أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-10-2016
2291
التاريخ: 8-10-2016
1440
التاريخ: 8-10-2016
1632
التاريخ: 9-10-2016
1567
|
تعود جذور العلاقات الحيثية – الشامية إلى ما قبل نشوء ما يعرف بالمملكة الحيثية القديمة منتصف القرن الثامن عشر قبل الميلاد ، أذ تكشف الآثار بأن بعض الجماعات الحيثية استوطنت أجزاء من شمال وجنوب بلاد الشام منذ مطلع الألف الثاني قبل الميلاد ، أي ترافق مع وصول الموجات الكبرى من المهاجرين الحيثيين إلى الأناضول آنذاك ، فقد ظهر في وقت تقريبي أواخر العهد البرونزي الأوسط ( 2000-1600 ق.م ) فخار أسود اللون مصقول ومزين بنماذج منحوتة وموسومة في سورية وفلسطين ، وكذلك في أواسط الأناضول(1)، وهي المنطقة التي أتخذها المهاجرون الحيثيون مستقراً لهم، وأقاموا فيها مركز دولتهم الكبرى لاحقاً.
وتؤيد التوراة ما ورد بالدليل الأثري بهذا الخصوص ، فبعض نصوصها تصرح بهذا الأمر(2)، ويستدل منها أن بعض أولئك الحيثيين كانوا يفهمون بأمور التجارة ويمتلكون حقولاً وأراضي وعقارات حيث أن النبي إبراهيم (عليه السلام) بعد نزوحه من بلاد الرافدين إلى بلاد الشام اشترى من أحدهم (عفرون بن صوحر) أرضاً في جنوب فلسطين لتكون مدفناً لأسرته بقيمة أربعمئة مثقال من الفضة ، وقد قام إبراهيم (عليه السلام ) بوزن الفضة تماشيا مع الأعراف التجارية السائدة آنذاك ، كما عقد علاقات مصاهرة مع أحدى الأسر الحيثية هناك(3)، ولو أخذنا بنص التوراة هذا مع ما أشير إليه من أن ابراهيم (عليه السلام) هاجر لبلاد الشام في القرن التاسع عشر قبل الميلاد ، لثبت لنا ما أشرنا أليه من وجود الحيثيين في بلاد الشام منذ ذلك الحين(4) .
كذلك سكن بعض الحيثيين في نابلس، وانتشروا في شمال فلسطين لاحقاً(5)، ومن هؤلاء (حمورالحوي) رئيس مدينة نابلس ، الذي ابتاع منه النبي يعقوب (عليه السلام) قطعة من أرضه حسبما جاء في التوراة(6) .
ولعل تلك الجماعات الحيثية هاجرت من بلاد الأناضول بعد وصولها أليه بوقت قليل، إلى بلاد الشام بحثا عن ملجأ آمن وفرص أفضل للعيش لاسيما أن ظروف الصراع في الأناضول كانت على أشدها حينذاك.
وهناك ما يشير لصلات قوية ربطت الحيثيين بسكان بلاد الشام لاسيما الجنوبيين منهم ، إذ أن الحيثيين أتقنوا صناعة الخزف، ولاسيما النوع الأحمر المنقوش الذي ظهر في اقليم كبادوكيا ومنها انتشر استعماله في مطلع الألف الثاني قبل الميلاد بواسطة التجارة - على الأرجح – إلى منطقة أواسط فلسطين كجازر ولخيش وغيرها(7) .
وهكذا يتضح بأن الحيثيين اتصلوا ببلاد الشام قديماً وأقاموا علاقات وطيدة مع سكانه اقتصرت في بادئ الأمر على التجارة والتعايش السلمي بينهما ، ونجم عنها تأثير حضاري متبادل، إلا أنه بعد ظهور ما يعرف بالمملكة الحيثية القديمة (1740 – 1460 ق.م) في قلب الأناضول وسعي مؤسسيها لتوسيع رقعتها على حساب الأقطار المجاورة بما فيها بلاد الشام ، فإن العلاقات الحيثية الشامية دخلت في طور جديد طغى فيه منطق الحرب والقوة على أي شكل آخر من أشكال العلاقة بينهما ، وقد مهد لبدء هذا التطور المؤسس الحقيقي للمملكة الحيثية لابارانا الأول (1680-1650 ق.م) الذي وصل بفتوحاته جنوبا حتى مقاطعة كليكيه المؤدية إلى بلاد الشام(8) .
وهذا ما أتاح لأبنه وخليفته في الحكم خاتوشيليش الأول ( 1650- 1620 ق.م ) ليمارس سياسة خارجية توسعية مهد لها بنقل العاصمة من كوسارا إلى حاتوشاش (بوغازكوي حالياً) التي تعد واحدة من أفضل المدن الأناضولية مناعة وحصانة ويتناسب موقعها مع الامتداد الشاسع لحدود المملكة ، كما تسمى هذا الملك باسم حاتوشيليش الأول بعد أن كان يعرف باسـم لابارانا الثاني في بدايات حكمه(9) .
وجه خاتوشيلش الأول أنظاره لإخضاع مملكة يمخد الغنية ، التي تسيطر على الأجزاء الشمالية من بلاد الشام ، ولكن نظراً لقوة هذه المملكة وصعوبة القضاء عليها بضربة واحدة فقد أنتهج الملك الحيثي خطة في بادئ الأمر تفضي بعزلها عن حلفائها ، فعبر في السنة الثانية من حكمه ممرات الأمانوس واستولى على الألاخ(تل العطشانة حالياً) قاطعاً بذلك الاتصالات المباشرة بين يمخد والبحر المتوسط ، ومن ثم استدار صوب الفرات ففرض حصاراً على مدينة أورشو الواقعة على ضفته اليمنى ، فتلقت الأخيرة مساعدات عسكرية من يمخد لم تحل دون سقوطها بيد القوات الحيثية(10) .
وبعد فترة توقف دامت عدة سنوات قضاها خاتوشيليش الأول في حروبه ضد مملكة آرزاوا(11) في الغرب ، وضد الحوريين في الشرق عاد ليستأنف حملاته على بلاد الشام، فاستولى على مدينة خاششو (كوماجين) على الضفة اليمنى من الفرات ، بالرغم أن حليفتها مملكة يمخد هبت لنجدتها ايضا ، ثم عمد الملك الحيثي إلى تخريب المدينة انتقاما منها على ما يبدو لمقاومتها العنيفة لجيوشه(12)، ومن ثم أتجه لإخضاع عاصمة يمخد (حلب) فارضاً عليها طوقاً من الحصار لم يجد نفعاً أمام المقاومة العنيفة التي أبدتها المدينة لجيشه الغازي ، التي أودت بحياته في آخر المطاف(13)، ولذا لا صحة لما ادعاه هذا الملك في أحد النقوش المكتشفة في العاصمة الحيثية (حاتوشاش) من أنه نجح في احتلال حلب وتدميرها وجلبه الغنائم منها(14) .
على أن ذلك لم يعق الحيثيين عن تجديد محاولاتهم لضم حلب إلى نفوذهم ، فبعد وفاة خاتوشيلش الأول فإن ابنه بالتبني مرسيليس الأول (1620 – 1590 ق.م) خلفه في الحكم(15)، وبدأ يستعد لإخضاعها ، فعقد تحالفا مع مملكة عانا الواقعة في منطقة الفرات الأوسط بهدف تطويق حلب وتعطيل تجارتها مع بلاد الرافدين، ويبدو أنه أفلح في تحقيق هـذه الأهداف (16)، مما شجعه لأن يرسل حملةً عسكرية الى حلب أدت لاحتلاله المدينة والحاقه الدمار بها انتقاماً لمقتل والده(17)، ومن ثم تقدم بسرعة إلى مدينة كركميش الواقعة على الضفة اليمنى لنهر الفرات، فنجح في احتلالها أيضاً(18) .
ولم يكتفِ (مرسيليس الأول) بما حققه من انتصارات في حملته تلك على بلاد الشام ، بل إنه سار جنوبا على طول نهر الفرات قاطعا مسافة خمسمئة ميل إلى بابل التي استولى عليها بسهوله(19)، ويبدو أن الذي حمله على هذا العمل ، كان لترسيخ أقدامه في المناطق التي احتلها شمال بلاد الشام ، ولتعزيز مكانته إزاء الدول الأخرى في المنطقة ولكسب الغنائم(20) ، ولعله أيضاً للسيطرة على الطرق التجارية على طول نهر الفرات (21) .
على ان امبراطورية مرسيليس الأول سرعان ما بدأت بالانهيار بعد سنواتٍ من نشوئها ، ففي حدود سنة (1590 ق.م) اضطر مرسيليس الاول الى التخلي عن بابل والعودة لبلاده عند سماعه انباء تفيد بوجود مؤامرة داخلية تستهدف عرشه كان المدبر الرئيسي لها زوج اخته (خانتيليش) الـذي اغتاله حال وصوله العاصمة الحيثية (حاتوشاش) واعتلى العرش الحيثي(22)، ومع أن خانتيليش حافظ على المناطق التي فتحها سلفه في بلاد الشام فإن اغتصابه للعرش اثار موجة من الانشقاقات الداخلية والصراع على العرش داخل البيت الحيثي الحاكم استمرت لعشرات من السنين ، وأدت الى تمزيق المملكة الحيثية وفقدانها لمناطق نفوذها فـي بلاد الشام لصالح الميتانيين(23) .
غير أن الدولة الحيثية لم تستسلم للواقع وظلت تتطلع لإعادة نفوذها السابق في بلاد الشام، وهذا ما شكل عاملا مهما من عوامل اندلاع التنافس بينهم وبين المصريين على تلك البلاد فيما بعد .
_________
(1) الأحمد ، سامي سعيد ، الهاشمي ، رضا جواد ، تاريخ الشرق الأدنى القديم ( إيران والأناضول ) ، بغداد، ب.ت ، صص239-240 ؛ غلاب ، محمد السيد ، الجوهري ، يسري ، المصدر السابق ، ص426.
(2) سفر التكوين ،23 : 4-20 .
(3) الدبس، يوسف، تاريخ سوريه، مج1، بيروت، 1983، ص154.
(4) المصدر نفسه، مج1، ص155.
(5) غرايبه ، عز الدين ، المصدر السابق ، ص117 .
(6) سفر التكوين ،33: 20.
(7) برستد ، جيمس هنري ، تاريخ مصر ، ص252 .
(8) رو ، جورج ، المصدر السابق ، صص330- 331 .
(9) Mcmahon , G. , “The History of the Hittites”, Biblical Archaeology, Vol.52, 1989, P.65.
(10) Kupper , J.R., “Northern MesOpotamia and Syria”, CAH, Vol.11, Part.1, 1973, PP.32-33.
(11) وهي احدى الممالك التي قامت في الجزء الغربي من الاناضول ، ومع انه لا يوجد تأريخ محدد لذلك ، فان اقدم النصوص المتوفرة بشأنها تشير لوجودها هناك في القرن السابع عشر قبل الميلاد ، وقد تأرجحت علاقتها بالمملكة الحيثية بين الخضوع لها احياناً والانفصال عنها في احيانٍ اخرى، كما أقامت ارزاوا علاقات وطيدة مع الفرعون المصري امنحوتب الثالث الذي تزوج من ابنةِ أحد ملوكها، واستمرت قائمة حتى سقطت سنة (1200ق .م) على يد قبائل شعوب البحر حالها بذلك حال بقية الممالك الاناضولية الاخرى، ينظر: سليم ، حسن ، مصر القديمه ، جـ5 ، القاهرة ، 1948 ، ص122 .
Encyclopaedia Britannica, London, 1986, P .612.
(12) Kupper , S.H., Op. Cit, Vol.11, Part.1, P.33; Astour, M.C., Op. Cit, P.107.
(13) رو ، جورج ، المصدر السابق ، ص331 .
(14) روست ، لياناجاكوب ، صلوات وحكايات وأساطير حثيه من الألف الثاني قبل الميلاد ، ترجمة قاسم طوير ، ط1 ، دمشق ، 1986 ، صص12-13 .
(15) Astour , M.C., OP.Cit, P.107.
(16) J . C. Macqueen, OP.Cit, P.44.
(17) حتي ، فيليب ، تاريخ سوريه ، جـ1 ، ص166 ؛ Garstang., the Hittite Empire, London, 1929, P.3
(18) رو ، جورج ، المصدر السابق ، ص331 .
(19) ساكز ، هاري ، المصدر السابق ، ص92 .
(20) روست ، الياناجاكوب ، المصدر السابق ، صص13-14 .
(21) J . C. Macqueen, OP.Cit, P.42.
(22) ساكز ، هاري ، المصدر السابق ، ص92 .
(23) مورتكات ، أنطوان ، المصدر السابق ، ص220 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|