أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-28
1253
التاريخ: 2023-08-28
821
التاريخ: 2023-12-19
1064
التاريخ: 2024-02-11
1022
|
والأيقونة لفظٌ يونانيٌّ معناه الصورة أو الرسم، وهو يُستعمل في المصطلحات الدينية للإشارة إلى صور القديسين. والأيقونات في عُرف الكنيسة نوعان: منها العادي، ومنها العجائبيُّ. وحرب الأيقونات تنقسم إلى مدتين منفصلتين: الأولى من السنة 726 حتى السنة 780، وتنتهي بالمجمع المسكوني السابع، والثانية تمتد من السنة 813 حتى السنة 843، وتنتهي بإرجاع الأرثوذكسية إلى حالتها الأولى. وأسباب هذه الحرب الداخلية الطاحنة لا تزال غيرَ واضحة ولا ثابتة؛ لأن ما نعلمه عنها مأخوذٌ — في معظمه — من أقوال أحد الخصمين؛ فلقد ضاعت مصنفات الذين حاربوا الأيقونات، وما بقي منها جاء في معرض الردود التي كتبها الخصوم، فهو — والحالة هذه — غيرُ صالح للأخذ به؛ لِما ينقصه من العدالة. وما يصح من هذا القول على المصنفات العامة يصح كذلك على قرارات المجمعين اللذين حرَّما إكرام الأيقونات؛ فمقررات مجمع السنة 753 قد وردت في أعمال المجمع المسكوني السابع، وهو المجمع الذي حرَّمها، وكذلك قراراتُ مجمع السنة 815 فإنها وردت في تضاعيف إحدى رسائل البطريرك نيقوفوروس. والباحثون في أسباب هذه الحرب الداخلية يختلفون في الرأي؛ فبعضُهُم يرى أسبابها دينية، وغيرُهُم يراها سياسية، فالمؤرخ اليوناني المعاصر باباريغوبولو يرى — في كتابه تاريخ الحضارة الهلينية — أن حرب الأيقونات كانت في أساسها حرب إصلاحٍ سياسيٍّ اجتماعيٍّ، وأن لاوون الثالث ومِن خلفه من أسرته أراد أن يحرر التعليم والتربية من سيطرة الإكليروس، وأن العناصر المستنيرة المتحررة في الدولة وبعض كبار رجال الدين والجيش قد أيَّدوا هذه الحركة الإصلاحية، وأن إخفاق هؤلاء أجمعين إنما نتج عن تمسك العناصر الجاهلة من النساء والرهبان وأهل الأوساط العاديَّة بكل قديم(1). ويرى المؤرخ الفرنساوي لومبار — في كتابه قسطنطين الخامس — أن حرب الأيقونات كانت حركة إصلاحية دينية ترمي إلى تطهير النصرانية من أدران الوثنية، وأنها جاءتْ في الوقت نفسه الذي جرت فيه محاولاتٌ أُخرى للإصلاح، سياسية اجتماعية ولكنها مستقلة لها تاريخها الخاص(2)، ويقول العالم الإفرنسي لويس براهيه: إن محاربة الأيقونات في تاريخ الروم ذاتُ وجهين، فثمة مشادةٌ حول إكرام الأيقونات، وثمة بحثٌ دقيقٌ إذا كان يصحُّ الرمز إلى ما فوق الطبيعة بالرسم والتصوير، وإذا كان يجوز أن يُمثَّلَ القديسون والعذراء والسيد بالتصوير(3)، ويرى المؤرخ الروسي أوسبنسكي أن السبب الحقيقي الذي دفع بلاوون وخلفائه إلى خوض غمار هذه الحرب إنما كان خوفهم من ازدياد ثروة الرهبان وتزايُد نُفُوذهم، فالمشادة كانت زمنية سياسية في مستهلِّ أَمْرها فجعلها الرهبان دينية ليوغروا صدور المؤمنين ويحضُّوهم على مقاومة سياسة الحكومة (4) . والواقع أن الاعتراض على الأيقونات لم يكن ابن ساعته، ففي بدء القرن الرابع حرَّم مجمع ألفيرة Elvira المحلي في إسبانية إقامة الصور في الكنائس(5)، ورأى يوسيبيوس أسقف قيصرية فلسطين ومؤرخ الكنيسة أن إكرام صور السيد وبطرس وبولس كان من عادات «الأمم«، وفي هذا القرن الرابع نفسه ظهر أبيفانيوس القبرصي أيضًا فمزَّق ستارًا في الكنيسة؛ لأنه كان يحمل صورة السيد وأحد القديسين(6)، وفي القرن الخامس اعترض أسقف سوري على الأيقونات قبل سيامته، وفي القرن السادس ضجت أنطاكية مستنكرةً إكرام الإيقونات، وفي هذا القرن أيضًا حرَّم أسقف مرسيلية «مسالية» إقامة الأيقونات في الكنائس، فكتب إليه غريغوريوس العظيم بابا رومة يُثني على عدم التعبُّد لِما هو من صنع البشر، إلا أنَّه ذكَّره في الوقت نفسه بالمؤمنين الأميين الذين لا يقرءون ولا يكتبون، وذكره بضرورة إعانتهم على النظر إلى ما لا يمكنهم أن يقرئوه في الكتب، وعاد فكتب إليه ثانيةً في أن عبادة الصور شيء والتعلم بها شيءٌ آخر(7). ويجب ألا يغيب عن البال أن اليهود — في الشرق والغرب معًا — لم يرضوا قط عن شيء من هذا، وأن القرآن علَّم بأن الأنصاب رجس من عمل الشيطان (سورة المائدة)، وأن الخليفة الأموي يزيد الثاني أمر في السنة 723 بتحطيم الأيقونات في كنائس النصارى(8)، وأن الإسوريين وخلفاءَهم العموريين كانوا شرقيين آسيويين وأنهم كانوا رجال سياسة وحرب قبل كل شيء، وأن المذهب البولسي كان قد شاع في آسية الصغرى ولا سيما في ولاية فريجية وأن أنصاره كانوا قد أصبحوا قوة مخيفة (9) ،وكذلك يجب ألا ننسى ازدياد عدد الرهبان وتزايُد ثروتهم ونفوذهم؛ فإنهم بلغوا مائة ألف راهب في هذه الفترة وقد تزايدوا بصورة خاصة في العاصمة نفسها. كما يجب أن نذكر أن هؤلاء جميعًا لم يكونوا من أهل الزُّهد والتقوى، وأن بعضهم لم يتقشف إلا هربًا من أحكام القضاة ورجال الأمن (10). وقضى لاوون الثالث السنوات العشر الأُولى من حكمه في توطيد دعائم ملكه، وفي إخماد نار الثورة التي أَشعلها الفسيلفس أنسطاسيوس الثاني (713–716) وقائد صقلية، كما جهد في إعادة اليسر والطمأنينة إلى الولايات التي كانت قد أصبحت مسرحًا للحروب وميدانًا للأوبئة، وكانت العاصمةُ نفسها قد فقدت عددًا كبيرًا من سُكانها نتيجة هذه العوامل ولا سيما الطاعون الذي غشيها في السنة 718 فتدارك لاوون هذا الشر بأن نقل السكان إليها من الولايات الشرقية، ولا سيما الولايات المتاخمة للعرب، كذلك أعاد النظر في تنظيم جيشه وأَصْلَحَ القوانين — كما سبقت لنا الإشارة(11). وقضى لاوون في السنة 722 بتعميد اليهود، وفي السنة 723 سمع بما أمر به يزيد الثاني من تحطيم الأيقونات في بلاده، واستمع لما دار بين بطريرك القسطنطينية جرمانوس والأسقفين قسطنطين وتوما الأناضوليين حول رفع الأيقونات من الكنائس، فبدأ يبث الدعاية السلمية في أوساط العاصمة لأجل ترك الأيقونات والإقلاع عن تكريمها. وفي السنة 725 أو 726 جمع لاوون الثالث مجلس الدولة الأعلى ودعا إليه البطريرك جرمانوس وبَاحَثَه في موضوع الأيقونات ووجوب رفعها من الكنائس وحظر تكريمها، فاحتج البطريرك وذكَّر الفسيلفس بعهوده للكنيسة تلك التي أقسم أن يرعاها عند تسلمه التاج، ولَمَّا لم تنفع الذكرى وضع الأموفوريون عن عاتقه واستعفى، وأصدر القيصر أمره بحظر تكريم الأيقونات، وبدأ تنفيذَ الأمر بإنزال تمثال السيد الذي كان يعلو باب القصر، فاندلعتْ في الحال ثورةٌ اشتركت فيها النساء اشتراكًا فعليًّا، ومزقت الجماهير الموظف الذي نفذ إرادة الفسيلفس، فرَدَّ لاوون على ذلك بالعنف فسقط عددٌ من القتلى، وهبَّت ثورةٌ في اليونان وجُزُر الأرخبيل أخمدها الجيش بالقوة، وفي السنة 730 أصدر لاوون أمرًا أشدَّ من الأول فَقَاوَمَه جرمانوس واحتج عليه، فأهانه لاوون وعزله ونصَّب في مكانه أنسطاسيوس. وكتب البابا غريغوريوس الثاني كتابة مُرَّة إلى لاوون ولكنه لم يَأْبَهْ بها، واقتدى البابا غريغوريوس الثالث بسلفه فنهى الفسيلفس عن برنامجه، فلم يعر رسالته اهتمامًا، فعقد الباب غريغوريوس الثالث مجمعًا محليًّا في السنة 732، وحرم مكافحي الأيقونات، فأنفذ الفسيلفس قوة بحرية ضد البابا ومَنْ قال قوله في إيطالية فغرقت السفن في الطريق، فأرسل عمارة غيرها ورفع سلطة البابا عن أبرشيات صقلية وكلابرية وكريت وإيليرية وألحقها برئاسة بطريرك المسكونة، فقطع البابا كل علاقة له كنائسية ومدنية بلاوون (12). هذا وليس في المراجع الأُولى شيءٌ هامٌّ عن حرب الأيقونات في السنوات العَشْر الأخيرة مِن حُكم لاوون، وهنا لا بد من الإشارة إلى رسالتَي يوحنا الدمشقي ضد معظمي الأيقونات، فقد كتبت هاتان الرسالتان في عهد لاوون، أما الرسالة الثالثة في المعنى نفسه فلا يمكن تحديد تاريخها بالضبط. وتُوُفي لاوون والبابا غريغوريوس الثالث في السنة 741، فتسلم قسطنطين الخامس أَزِمَّة الحكم في القسطنطينية وهو الذي أطلق عليه لقب الزبلي Copronymus لأنه أفرز في جرن العماد حين المعمودية، ويروى أيضًا أنه لقب بالزبلي؛ لأنه كان يحب رائحة زبل الخيل. وما كاد يستوي على عرشه حتى انتزع الملك منه صهره آرتافزدوس زوج أخته حنة، فاضطر قسطنطين أن يحاصر العاصمة واستولى عليها عَنْوَةً وقلع عينَي صهره وأعين ابنيه ونفى الثلاثة معًا، ثم شرع في اضطهاد الكنيسة فسخر بالاحتفالات الدينية وبكل قديس، ومنع الأعياد والأصوام وخرَّب الأديرة وجعلها ثكناتٍ للجنود. وكتب إليه البطاركة والبابا يناشدونه ويردعونه ولكنه لم يُصْغِ إليهم، وعقد مجمعًا في السنة 754 فأوجب إخراج الأيقونات من الكنائس والبيوت وقطع كل أسقف أو كاهن أو شماس يقتنيها، وقضى على كل راهب أو علماني يقول بالأيقونات أن يحاكم أمام المحاكم المدنية بتهمة مُعاداة الله والمعتقدات الموروثة عن الآباء. ثم حرم جرمانوس «عابد الخشب» كما حرم منصورًا؛ أي يوحنا الدمشقي «صديق الإسلام وعدو الدولة ومحرِّف الأسفار المقدسة»، ودعا لقسطنطين الجديد ولزوجته التقية الأرثوذكسية بطول العمر (13). وتقوَّى قسطنطين الخامس بقرارات هذا المجمع، فاندفع في محاربة الأيقونات أكثر من ذي قبل وصَبَّ غيظه وبلاءَه على الرهبان، فكم عين قلع، وكم يد وأذن قطع، فضلًا عن قتلهم. وأكره طائفةً منهم على الزواج إكراهًا، واستعرض مرةً فئةً منهم في ميدان الهيبودروم، موجبًا على كُلٍّ منهم أن يُمسك بيد امرأة في أثناء العرض، ويقول ثيوفانس: إن حاكمًا من حُكَّام آسية الصغرى جمع رهبان ولايته وراهباتها في إفسس فأمرهم بأن يرتدوا الأبيض ويتزوجوا حالًا، ومن لم يطع فتسمل عيناه ويقصى إلى قبرص، فهنأه قسطنطين قائلًا له: لقد وجدت في شخصك رجلًا يحب ما أُحب وينفذ جميع رغباتي (14). وصادر قسطنطين أملاكَ الأديرة، وضَمَّها إلى أملاك الدولة، وهكذا فَرَّ عددٌ كبيرٌ من الرهبان إلى إيطالية وجنوبي روسية وشاطئ لبنان وفلسطين، ويقدر الأستاذ أندريف الروسي عددَ الذين فَرُّوا إلى إيطالية بخمسين ألفًا(15)، وأشهر الشهداء في هذه الفترة من تاريخ الكنيسة إسطفانوس الأصغر(16) ،ومن هنا — على الأرجح — كان رأي الأستاذ أوسبنسكي أن المؤرخين ورجال اللاهوت قد حَرَّفوا الحقائق وشَوَّهُوها عندما رأوا في هذه الحوادث حربًا ضد الأيقونات iconomachia؛لأن الواقع أنها كانت حربًا ضد الرهبان monachomachia.(17) والذي يراه الأستاذ أندريف الروسي أن موقف المجمع من هذه الحركة كلها قد أدخل شيئًا من الطمأنينة إلى قلوب الشعب فجعلهم مؤمنين بها بضميرٍ صالح، وبذلك تمكن الفسيلفس من أن يجعل كل مؤمن يقسم بأنه سيجتنب تكريم الأيقونات (18). وكان من جراء العنف الذي لجأ إليه لاوون الثالث وابنُهُ قسطنطين الخامس أن نفرت رئاسة الكنيسة الغربية من حكومة الرُّوم فتَقَرَّبَتْ من مُلُوك الغرب لتستعين بهم على دَفْعِ شر الاضطهاد، فَأَفْتَى البابا زخريا (741–752) في السنة 751، بخلع كليديريك ملك فرنسة وتنصيب بيبينوس، وفي السنة 755 قَدِمَ بيبينوس بجيشٍ إلى إيطالية يُحارب اللومبارديين، فجعل البابا إسطفانوس الثالث (752–757) سيدًا على كل ولايات الرُّوم في إيطالية، ولَمَّا طالب قسطنطين الخامس بولاياته هذه أجابه بيبينوس أنه وهبها لكرسي رومة — عن حبٍّ — لبطرس الرسول؛ كيما تُغفر له خطاياه. ومن هنا، من هذا التباعد بين الفسيلفس والبابا ومن هذا التقارب بين البابا وبيبينوس؛ زُرعت بذور الانشقاق في الكنيسة، البذور التي أَدَّتْ فيما بعد إلى انقسامها شطرين: شرقية وغربية.
.............................................
1- Paparrigopoulo, K., Hist. de la Civ. Hellenique, 188–191.
2- Lombard, A., Constantin V., 105, 124–128.
3- Bréhier, L., La Querelle des Images, 3-4.
4- Uspensky, Th. I., Byz. Emp. II, 22–53, 89–109, 157–174.
5- Mansi, J. D., Sacrorum Consiliorum Nova, (Consilium Liberitanum, Par. XXXVI).
6- Historia Ecclesiastica, VII, 18, 4.
7- Patrologia Graeca, XLIII, 390; For authenticity, see, Serruys, D., Acad. Inscriptions et Belles Lettres, (1904) , 361–363
8- Epistotue, IX, 105; XI, 13, ed. Migne; Patrologia Latina, LXXVII, 105.
9- Becker, Ch., Islamstudien, I, 446.
10- Lebedev, A. P., Ecumenical Councils of the Sixth, Seventh, and Eighth Centuries, 142.
11- Kondakov, N. P., Iconography, II, 3; Andreev, I. D., Germanus and Tarasius Patriarchs of Const., 79; Vasiliev, A. A., Byz. Emp. 256-257.
12- Bréhier, L., Byzance, Vie et Mort, 77
13- Theophanes, Chronographia, ed. Boor. 404; Leclercq, “Constantin”, Dict. d’Arch. Chrét. III, 248; Diehl, Ch., Leo III and Is. Dyn. Cam. Med. Hist., IV.
14- Mansi, Amplissima Collectio Conciliorum, XIII, 323, 327, 346, 354, 355; Ostrogorsky, G., Gesch. Des Byz. Bilderstreites, 7–29.
15- Theophanes, Chron. ed. Boor. 445, 446.
16- Andreev, I., Germanus and Tarasius, 78.
17- Patrologia Graeca, Cols. 1070–1186.
18- Uspensky, Ch., N., Hist. of Byzantium, I, 228.
19- Andreev, I., Germanus and Tarasius, 96.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|