أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-11-2014
5061
التاريخ: 11-10-2014
1716
التاريخ: 27-11-2014
1938
التاريخ: 19-02-2015
2132
|
دور التمثيل في المعرفة
إن تبيين المعارف العالية في قالب المثل كان نهج الكتب السماوية السالفة: ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل..)(1)، وهو كذلك السيرة التعليمية التي يتبناها القرآن الكريم. فالقرآن يستعمل الأمثال بشكل واسع: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} [الأنفال: 22] ، كما أنه لا يتوانى عن التمثيل بالأمور البسيطة: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا } [البقرة: 26].
وخاصية المثل هي انه ينزل المعارف المعقولة العالية إلى مستوى المباحث المتخيلة والمحسوسة كي تكون بمستوى فهم الجميع. فالمثل هو أشبه بالحبل الذي يتدلى من أوج المعارف العالية إلى مستوى أفهام عامة الناس كي يتسنى لهم، وهم غير قادرين على إدراك المعارف العالية في قالب الممثل، التمسك بالمثل والرقي بمقدارهم لإدراك الممثل في المستوى الذي يناسبهم.
كلما تدنى الإنسان في بساطة التفكير، ازدادت حاجته للمثل، وكلما ازدادت نسبة انسه بالمعارف العميقة، قل احتياجه للمثل بالنسبة ذاتها.
إن دور التمثيل في معرفة الحقائق لا يناظر دورا التعاريف الحادية والرسمية (الحد التام والناقص، والرسم التام والناقص)؛ لأن التمثيل لا هو يشبه التعاريف الحدية التي تظهر ذاتيات الممثل، ولا هو مماثل للتعاريف الرسمية التي تبين عوارض الذات، بل هو ضرب من وصف الشيء للتقريب إلى الذهن؛ مثلما يقال: «مثل النفس في البدن، كمثل الربان في السفينة، او السلطان في البلاد. بالطبع، إن للتمثيل مدلولا اخر وهو «بيان الوجود المثالي للشيء» مما ستأتي الإشارة إليه في اللطيفة الثالثة.
في كل مرة يستعين فيها القرآن الكريم بالمثل فهو يستدل على الممثل بالبراهين العقلية قبل الإتيان بالمثل أو بعده، ويشفعه بإيراد المثل من أجل إيصال الفكرة إلى الأشخاص المتوسطي الفهم. فعلى سبيل المثال، هو تارة يبين المعرفة العالية للتوحيد الربوبي من خلال برهان التمانع وعلى نحو القياس الاستثنائي؛ كما في قوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء: 22] ، وتارة أخرى يستعين بمثل بسيط ليبين نفس هذه المعرفة فيقول: إذا قارنا رجلا هو عبد مملوك لعدة موال مختلفين في الرأي كل يأمره بعمل، مع رجل يأتمر بأمر مولى واحد فإنهما لا يستويان إطلاقاً: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} [الزمر: 29]. فحصيلة ذلك البرهان العقلي وهذا المثل الحسي هي واحدة وهي أنه لو اجتمعت عدة مبادئ تدبيرية لإدارة عالم الخلقة لانفرط نظامه وتبدد.
كما أنه يبين أحياناً عظمة القرآن في آيات من قبيل: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5] ، أو {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} [النمل: 6] ، حيث إن مدلولات كون القرآن «قولاً ثقيلا» وكونه «علماً لدنياً» ليست سهلة الإدراك بالنسبة إلى عامة الناس، وأحياناً، ومن أجل استيعاب الناس المتوسطين لعظمة القرآن. فإنه يصبها في قالب المثل فيقول: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 21].
إن غاية القرآن الكريم من التمثيل هي أن تتمكن الأفهام البسيطة من شق طريقها، بوسيلة المثل، إلى الممثل، ومن هنا فهو يحذر من بقاء الناس في مستوى المعارف المتنزلة، ويحثهم على استخدام المثل كجسر للعبور إلى ضفة الممثل؛ ذلك أن البقاء في حيز المثل هو كالعيش على الجسر، ولما كان المثل هو بمثابة الحبل الموصل إلى قمة معرفة الممثل، فإن التوقف عند حد المثل هو اشبه ما يكون باكتفاء متسلق الجبال إمساك الحبل المتدلي من قمة الجبل وعدم تسلقه والارتفاع به.
يرى القرآن الكريم أن نيل الممثل من خلال المثل هو رهن بالسفر من العلم الحسي إلى العلم الحصولي العقلي، ومن ثم من العلم الحصولي العقلي إلى العلم الشهودي القلبي، الذي هو ليس مما ينتفع منه الجميع ولا يناله إلى النزر اليسير من الناس: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ } [العنكبوت: 41 - 43](2) ، ويفهم من هذا أن الذي لا يستعين بالمثل لبلوع الممثل فهو ليس بعاقل؛ لأنه ترك الهدف، وانشغل بالوسيلة؛ إذ أن ظاهر هذه الآية ان النفع الاساسي المجني من التمثيل، هو من نصيب العلماء الذين جعلوا من العلم سلماً للعقل، والمراد من العقل في مثل هذه الموارد هو مجموع العلم والعمل الصالح وعصارتهما.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. سورة الفتح، الآية 29. يقول الفخر الرازي إن الإنجيل فيه سورة اسمها «سورة الامثال» «راجع التفسير الكبير، مج 1، ج 2. (ص 80). ولعل مراد الفخر الرازي هو كتاب «أمثال سليمان النبي» الذي هو أحد كتب العهد القديم (التوراة)، وليس الإنجيل.
2-على الرغم من أن الكلام في هذه الآية ليس حول المنافقين، إلاً أنه لما كان المنافق كافراً في الباطن، فإنه يشترك مع الكافر في الكثير من الأحكام. لذا من الممكن الإفادة من الأمثال المضروبة في الكفار للتعرف على أحكام المنافقين أيضا.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|