أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-7-2016
4218
التاريخ: 17-7-2016
2868
التاريخ: 17-7-2016
7441
التاريخ: 17-7-2016
846
|
وواضح أن المراد من العربية البائدة عربية النقوش التي بادت لهجاتها قبل الإسلام، وهي التي ظهر على آثارها الطابع الآرامي، لبعدها عن المراكز العربية الأصلية بنجد والحجاز(1)، على حين يقصد بالعربية الباقية هذه اللغة التي ما نزال نستخدمها في الكتابة والتأليف والأدب، وهي التي وصلت إلينا عن طريق القرآن الكريم والسنة النبيوة والشعر الجاهلي.
وأهم اللهجات العربية البائدة ثلاث: الثمودية، والصفوية، واللحيانية.
فالثمودية: هي اللهجة المنسوبة إلى قبائل ثمود، التي جاء في القرآن ذكرها وذكر مساكنها في مواضع كثيرة، وتاريخ معظم النقوش المدونة بهذه اللهجة يعود إلى القرنين الثالث والرابع بعد الميلاد، ويبلغ تعداد هذه النقوش ما يزيد عن ألف وسبعمائة عُثِرَ عليها فيما بين الحجاز ونجد وفي شبه جزيرة سيناء وبالقرب من دمشق، وقد دونت بخط جميل أنيق مشتق من "المسند"، يتجه من أعلى إلى أسفل، ولا يثبت على حال واحدة، وإذا أمعنَّا النظر في النقوش الصفوية، وجدنا فيها كلمات غير مألوفة في العربية، أخذت من العبرية والسريانية(2).
والصفوية: هي اللهجة المنسوبة إلى منطقة الصفا، وإن كانت نقوشها قد عثر عليها في مواطن مختلفة في الحَرَّةِ الواقعة بين تلول الصفا وجبل الدروز, ويبلغ عدد هذه النقوش حتى هذا التاريخ ما يزيد على ألفين،
ص55
ولعل تاريخ تدوينها يرجع إلى ما بين القرنين الثالث والسادس الميلاديين.
وقد حل معظم رموزها واكتشف حروفها الأبجدية المستشرق الألماني إنّو ليمانEnno Litmann(3)، ولاحظ أن خطها قريب من الثمودي، ولا يبعد أن يكون مشتقًا منه، إلّا أنه شديد التغير والاختلاف، فما يكاد يستقر على حالٍ واحدة، فهو تارةً يقرأ من الشمال إلى اليمن، وتارةً أخرى من اليمين إلى الشمال. وهذا التشابه بين الخطين الثمودي والصفوي, جعل بعض العلماء يطلقون على الخط القديم الذي يبدو فيه أثر النوعين كليهما اسم: "الخط الثمودي الصفوي" فإذا أرادوا التمييز والتفرقة قالوا: هذا خط ثمودي فقط، وهذا خط صفوي فقط.
واللحيانية: هي اللهجة المنسوبة إلى قبائل لحيان, التي يرجح أنها كانت تسكن شمال الحجاز قبل الميلاد, وقد عُثِرَ على نقوش كثيرة تذكر أسماء ملوك لحيان، وأغلب الاحتمالات أن تاريخ هذه النقوش يعود إلى ما بين سنة 400 وسنة 200 قبل الميلاد, والخط الذي دونت به مشتَقٌّ كذلك من المسند، غير أنه آنق، وألطف وأثبت نظامًا, وأكثر رونقًا من الخطين الثمودي والصفوي، فهو يكتب مستعرضًا من اليمين إلى الشمال.
ومع أنهذ المجموعة من اللهجات الثلاث: الثمودية، والصفوية، واللحيانية، لم تصل إلينا إلّا عن طريق نقوش قليلة الأهمية على كثرتها، ضحلة المادة على تنوعها، وامتازت بأمرين، أحدهما: أنها أقرب لهجات العربية البائدة إلى الفصحى، والآخر: أن الخط الذي دونت به ينبغي أن يعتبر المرحلة الأولى في تطور الخط العربي وانتشاره(4).
وقد عُثِرَ على نقوش يُسْتَأنَسُ بها على وجود شيء من التقارب بين العريبة البائدة والعربية الباقية, ومن أهمها نقشان؛ أحدهما مدون على قبر
ص56
صنعه كعب بن حارثة للقيض بنت عبد مناة، وهو مؤرخ سنة 262 بعد دمار مملكة النبط، وفقًا لتاريخ مدينة بصرى، أي: حوالي سنة 368 ميلادية؛ لأن حادثة تدمير المملكة النبطية وقعت سنة 106 بعد الميلاد, وإذا رأيت صورة هذا النقش(6) وحللت رموزه بالعربية, وألحقت به أصوات المد أصبحت عبارته: "ذين للقيض بنت عبد مناة"، أي: هذا القبر للقيض بنت عبد مناة.
والنقش الثاني هو نقش النمارة Nemar، وهو قصر صغير للروم في الحَرَّة الشرقية من جبال الدروز، وقد دُوِّنَ هذا النقش سنة 228م, في مدفن امرئ القيس بن عمرو ملك العرب، وهو من ملوك الحيرة الذين انتشر نفوذهم حتى بادية الشام، وهذا النقش على جانب من الأهمية عظيم؛ لأنه مدوّن بالخط النبطي المتأخر الذي يرتبط بعضه ببعض -خلافًا للخط النبطي القديم- فيشبه ممن هذه الناحية كثيرًا الخط الكوفي، ولذلك يرى أكثر العلماء أن الخط الكوفي منحدر من القبطي, والنقش يشتمل على خمسة أسطر، نقل ولفنسون صورتها في "تاريخ اللغات السامية(7)، ومن المفيد الاطلاع عليها، لتتبع المراحل التي مَرَّ بها الخط العربي حتى انتهى إلى رسمه الحديث.
وبعد أن رجعنا البصر في هذه اللمحة التاريخية عن اللغات السامية، لم يسعنا أن نتغافل عن أواصر القربى بين تلك اللغات، بل وجدناها جميعًا في مناطق متقاربة، لم يبدل توالي العصور من مناطقها شيئًا، كأنما كتب عليها أن تخلد خلود الشرق مطبوعة بطابعه، محذوة على مثاله، منذ ظهرت في العراق الآشورية البابلية، حتى برزت في جزيرة العرب العربية الشمالية.
ص57
ولم ننس بعد أن الكنعانية والعبرية ظهرتا في فلسطين وسورية وبعض جزر البحر الأبيض، وأن الآرامية والسريانية عاشتا في العراق وسورية وفلسطين، وأن كثيرًا من الباحثين جعل المهد الأول لهذه الشعوب السامية جزيرة العرب(8).
وإن هذ التقارب الزمانيّ المكانيّ ليدل دلالة قاطعة على أن العربية فرع في هذه الفصيلة السامية، ولا يفصم العرى بين الأصل والفرع إلّا باحث متسرع، أو مكابر جحود.
ص58
_________________
(1) ولكن العلماء غلوا أحيانًا في إظهار الطابع الآرامي كلما وجدوا ألفاظًا غير مألوفة عند العرب.
وقد نبه فرنكل S. Fraenkal على هذا الغلوّ في أبحاثه:
Die aranaischen Fremdworter in Altarabischen وقارن بولفنسون 163.
(2) انظر ما يقولون Litmann في هذا الصدد في أبحاثه: Semitic lnscriptions 115-119.
(4)في أبحاثه Zur Entzifferung der Safa lnschrifen.
(5) ولفنسون 189 وقارن بوافي "فقه 101".
(6) انظر صورة هذا النقش في "ولفنسون 178".
(7)انظر في المصدر ص190 صورة هذا النقش أيضًا.
(8) قارن بالنحو العربي على ضوء اللغات السامية 24-25.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|