أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-31
269
التاريخ: 15-11-2015
2273
التاريخ: 11-10-2014
1779
التاريخ: 2024-06-12
590
|
في السنة الثالثة للبعثة أمر اللَّه سبحانه رسوله الكريم صلى الله عليه و آله أن يعلن الدعوة الإسلامية فنزلت الآية الكريمة : {وَانذِرْ عَشِيرَتَكَ الاقرَبِينَ}. (الشعراء/ 214)
وفي ا لآية : {فَاصدَعْ بِمَا تُؤمَرْ وَاعرِضْ عَنِ المُشرِكِينَ}. (الحجر/ 94)
فأعلن الرسول صلى الله عليه و آله دعوته مبتدئاً بالأقربين من عشيرته، وهذه القصة معروفة، ... وفي هذه الأثناء تعرض الرسول صلى الله عليه و آله إلى ضغوط متنوعة، وتحرك الأعداء ضده من كل حدبٍ وصوبٍ.
والجدير بالذكر أن تحرك الأعداء ضد الرسول صلى الله عليه و آله كان على عدّة مراحل واشكال مختلفة (ويظهر أنّ هذه المراحل كانت موجودة في جميع الدعوات الإلهيّة).
المرحلة الاولى : كانت مرحلة الاستهزاء وهي أول المراحل في زمان لم ينظر فيه المشركون بشكل جدي إلى الدين الجديد، ولم يحسوا بخطره الحقيقي، بل تصوروا أنّ السخرية والاستهزاء سينهيان الأمر سريعاً ولا يحتاج إلى أكثر من ذلك، وقد جاء تعبير عن تلك المرحلة بقوله تعالى : {وَاذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا انْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً اهَذَا الَّذِى يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بَذِكْرِ الرَّحَمنِ هُمْ كَافِرُونَ} (1). (الانبياء/ 36)
ولم تنحصر السخرية والاستهزاء بنبيّ الإسلام صلى الله عليه و آله بل تعرض لها جميع الأنبياء
السابقين : {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ الَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} (الحجر/ 11) .
ولما رأى المشركون أنّ السخرية والاستهزاء لم تؤثرا شيئاً وأنّ الإسلام ما زال يواصل تقدمه دون تلكؤ، انتقلوا إلى المرحلة الثانية :
لقد تصور المشركون أنّهم سيخرجون الرسول صلى الله عليه و آله من ميدان الصراع بإلصاق التهم به كالجنون او (السحر)، أو (الشِعر)، أو أنّ ما جاء به قد تعلمه على يد هذا أو ذاك أو أنّه منقول من أساطير الأولين.
فمرة يقولون : {يَا ايُّها الَّذِى نُزِّلَ عَلَيهِ الذِّكرُ انَّكَ لَمَجنُونٌ}. (الحجر/ 6)
واخرى يقول بعضهم للآخر : {ائِنّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنا لِشَاعِرٍ مَّجنُونٍ}. (الصافات/ 36)
وأحياناً يقولون : {هَذَا سِحْرٌ وَانَّا بِهِ كَافِرُونَ}. (الزخرف/ 30)
وأضاف القرآن الكريم : إنّه ليس مشركو العرب لوحدهم ألصقوا تلك التُهم بالرسول صلى الله عليه و آله فحسب بل إنّ هذه التهم قد عانى منها كل الأنبياء : على مر التأريخ : {كَذَلِكَ مَا اتَى الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ الَّا قَالُوا سَاحِرٌ اوْ مَجنُونٌ}. (الذاريات/ 52)
وفي مكان آخر نقرأ قوله تعالى : {وَلَقَدْ نَعلَمُ انّهُم يَقُولُونَ انَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِى يُلحِدُونَ الَيهِ اعْجَمىٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبىٌّ مُّبينٌ} (2). (النحل/ 103)
وأحياناً يقولون : {وَقَالُوا اسَاطِيرُ الأَوِّلِينَ اكتَتَبَها فَهِي تُمْلَى عَلَيهِ بُكرَةً وَاصِيلًا}. (الفرقان/ 5)
و «اساطير» : جمع (اسطورة) ومعناها القصص الخيالية التي لا صحة لها، وبهذا الاسلوب ألصقوا أنواع التهم وكل ما يختمر في أذهانهم بالرسول صلى الله عليه و آله ولكن لم يؤثر أيّ منها، وأخذ الإسلام يشق طريقه بسرعة بين الطبقات المختلفة.
المرحلة الثالثة : بدأت المرحلة الثالثة بضغوط مختلفة : اجتماعية وسياسية ولأنّهم أدركوا مدى خطورة الإسلام عليهم سعوا إلى القضاء على الرسول صلى الله عليه و آله والمجموعة القليلة التي آمنت به من هذا الطريق.
وقصة (شِعب أبي طالب) معروفة إذ تمّ فيها محاصرة المسلمين في ذلك الوادي المقفر لمدة ثلاث سنوات خلال السنة السادسة للبعثة حيث انتهت بموت اطفالهم وحتى بعض كبار السن.
وكذلك قصة الهجرة إلى الحبشة خلال السنة الخامسة للبعثة معروفة أيضاً على أثر تعرُّض المسلمين لضغوط شديدة وتعذيب المشركين لهم.
والعجيب أنّه لم يتعرض المسلمون وحدهم لهذه الضغوط فحسب، بل جاء في التاريخ أنّهم عقدوا معاهدة على مقاطعة كل بني هاشم وبني عبد المطلب سواء من أسلم منهم أم لم يسلم فلا يتزوجون منهم ولا يزوجونهم، وأن لا يشتروا منهم ولا يبيعوهم شيئاً حتى يزداد الضغط على المسلمين.
مع العلم أننا لا نرى في الآيات القرآنية إشارات واضحة حول هذه المسألة ولكن ممّا كان يتواصى به المشركون والكفار والمنافقون مع بعضهم في المدينة نستطيع أن نعرف وضع مكة : {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا}.
(المنافقون/ 7)
إنَّ هذه الضغوط لم تجدِ نفعاً أيضاً، بل ازداد تعاطف الناس شيئاً فشيئاً مع المسلمين وصار الإسلام أنشودة على كل لسان، حيث إنّ المسلمين اكتسبوا مظلومية تأثرت بها عواطف مجاميع عظيمة فانجذبوا إليهم.
وأخذت مواجهات الأعداء شكلًا أكثر حدة في :
المرحلة الرابعة : وفيها صمموا على قتل الرسول صلى الله عليه و آله وإراقة دمهِ ليتخلصوا منه إلى الأبد أو أن يبعدوه عن مكة على اقل تقدير، ففي (دار الندوة) محل اجتماعهم ومركز مشاوراتهم، اجتمعوا ووضعوا خطة شيطانية دقيقة للوصول إلى أهدافهم تلك كما يقول القرآن : {وَاذْ يَمكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ليُثبِتُوكَ او يَقْتُلُوكَ او يُخرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ} (الانفال/ 30) .
وكما نعلم أنّ اللَّه سبحانه وتعالى قد أبطل كل خططهم الشيطانية ونجا الرسول الكريم صلى الله عليه و آله من سيوف الأعداء حيث هاجر إلى المدينة تلك الهجرة الكبيرة التي تركت آثاراً عظيمة وتحولًا كبيراً في تاريخ الإسلام وفي العالم أجمع.
ومرة أُخرى نتأمّل في القرآن حيث يُحدثنا بقوله تعالى : {الَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ اذْ اخرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثاني اثنَينِ اذْ هُمَا فِى الغَارِ اذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ انَّ اللَّهَ مَعَنَا فَانْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيهِ وَايَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفَلى وَكَلِمَةُ اللّهِ هىَ العُلْيا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة/ 40) .
وبهذا الترتيب تخلص الرسول صلى الله عليه و آله من الأخطار المختلفة المحيطة به بلطفٍ من اللَّه سبحانه وبدأ هجرته المباركة بهدوء وسكينة ودخل الإسلام عندها مرحلة جديدة في حياته، وباء الأعداء بالفشل الذريع في هذه المرحلة أيضاً.
انتشر الإسلام في المدينة بسرعة فائقة وكثر اتباع الدين الإسلامي فشكل الرسول صلى الله عليه و آله الحكومة الإسلامية وصار للمسلمين جيش منظم وبيت للمال وكل ما تحتاجه الدولة آنذاك.
وفي مقابل توسع الإسلام وتثبيت أركانه احس الأعداء بخطر أكثر جدية فوسعوا مجابهتهم ودخلوا :
المرحلة الخامسة : وهي المواجهة المسلحة مع الإسلام، وبدأت الغزوات الإسلامية كغزوة (بدر الكبرى) و (الصغرى) و (أحد) و (خيبر) و (حنين) و ..... واحدة تلو الاخرى وفي كل مرة- إلّافي مورد واحد- كان المسلمون يشهدون انتصارات ملفتة للنظر وكانوا في تقدم مستمر.
وقد أشار القرآن الكريم في كثير من الآيات إلى هذه المرحلة من حياة الرسول صلى الله عليه و آله حيث تعد من أكثر المرتكزات المهمّة في هذا المقطع من تاريخ الإسلام.
في الآية التالية إشارة اجمالية إلى هذه الغزوات بقوله تعالى : {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَينٍ}. (التوبة/ 25)
فكلمة (مَواطِن) جمع (مَوْطِن) وتأتي أحياناً بمعنى وطن ومحل الإقامة الدائمية وأحياناً بمعنى ساحة القتال ومن هنا جاءت «مواطن كثيرة» أي الساحات المتعددة للحروب الإسلامية حيث بلغ عدد هذه الغزوات ثمانين غزوة، لذا نقرأ في الحديث أنّه :
عندما نذر أحد خلفاء بني العباس أنّه إذا عافاه اللَّه سبحانه فإنّه يعطي مالًا كثيراً للفقهاء ولمّا تماثل للشفاء اجتمع الفقهاء حوله عاجزين عن تعيين مقدار (المال الكثير) إلّا أنَّ الإمام التاسع (محمد بن علي التقي عليه السلام فسّر ال (كثير) ب (ثمانين) (ربّما تكون ثمانين ألف درهم) لأن الآية السالفة الذكر قد اطلقت مواطن كثيرة على الغزوات الإسلامية البالغة ثمانين غزوة (3).
ثم جاء الفتح المبين و (فتح مكة) وحكم الإسلام شبه الجزيرة العربية بأجمعها وحطم المسلمون آخر معقل للأعداء.
ولكن العدو المهزوم لم يستسلم فقد اضطر إلى تشكيل جمعية سرية (وهم المنافقين الذين كانوا يتظاهرون بالإسلام وفي الخفاء كانوا منهمكين بأنواع المؤامرات ضده الدين الإسلامي).
وبهذا الاسلوب دخلوا :
المرحلة السادسة : (مرحلة نهاية الحرب مع الأعداء)، وبالطبع أنّ ظهور المنافقين بدأ مع أول انتصار للإسلام وتوسع في مقابله وما زال مستمراً إلى الآن.
وفي هذه المرحلة فقد باؤوا بالفشل الذريع أيضاً حيث كلما أرادوا التآمر على الإسلام كشفهم اللَّه سبحانه وأبطل حيلهم ولم يبقَ منها سوى نارٍ خامدة تحت الرماد لم يظهر اشتعالها ثانيةً إلّا بعد رحلة الرسول الكريم صلى الله عليه و آله.
نزلت آيات قرآنية كثيرة حول هذه المرحلة أيضاً تعد من مقاطع القرآن المهمّة في اسداء العبر والدروس، ففي سورة (الأحزاب)، و (التوبة)، و (المنافقون) بحوث حية ومجدية تحكي لنا عن عمق المؤامرات التي قام بها المنافقون ومن جملتها الآية الكريمة في قوله تعالى حيث ذكرت بحوثاً كثيرة حول هذه الجماعة ومخالفتهم وفتنتهم وتجسسهم، قال تعالى : {لَقَدِ ابتَغَوُا الفِتنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الامُورَ حَتَّى جَاءَ الحَقُّ وَظَهَرَ امرُ اللَّهِ وَهُم كَارِهُونَ}. (التوبة/ 48)
إنّ هذه المراحل الست السالفة الذكر لم تكن في مقابل الثورة الإسلامية للرسول الكريم وحده صلى الله عليه و آله فحسب بل في مقابل كل الثورات الإلهيّة وهي بدورها موضوع لقصة مفصلة نتعلم منها الكثير.
ولكن لم يفلح الأعداء بكل مساعيهم للإطاحة بالإسلام وظلت شجرته زاهيةً مثمرةً حيث غطّت بأغصانها واوراقها كل أصقاع شبه الجزيرة العربية كما دلت الآية الكريمة {اذَا جَاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالفَتْحُ* وَرَأيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِى دينِ اللَّهِ افْوَاجاً} (النصر/ 1- 2) .
_______________________
(1) وجاء مثل هذه المعنى في الآية 41 من سورة الفرقان {وَإِذَا رَأَوْكَ ان يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولًا}.
(2) جاء في التفاسير أن رجلًا يدعى (بلعام) كان في مكة وأصله عبد رومي لبني حضرم وكان المشركون يقولون : إنّ محمداً صلى الله عليه و آله تعلم القرآن منه، وقال بعضهم : إنّ كلامه إنّما نقله من عبدين نصرانيين أحدهما يسار والآخر جبر أو ذكروا اسم سلمان الفارسي، ولم تكن لغة أي منهم العربية بينما يعد القرآن معجزة في الفصاحة والبلاغة.
(3) تفسير نور الثقلين، ج 2، ص 197.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|