أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-6-2019
1114
التاريخ: 8-10-2016
1002
التاريخ: 9-10-2016
3304
التاريخ: 8-10-2016
1440
|
ان اول ما يلفت نظر المؤرخين والجغرافيين هو ذلك الموقع السوقي(1) المهم لسوريا ما بين القارات التاريخية الثلاث (اسيا وافريقيا واوربة) ولهذا كانت بمثابة جسر بين المراكز الحضارية وبصفة خاصة بلاد الرافدين ومصر وكذلك بلاد الاناضول وايضاً جزر قبرص وكريت(2). ولهذا فقد تأثر تاريخها وبشكل كبير بالقوى السياسية التي كانت تتسيد تلك المراكز الحضارية مما خلق صعوبة في دراسة تأريخ سوريا القديم بسبب تداخل صلاتها السياسية والحضارية مع تلك البلدان(3).
ويمكن القول ان سوريا بموقعها الجغرافي اصبحت (جسراً للأمم)، لكن هذا (الجسر) لم تكن مهمته الربط والايصال بين الاقوام التي عبرت من خلاله محملة بمفردات حضاراتها بل انها أخذت وتفاعلت مع تلك المفردات الحضارية العديدة(4). ولهذا اصبحت سوريا بودقة للتأثيرات الحضارية التي جاءتها من هاتين الحضارتين العظيمتين (العراقية من الشرق والمصرية في الجنوب) واصبح لها دور في تاريخ الحضارة الانسانية فيما بعد من خلال ذلك التفاعل مع تينيك الحضارتين(5).
ان سوريا كانت ميدانيا للتجارة(6) والحروب والهجرات، فاستقرت فيها اقوام عديدة. ولم يكن للمنطقة من خيار سوى استيعاب تلك الهجرات التي كان لها دور في مسيرتها التأريخية الطويلة(7) بعد ان انشأت ممالك مستقلة لم تتحد فيما بينها الا عند شعورها بالخطر الخارجي عليها ولهذا لم تنشأ في سوريا امبراطوريات كما حصل في العراق ومصر بل كان الطابع المميز لها هو الاستقلال عن بعضها(8)، كما فعلت جغرافيتها الطبيعية فعلتها في جعل تلك الممالك تعيش خارج نطاق الوحدة فيما بينها اذ لم تنشأ فيها مملكة قوية توحد الأقليم تحت سلطانها(9). ولذلك فقد واجهت بلاد الشام اخطاراً عبر عصورها التاريخية، فالبابليون والآشوريون والمصريون والحثيون والفرس والرومان والمغول والاتراك والصليبيون هاجموا البلاد واستولوا عليها كلها أو جزءاً منها(10). كما ان وجود المناطق الصحراوية في شرق الاقليم وجنوبه جعله مطمعاً دائماً للبدو وبذلك اصبحت البلاد الشامية الأرض التي انصهرت عليها البداوة مع الحضارة(11)، حيث كانت حصتها من هجرات القبائل الجزرية(12) اكثر من حصة أي منطقة اخرى في المنطقة التي هاجر اليها الجزريون وهذا ما جعل سوريا مصدراً مهماً للهجرات التي دخلت بلاد الرافدين فيما بعد بحيث اصبحت سورية جزءاً متمماً له(13) ومتأثراً بحضارته ابتداءاً منذ منتصف الالف الرابع ق. م (كما دلت على ذلك تنقيبات البعثة الألمانية برئاسة الباحثة ((ايفاشترومنكر)) التي اجرت تنقيبات في المواقع الفراتية في سورية منذ عام 1966) ومروراً بالعهود التأريخية اللاحقة(14). وفي عصر فجر السلالات يدعي لوكال زاكيزي بانه دخل بلاد الشام(15). وفي العصر الاكدي اصبحت المنطقة خاضعة بصورة رسمية للإمبراطورية الأكدية(16).
وخلاصة القول ان تاريخ سوريا وحضارتها قد تأثر بالموقع الجغرافي وطبيعة تضاريسها, وكذلك اثر خلوها من مجاري مائية تشبه ما موجود في بيئة بلاد الرافدين في عدم قيام حضارة زراعية على طول البلاد كما هو الحال في العراق(17)، لكن هذا الموقع الذي تتمتع به سوريا، انعكس على العراق في ناحيتين، الاولى ان موقع سوريا جعلها جزءاً متمماً لبلاد الرافدين من الناحية التجارية، وبالتالي فانها تتكامل معه اقتصادياً لأن العراق يعد المعبر الشرقي لها الى الاقاليم الشرقية وبالتحديد الى بلاد ايران، والناحية الاخرى ان موقع سوريا شكل مدخلاً ومنفذاً للعراق لدخول بعض الاقوام. التي كانت تسكن في مناطق بحر ايجة وهضبة الاناضول من جهة ومن ناحية مصر والبتراء من جهة اخرى(18). ولكن ينبغي علينا الاشارة هنا الى ان سوريا قد لعبت دوراً حضارياً مهماً من خلال مساهمتها في ايصال الخط الهجائي الى عالم البحر المتوسط وخاصة الجزر اليونانية، كما اتخذت الامبراطوريات الشرقية ومنها الأخمينية والبارثية من اللغة والكتابة الارامية وسيلة للتدوين حيث اصبحت لغة التخاطب قبل ان تكون لغة الديانة المسيحية والتي كانت بلاد الشام مهداً لها ومن قبلها الديانة اليهودية(19).
____________
(1) يعرف السوق عموماَ: انه فن وعلم استخدام القوة الوطنية في كافة الظروف اثناء السلم والحرب لبلوغ الاهداف القومية. انظر:
امين، محمد فتحي، قاموس المصطلحات العسكرية، (بغداد، 1982)، ص 281.
(2) الناضوري، رشيد، التطور التاريخي للفكر الديني، (بيروت، 1969)، ص 128.
(3) كلينغل، هورست، تاريخ سورية السياسي 3000-300 ق. م، ترجمة سيف الدين دياب، (دمشق، 1998)، ص 16.
(4) الجر، خليل، مباحث في المدنية الاولى، (بيروت، 1956)، ص 23
(5) علام، نعمت اسماعيل، فنون الشرق الاوسط والعالم القديم، (القاهرة، 1975)، ص 151.
(6) حول دور سوريا في التجارة الدولية. انظر:
ساكز، هاري، عظمة بابل، ص 320.
(7) جونز، آ. مدن بلاد الشام، ترجمة فؤاد عباس، (عمان، 1987)، ص 9.
(8) الرفاعي، انور، حضارة الوطن العربي الكبير في العصور القديمة، (دمشق، 1972)، ص 80.
(9) ابو المحاسن، عصفور، معالم تأريخ الشرق الادنى القديم، (القاهرة، 1981)، ص 101.
(10) حتي، فليب، تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، ج1، ص 64.
(11) ابو المحاسن، عصفور، معالم تأريخ الشرق الادنى القديم، ص102.
(12) حول هذه الهجرات انظر الفصل الثاني ص 28 وما بعدها.
(13) ابراهيم، نجيب ميخائيل، مصر والشرق الادنى القديم، ص 102.
(14) أحمد، محمود عبد الحميد، وآخرون، اثار الوطن العربي القديم، ص 229 وحول تلك التنقيبات انظر:
شترومنكر، ايفا، حبوبة الكبيرة مدنية عمرها خمسة الاف عام، ترجمة ماجد الموصلي، (دمشق، 1984).
(15) الأحمد، سامي سعيد وجمال، رشيد أحمد، تاريخ الشرق القديم، (بغداد، 1988)، ص 217.
(16) كونة، كورد، "سورية-بلاد الرافدين-اسيا الصغرى في الالف الثالث والثاني ق. م"، الاثار السورية، (فينا، 1985)، ص 312.
(17) ابراهيم، نجيب ميخائيل، مصر والشرق الأدنى القديم، ص 21.
(18) شريف، ابراهيم، الموقع الجغرافي للعراق واثره في تاريخه العام حتى الفتح الاسلامي، ج1، بغداد، بدون سنة طبع، ص 308.
(19) الأحمد، سامي سعيد وجمال، رشيد أحمد، تاريخ الشرق القديم، ص202.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|