أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-4-2016
1800
التاريخ: 5-6-2016
1827
التاريخ: 2023-06-11
939
التاريخ: 12-7-2016
1914
|
قال تعالى : {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ} [النور : 43]
عوامل ثلاث لنزول المطر : لحصول المطر عوامل ثلاث لا غيرها ، إذا توفّرت لابدّ من نزول المطر ، وإذا نقص عامل منها فلا إمكان لحصوله ، وتلك العوامل هي :
1 ـ التبخّر ، وهو عملية تحوّل ذرّات الماء إلى البخار ، ليؤدّي إلى تكوين سحاب .
2 ـ وصول الهواء المتحمّل للبخار إلى درجة الإشباع المختلف حسب المناخ .
3 ـ التكاثف ، وضدّ عملية التبخّر ، ليتحوّل البخار إلى ذرّات الماء .
وهذا الترتيب على التعاقب ممّا لا محيص عنه لتكوين المطر ونزوله ، وهو مِن بديهيّات العلم المقطوع به والمفروغ عنه بلا ريب ، وإليك شرح هذه العوامل باختصار .
( أَوّلاً ) التبخّر ، وهو عملية تحوّل ذرّات الماء إلى البخار ، وانتقاله إلى الهواء ، وذلك بتأثير حرارة الشمس على السطوح المائية المتوسّعة ، كالمحيطات والبحار والبحيرات والمستنقعات والأنهار ، بل وحتّى السطوح الثلجية والجليدية ، بل وحتّى على أوراق الأشجار والنباتات وخاصّة الغابات .
( ثانياً ) الإشباع ، وهو استمرار التبخّر حتى يبلغ حدّاً معيّناً ، ويُسمّى بدرجة التشبّع ، وتختلف حسب اختلاف المناخ ، فكلّما اختلفت درجة الحرارة اختلفت درجة التشبّع اللازمة لتكوين الأمطار ، فالهواء الحارّ في درجة التشبّع يحوي مقداراً مِن البخار أعظم ممّا يمكن أن يحويه الهواء البارد ، فكمّية الرطوبة التي تكفي للتشبّع في درجة 15 م مثلاً لا تكفي للتشبّع في درجة 20 م ، وإذا كان الهواء متشبّعا قيل : إنّ نسبة رطوبته 100% .
وبعبارة أوضح : إنّه حيثما وُجد الماء والهواء فإنّه يحدث تبادل بين جزئيات أحدهما مع الآخر ، فتمرّ جزئيات الماء عن طريق التبخّر إلى الهواء ، كما تمرّ جزيئات الهواء إلى الماء ؛ ولذلك يوجد دائماً مقدار مِن بخار الماء في الهواء ، كما يوجد مقدار مِن الهواء في الماء .
وإذا كان مقدار البخار الذي في الهواء قليلاً فإنّ الجزئيات البخارية التي تتصاعد من الماء تكون أكثر من جزيئات الهواء التي تمرّ إلى الماء ، وعلى ذلك فإنّ عملية التبخّر تستمر ولكن إذا كان مقدار ما في الهواء من البخار كثيراً فإنّ تبادل الجزيئات بين الماء والهواء يكون متساوياً ، وفي هذه الحالة يقال : إنّ الهواء متشبّع بالبخار المائي ، أو إنّه في درجة الإشباع ، أي لا يستطيع أن يحمل أكثر ممّا هو معلّق به مِن البخار .
فدرجة الإشباع تتوقّف على التساوي والتعادل في تبادل جزئيات الماء والهواء والتآلف بينهما .
ومن ناحية أُخرى ـ ذات أَهميّة كبرى ـ أنّ درجة التشبّع تتوقّف على ظاهرتين طبيعيتين أُخريينِ ، لابدّ منهما في وصول الهواء إلى حالة الإشباع الكافي :
الظاهرة الأُولى : هي التساوي في الضغط ، فلبخار الماء المتصاعد ضغط كما لبخار الهواء المتشبّع ضغط ، فإذا تساوى الضغطان فالتبخّر والتكاثف يتعادلان ، وفي هذه الحالة يقال : إنّ الهواء مشبّع بالبخار الكافي ، والمطر نتيجة لازمة لهذا التعادل .
والظاهرة الثانية : هي اتّحاد الكهربائيتين ، فإنّ السحب ذوات تكهربٍ ، وكل سحاب يحمل نوعاً من نوعي الكهرباء السالبة والموجبة ، فإذا ما تقارنت السحب واختلف نوع الكهرباء فيها تجاذبت ، وإلاّ تنافرت ، شأن الكهرباء عموماً يتجاذب نوعان منه ويتنافران من النوع الواحد .
واجتماع السحب وتأليف بعضها مع بعض إنّما هو بفعل الرياح ، تُثير السحب مِن مكان إلى مكان ، فإذا جمعت الرياح بين نوعين من الكهربائية ذوات الموجبة وذوات السالبة فعند ذلك تتجاذب بعضها إلى بعض وتتقارب وتتآلف ، وبذلك يحصل اللقاح الناتج للإمطار ، {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } [الحجر: 22] .
يا ترى مَن ذا كان يعرف هذه الظاهرة الطبيعية يومذاك ؟! أن تقوم الرياح الباردة فتثير سحاباً ، وهي تدفع السحب المُكهرَبة إلى لقاء بعضها مع بعض ، وتُلقى بالسحابة السالبة التكهرب بين اذرع سحابة أُخرى موجبة التكهرب ، وبذلك يحدث عملية اللقاح ، الناتجة للبرق والرعد ونزول المطر الغزير ، فيخصب الأرض ويمهّدها للإنبات ، وهي عملية أُخرى للّقاح في التربة الصالحة ، بين الماء والأرض (1) .
( ثالثاً ) التكاثف ، وهو عكس عملية التبخّر ؛ ليتحول بخار الماء مِن الحالة الغازية إلى حالة السيلان ، فتنقلب ذرّات البخار إلى قطرات مائية دقيقة ... إذا كانت درجة الحرارة فوق الصفر المئوي ، أو حالة جليدية برداً أو ثلجاً ، إذا كانت درجة الحرارة تحت الصفر ، الأمر الذي يعجز الهواء عن حمله ، فتتساقط القطرات مطراً .
وهذا التكاثف إنّما يحدث إذا ما تصاعد الهواء المتشبّع ببخار الماء في طبقات جوّية ذات الضغط الأعظم ، فبأثر الضغط العالي يتمدّد الهواء ويفقد جزءً كبيراً مِن حرارته ، وبذلك يبرد وتنخفض درجة حرارته ، درجةً واحدةً مئويةً كلّما ارتفع 170 متراً .
غير أنّ هذه النسبة تَطَّرد حتّى ارتفاع 5 كيلومترات عن سطح البحر ، وبعده تتغيّر هذه النسبة فتأخذ بالنقص باعتبار درجة واحدة مئوية لكل 100 متراً ارتفاعاً ، وتستمرّ هذه النسبة إلى ارتفاع 12 كيلو متراً حيث توجد طبقة هوائية ثابتة الحرارة ، تبلغ درجة حرارتها 55 درجة مئوية تحت الصفر .
والسحب تنعقد على ارتفاعات لا تزيد على 6 أو 7 كيلومترات عن سطح البحر في الأغلب .
وعملية التبريد هذه بالتمدّد هي إحدى العوامل الفعّالة في إحداث التكاثف .
وكذلك يبرد الهواء بشعّ حرارته كلّما لامسَ جسماً بارداً في الجوّ أو على سطح الأرض مثل الثلج والجليد ، أو إذا تقابل مع هواء أبرد ، والشعّ ذو أثر فعّال في تبريد الهواء وتكاثفه ، وخاصّة إذا هبّت الرياح من جهة حارّة إلى جهة باردة .
وفي الحقيقة ليس الهواء هو الذي يبرد بهذه الطريقة ، ولكنّه ( الهباء ) الكثير المنتشر في الهواء ، فيتّخذ البخار لنفسه مراكز من هذا الهباء ، يلتفّ حولها ، ويتكوّن حول كلّ مركز قطرة ، فإذا اشتدّت برودة الجوّ الملبّد بالسحب استمرّ التكاثف ، فتنضمّ قطرات السحب المائية إلى بعضها ، فيعجز الهواء عن حملها ، فتتساقط أمطاراً على سطح الأرض بفعل جاذبيّتها .
فقد تبيّن أنّ المطر لا يحصل إلا إذا توفّرت الشرائط الثلاثة متعاقبة : التبخّر فالتشبّع فالتكاثف .
وهذا هو الذي دلّت عليه الآية الكريمة المنوّه عنها في صدر المقال ، فقد جاءت بوصف موجز مدهش ، ومحيّر للعقول .
عبّرت أولاً بقوله تعالى : {يُزْجِي سَحَابًا} [النور: 43] إشارة إلى عملية التبخير وتكوين السحب والإزجاء هو عملية إثارة السحب وانتشالها بصورة أبخرة من البخار .
{اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا } [الروم: 48] لأنّ الرياح بهبوبها على سطح البحار هي التي تُسبّب التبخير والتدافع بها لتتصاعد وتتكاثف وتتكوّن سحباً .
* ثمّ عبّرت عن عملية التشبّع بقوله تعالى : ( ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ) (3) لانّ درجة الإشباع الكافي إنّما تتوقّف على حصول التعادل وتساوي تبادل الجزئيات بين الماء والهواء .
وما هذا إلاّ التآلف والتعاضد بين تلك الجزئيات .
ومن ناحية أُخرى ، لا يحصل التشبّع إلاّ بالتعادل والتآلف بين ضغطي بخار الماء وبخار الهواء ، أو الاتّحاد بين نوعي الكهربائية كما سبق بيانه .
وعليه فإنّ أصدق تعبير عن هذه الظاهرة هو وصف التأليف ، الذي جاء وصفه في العلم بالتشبّع .
* ثم جاءت بقوله تعالى : {ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا} [النور: 43] ، وهذا ابلغ تعبير عن عملية التكاثف الذي حقّقه العلم .. إذ لا تفسير للركام سوى التكاثف وتراكم بعض الشيء على البعض مع ضغطٍ يقال : تراكم الشيء أي اجتمع بعضه مع بعض بكثرة وازدحام ، والركام : المتراكم بعضه فوق بعض بضغط .
وبعد ، فإذا ما تحقّقت الشرائط الثلاثة فعند ذلك : {فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ } [النور: 43] الودق : المطر .
* وقد فَصل تعالى بين العمليّات الثلاث بـ ( ثمّ ) ؛ لأنّ كلّ عملية إنّما تحصل بتعاقبٍ مع فترة ، أمّا النتيجة ـ وهو الإمطار ـ فجاءت بالفاء : تعاقبٌ بلا تأخير ، وهو الفور في حصول نتيجة عملية الإمطار .
فيا له من دقيق تعبير ، وسبحانه من عليم خبير .
___________________________
(1) فيكون تلقيح مِن نوع ثالث هذه المرّة ، تلقيح بالمعنى الحرفي للآية الكريمة .
فنحن أمام كلمة صادقة مجازاً كما حمله المفسّرون القدامى ، وصادقة حرفياً كما أثبته العلم متأخّراً ، وعلى أي صورة قلّبتها فهي تصدق معك ، وهي بعدُ كلمة جديدة وغريبة ، وصفة مبتكرة حينما تُوصف بها الرياح وهي بعدُ من الناحية الجمالية الإيقاعية ذروة ، وفي النطق بها عذبة : ( وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ ) تنطقها وتلوكها في فمك ، فتستوقف السمع وتُطرب الأُذن .
.. وكل هذا العلم التفصيلي في تكهرب السحاب وانتقال حبوب اللقاح لم يكن معلوماً أيام نزول الآية ، فتدبّر .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|