أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-9-2021
2166
التاريخ: 2024-02-22
980
التاريخ: 24-11-2016
2348
التاريخ: 24-5-2017
1888
|
نقرأ في النصوص ذات الصلة بالمبادئ الاعتقادية للتنمية، أن الله سبحانه ضمن لثلاثة أصناف رزقهم من غير احتساب؛ بحيث تأتيهم أرزاقهم خارج نطاق الحسابات العادية، هؤلاء هم: المتقون، وأهل التوكل، والمتفقهون في الدين. يمكن القول بإزاء هذه النصوص: إن ذكر الطائفتين الثانية والثالثة جاء من باب ذكر الخاص بعد العام؛ من حيث إن التوكل و التفقه في الدين هما من اللوازم البارزة للتقوى؛ إذ لابد من تحقق التقوى بمفهومها الكامل من التوكل والتفقه معا.
سؤالان هامان يُثاران إزاء هذه الرؤية؛ الأول: ما المقصود من أن التقوى هي سبب للرزق من غير المسارات الطبيعية؟ ثم هل التقوى - كسبب للرزق - هي في طول العمل وبذل الجهد، أم هي في عرضهما؟
لا ريب أن الإقرار بدور تؤديه التقوى في التنمية الاقتصادية يأتي في طول العمل وامتداده لا في عرضه. ما يمكن أن يثبت هذا المدعى بوضوح هو:
أولا: السيرة القطعية لأنبياء الله ورسله الكرام وأئمة الدين، وهم الذروة في أهل التقوى والقمة الشاهقة لأهل التوكل؛ فهذه سيرتهم تشهد بنصاعة على أن مسار التقوى والتوكل في حياتهم إنما هو في امتداد العمل، لا في عرضه(1).
ثانيا: ثمّة آيات وروايات مستفيضة بل متواترة تحثّ الناس على المثابرة والعمل، وتدعو المسلمين إلى تأمين احتياجاتهم الحياتية من خلال تحمل الأذى وتجشم العناء في هذا السبيل، وهي إلى ذلك تُرجع الفقر والتخلف إلى التواني والكسل، ثم تلوم من يُلقي بكلِّه على المجتمع ويكون عالة عليه، بل تلعن من يقصر في إيفاء متطلبات عائلته ولا ينهض بمسؤولية تأمين احتياجاتها، وتصفه بأنه مذنب. كل هذه تشهد على أن الدور الذي تلعبه التقوى يأتي إلى جوار العمل، لا متقاطعا معه(2).
ثالثا: ما ورد من أحاديث في تفسير الآية الكريمة:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ }[الطلاق: 2، 3] هو أنصع شاهد على ما ندعيه؛(3) فحين تناهى إلى سمع النبي(صلى الله عليه واله وسلم) أنّ جمعاً من الصحابة لم يدركوا مغزى الآية ولم يفهموها على نحو صحيح حيث تركوا العمل وانصرفوا إلى العبادة، بعث إليهم وسألهم: «ما حمَلَكم على ما صنعتم؟».
قالوا: يا رسول الله، تُكفِّل لنا بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة.
فقال: «إنه من فعل ذلك لم يُستجب له، عليكم بالطلب!»(4).
ربما يُثار سؤال في هذه الأجواء عن طبيعة التأثير الذي يمكن أن تؤديه التقوى في التنمية الاقتصادية إلى جوار العمل؟ ثم كيف يمكن تحديد هذا التأثير ومعرفته؟
ما نستشفّه من النصوص الإسلامية أن للتقوى أثرين مهمين تنهض بهما في التنمية الاقتصادية إلى جوار العمل، هما:
الأول: أن التقوى تُسبغ على العمل البركة، ومن ثم ستأتي نتائج العمل ومعطياته أعلى مما تمليه الحسابات الطبيعية، وبتعبير القرآن الكريم نفسه: ستهطل البركات الإلهية من السماء والأرض،
وتحيط بالمجتمع من كل صوب(5).
الثاني: في المواقع التي لا تفي الأسباب المادية ببلوغ المقصود وتضلّ الجهود سعيها، تطلّ التقوى على الإنسان كنافذة من الغيب وكهِبَة من السماء، فيتأمّن للإنسان رزقه بغير الطرق المادية.
على هذا، لا تعد التقوى إلى جوار العمل مانعا عن التنمية الاقتصادية، بل تدخل في عداد المبادئ القيمية للتنمية أيضا، ...
على أن الحكمة الإلهية قد تقتضي أحيانا أن يصل الرزق إلى إنسان من دون عمل ويجري عليه بغير جهد؛ لكي يتعرف الناس على الرازق الحقيقي بنحو أفضل أو لأي سبب آخر تقتضيه حكمته سبحانه (6). مثال هذه الحالة ما تحدث به القرآن عن السيدة مريم:{كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[آل عمران: 37].
بيد أن هذه الحالات نادرة، وهي خاضعة للحكمة الخاصة التي تمليها، ومن ثم فإن ضرورة العمل لا تتنافى مع إيجاد دور للتقوى في بقية الموارد.
___________
1ـ انظر: ص 136 ، (سيرة الأنبياء والأوصياء في طلب الرزق).
2ـ انظر: ص 144 (التحذير من التواني في العمل).
3ـ انظر: ص 150، ح 388 و ص 151، ح 394.
4ـ انظر: ص 151، ح 394.
5ـ {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}[الأعراف: 96].
6ـ انظر: ص 331 (قد يجري بغير حيلة) .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|