصناعة والخدمات، نظراً لأن الاستثمارات الإضافية تولد في تلك الحالة فائض إنتاج من السلع والخدمات لا يمكن استيعابها لانخفاض الطلب الفعلي عليها، في تلك الحالة فإن المدخرات ستتحول تجاه الأسواق التمويلية. القاعدة في هذه الأسواق هي أنه في حالة زيادة الطلب على الأسهم ترتفع أسعارها في الوقت الذي لا ترتفع فيه قيمتها الفعلية، ومن ثم تعاني الأسواق التمويلية في تلك الحالة من تضخم. وينبع الخلل الرئيسي الحادث بين الإنفاق على الاستهلاك / الادخار من عدة أسباب من أهمها:
أ ـ عدم التوازن في توزيع عوائد الزيادة في الإنتاجية بين العمل ورأس المال. وإذا كان هذا الخلل في التوزيع لصالح العمل، فإن الاقتصاد يشهد زيادة في الطلب يؤدي إلى ظهور تضخم حقيقي في الاقتصاد . أما إذا كانت الاستفادة الأكبر من الزيادة في الإنتاجية لصالح عوائد رأس المال فإن الأسواق التمويلية هي التي ستشهد حالة تضخم.
ب ـ تزايد حالات الادخار الإجباري مثل تزايد مبالغ صناديق المعاشات، أو تزايد حالات الاستهلاك الإجباري كما في حالات مكافآت المعاش المبكر، حيث تحدث الأولى تضخماً في الأسواق التمويلية والثانية تضخما داخل الاقتصاد الحقيقي.
يؤدي التضخم (المضاربة) الحادث في الأسواق التمويلية إلى ارتفاع في قيمة الأسهم بشكل يرفع أرباح تبادلها بشكل ملحوظ عن تلك المتولدة عن الاستثمارات التقليدية. قدم السوق التمويلي في تلك الحالة أربـاحـاً عالية دون أن يكون خاضعاً للضريبة في الكثير من الحالات لينافس بذلك وبشكل غير عادل قطاع الاقتصاد التقليدي، وهو ما يبرر الصعوبات التي تواجهها الشركات المتوسطة والصغيرة في الدول المتقدمة بالرغم من أنها تقدم فرص كبيرة لسوق العمل. ومن الآثار السلبية للتضخم الحادث في الأسواق التمويلية أن الشركة الطارحة أسهمها في البورصة تجد نفسها مجبرة على رفع أرباح أسهمها، وذلك لأن القيمة الحقيقية للأسهم تعتمد على العلاقة بين قيمة السهم وأرباحه الموزعة؛ فإذا كانت أرباح السهم الموزعة لا تزيد مع زيادة قيمة السهم في البورصة فإن المستثمرين سيتوجهون نحو الأسهم التي توزع أرباحاً أعلى وهو ما سيؤدي إلى انخفاض قيمة الأسهم المتروكة أو المتحول عنها ذات الربحية الأقل. تعمل آليات الأسواق المالية والتمويلية في الأمد القصير، وبالتالي تجد الشركات نفسها مجبرة على العمل بنفس الطريقة وهو ما يعتبر مناقضاً لكل قواعد الإدارة الاقتصادية الرشيدة المعروفة للجميع. فمن أجل رفع أرباح الأسهم تقوم الشركات بالتخلص من العمالة ولا ترفع قيمة الرواتب وتخفض الاستثمارات ومخصصات البحث، وتلجأ الشركات لنقل النشاط للدول النامية وعندما لا تجد الشركات ما تفعله بعد ذلك تقوم بتزوير الحسابات (مثال شركة إنرون الأمريكية). لا تستطيع الشركات الكبرى رفع حجم مبيعاتها طالما كان حجم الدخول المخصصة للاستهلاك تشهد ثباتاً في معدلات الزيادة أو تراجعاً فتلجأ للاندماج عبر شراء الشركات المتعثرة لتكبر من حجمها، وكثيراُ ما تستدين بما يفوق طاقتها وكل ذلك من أجل إرضاء المساهمين وزيادة أرباح المدراء (وفقاً للإحصائيات فإنه منذ ثلاثين عاما ً كان دخل المدير في الشركات الكبرى الأمريكية يساوي 40 مرة الموظف صاحب أقل دخل، وصلت تلك النسبة اليوم إلى 3000 ضعف). وعندما يصل التضخم في سوق الأوراق المالية إلى مستوى معين يبدأ الانهيار مع العديد من الأزمات، والأمثلة عديدة؛ المكسيك، جنوب شرق أسيا، روسيا، البرازيل، الأرجنتين، تركيا … الخ. وعندما يبدأ المستثمرون في سحب أموالـهم لتلافي الأزمة و إنقاذ ما يمكن إنقاذه، تنهار أسعار العملة الوطنية لينهار الاقتصاد وتزداد البطالة والفقر. وقد شهدت بورصات الدول المتقدمة ذاتها حالات من التصحيح الذاتي المهمة منها على سبيل المثال حالة انهيار (الاقتصاد الجديد) والذي ضاعت معه مدخرات صغار المستثمرين. بما أن الاقتصاد الحقيقي يعتمد بدوره على الأسواق المالية والتمويلية فقد تأثر بذلك الانهيار و من ثم معدلات التشغيل والبطالة. لقد أصبحت البنوك المركزية عاجزة عن التحكم في الاستقرار النقدي نتيجة للمضاربة، وأصبحت الأسواق المالية هي التي تحدد رفع أو خفض سعر الفائدة و في حالة عدم اتباع ما تفرضه الأسواق المالية من قبل البنوك المركزية، فإنها ستدفع لانهيار قيمة العملة الوطنية. ومن ثم أصبحت الحكومات اليوم مجبرة على إتباع تعليمات السوق. وفى الغالب والأعم، فإن الأسواق المالية والتمويلية ليست خاضعة للضريبة ولا يحكمها قوانين صارمة مثل تلك التي تحكم الاقتصاد الحقيقي، في حين أن هذا الأخير مكبل بالضرائب والقوانين الصارمة. وترى الكثير من الحركات المضادة للعولمة أن المضاربة بكل أنوعها على الصعيد العالمي هي النتاج الفعلي لسياسات العولمة المنفذة لنظريات الرأسمالية الجديدة التي تبحث لرأس المال على أعلى معدلات ربح حتى لو كان ذلك على حساب النشاط الإنتاجي و الممارسات الاقتصادية المنتجة، وتعد المضاربة على العملات من أهم النشاطات في اقتصاديات عصر العولمة (حوالي 1500 مليار دولار في اليوم) وما تمثله من خطر على اقتصاديات الدول وأثرها على مستويات البطالة والتشغيل. يستطيع المضاربون على أسعار الصرف خلق أزمة في الأسواق المالية والاستفادة منها في الوقت نفسه، هذا بالإضافة للفوائد الجمة التي قد تعود عليهم من المضاربة على العملات. وقد أدرك الاقتصادي الأمريكي الشهير جيمس توبين والحاصل على جائزة نوبل للاقتصاد خطورة المضاربة على العملات الوطنية من قبل، وأوضح مدى خطورتها على اقتصاديات الدول، واقترح حينئذ فرض نسبة متحصلة (عمولة) على كل عملية تبادل للعملة من أجل الحد من عملية المضاربة. ويقترح مؤيدو تلك العملية أن تتراوح النسبة بين واحد من عشرة وواحد من مائة، على أن تفرض تلك العمولة أو الضريبة على عمليات المضاربة فقط التي تتسم بالتكرار و في الكثير من الحالات بالبيع والشراء من وإلى العملة التي يتم المضاربة عليها في اليوم نفسه وبمبالغ كبيرة. لكن لم يتبنى أحد ضريبة توبين تحت دعوى أن السوق ينظم نفسه تلقائياً ولا يجب أن يتم أي تدخل خارجي في ميكانيزمات السوق، ولكن من بعد تعاقب الأزمات المالية في دول العالم و لعب المضاربات دوراُ كبيراً في تعميق الأزمة عادت من جديد الدعاوى من أجل تطبيق ضريبة توبين على عمليات المضاربة على العملة، وكان على رأس من نادى بذلك جريدة لوموند ديبلوماتيك الفرنسية ومنظمة أتاك الفرنسية (التجمع من أجل ضريبة على المبادلات المالية والنقدية لصالح مساعدة المواطنين). لن يقتصر دور تلك الضريبة فقط على الحد من المضاربة بل سيمتد لمساعدة المواطنين ذوي الدخل المحدود على تحمل أعباء الحياة، ويرى المطالبون بتطبيق هذه الضريبة أنه من خلالـها يمكن محاربة الآثار السلبية للعولمة. فبجانب القدرة على الحد من المضاربة على العملات وما لـها من آثار مدمرة على العمليات الاقتصادية في الدول النامية يمكن توجيه جزء مهم من حصيلة الضريبة تلك إلى الدول النامية لمساعدتها على تلافي الآثار السيئة للعولمة؛ حيث يمكن منح إعانات أو حتى توجيه استثمارات للدول التي تطبق نظام الحد الأدنى للأجور على المستوى القومي، أو تلك التي تمنع عمالة الأطفال وتلك التي تحترم البيئة و تحرز تقدماً في خفض نسب التلوث ... الخ. ويعارض البعض ضريبة توبين تحت دعاوى صعوبة تحصيلها، ولكن هذا غير صحيح حيث أن القائمين على عمليات تبادل العملة يحصلون عمولة لصالحهم مع كل عملية تبادل للعملة، وهم قادرون على إضافة نسبة الضريبة لعمولتهم كما أن التقدم في تكنولوجيا المعلومات يتيح فرصة تحصيل الضريبة وقت التفاوض على أسعار التبادل كما هو في حالة التفاوض على مبالغ كبيرة بين البنوك ومكاتب الصرافة. ومن الممكن أن تتنوع قيمة الضريبة بين الارتفاع والانخفاض وفقاً لمدى الانهيارات الحادثة في قيمة العملة. ويحدد ذلك البنك المركزي للدولة صاحبة العملة التي يتم المضاربة عليها. وتعد هذه الضريبة وسيلة لمساعدة البنوك المركزية على إعادة التوازن لسعر العملات بدلاً عن التدخل في أسواق التبادل باستخدام رصيد تلك الدول من العملات الأجنبية، ووقوعها في الكثير من الحالات تحت رحمة المنظمات التمويلية الكبرى وخروجها مدينة من كل أزمة نقدية.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|