أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-05-03
1181
التاريخ: 2024-10-24
161
التاريخ: 2023-09-14
1193
التاريخ: 2-6-2019
3371
|
دان معظم أهل صقلية بالإسلام وكثر سكانها حتى قيل : إن(1) أهل وادٍ واحد من أوديتها، وهو وادي مازر بلغ سكانه ألفي ألف ساكن، ولما أخضع النورمانيون صقلية سنة 1090م كان فيها أربعة عناصر : الروم والعرب واللنكبرديون (النورمانيون والبروتونيون) واليهود، يتكلم كل عنصر لغته ويخضع لشرائع بلاده، وحاسن الأمراء الذين تولوها من في جوارهم من الحكومات النصرانية، وكان من أمرائها بنو أبي الحسين المشهورين بالكلبيين (2) اتصلت أيام إمارتهم بها زمنا طويلًا ، وإليهم أشار ابن خلدون وقال: إنهم ملوكها، وكان واليها في أواخر عهد حكم العرب فيها يُدعى البعباع بعث إليه صاحب مصر في بعض الروايات يطلب منه المال، وكان عاجزا عما طلب منه، فبعث إلى الفرنج ففتح لهم البلد فدخلوه وملكوا الجزيرة، ويعني بالفرنج ملك إيطاليا ولنكبردة وقلورية، وفي رواية أن الاختلاف كان بين عمال الجزيرة، وانفرد كل إنسان ببلد، فاستنصر ابن التمنة (3) المتغلب على سرقوسة وقطانية بالفرنج في مدينة مالطة، وكان ملكها روجر وهون عليه أمر المسلمين فسار الفرنج وابن التمنة إلى البلاد التي بأيدي المسلمين في سنة أربع وأربعين وأربعمائة واستولوا على مواضع كثيرة من الجزيرة، ففارقها حينئذ خلق كثير من أهلها من العلماء والصلحاء، وسار جماعة إلى المعز بن باديس في إفريقية، ولم يثبت بين أيديهما غير قصريانة وجرجنت وحصرهما الفرنج وطال الحصار عليهما حتى فتحهما روجر سنة 484هـ؛ لانقطاع أمداد المسلمين ولاشتغال كل جهة بما يخصها من الفتن وساق ابن التمنة إلى هذه الخيانة خلاف وقع بينه وبين أمير قصريانة، فدعا إلى معاونته جيرانه روبير كيسكار وروجر من أبناء تنكريت دي هوتفيل ودوكات يولية وقلورية فجاءوا وعملوا لما فيه مصلحتهم لا مصلحة من دعاهم، وكان من ذلك فتح الجزيرة وعقد ملوك صنهاجة، ولا سيما ابن باديس هدنة مع ملوك النصارى في صقلية وأخذوا يتبادلون الهدايا والأعلاق وكان ذلك في سنة 529هـ. وقال الإدريسي: إن روجر افتتح غربي بلاد الجزيرة في سنة 453هـ وما زال يشن الغارات على الباقي حتى أكمل فتحها في ثلاثين عامًا، فنشر في أهلها سيرة العدل وأقرهم على أديانهم وشرائعهم، وأمنهم في أنفسهم وأموالهم وأهليهم وذراريهم، وكانت المدينة قد بلغت أوجها (4) في الفتح النورماني، ونجا العرب من الحروب فانصرفوا إلى العلم والآداب، ورأوا من الفاتح الجديد حاميًا لهم ونصيرا ، فأصبحوا في عهده بمأمن ودعة، أما روجر النورماني فقد اتهم بأنه دان بالإسلام؛ لأنه حاسن المسلمين، ولم يجعل سبيلا لرؤساء الدين من قومه إلى التسلط عليهم، فأبقى الحكام والقوَّاد منهم في مناصبهم على ما كانوا عليه في عهد العرب، واستولى المسلمون على أزمة التجارة، وكان كبار رجال المال منهم، ورأى روجر بثقوب ذهنه أن يسير في سياسته مع السواد الأعظم من أهل الجزيرة وهم العرب، وجعل في بلاطه الأطباء والمنجمين وأرباب القرائح من المسلمين، واحتفظ بأصول العرب في الجباية، وكان يحسن العربية ويحبها، والنورمانيون جاءوا لأول أمرهم من بلاد سكاندافيا في شمالي أوروبا وظلوا مجوسًا إلى القرن العاشر للميلاد وفيه انتحلوا النصرانية. وروجر (5) هذا هو الذي استقدم الشريف الإدريسي صاحب كتاب «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» من بر العدوة ليضع له شيئًا في شكل صورة العالم وبالغ في تعظيمه من وراء الغاية، وصنع له هذا الشكل فأُعجب به، وأراده على أن يبقى في بلاده قائلًا له: «أنت من بيت الخلافة ومتى كنت بين المسلمين عمل ملوكهم على قتلك، ومتى كنت أمنت على نفسك. فأجابه إلى ذلك، فرتب له كفاية لا تكون إلا للملوك، وطلب إليه أن يحقق أخبار البلاد بالمعاينة، لا بما ينقل من الكتب، فوقع اختيارهما على أناس ألباء فطناء أذكياء، وجهزهم روجر إلى أقاليم الشرق والغرب جنوبا وشمالا، وسفر معهم قوما مصورين ليصوروا ما يشاهدونه عيانًا، وأمرهم بالتقصي والاستيعاب لما لا بد من معرفته، فكان إذا حضر أحد منهم بشكل أثبته الشريف الإدريسي حتى تكامل له ما أراد، وجعله مصنفًا، وهو كتاب نزهة المشتاق. هكذا كان روجر في معاملته علماء العرب والانتفاع بعلمهم، وقد غادر كثير من العرب الجزيرة في الفتح النورماني قاصدين إلى بر العدوة من إفريقية على السفن الكثيرة التي كانت لهم، ومنهم وهم السواد الأعظم من اختاروا المقام في الجزيرة فطاب لهم بما رأوا من الرعاية والأمنة، حتى إن ابن جبير الرحالة لما مر بالجزيرة سنة 580 أي بعد ست وتسعين سنة من خروجها عن حكم العرب، أثنى على غليام صاحبها، وقال: إنه عجيب (6) في حسن السيرة واستعمال المسلمين، وإنه كثير الثقة بهم، وساكن إليهم في أحواله والمهم من أشغاله وله الأطباء والمنجمون وهو شديد الحرص عليهم، وقال: إن زي النصرانيات في مدينة صقلية مثل زي نساء المسلمين يخرجن ملتحفات متنقبات. وحرص روجر الثاني وابنه وغليام على استعمال المسلمين جريًا على خطة روجر الأول؛ فتركوا لهم حريتهم، ينعمون بضياعهم وأموالهم ومتاجرهم ومصانعهم، وكان هؤلاء الملوك يحسنون العربية ويطربون لشعرها وأدبها، وكان فريدريك الثاني كثير العناية بالعربية وآدابها، وقد ضرب فيها بسهم وافر وظلت اللغة العربية في الجزيرة اللغة الرسمية، وكان من العرب معلمون وأساتذة وعمال مهرة، (7) ولا تزال براءات ملوك النورمانيين مكتوبة بالعربية واللاتينية واليونانية، وكانت العربية إحدى اللغات التي تضرب بها نقودهم وعليها شارتا الإسلام والنصرانية، ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل كان يوضع عليها أيضًا «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، واستمر الأمراء الذين خلفوا النورمانيين على ضرب نقودهم بالعربية زمنًا. وما برح النورمانيون جارين على سنن روجر الأول صاحب صقلية في الاعتماد على العرب، ورعايتهم ظاهرا وباطنا، وكذلك كان العرب في إخلاصهم حتى إن القاضي جمال الدين بن واصل قاضي القضاة بحماة الفيلسوف المؤرخ، كان أرسله الظاهر بيبرس سفيرًا إلى الإمبراطور صاحب صقلية في سنة 659هـ، فقال فيه : إنه كان مصافيًا للمسلمين العلماء، وإنه بالقرب من البلد الذي كان فيه مدينة تُسمى لوجارة، أهلها كلهم مسلمون من أهل جزيرة صقلية، تُقام فيها الجمعة ويُعلن بشعار الإسلام، وكان أكثر أصحاب الإمبراطور مسلمين ويعلن بالآذان والصلاة في معسكره. وقال: إنه عند توجهه من عند الإمبراطور اتفق البابا خليفة الفرنج وريدا فرنس على قصد الإمبراطور وقتاله، بسبب ميله إلى المسلمين؛ ولذلك كان البابا قد حرمه، وقد غلبه الفرنج وذبحوه، وملكوا أخا ريدافرنس في سنة 663.
........................................
1- معلمة الإسلام.
2- تاريخ تونس لحسن حسني عبد الوهاب.
3- تاريخ أبي الفداء.
4- معلمة الإسلام.
5- الوافي بالوفيات للصفدي
6- رحلة ابن جبير.
7- لويجي رينالدي (مجلة المقتطف م59).
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|