المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



حاجة الطفل الى التعلق  
  
1219   09:58 صباحاً   التاريخ: 29-1-2023
المؤلف : د. علي القائمي
الكتاب أو المصدر : الأسرة ومتطلبات الطفل
الجزء والصفحة : ص375ــ386
القسم : الاسرة و المجتمع / الطفولة /

من المتطلبات المهمة والاساسية للإنسان، الحاجة الى التعلق والارتباط الذي ينظر اليه علماء النفس على انه من الاحتياجات الاجتماعية للإنسان، ويمهد السبيل امام القبول الاجتماعي.

الانسان حريص على ان يصل نفسه بمكان أو نقطة يتكأ إليها، لكي يجعل لنفسه قاعدة يلوذ بها في الملمات والشدائد ومصاعب الحياة. وان الجهود التي يبذلها كل فرد ومحاولاته لينسب نفسه الى اشخاص معينين وفى المراحل الأسمى الى الله الواحد لاحد ما هو إلا مظهر من مظاهر هذه الحاجة. وكل ما يهم الفرد في هذا التعلق ان يكون شعوره بالتبعية والانتساب من الشدة والرسوخ بحيث يشعر معه بالوحدة. وان لا يرى نفسه مفصولاً عنها ولو للحظة واحدة. لدرجة يكون معها قادراً على تحمل المصاعب والشدائد والمعاناة والعذاب ولكن غير قادر على تحمل الانفصال عنه (صبرت على عذابك فكيف اصبر على فراقك).

حاجة التعلق لدى الطفل :

الحاجة الى التعلق لدى الطفل شديدة للغاية. انه يرغب في المرحلة الاولى ان يرتبط بافراد كامه وأبيه، وان ينظروا إليه باعتباره فرداً يمكن الاعتماد عليه وجدير بالاحترام . ويريد أن يشعر في ظل ذلك بالعزة والكرامة ويجد فيه ملاذه ورجائه.

انه يريد ان يلصق نفسه بوالدته، وكأنه جزء من كيانها وجسدها ويشعر معها بالاتحاد. ويحظى بمحبتها وقدرتها ويشعر بشخصيته في ظلها. ونلاحظ تجلى هذه الحاجة في عدم تحمل الانفصال عن الأم وفي المراحل التالية في الانتماء الى مجموعة الرفاق والحياة الجماعية.

كما نلاحظ وبسبب شدة التعلق ان الطفل ينزعج من الانتقال الى مكان آخر ويبدو عليه القلق عند الحركة والهجرة. ولا يريد ان يبقى بعيداً عن احضان أمه وان استيقظ من نومه ولم يجد والدته الى جواره يشرع بالبكاء والصراخ دون ان يشعر بحاجة الى شيء ما.

وإذ يبحث الطفل عن اقرانه في السن بمجرد ان يملك القدرة على السير انما يعبر ذلك بمن شعوره بالحاجة الى التعلق، ويريد أن يجعل أفراحه واتراحه معهم في مرحلة الاختيار والعمل. ويمارس اللعب معهم ويشعر باللذة في صحبتهم. كما تلاحظون انه يستند في جميع اعماله واموره الى الأب أو الأم ويقول ان والدي قال كذا، ووالدتي فعلت كذا و...

جذوره ومنشأه :

وفيما يتعلق بجذور هذه الحاجة ومنشأها، وما هو السر في ان يلصق الطفل نفسه بوالدته بشدة أو ينتظر أن تأتي والدته وتهزه في مهده. الواقع هو اننا لم نعثر على دليل واضح نقدمه بشان هذه المسالة. يقول البعض بان هذا الأمر يعتبر جزء من الابعاد الذاتية والفطرية للإنسان. وان الله تبارك وتعالى هو الذي أودع هذا الشعور بالتعلق والارتباط في كيان الطفل وان هذا الميل وهذه الرغبة يستمدان وجودهما منه. ويضيفون بأن مظاهر هذا التعلق موجود لدى الحيوانات أيضاً ونحن نرى انها تلصق نفسها بأمهاتها.

وهناك مجموعة أخرى ترى بأن حب الذات هو الذي يمثل مصدر ومنبع هذا الميل وعلى انه ناجم من الغريزة أيضاً، أو ان هناك فطرة متأصلة في الاعماق هي التي تدفع الجسم الى ادامة تماسه مع جسم آخر ويعوض بذلك عن عجزه وعدم قدرته في المحافظة علي نفسه وصيانتها.

كما ذكروا أيضاً أن التعلق ناجم عن حاجة الطفل الى الأمن؛ إذ انه لن يشعر بإمكانية بقائه على قيد الحياة بدون ذلك مطلقاً.

أهميته للطفل:

ان الحاجة الى التعلق تحمل الاطفال في الاقبال على الآباء والأمهات وطبعاً يرون فيهم الأسوة والقدوة، ويقدمون على الاعمال بناءً على أساس أوامرهم ونواهيهم. وبناءً على ذلك تتبلور طريقة التربية وشخصية الطفل وتتكون وفقاً لذلك اخلاقه وعاداته الحسنة أو السيئة.

ولو تمت دراسة جميع التطورات الفكرية، والابداعات واختراعات الاطفال بشكل جيد لوجدناً انها ناجمة عن الشعور بالتعلق؛ إذ ان الطفل يصبح في ظلها فرداً فعالاً ويسعى في المجتمع المحدود أو الواسع الى السيطرة والتحكم بأعماله وسلوكه ويخاف في نفس الوقت على وحدته وتآلفه معهم ويندفع الى الامام بهذا الاسلوب.

وبسبب الشعور بالتعلق والانتساب يحافظ الطفل على نفسه من الحرارة والبرودة، ومن المخاطر والعوارض الأخرى ويرى نفسه بأنه احد اعضاء الاسرة ويتقبل تبعيته الثقافية والاخلاقية لها. ويرى مكانه اللائق وسط المجموعة وتصبح حياة المجموعة سبباً في ترسيخ وتقوية شخصيته. وتترسخ أيضاً مكانته الاجتماعية ويشعر بالاحترام وسمو شخصيته بينهم.

اضرار عدم التعلق :

لغرض الاطلاع على أهمية الشعور بالتعلق يمكن ان نفهم الجانب السلبي منه ، ونرى انه ماذا سيحدث لو لم يكن هذا الشعور موجوداً، ولو لم تكن هذه الحاجة موجودة لدى الطفل أو لم يتم اشباعها بشكل سليم ومشروع، فانه سيجد نفسه موجوداً متحيراً ، لا ملاذ له ، ويفقد قدرته على المقاومة والصمود.

وهذا الفرد بما أنه يرى نفسه لا ملاذ له ويجد أنه عاجز في الدفاع عن نفسه، فانه لا يبدي استعداداً للدخول في الحياة الجماعية، وان يلاعب الآخرين ويرافقهم. فهو يجتنب معاشرة الآخرين، وغير مرتاح لدوره مع الجماعة، وفي سعيه وطلبه يقع طعمة المحبة واللطف.

ولو تعرض في هذا الخضم الى الجوع أو الشهوة يمكن ان يجعل منها مرتعاً جيداً لاستغلاله ونواياه السيئة ، وتجره بالتالي الى الفساد والتلوث. وبسبب عدم الشعور بالتعلق أيضاً فان الطفل سيسعى الى الاقبال على كل من يفتح بوجهه حديقة غنّاء بل ويتعلق بالآخرين بشدة ويرى ان هذا الأمر ضروري له بشأن نجاته من اهتزاز شخصيته.

فوائده وضرورة من الناحية التربوية :

نعتقد من الناحية التربوية ان التعلق وشعور الطفل بالحاجة اليه يعد امراً ايجابياً ومفرحاً؛ ذلك ان الطفل ومن خلال ربط نفسه بواديه يكتشف هويته وكيانه، ويفهم من هو وماذا وكيف يجب ان يكون موقفه.

كما انه يحتاج لغرض تطوره واندفاعه ان يشعر بأنه قوي ومقتدر، وهذا الشعور ليس من السهل الحصول عليه إلا عندما يرى نفسه منتسباً الى جهة أقوى. وعلى اثر التعلق يشعر الطفل بأنه ينمو، وتنمو طاقته الفكرية وتتهيىء امامه نموه ونضجه من كل الجوانب.

ان وجود لآباء الذين يتعلق بهم الطفل يصبح سبباً لكسب الوعي اللازم وضرورة من ضرورات الحياة وتقوية شخصية الافراد، فضلاً عن انه يطلع على ثقافة العائلة والمجتمع، ويتعلم نمط العيش والحياة. وفي كل الاحوال كلما كان شعور تعلق الفرد بالجماعة أكثر، فان الشعور بالجدارة سيكون اكثر تبعاً لذلك وهذا الامر يساعده في تحقيق شخصيته وتطوره.

بداية الارتباط والتعلق :

لو قلنا بأن هذا الامر فطري وغريزي في الطفل، فيجب ان نقول بأن زمن ظهوره وبدايته في الطفل يعود الى ما قبل مرحلة الولادة. ان ارتباطه واعتياده على هذا الارتباط يبدأ من مرحلة الحياة في الرحم، حيث انه مرتبط بوالدته بكل كيانه ووجوده، سواء من حيث الغذاء. والسلامة والسلم، واسلوب عمل الغدد والوضع الداخلي، لدرجة انه يأنس بصوت قلب والدته، وبعد الولادة لو رقد في الحضن الايسر لوالدته فأنه ينام بشكل أفضل وأهدأ.

وقد أظهرت الدراسات التي قام بها علماء النفس ان الطفل في بداية مرحلة الطفولة يرى نفسه مرتبطا بشدة بوالدته، حتى انه يحسب نفسه جزء لا يتجزأ من والدته، ولو انفصل عن والدته يشعر بالنقص وان ابتعد عنها لا يشعر بالأمن. وخلال الأشهر الأولى لا يفصل عن صدر أمه إلا بعناء ومشقة، ومن هنا يمكن القول بأن تعلق الطفل بوالدته في مرحلة الرضاعة يتسم بالشدة وارتباطه بها دون قيد أو شرط.

وعندما يصبح فيما بعد قادراً على السير يشرع بالتعرف على الآخرين ويستأنس بهم، ويتطبع بخلق وطبيعة خاصتين، ويتأثر بثقافة واخلاق الآخرين. ويستمر هذا الأمر بهذه الوتيرة الى ان يكبر تماماً ومن الناحية الثقافية من الممكن ان يستقل عن العائلة.

ابعاد التعلق :

ان حس التعلق في الطفل الغرض منه ايفاء دور تأمين الحماية، وله في بداية الامر صورة جسمانية وصورة نفسية وعاطفية في المراحل التالية، وحتى من الممكن ان تكون له صورة اخلاقية وثقافية، وهذا امر من الممكن ان يبقى كذلك في الانسان الى آخر العمر أو تلاحظ آثاره عليه.

ابعاد التعلق والارتباط من الممكن الاشارة لها في ثلاثة مراحل وثلاثة مجاميع وتشمل هؤلاء الافراد والاشخاص :

١- الارتباط بالعائلة:

وهو امر طبيعي من جهة ان الطفل يفتح عينيه على الوجود في العائلة، ويُربى في هذا المكان، ويتعلم نمط العيش والحياة .والطفل هو عضو الاسرة ومن مجموعة الاعضاء. ويتلقى في ظل الحياة مع والديه نمطاً خاصاً لحياته. إذ ان اخلاق العائلة يتركان أثراً بليغاً في الطفل لدرجه يقول معها علماء النفس اعرض عليّ طفلك أولاً حتى اقول بانك موجود.

وبعبارة اخرى ان الابناء هم المرآة العاكسة لآبائهم تماماً ومن خلال ذلك يُظهرون ارتباطهم الوثيق بهم.

٢- التعلق بالمدرسة ومسؤولي المدرسة :

وهذا الأمر مهم أيضاً؛ إذ ان المعلمين يحلون فيما بعد مكان الآباء والأمهات من قلب الطفل بصورة تدريجية، ويضعون انفسهم احياناً مكانهم. ويصدق هذا اكثر بخصوص الاطفال الذين لا يحظون في أسرهم بالمقدار الكافي من المحبة والعناية، ويعانون من الاهمال، وعلى العكس فان معلميهم افراداً طيبون، أودّاء وحميمون وعاطفيون مع التلاميذ. وفي هذه الحالة يسعى الاطفال الى ربط انفسهم بمعلمهم ويتخذون من اخلاقهم وسلوكهم نموذجاً لهم واسوة حتى ان تعلقهم يصل احياناً الى درجة يشعرون معها بالأم حين انفصالهم عن معلميهم في الصفوف التالية.

٣- التعلق بالأصدقاء ورفاق اللعب:

بعد ان يكبر الطفل تدريجياً يقلل من اعتماده على والديه ويقبل على اصدقائه؛ إذ يلعب معهم ويستأنس بهم. ويصل استئناسهم بهم الى درجة عالية حتى انهم احياناً يستسرون بعضهم بعضاً ويكشفون لهم عن اسرار عوائلهم.

ويصدق هذا الامر بشكل اكبر بشأن الاطفال الذين يعيشون في اسرة مضطربة وقلقة. ولا يلمسون المحبة والحنان من لدن آبائهم وأمهاتهم، أو بسبب انتقالهم وهجرتهم يردون منطقة جديدة ويتعرفون على ثقافة جديدة. أو انهم يصلون الى مرحلة البلوغ والشباب، ويجدون انفسهم امام عالم جديد ويتجهون بأسرارهم وامورهم - الفئة المقارنة لهم بالعمر.

ان الاطفال يرون لأنفسهم مكانة ووضعاً جديداً ضمن الجماعة، ولغرض قبولهم ضمن الجماعة يسعون الى الانسجام والتوافق معهم، وهذا امر من الممكن ان يخلق للأفراد الخير أو السوء، والمزيد من الشرف والكرامة أو التلوث والفساد.

التعلق والبناء:

ان التعلّقات التي تبدو في ظاهرها بأنها بسيطة ولا أساس لها، من الممكن في نهاية المطاف ان تصبح سبباً للسعادة أو الشقاء، وتساعد على تهيئة الارضية المناسبة للنمو والنضوج الفكري أو سبباً في التلوث وفقدان الشرف والكرامة. إذ ان الطفل يهتم بكل ما يجده لدى المجموعة ويعمل به، ويسعى الى تأييد واتباع الموازين الجماعية السيئة منها والجيدة، وبناء على هذا الاساس فان عاقبته في العمل والحياة ستكون واضحة. ونعلم ان الشعور بالتعلق والحاجة الى ذلك يختلف باختلاف الافراد بناء على اساس ظروف السن والجنس ومقتضيات النمو الفكري والسلامة الانضباطية والاخلاقية للعائلة. وان جميع الاطفال لا يتأثرون بجميع الافراد بنفس المقدار أو ن مسألة التأثير والتأثر ليست بالشكل الذي يتمكن معه الطفل ان يبعد نفسه عن ابعادها السلبية ويتجه نحو الابعاد الايجابية.

ان الاحتكاك والاتصال بمختلف الافراد وعلى اختلاف ثقافاتهم المتنوعة تمهد الأرضية المناسبة لبناء الافراد أو تخريبهم وتدميرهم. ولعلكم تعرفون الكثير من الافراد الذين كانوا ينتسبون الى عوائل شريفة ونجيبة خسروا انفسهم خلال انخراطهم مع بعض الافراد والمجالات الغير مناسبة. وعكس القضية صحيح أيضاً؛ لدينا من الافراد من لم يمتلكوا عائلة أصلية ولكنهم صادفوا في طريقهم افرادا ناضجين وصلحاء واصبحوا سببا لحدوث التحول والتغيير في حياتهم وسلوكهم واكتسبوا الشرف والعزة. وكل هذه الامور تبين ان التعلقات هي السبب في البناء والاصلاح أو التخريب والتدمير وعلى الآباء والمربين ان يكونوا حذرين من هذا الجانب.

خطر التعلق بالغير :

لو أراد الآباء والأمهات ان يتطبع الابناء بأخلاقهم وسلوكهم ونمو ارضية ابنائهم الخاصة، فلا سبيل امامهم سوى فسح المجال امام توثيق وتشديد التعلق بالعائلة وقطعها بالغير. وهذه المسألة بحاجة الى التوجيه والارشاد.

ان الطفل الذي تبعدوه وتطردوه عن انفسكم بسبب خطأه وزلـله. ماذا تتوقعون ان يفعل؟ فهل يا ترى سيواصل مسيرته بدون التعلق بالغير؟ أم انه سيحاول ان يربط نفسه بالآخرين؟ وما هي نوعية أولئك الافراد الآخرين؟ فهل تثقون بهم وتطمئنون اليهم من حيث الجانب الفكري والعقائدي؟ ففي هذه الحالة لا خوف من تعلق ابنائكم بهم. اما لو كانت اخلاقهم وسلوكهم مثار التساؤل يجب أن يكون الآباء اكثر حذراً بشأن تعلق ابنائهم بأولئك الافراد.

ولو كنتم تملكون الفرصة الكافية فاجعلوا الطفل تابعاً لكم ومتعلقاً بكم بشكل كامل، ولقنوه ثقافتكم واخلاقكم وسلوككم. وان لم تتوفر لكم هذه الفرصة فارشدوه الى من تطمئنون لأخلاقه وسلوكه. ويجب عليكم ان تؤكدوا للطفل على هذه المسألة وتفهموه اياها بأن لا يستسلم لكل من هب ودب ولكل فكر ورأي ووجهة معينة ولا يقبل بان يتعلق ويرتبط بكائن من كان.

ان الانضمام الى الجمعيات، ومعاشرة الافراد والاصدقاء ومباشرتهم أمر جيد لانضاج وتطوير ثقافة الاطفال، ولكن بشرط ان تصب في طريق بناء الطفل وتكوين شخصيته الاصلية. وارشاده الى الوجهة التي تحظى بتأييدكم وموافقتكم لئلا تذهب حصيلة جهودكم وبرامجكم التربوية والاخلاقية أدراج الريح.

مضار التعلق المفرط :

ان التعلق بالعائلة أو الغير امر جيد وحسن، ولكن ليس بالحد الذي يؤدي الى قتل ابداع الطفل وتفكيره أو ان يجعله فريسة للانفلات وعدم التقيد بالضوابط. إذ ان بعض الآباء يجعلون اطفالهم في جميع الامور متعلقين بهم حتى في مجال تناول الغذاء وارتداء الملابس والذهاب الى التواليت لدرجة كبيرة جداً بحيث لو ترك الطفل لحاله لحظة واحدة فانه سيشعر بالخطر، ويستولي عليه الفزع والكابوس، ويفقد شعوره بالأمن والهدوء. حتى ان الانفصال عن الأم لغرض الذهاب الى المدرسة سيصبح امراً صعباً للغاية على الطفل.

واظهرت الابحاث العلمية ان هؤلاء الافراد سيصبحون فيما بعد افراداً كثيري القلق، ومدللين، ويعانون من الحياء المفرط، وتافهون وعاجزون في انجاز الاعمال والأمور. ويصبحون كفِطرٍ التصق بجذع شجرة. إذ سيفشلون في المستقبل في محاولاتهم الاعتماد على انفسهم.

وعندما تتفاقم حالات التعلق وتتسم بالإفراط فان الطفل سيتخلف من الناحية النفسية، وفي الحقيقة يتجنب ان يظهر نموه وانه قد كبر. وفي حالة وقوع الموت أو حادثة ما فان الطفل سيشعر بالوحدة ويبقى مجرد هيكلاً مهموماً وخامداً. ويدفع بحياته الى التباهي. ولو حدث ان كبر ونما سوف لن يشعر بالمسؤولية في مقامه ومسؤوليته.

ومن هذا المنطق من الضروري ان نجعله تدريجياً قادراً على الاعتماد والاتكال على نفسه. وان نفسح المجال أمامه ليحسب لنفسه حساباً، ونجعله يؤدي عملاً بنفسه وبشكل مستقل. وندله على بقال المنطقة لكي يقوم ببعض المشتريات للبيت. ونتركه احياناً بمفرده لكي يعزم بنفسه لنفسه وان يكون مقتدراً لكي يتمكن من البقاء في الوحدة. بل وحتى يتمكن البقاء لعدة أيام في السفر عند الآخرين.

الأمور الضرورية في التعلق :

هناك بعض النقاط الضرورية في مسألة الشعور بالحاجة الى التعلق ينبغي للآباء والمربين يأخذونها بنظر الاهتمام، إذ ان مراعاة هذه النقاط تنطوي على أهمية كبيرة من حيث البعد التربوي وبناء الطفل :

١- من الضروري ان يثق الاطفال بآبائهم ويعتمدون عليهم لكي يتبلور تعلقهم وارتباطهم الاخلاقي والعاطفي بهم.

٢- ان شعور التعلق بحاجة الى اجواء المحبة والامن ويجب على الآباء توفير موجبات هذه الاجواء للطفل.

٣- النوايا الحسنة للآباء يجب ان تكون بالشكل الذي يتلمسها الطفل ويشعر بها ويدرك بانهم يريدون خيره وصلاحه حقاً.

٤- يجب على الآباء أن يتخذوا مواقفهم بشكل يدرك معه الاطفال بأنهم جديرون بالارتباط والتعلق بهم.

٥- المسائل المتعلقة بشان المنافع المشتركة والمعاضدة من اصول الارتباط والتعلق وشعور الطفل بالمسؤولية في هذا المجال يعد أمراً ضرورياً .

٦- اشراك الطفل وزجه في النشاطات والفعاليات داخل الاسرة سيطمئنه الى عضويته وتعلقه بالعائلة.

٧- حمل الطفل على قبول الضوابط والمقررات الاجتماعية بعنوان انها احد أركان ولوازم العضوية يجب ان يؤخذ بنظر الاعتبار ويعمل الآباء على خلق ارضية ذلك لدى الطفل.

٨- يجب تفيهم الطفل بأن التعلق صحيح ولكن فقدان الشخصية خطأ. وان يحرك فكره وذهنيته في هذا المجال أو على الاقل يستشير أبويه بهذا الشأن.

٩- يجب ان يدرك الطفل تدريجياً بأن المحيط الاجتماعي لا يمكن الاعتماد عليه في كل الاحوال، إذ ان هناك في كل مجتمع بعض الافراد الذين يشيعون موجبات فساد الانسان وعلى الانسان ان يكون حذراً تجاههم.

10- وهذه النقطة أيضاً يجب ان تؤخذ ينظر الاعتبار، وهي ان الاطفال احياناً يشعرون بالارتباط والتعلق بالغير بشكل لا شعوري الى الحد الذي من الممكن ان يجعل هذا الامر معه الاطفال وكأنهم عبيد وأسرى. ان يقظة الوالدين وتحذير الاطفال يعتبر احدى أسس النجاة والارشاد . 




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.