أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-9-2016
1350
التاريخ: 2023-05-09
2087
التاريخ: 9-8-2019
4738
التاريخ: 2023-08-11
997
|
مثال آخر من هذه المسامحة، كان بين المغانم التي غنمها المسلمون في وقعة خيبر صحائف متعددة من التوراة، فلما جاء اليهود يطلبونها أمر النبي بتسليمها لهم، فأخذ اليهود (1) يشيرون إلى الرسول بالبنان ويحفظون له هذه اليد؛ «لأنه لم يتعرض لصحفهم المقدسة، ويذكرون بإزاء ذلك ما فعله الرومان حين تغلبوا على أورشليم وفتحوها سنة 70 ق.م؛ إذ حرقوا الكتب المقدسة وداسوها بأرجلهم، وما فعله المتعصبون من النصارى في حروب اضطهاد اليهود في الأندلس، وقد أحرقوا أيضًا صحف التوراة، هذا هو البون الشاسع بين الفاتحين ممن ذكرناهم وبين رسول الإسلام.» ولو لم يشتط اليهود في الحجاز بالنيل من المسلمين لما طالت إليهم يد مسلم بأذى، ولكان حظهم من ذمة العرب حظ سكان نجران من نصارى اليمن؛ فقد صالحهم الرسول سنة عشر صلحًا على الفيء وعلى أن يتقاسموا العشر ونصف العشر، وجاء في كتاب الصلح «ولا يُفتن أسقف عن أسقفيته ولا راهب عن رهبانيته». واشترط عليهم أن لا يأكلوا الربا فعاشوا بسلام ما حافظوا على العهد، فلما استخلف عمر بن الخطاب أصابوا الربا فأجلاهم، واشترى منهم أرضهم ووصى بهم أهل الشام والعراق، ليوسعوهم من حرث الأرض، وما اعتملوا من شيء فهو لهم مكان أرضهم باليمن، ويقول المؤرخون: إن أهل نجران كانوا قد بلغوا أربعين ألفًا فتحاسدوا بينهم، فأتوا عمر بن الخطاب فقالوا: أجلنا فاغتنمها، فأجلاهم فندموا بعد ذلك. نعم، إن عمر (2) لم يُرهب فارس والروم بفرش الديباج، وبسط الحرير، وكئوس الجواهر، والخيول المسومة، والبيوت الشاهقة، والأقواس المذهبة، إنما أرهبهم بالعدل المحض، وأفخم شوس رجالهم بالحكمة البالغة، شريعة سيد الحكماء، ويقول أبو عبيد في كتاب الأموال : إن الرسول قال: لأخرجن اليهود والنصارى عن جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلمًا، بيد أن نصارى نجران رأوا كل رعاية؛ لأنهم راعوا العهد في الجملة ولم يعبثوا بأمر الأمة القائمة، وكانوا أول من أعطى الجزية من أهل الكتاب، وفي التنزيل (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ). جزاء ثقة ثقة مثلها، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، وأعظم بثقة صاحب الشريعة بأناس كانوا بالأمس يقاتلونه كأبي سفيان وعمرو بن العاص وخالد بن الوليد حتى إذا أسلموا جبَّ الإسلام ما قبله، ونسيت الأحقاد والطوائل، ولم يلبثوا أن غدوا أصحاب الشأن في السلطان، يُرجع إلى آرائهم في المهمات، وتُوسد إليهم الأعمال العظام، وكيف لا يجيء من مثل هؤلاء الرجال خيرة الخلفاء والقوَّاد والأمراء، وقد أولى الخلفاء ثقتهم لمن دخلوا من غير العرب في طاعة خليفة العرب، وإن ظلوا على تمسكهم بدينهم القديم، وبدأ معاوية بن أبي سفيان فعهد إلى بعض نصارى الشام بإدارة أمواله وديوانه، وكان لعمر بن الخطاب عبد نصراني اسمه آسك فاقترح عليه أن يسلم حتى يستعين به على بعض أمور المسلمين، قائلا إنه لا ينبغي أن نستعين على أمورهم من ليس منهم، فلما أبى أعتقه وقال له: اذهب حيث شئت. ولطالما اعتمد الخلفاء والأمراء منذ القرن الثاني على عمال لهم من الصابئة والنصارى واليهود، وتولى كثير من النصارى قيادة جيوش المسلمين في بغداد والأندلس. قال علي بن عيسى (3) من وزراء العباسيين لأبي الحسن بن الفرات الوزير: ما اتقيت الله في تقليدك جيوش المسلمين رجلًا نصرانيا، وجعلت أنصار الدين وحماة البيضة يقبلون يده ويمتثلون أمره، فقال له: ما هذا شيء ابتدأته ولا ابتدعته، وقد كان الناصر لدين الله (4) قلد الجيش إسرائيل النصراني كاتبه، وقلد المعتضد بالله مالك بن الوليد النصراني كاتب بدر ذلك، فقال علي بن عيسى ما فعلا صوابًا فقال: حسبي الأسوة بهما وإن أخطأا، على زعمك. هذا، وقد رسم ابن الفرات في وزارته الثانية أن يُدعى كل يوم جماعة. من فضلاء القوم إلى طعامه ويقعدوا جانبه وبين يديه، بينهم أبو بشر عبد الله بن الفرخان النصراني، وأبو منصور عبد الله بن جبير النصراني، وأبو عمرو سعيد بن الفرخان النصراني، قال: ويأت (5) من علماء المشرقيات. ولقد أصدر الخليفة أمره عام 975 / 365هـ بوجوب المساواة بين النصارى والمسلمين، وهي ظاهرة من ظواهر التسامح لم تستطع أوروبا أن تعمل بها إلا بعد عدة قرون. و«السيد» المشهور في تاريخ إسبانيا كان نصرانيا خدم الخوالف في الأندلس، وكان هذا شأن مئات مثله في حكومات الأندلسيين والعباسيين يستخدمون فيخلصون، ولا من ينكر عليهم، ولا على من يقربهم، ومثل هذه الثقة يدرك العاقلون مقدارها فيبادلونها بثقة مثلها. أليس هذا غريبًا في دولة كان للدين فيها المحل الأول، أليس من الغريب أن يجعل العرب من أبناء ذمتهم أصحاب الأديان السماوية موضع ثقتهم، ثم إنهم ما ارتكبوا مع الهندوس وغيرهم من وثني الهند وعبدة النيران فيها عسفًا ولا خسفًا، ولما فتحوا بنارس مدينة الهنود المقدسة، وكان سواد أهلها من البراهمة، أحسنوا معاملتهم وراعوا شعائرهم، ولا بدع أن يمتد سلطان المسلمين بسياستهم الرشيدة من نهر التاج في إسبانيا والبرتقال إلى نهر الكنج نهر الهند الأعظم، ولا عجب أن رأينا الوفاق على أتم حالاته بين الحاكم والمحكوم، وبين الأديان المختلفة، وبين الأقلية والأكثرية وعجيب أن هذه الأقلية ما احتاجت إلى من يحميها ويرعى مصالحها، بل كان راعيها وراعي غيرها سلطان العرب العادل، وما شوهد هذا أن غدا وطن الغالب وطنا للمغلوب؛ لأن النفوس جبلت مع على حب من أحسن إليها، وما كان للفرس في الشرق ولا للروم في الغرب دولة قادرة كالعرب يفزعون إليها لتحميهم، ويكونون في ظلها أسعد مما هم في دولة العرب.
.....................................
1- تاريخ اليهود في بلاد العرب لإسرائيل ولفنسون
2- عصر المأمون لأحمد فريد الرفاعي.
3- تاريخ الوزراء لهلال الصابي.
4- الغالب أنه المستنصر بالله، أما الناصر فكان بعد ذاك بزمن طويل.
5- من مقالة لغاستون ويات نُشرت في جريدة البلاغ بمصر في العدد 3078 الصادر يوم 21 ذي الحجة 1351.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|