أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-3-2016
5596
التاريخ: 22-4-2017
3478
التاريخ: 20-3-2016
9740
التاريخ: 2024-02-14
1499
|
إن جريمة النهب هي التي تستهدف قواعد القانون الجزائي المخصص لطرق واساليب التعامل الاجرامي التي تعد نتاج التدخل التشريعي والإداري، ولعل المشرع في إطار الجريمة قد سعى جاهداً إلى تحقيق التوازن بين ثوابت القواعد الموضوعية، والاجرائية للقانون الجزائي التقليدي ومقتضيات السياسة الأمنية وحفظ حقوق الغير التي ارتأتها الدولة، إلا إن هذا السعي يبدو أنه لم تتحقق منه الغاية المرجوة، بدليل تميّز جريمة النهب بالعديد من الخصائص، إذ إن جريمة نهب الاموال من حيث بنائها العام على مستوى القواعد الموضوعية، والقواعد الاجرائية تقابل قواعد وأحكام القانون الجزائي العام، وكذلك القانون الجزائي الخاص وهذا التقابل أظهر تفرد جريمة النهب بالعديد من الخصائص التي تخرج عن جملة المبادئ الاصولية للقانون الجنائي (1)، ومن خلال ما تقدم يمكن أن نلخص أهم خصائص جريمة النهب .
اولاً: اتسامها بالسرية
تتسم هذه الجريمة شأنها شأن أغلب الجرائم التي تمس أمن الدولة والواقعة بالسرية (2) إذ لا يخفى على القارئ بأن المال هو هدف لتحقيق المصلحة العامة وخدمة الأفراد في ضوء القواعد القانونية النافذة (3)، وبما إن هذه الجريمة تتم من قبل أكثر من شخص فهي على هذا النحو لابد وان تتسم بالتكتم الشديد من قبل عناصرها، وعملياً فإن هذه الجريمة ووفقاً لإدراجها من الجرائم التي تمس أمن الدولة الداخلي فلابد وأن يحرص مرتكبوها أو المخططون لارتكابها على السرية والحرص على عدم إفشاء المعلومات خوفاً من الوقوع بين أيدي الجهات المختصة من الجهات الأمنية والاستخبارية أو غيرها.
وينبغي التذكير بالإشارة إلى إن المشرع لم يتطلب السرية في هذه الجريمة كخصيصة وهذا لا يعني أن المشرع يتطلبها عنصراً أو شرطاً من شروط قيامها (4)؛ لأن في ذلك منطقاً لا يمكن قبوله كونه يتعارض مع فحوى النصوص القانونية ومضامينها التي لا تتطلب ذلك ولكن يفهم من واقع النص ان السرية موجودة لحين البدء بالفعل والسرية سابقة على ارتكاب الجريمة ولا تتزامن مع زمن ارتكابها، إذ إن الجريمة قد ترتكب بشيء من العلنية، حينما يرتأى مرتكبوها ذلك عند نجاحهم باحتلال بعض الاراضي أو المواقع في الدولة.
ثانياً : أنها تتسم بأنها ذات آثار متعددة
إن الجريمة - جريمة نهب الاموال تتسم بكونها ذات آثار عدة ، إذ إن مما لا يمكن انكارة بأن أمن الأفراد ورعاية مصالحهم تعد ذات ضرورة قصوى دفعت المشرع للارتكاز عليها ضمن مقتضيات التجريم، وما دمنا في هذه الخاصية فما ستنتجه هذه الخاصية على الأحكام الموضوعية للجريمة، تتمثل بجملة من الآثار والسمات وأهمها:
أ- إن الآثار المتعددة للجريمة ومنها وقوعها على المصالح العامة أو الخاصة (5) للأفراد بما يؤثر على أمنهم ومصالحهم ستجعل من المشرع يتشدد في فرض الجزاء على مرتكبيها كما سنرى ذلك لاحقاً عند تناول الجزاء المترتب على هذه الجريمة، فالمساس بأهم المصالح المعتبرة في الدولة يجعل من المشرع حريصاً على زجر مخالفيهـا بكـل الوسائل التشريعية المتاحة .
ب- إن الآثار التي نشير اليها وإن كان المشرع معتداً بها عند صياغة النص العقابي فإن القاضي هو الآخر يركن اليها وهو ينظر في الدعوى الجزائية الماثلة أمامه فاقتناعه الذاتي (6) بأن هذا الفعل يمس المصالح العليا يجعله متشدداً في رعاية هذه المصالح فهو يعمل بالتكامل مع النص التشريعي الذي وضعه المشرع ولا يخرج عن أهدافه ومسوغاته بل يكمله بالاختصاصات الممنوحة له بموجب النصوص الإجرائية الجزائية (7) .
ثالثاً : من حيث السلوك الاجرامي
إن الجرائم وفقاً للنظرية العامة في قانون العقوبات، إذ أنها أما إن تكون جرائم ذات سلوك ايجابي أو تكون ذات سلوك سلبي ويضاف اليها الجريمة الايجابية بطريق الترك أو الامتناع، فتكون ذات سلوك إيجابي عندما يأتي الجاني عملاً من الاعمال المجرمة قانوناً، وتكون ذات سلوك سلبي عندما يأتي الجاني عملاً، ويمتنع به عما يأمر به القانون ويُعاقب عليه الممتنع ، وتكون إيجابية بطريق الامتناع كجريمة التزوير بالترك(8) . وبتطبيق ما تقدم على الجريمة محل الدراسة، فهناك من يرى بأنها تكون إيجابية من خلال القيام بتحقيق سلوك النهب (9)، و هناك من يرى إمكانية أن يكون هذا السلوك ايجابياً بطريق الامتناع (10)، ومثال ذلك الحارس المكلف بحماية صومعة الحبوب الذي أمتنع عن أداء وظيفته بأن ترك تشكيلا عصابياً نهب كمية من الحبوب للأضرار بمديره أو لجلب السمعة السيئة لدائرته ، وهناك من يرى أن السلوك الاجرامي يتمثل في سلوك سلبي يكون من شأنه أن يمكن الجاني من ظهوره بسلوك النهب (11) .
وبهذا فإن السلوك الاجرامي المكون لهذه الجريمة قد يقع بطريق إيجابي أو سلبي ، فعلى سبيل المثال لو إن أحد أعضاء الضبط القضائي كان مكلفاً بحماية أحد المباني وقد ترك إحدى التشكيلات العصابية تنهب الاموال ولم يتدخل فهنا يُعد مرتكباً للجريمة عن طريق ارتكابه سلوك سلبي وتطبق بحقه أحكام القانون وفقاً لما قرره المشرع العراقي والمصري والإماراتي .
رابعاً : من حيث النتيجة الاجرامية
لو أمعنا النظر في الجريمة محل الدراسة يمكن أن نستشف أنها من جرائم الخطر إذ يرى بعضهم أن هذه الجريمة تقع وأن لم تُرتب ضرراً بمعنى إن القانون لم يشترط ضرراً يذكر، فالجريمة تقوم وإن لم يترتب على فعل الجاني أي ضرر يذكر بالمصلحة في أية صورة من الصور (12)، فهذه الجريمة تمثل خطراً على مصلحة الدولة في حماية المال العام وكذلك عدواناً على مصلحة الأفراد بحماية اموالهم (13) إذ يكفي تحقيقها مجرد السعي إلى الحصول على الاموال عن طريق نهبها من قبل التنظيم العصابي الذي شكل أساساً لارتكاب هذه الجريمة (14)، والخطر المقصود به في هذه الجريمة وغيرها من الجرائم التي تشترك معها بنفس النوع هو الحالة التي تتمثل في إمكانية التأثير الضار على المصالح المحمية قانوناً (15) .
أما في مصر فلم يشترط المشرع وجود الضرر صراحة في النتيجة الجرمية فهي بذلك تعد من جرائم الخطر التي تحصل بوجود مصلحتين متعارضتين، هي مصلحة الأفراد، والدولة في المحافظة على أموالهم، وبين الجناة الذين يرتكبونها، وهم بفعلهم يكونون قد ارتكبوا فعلاً يخالف مبادئ المحافظة على المصلحة العامة (16)، ولا يعني أنهـا مـن جـرائم الخطر إن لا يترتب عليها ضرر حقيقي فعلي، فهو خطر مجرد بحكم التعارض بين المصلحتين العامة والخاصة فهي تقوم أو تتم في التشريع المصري بمجرد المحاولة حتى لو لم يتحقق النهب فعلا (17)
ولا يختلف موقف المشرع الإماراتي في المادة (187) بما جاء به قرينه المشرع المصري في المادة (93) من وجود الضرر الناتج أو المحتمل من وقوع هذه الجريمة إذ نص قانون العقوبات الاماراتي في المادة (187) على أن (ويعاقب من عدا هؤلاء من أفراد العصابة بالسجن المؤبد أو المؤقت ) اما قانون العقوبات المصري قد نص في المادة (93) على ان (ويعاقب من عدا هؤلاء من أفراد العصابة بالسجن المشدد ) وهذا العقاب ناتج لمـا يحمله هؤلاء المجرمين من خطورة إجرامية على الرغم من النص لم يتطرق الى وجود الخطر أو الضرر ولكن هذا واضح من خلال سياق النص القانوني. ويستدل على ذلك ما قررته المادة (194) من قانون العقوبات العراقي التي تنص على "... أما من انضم إليها دون أن يشترك في تأليفها أو يتول فيها قيادة ما فيعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت..."، فهذا النص يشير لمجرد الانضمام اللاحق حتى وإن لم يتول دوراً قيادياً أو دوراً آخراً في هذا التشكيل العصابي كون المشرع ينظر لخطر الانضمام ابتداءً أكثر من نظره لخطر وقوع سلوك النهب فعلا (18).
ونخلص من ذلك أنها من جرائم الخطر، فتشمل النتيجة القانونية التي تترتب على السلوك الاجرامي فمجرد تعريض المصلحة المحمية للخطر ، سواء أكان يترتب على هذا السلوك ضرراً أم لا (19) ، فهذه الانواع من الجرائم ينشأ بمجرد احتمال وقوع ضرر يلحق بالمصلحة التي يحميها القانون، ولا يقتضي تحقيق وقوع الضرر فيها فعلياً، وانما يُنظر إلى ممارسة هذا الخطر الذي يهدد باحتمال وقوع الضرر بوصفة نتيجة ، فبمجرد وقوع السلوك الاجرامي الذي نشأ عنه ذلك الخطر فأنه من الممكن ان يتحقق الضرر وان لم يكن فعلياً (20)
وعليه فأنه يؤدي ذلك الخطر إلى الاخلال بحقوق الأفراد وحرياتهم، فالإنسـان هـو محل الحماية والرعاية، لذا فإن أي مساس بحقه يحرمه من العيش في حياة مملوءة بالأمن والاستقرار ، حتى وإن لم يترتب ضرر من جراء الفعل ، يكفي لعدّ الفعل المسبب لذلك المســاس فعلاً ماساً بأمن المواطن والوطن معاً ، متى أقترف ذلك بقصد بـث الذعر وإثارة الرعب والخوف أو الفزع في نفوس الأفراد، إذ يكفي لعقاب مرتكبي مثل هذه الافعال مجرد تعريض أمن وسلامة الشعب والدولة للخطر، وعلى ذلك يُعد مجرماً ومرتكباً لجريمة ماسة بأمن الدولة الداخلي من يقوم بزرع الفتنة الطائفية في صفوف أبناء المجتمع الواحد (21).
خامساً : من حيث محل الاعتداء
إن الجرائم من حيث محل الاعتداء كثيرة ومنها جرائم تقع على الاشخاص وهي الجرائم التي يكون محل الاعتداء فيها هو الشخص المجني عليه كأن يعتدى على حياته، أو أن تكون من جرائم الأموال التي تمس الحقوق المالية للأفراد (22) وتؤثر سلباً على حريتهم في التمتع بأموالهم ، ومصطلح الاموال يشمل الاموال المنقولة وغير المنقولة ، أو كل شيء له قيمة مالية، أو مقوم بالنقد، والمال هو كل حق له قيمة مادية (23) ، والاراضي هي من ضمن الاموال غير المنقولة والتي لها قيمة مالية (نقدية) ، ولا يمكن أن يقع عليها فعل مثل السرقة لأن ذلك يتعارض مع مفهوم السرقة كونها تقع بسلوك الاختلاس وهذا لا يمكن تصوره مع أموال مثل الأراضي كونها أموالاً غير منقولة ويقع عليها فعل الاغتصاب كما جاء في المادة (194)، وهذه الجريمة التي نحن بصدد الدراسة فيها هي من الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي؛ لأنها وردت في الكتاب الثاني الباب الثاني الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي، كذلك أوجب المشرع ابتداءً على الموظف أو المكلف بخدمة عامة بالمحافظة على مصالح الدولة والإدارة التي يعمل فيها وممتلكاتها وأموالها وعدم مخالفة القوانين والانظمة ما يترتب عليه ضياع حق من حقوق الدولة وكذلك الأفراد بعدم التعرض إليها (24) وبذلك لم يترك المشرع في حالة ما إذا تجاوز الفرد على ما هو محظور في هذه التشريعات أو تعدى على المال العام دون أن يتم العقاب عليه.
كذلك نهب الاموال عن طريق اغتصاب الاراضي التي توجد فيها تلك الاموال والاستيلاء عليها ووضع اليد عليها من دون وجه مشروع فقد تقوم العصابات المسلحة بالاستيلاء على الاراضي واغتصابها، ولا يهم في هذه الحالة بنوع أو جنس هذه الاراضي سواء أكانت تابعة للأفراد أم تابعة للدولة مادام أن العصابة المسلحة قامت باغتصابها دون رضا مالكها الشرعي (25) ، ولا يهم في هذه الحالة أن تكون هذه الاراضي منتجة زراعياً أو صناعياً أو غير مستثمرة أو مستغلة، فالتعبير جاء مطلقاً دون تحديد نوعها أو وظيفتها مادامت (أراضي) ، فقد يتم فرض السيطرة على جزء من الأرض لاحتوائها على ثروات كان تكون نفطية أو تحتوي على معادن أو آثار، وكل ذلك يندرج تحت مصطلح الاموال ( المال هو كل حق له قيمة مادية) (26)، فقد تقوم هذه العصابات المسلحة باغتصاب الاراضي ومنع ساكنيها من ممارسة اعمالهم الاعتيادية ، أو قد تقوم بطردهم أو تهجيرهم منها أو قد تقوم بمنع رجال السلطة العامة من الدخول اليها أو ممارسة اعمالهم الاعتيادية فيها، ولا يؤخذ بتحديد الفترة الزمنية التي تقوم فيها العصابات المسلحة باغتصاب الاراضي فقد يكون هذا الاغتصاب وقتياً أو بشكل دائمي يتخذ صفة الاستمرار (27).
سادساً من حيث توقيت السلوك :
تقسم الجرائم من حيث الامتداد الزمني على نوعين هما جرائم مستمرة التي يستمر فيها السلوك الاجرامي ولا ينتهي ارتكابها بل تمتد لمدة معينة حتى يقبض على المجرم، وجرائم وقتية إذ ينتهي فيها السلوك الاجرامي وقت تحقق النتيجة الاجرامية (28)، وطبقا لهذا التقسيم فإن هذه الجريمة لا يمكن أن تكون جريمة مستمرة وهي تتم بمجرد حصول المتهم على الاموال لأن الأخير بوجود الاموال معه لا تُعد هذه الجريمة مستمرة، وهذا يعني أنه لا عبرة بالمدة التي حصل فيها الجاني على الاموال المنهوبة التي ترتبت على فعله، سواء طالت هذه المدة أو قصرت (29).
سابعاً : الطابع التنظيمي للجريمة
إن جريمة نهب الاموال من الجرائم التي ترتكب من قبل أكثر من شخص ؛ كونها تتطلب توزيعاً للأدوار وبشكل منظم لإتمام هذه الجريمة، وهذا يندرج تحت مصطلح الجريمة المنظمة وتعريف الجريمة المنظمة يعتريه بعض الغموض، لأنها ظاهرة قانونية، واجتماعية معقدة، وذات أبعاد عديدة، يصعب على المشرعين غالباً وضع ضابط محدد لها أو بشأن تجريمها، والمشرع الإماراتي والمصري على حدٍ سواء لم يقوما بتعريف ماهي الجريمة المنظمة، ولكن كليهما أستعمل مصطلحات تدلل على معنى الجريمة المنظمة، رغم أنها دائماً ما تكون متعددة فالمشرع المصري أستعمل لفظ العصابات، أو الجمعيات في المادة (86) أو المنظمات، أو الجماعات، والتي هدفها هو العدوان على الجماعة، ووحدة البلد الوطنية، أو الحرية الشخصية (30) ، والجريمة المنظمة دائماً ما تأخذ بعداً دولياً، فهي غالباً ما تتخطى الحدود الدولية، لتنتقل من دولة إلى أخرى ولها ارتباط وثيق بالتجارة والاقتصاد الدوليين، وكذلك ارتباطها بسياسات الدول ولها صور متعددة منها القرصنة، والخطف والارهاب، والفساد المالي، والاداري(31) ، وقد تعددت التعريفات بشأن الجريمة المنظمة في نشرات البوليس الدولي ومنها ( مؤسسة أو مجموعة من الاشخاص يرتبطون معاً بغرض ممارسة نشاط غير مشروع مستمر يهدف إلى تحقيق مصالح تتعدى الحدود الوطنية) (32)
والتعريف الأدق من وجهة نظر فقهية أخرى بأن الجريمة المنظمة هي ( مؤسسة إجرامية ذات تنظيم هيكلي متدرج يمارس أنشطة غير مشروعة بهدف الحصول على المال مستخدماً في ذلك العنف والرشوة ) وهذ التعريف يتضمن الخصائص الجوهرية للجريمة المنظمة (33) .
ثامناً: تعدد الجناة
إن الصفة كركن في الجريمة هو الفاعل ، تنقسم على صفات يجب تحققها وأخرى يجب عدم تحققها لقيام جريمة النموذج القانوني (34)، ونتناول كلاً منها فيما يأتي:
الصفات التي يجب تحققها في الفاعل وهي ما يطلق عليها جريمة الفاعل الخاص، وفيها يتضمن النموذج القانوني للجريمة، ضرورة توافر صفة معينة في فاعلها، كوظيفة أو منصب أو درجة قرابة أو علاقة قانونية ، وعدم توافر هذه الصفة يجعل الواقعة تفتقد أحد شروط تطابقها مع النموذج القانوني للجريمة ، والصفة المطلوب تحقيقها (35).
كذلك هؤلاء الجناة لا بد لهم وإن يجتمعون تحت قيادة تنظم عملهم؛ للعمل على تحقيق هدف إجرامي مشترك ، وبذلك يندمج معنى العصابة المسلحة مع المشروع الإجرامي الإرهابي المنظم الجماعي، الذي يُعد ركناً مفترضاً في الجريمة الإرهابية ، فالعصابة تتألف من مجموعة من الارهابيين المعروفين من قبل بعضهم بعضاً ، وأختار بعضهم بعضاً، وتلاقت إرادتهم على هدف ارهابي مشترك ، تمثل بالمشروع الإجرامي الإرهابي الذي أنعقد عزمهم على تحقيقه، وبذلك تتميّز العصابة عن التجمعات الجماهيرية التي جمعتهم بمحض الصدفة بغير إعداد وتخطيط مسبق (36)، ولا عبرة بإسم العصابة المسلحة الارهابية الذي يطلقه عليها من يتولى تنظيمها أو قياديها تستراً بالأسماء الدينية أو الوطنية أو القومية البراقة لإخفاء أهدافها الارهابية الحقيقية (37) .
ولم يُحدد قانون مكافحة الإرهاب العراقي شأنه في ذلك شأن غالبية القوانين العقابية المقارنة عدد أفراد العصابة التي يمكنها أن ترتكب جريمة النهب التي ترتكب عن طريق العصابة المسلحة ، وذهب رأي في الفقه الجنائي إلى القول بأن وجود شخصين أثنين كـاف لقيام العصابة بجريمة النهب ، متى تحقق باجتماعها أعداد وتخطيط وتنظيم لعمليات إجرامية إرهابية وتنفيذها (38) ، ويميل الباحث إلى الرأي الذي يرى أن العدد الكافي لقيام العصابة ، يجب أن يكون مما يحتمل معه وجود تنظيم أو رئاسات أو قيادات لتجمع يكون كافياً لتحقيق الهدف الذي وجدت العصابة من أجله (39) ، إذ إن وجود المشروع الاجرامي الارهابي الجماعي المنظم ، يحتّم وجود عدد من الاشخاص لقيام العصابة المسلحة الارهابية حتى يتحقق المعنى الجماعي للمشروع الارهابي ، وترك المشرع في قانون مكافحة الارهاب مسالة تحديد العدد الكافي لقيام العصابة المسلحة الارهابية إلى السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع في ضوء ظروف كل واقعة.
ونجد بأن العدد تفرضه ضرورات ارتكاب الجريمة وظروف إتمامها، أو التخطيط لها، ومن ثم لا يمكن للمشرع عملياً أن يحدّد هذا العدد الذي تستند عليه العصابة في ارتكاب الجريمة وعليه فإن المشرع أحسن صنعاً حينما تطرق لمصطلح العصابة دون أن يبين العدد المطلوب لذلك كون النصّ سيعتريه العجز والنقص في مواجهة التطورات الآتية لصدوره .
_________
1- يحتوي القانون الجزائي على نوعين من القواعد، قواعد العقوبات كصنف اول وقواعد الاجراءات العقابية، تضم قواعد العقوبات النصوص المجرمة والعقابية بقصد حماية الحقوق والمصالح التي يراها المشرع الجنائي جديرة بالحماية، حيث يحدد افعالا ويقرر لها عقوبات، وهناك قواعد الاجراءات العقابية التي تسهل تطبيق العقوبات على المخالف الذي قام بخرق النظام العام وارتكب فعلا ينص قانون العقوبات على أنه جريمة، ينظر في ذلك د. فتحي بن الطيب الضرورة المرحلية في تطبيق القانون الجنائي الاسلامي، دار الحكمة، بيروت، 2001، ص 375
2- جمعة قادر صالح ، الفساد الاداري واثره على الوظيفة العامة دراسة مقارنة بين الشريعة والقانون" ، مطبعة زين الحقوقية ، لبنان ، 2016، ص 24-33.
3- ينظر في هذا المعنى المادة (الثالثة) من قانون انضباط موظفي الدولة و القطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل التي تنص على ان ((الوظيفة العامة تكليف وطني وخدمة اجتماعية يستهدف القائم بها المصلحة العامة وخدمة المواطنين في ضوء القواعد القانونية النافذة ))
4- لا ينفصل محل الجريمة عن النشاط الاجرامي فيها، الأمر الذي يجعل محل الجريمة عنصراً من عناصر الركن المادي، ولا يجعله شرطاً مفترضاً للجريمة. بيد ان هناك من يؤكد وجود صلة بين الشروط المفترضة في الجريمة ومحلها القانوني، د. مجيد السبعاوي، نظرية الغلط في القانون الجنائي، مكتبة الاصدار القانونية، القاهرة، 2013، ص 18
5- جمال شديد علي حق المجني عليه في التنازل عن الدعوى الجنائية المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة، 2013، ص 89 .
6- ان الاثبات الجنائي يتم بكل الطرق، كما أنه يقوم على اعطاء القاضي الجنائي سلطة واسعة في تقدير الادلة، والبحث عن اي دليل والقيام باي اجراء يراه لازما لكشف الحقيقة، اذ أنه يلعب دور ايجابي في الاثبات على خلاف القاضي المدني والذي يكون مقيد بادلة محددة، وقد حددها القانون وبين شروطها كما أنه لا يملك القاضي المدني ان يتجاوزها. وعلى الرغم من ورود النص الصريح على مبدا الاقتناع الذاتي للقاضي الجنائي، وعلى الرغم من ذلك فالمشرع لم يحدد الضوابط التي تكفي لهذا الأمر الذي يخشى معه من أن تتم اساءة استخدام هذا المبدأ وذلك بسبب السلطة المطلقة المعطاة للقاضي الجنائي بوزن الادلة، ينظر في ذلك؛ د احمد ابراهيم The self-conviction Of The Criminal Judge الاقتناع الذاتي للقاضي الجنائي، المجلة الدولية للقانون، القاهرة، المجلد 2، العدد 2، 2020، ص21 .
7- د. محمود سليمان موسى التجسس الدولي دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 2009 ، ص 35 وما بعدها، جابر يوسف المراعي، جرائم انتهاك أسرار الدفاع عن البلاد ، اطروحة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة ، 1998، ص18 وما بعدها، و مجدي محب حافظ ، الحماية الجنائية لأسرار الدولة، القاهرة ، الهيئة العامة للكتاب ، 1997م، ص 44.
8- د. واثبة داود السعدي ، الوجيز في شرح قانون العقوبات القسم العام النظرية العامة للجريمة والعقاب ، مؤسسة حمادة للدراسات الجامعية والنشر والتوزيع ، الاردن ، عمان 20000 ، ص 88 ، ود. علاء زكي موسى ، نظم القسم الخاص في قانون العقوبات الجرائم المخلة بالثقة العامة الكتاب الأول" ، المركز القومي للاصدارات القانونية ، القاهرة ، 2013 ، ص 179 .
9- هشام عبد الحميد الجميلي ، شرح قانون العقوبات في ضوء اراء الفقهاء واحكام محكمة النقض ، المجلد الثاني ، نادي القضاة ، القاهرة ، 2009 ، ص 449 .
10- د.جمال ابراهيم الحيدري ، شرح احكام القسم الخاص من قانون العقوبات ، دار السنهوري بغداد 2014، ص 119، و عدنان محمد عباس دبو، الجرائم السلبية في التشريع العراقي رسالة ماجستير جامعة الموصل، 2021 ص 177-178
11- د. علي عبد القادر القهوجي ود. فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات القسم الخاص مطابع السعدني، مصر، ص 223
12- السعيدي عباس عبد الرزاق مجلي ، ضوابط استحداث النص الجزائي الخاص المركز العربي للدراسات والبحوث العلمية للنشر والتوزيع، 2018 ،ص 129 وادم سميان ذياب الأوصاف الخاصة بالجرائم مبكرة الاتمام، مجلة جامعة تكريت للحقوق المجلد (2) العدد (2) الجزء (1) ، 2017 ، ص 22 وعجيل حسن خنجر وخلف صادق يوسف تعريض الغير للخطر في قانون العقوبات العراقي ، 2020،ص5
13- محمد مردان محمد علي البياتي ، المصلحة المعتبرة في التجريم ، اطروحة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق في جامعة الموصل ،2002 ، ص 154 .
14- د نوفل علي الصفو ، جرائم الانتفاع الواقعة على المال العام مجلة بحوث مستقبلية كلية الحدباء، الجامعة، العدد/ 10، الموصل، 2005،ص200
15- د. عبد الباسط محمد سيف الحكيمي ، النظرية العامة للجرائم ذات الخطر العام ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان ، 2002 ، ص 23
16- ايهاب عبد المطلب ، الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، مطبعة نادي القضاة القاهرة ، 2010، ص 482 .
17- د. علاء زكي جرائم الاعتداء على الدولة دراسة تحليلية وفقا للفقه الحديث، المؤسسة الحديثة للكتاب ، بيروت ، 2014، ص 216 ، وينظر ايضا ، د. عمر الفاروق الحسيني ، شرح قانون العقوبات القسم الخاص جرائم الاعتداء على المصلحة العامة ، بدون دار نشر أو مكان الطبع ، 2009 ، ص 65.
18- ينظر تفاصيل ذلك : د . فخري عبد الرزاق صلبي الحديثي ، شرح قانون العقوبات القسم الخاص المكتبة القانونية بغداد 2007 ، ص 190 - 191 .، ود. اکرم نشأت ابراهيم الجرائم العسكرية في القانون المقارن، دار النهضة العربية، القاهرة، ط1، 1972، ص 171 .
19- الا ان تحقيق نتيجة معينة احيانا قد تكون سببا مشددا للعقوبة . فالمادة ( 192) من قانون العقوبات المصري عاقبت بالسجن المشدد كل شخص له حق الأمر في افراد القوات المسلحة او البوليس طلب اليهم أو كلفهم العمل على تعطيل اوامر الحكومة ، فاذا ترتب على ذلك تعطيل تنفيذ هذه الأوامر ، كانت العقوبة الاعدام او السجن المؤبد وكذلك فاذا ترتب على ذلك تعطيل تنفيذ هذه الأوامر ، كانت العقوبة الاعدام او السجن المؤبد ، وكذلك المادة (142) من قانون العقوبات الأردني التي وضعت عقوبة الاشغال الشاقة المؤبدة على الاعتداء يستهدف اثارة الحرب الاهلية والاقتتال الطائفي بين المواطنين، وتكون العقوبة الاعدام اذا وقع الاعتداء بالفعل.
20- مصدر سابق : المادتان (307) (30) من قانون العقوبات العراقي، والمادتان (45) و (103) من قانون العقوبات المصري والمادتان ( 68) و (170) من قانون العقوبات الاردني .
21- د. ابراهيم عبد نایل ، السياسة الجنائية في مواجهة الالرهاب بين القانون الفرنسي رقم 68-20 لسنة 1986 والقانون المصري رقم 98 لسنة 1992 دار النهضة العربية القاهرة 1995 ، ص21.
22- ابراهيم محمود السيد اللبيدي، الحماية الجنائية لأمن الدولة الداخلي دار النهضة العربية، القاهرة، 2007،ص6.
23- المادة (65) من القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 المعدل.
24- د. محمود محمد معابرة ، الفساد الاداري وعلاجه في الشريعة الاسلامية دراسة مقارنة بالقانون الاداري" ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، الاردن ، 2011 ، ص 43 .
25- مجدي محب حافظ ، الحماية الجنائية لاسرار الدولة ، اطروحة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة ، 2007 ص20. ؛ وينظر د. احمد فتحي سرور ، قانون العقوبات القسم الخاص ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1991 ، ص 15 وما بعدها
26- المادة (65) القانون المدني العراقي.
27- د، سعد ابراهيم الاعظمي، الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي ، دراسة مقارنه ، ط 1 ، بغداد ، دار الشؤون الثقافية العامة، 1989، ص 115
28- د منصور رحماني، الوجيز في القانون الجنائي العام ، دار العلوم للنشر والتوزيع ، الجزائر ، 2006، ص 86، و معمر خالد عبد الحميد سلامة الجبوري، السلوك اللاحق على اتمام الجريمة في القانون الوضعي والشريعة الاسلامية، دار الحامد ، عمان 2013، ص 128 .
29- د.فتوح عبد الشاذلي ، شرح قانون العقوبات القسم الخاص ، القسم الأول ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، 2010 ، ص 309 .
30- المشرع الجزائري استعمل لفظ عصابة منظمة، أو جماعة، أو عصبة اجرامية، أو اتفاق، في المواد (87 مكرر 3، 17 مكرر 6، 243،303 مكرر 5، 303 مكرر (20)
31- عبد الله محمد مسعود ، ود. علي عباس مراد ، الأمن والأمن القومي، المركز العالمي لدراسات وابحاث الكتاب الاخضر ، مطبعة ليبيا، طرابلس، الطبعة الأولى، 2006 ، ص 15 .
32-Le 94em.conference parlementaire international tenu a bucaresta en oct 1995.p2.part two.
ولم يلق هذا التعريف التأييد لدى الكثير من الدول مثل ايطاليا واسبانيا والمانيا، وذلك بسبب عدم تضمنه لهيكلية وعناصر بناء الجريمة المنظمة مما دفع البوليس الالماني الى وضع تعريف لها بأنها ( مجموعة اشخاص قررت بوعي متعمد ان تتعاون في انشطة غير مشروعة مستخدمين النظام الحديث للمجتمع مع هدف اساسي هو تجميع المصالح الأساسية بأقصى سرعة ممكنة ) وهذا بدوره أيضا تعريف معقد ولا يحوي كافة عناصر الجريمة ( د. هدى حامد قشقوش ، الجريمة المنظمة الاسكندرية، منشاة المعارف، الطبعة الثانية 20060، ص7)
33- د. هدى حامد قشقوش ، الجريمة المنظمة الاسكندرية، منشاة المعارف، الطبعة الثانية 2006 ، ، ص 6 و 7 و 8.
34- د. رمسيس بهنام، الجريمة المجرم، دار منشاة المعارف، الاسكندرية ، 1976، ص 390
35- د. محمود نجيب حسني، جرائم الاعتداء على الاموال العامة في قانون العقوبات اللبناني، دار النهضة العربية ، بيروت، دون سنة طبع ، ص 130
36- رمسیس بهنام، قانون العقوبات القسم الخاص ، الطبعة الأولى ، منشاة المعارف الاسكندرية 1999، ص 173.
37- Coyet.F. Rousselet .M. ArpaiLanye .P Pantin.J. Droit penal special op.cit .p.29.
38- د. أحمد الخمليشي ، شرح قانون العقوبات - القسم العام مكتبة المعارف ، الرباط 1985، ص 55.
39- عبد الاله محمد النوايسه ، الجرائم الواقعة على أمن الدولة في التشريع الاردني، الطبعة الأولى ، دار وائل للنشر ، عمان 2005 ، ص 240.
|
|
دراسة تكشف منافع ومخاطر عقاقير خفض الوزن
|
|
|
|
|
ارتفاع تكاليف إنتاج الهيدروجين ونقله يعرقل انتشاره في قطاع النقل
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية يرفد مكتبة جامعة العميد بمجموعةٍ جديدة من الكتب العلمية
|
|
|