أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-05-01
908
التاريخ: 2023-05-15
885
التاريخ: 2023-05-11
1031
التاريخ: 30-6-2016
10828
|
لم يصل فرنسيس بيكون Bacon F. (1561 – 1626م) إلى نتائج علمية مُهمَّة عندما حاول دراسة ظاهرة الحرارة على أساس البحث عَمَّا يُسَمِّيه صورة الظاهرة؛ أي ماهيتها، عن طريق قوائم أو جداول الحضور والغياب والتدرج. 62
ذكر بيكون الحرارة في كتابه (الأورجانون الجديد) جدولا – على نحو مطابق لاقتناعه أنَّ قوانين العلم يجب اكتشافها من خلال عددٍ كبير من المشاهدات النوعية – عن مصادر الحرارة مثل: اللهب، البرق، الصيف، الوهج المستنقعي، والأعشاب العطرية التي تُسبب إحساسًا بالدفء عندما تُهضم .63 لكِنَّه عَالج موضوع الحرارة في كتابه (أوهام المسرح) وهي الأوهام التي تنشأ نتيجة للمذاهب الفلسفية.64 ويتألف هذا المنهج من تجميع للوقائع وتناولها على نحو معين؛ لنفرض مثلًا أننا نبحثُ عن علة الحرارة، فعلينا أن نُرتب «قائمة الحضور» بحيث تتناول جميع الأمثلة المعروفة التي توجد فيها ظاهرة الحرارة، ثم علينا أن نضع «قائمة الغياب» والتي نضع فيها الحالات الجزئية التي تقابل تلك الحالات التي وضعناها في قائمة الحضور بحيث تكون الحرارة معدومة فيها؛ كما أنَّه علينا أن نُرتِّب قائمة لـ «التفاوت في الدرجة» بحيث تحوي على الحالات التي توجد فيها الحرارة بدرجات متفاوتة. 65
وقد نتمكن من خلال فحص القوائم أن نجد طبيعة مولدة تتماشى مع النتيجة أو الطبيعة المتولدة حضورًا وغيابًا وتَدَرُّجًا، عندها نستطيع أن نَضَع تفسيرًا أو نتيجةً مبدئية، فنتوصل – على سبيل المثال – أنَّ الحركة هي سبب الحرارة أو «صورتها» قوائم بيكون هذه تُشبه كثيرًا الطرائق التي وضعها بعد ذلك جون ستيوارت ميل .J.S Mill .(106م) وهي: طريقة الاتفاق، وطريقة الاختلاف، وطريقة التغير النسبي.66
يمكننا إلقاء نظرة على القوائم التي أعدَّها بيكون والمتعلقة بالحرارة، لتكشف لنا طريقة تفكيره: 67
(1) بالنسبة للحرارة التي تتولد نتيجة تماس الأجسام، فإنَّ الطبيعة الأساسية أو الأصلية تُستثنى، ويَعْني بالطبيعة الأساسية أو الأصلية هي التي توجد في الأشياء ومستقرة فيها، ولا تنتقل إليها من طبيعة غريبة عنها.
(2) فيما يتعلق بالاتفاق والتطابق بين الآثار المتشابهة التي تؤثّر بها الحرارة أو البرودة، فإنَّ حركة الجسم في الجملة تُستثنى سواء كانت في حالة تمدد أو انقباض.
(3) فيما يتعلق بسهولة إحماء الأجسام من غير أن تتلف أو تتغير بشكل ملحوظ، فإن طبيعة التلف أو الاتصال العنيف بطبيعة أخرى تستثنى.
(4) تُستثنى حركة الجسم الموضعية أو الامتدادية فيما يتعلق بالهواء المحفوظ في الأوعية الزُّجاجية، حيثُ يتمدَّد ولا ترتفع درجة الحرارة فيه.
(5) بالنسبة للحديد المتَّقد الذي لا يتضخّم حَجْمه، ويبقى في حدوده الأولى؛ فإن حركة الجسم الموضعية أو الامتدادية في الجملة تُستثنى.
(6) فيما يتعلَّق بالهواء الذي نشعر أنه أحيانًا بارد مع أنه خفيف، فإن قلة كثافته تستثني الخفّة.
(7) بالنسبة للذهب المتقد والمعادن الأخرى، التي تتصف بكثافة عالية بشكلٍ عام؛ فإن الخِفَّة تُستثنى منها.
(8) لدى المقارنة بين الحديد المتقد ولهيب الكحول الاثيلي؛ حيث يظهر أنَّ الحديد أكثر حرارة وأقل لمعانًا، وأنَّ روح الخمر أقل حرارة وأكثر لمعانا؛ فإننا نستثني في هذه المقارنة الإضاءة واللمعان.
(9) بالنسبة لأشعة القمر وغيره من الأجرام العلوية، عدا الشمس، فإننا نستثني الإضاءة واللمعان.
(10) فيما يتعلَّق بالماء المغلي أو الهواء الحار أو ما يتعلق بالمعادن والأجسام الصلبة، التي تتلقى الحرارة لكن إلى ما دون درجة الاتقاد والاحمرار، فإننا نستثني الإضاءة واللمعان.
(11) بالنسبة للحديد الملتهب وغيره من المعادن التي تُعطي الأجسام الأخرى حرارة، ولا تفقد شيئًا من وزنها ومادتها ، فإننا نستثني الانتقال أو المزج من مادة . آخر فيه حرارة.
(12) بالنسبة للسخونة التي تسري من اقتراب النار إلى جميع الأجسام على السواء – مثل الأجسام والخضر وجلود الحيوانات، والماء والزيت والهواء وغيره – فإننا نستثني الأنسجة الدقيقة، والتركيب المميز في الأجسام.
(13) فيما يتعلق بالنار الشائعة – خصوصًا النار الباطنية في جوف الأرض، وهي أبعد ما تكون وأشد تفرُّقًا عن الأجرام السماوية – فإننا نستثني الأجرام السماوية.
(14) بالنسبة لأشعة الشمس، فإننا نستثني طبيعة العناصر؛ أي العناصر المعروفة عند الأقدمين.
وهكذا بعد أن أعدَّ بيكون تلك القوائم قام باستخدام منهج الرفض أو الاستبعاد بهدف تعيين قانون ما من خلال استبعاد أو استثناء القوانين الأخرى المعارضة له. وبخصوص الحرارة فقد كان يرمي للكشف عن مصدر الحرارة أو سببها؛ ومن ثم يستبعد النظريات القديمة التي تتعارض مع قوائمه؛ حيث إنه استبعد النظرية القائلة بأنَّ الحرارة تأتي من مصدر خارج عن الأرض، فالأرض – وفقًا له – أحد مصادر الحرارة طبقًا لقائمة الحضور التي لديه، واستبعد النظرية القائلة بأنَّ الحرارة تتوقف على وجود عنصر معين في الجسم الحار كالنار مثلا، وهي أحد العناصر التي نادى بها إنبيدوقليس Empedocles (توفي 430 ق.م.)، حيث إنه لدينا مصادر حرارة لكنها لا تحوي عنصر النار. وبقي بيكون يستبعد عدة نظريات حتى وصل إلى حدٍّ يتفق مع ما ورد في القوائم، وفي النهاية وصل إلى أن الحرارة كائنة في كل جسم متحرك، وهي الحركة الممتدة التي تشمل كل أجزاء الجسم؛ ومن ثم قال إنَّ الحركة «صورة» الحرارة، وكما نلاحظ هنا أن بيكون قد أقر بأن للكون عددًا معينًا من الطبائع، كما أنَّه لا يميز بين الصورة والطبيعة والعلة فالكلمات الثلاث تُشير إلى أن ما يبحث عنه العلم ويسعى إليه هو القانون العلمي .68 ومن ذلك كله يتوصل بيكون إلى تعريف للحرارة بأنها «حركة تمددية تتقيد وتصارع خلال جزيئات الأجسام.»69
____________________________
هوامش
62- قنصوه، صلاح فلسفة العلم، دار التنوير، ط2، بیروت، 1983م، ص126.
Müller, Ingo, A History of Thermodynamics, Springer-Verlag, -63 p.9 .Berlin Heidelberg, 2007,.
64 يقصد المذاهب الفلسفية اليونانية القديمة؛ إذْ إِنَّ فرنسيس بيكون بخلاف روجر بيكون الذي يسبقه بثلاثمائة سنة، لا يعترف بجهود العلماء العرب.
65 محمد ماهر عبد القادر، الاستقراء العلمي في الدراسات الغربية والعربية، دار المعرفة الجامعة، الإسكندرية، (د.ت)، ص86-87.
66 الموسوعة الفلسفية المختصرة، مدخل «فرانسيس بيكون»، ص110.
67 العقاد، محمود فرنسيس باكون، ط 1، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة القاهرة، 2016م، ص 43-44.
68 زيدان، محمود فهمي الاستقراء والمنهج العلمي، دار الجامعات المصرية، الإسكندرية، 1977م، ص 68-69.
69 بيكون، فرنسيس، الأورجانون الجديد، ترجمة: عادل مصطفى رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة 2013م، ص 194.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|