أقرأ أيضاً
التاريخ: 24/12/2022
1443
التاريخ: 2-1-2023
1254
التاريخ: 2024-05-28
615
التاريخ: 30/11/2022
1212
|
عبد الرحمن بن الحكم
وقام بأمره (1) من بعده ابنه عبد الرحمن، بعهد منه إليه، ثم لأخيه المغيرة بعده، فغزا عبد الرحمن لأول ولايته إلى جليقية وأبعد، وأطال المغيب، وأثخن في أمم النصرانية هنالك، ورجع.
وقدم عليه سنة ست ومائتين زرياب المغني من العراق (2) ، وهو مولى المهدي ومتعلم إبراهيم الموصلي، واسمع علي بن نافع، فركب بنفسه لتلقيه، على ما حكاه ابن خلدون، وبالغ في إكرامه، وأقام عنده بخير حال، وأورث صناعة الغناء بالأندلس وخلف أولادا فخلفه كبيرهم عبدالرحمن في صناعته وحظوته.
وفي سنة ثمان (3) أغزى حاجبه عبد الكريم بن عبد الواحد إلى ألبة
(344)
والقلاع، فخرب كثيرا من البلاد وانتسفها، وفتح كثيرا من حصونهم، وصالح بعضها على الجزية وإطلاق أسرى المسلمين، وانصرف ظافرا.
وفي سنة أربع وعشرين بعث قريبه عبيد الله بن البلنسي في العساكر لغزو ألبة والقلاع، فسار ولقي العدو فهزمهم وأكثر القتل والسبي، ثم خرج لذريق ملك الجلالقة، وأغار على مدينة سالم (4) بالثغر، فسار إليه فرتون بن موسى، وقاتله، فهزمه وأكثر القتل والسبي في العدو والأسر، ثم سار إلى الحصن الذي بناه أهل ألبة بالثغر نكاية للمسلمين، فافتتحه وهدمه، ثم سار عبد الرحمن في الجيوش إلى بلاد جليقية، فدوخها وافتتح عدة حصون منها، وجال في أرضهم، ورجع بعد طول المقام بالسبي والغنائم.
وفي سنة ست وعشرين بعث عبد الرحمن العساكر إلى أرض الفرنجة، وانتهوا إلى أرض بريطانية، وكان على مقدمة المسلمين موسى بن موسى عامل تطيلة (5) ، ولقيهم العدو، فصبر حتى هزم الله عدوهم، وكان لموسى في هذه الغزاة مقام محمود.
وفي سنة تسع وعشرين بعث ابنه محمدا بالعساكر، وتقدم إلى بنبلونة (6) ، فأوقع بالمشركين عندها، وقتل غرسية صاحبها، وهو من أكبر ملوك النصارى.
وفي أيامه ظهر المجوس (7) ، ودخلوا إشبيلية، فأرسل إليهم عبد الرحمن العساكر مع القواد من قرطبة، فنزل المجوس من مراكبهم، وقاتلهم المسلمون،
(345)
فهزموهم بعد مقام صعب، ثم جاءت العساكر مددا من قرطبة فقاتلهم المجوس، فهزمهم المسلمون وغنموا بعض مراكبهم وأحرقوها، ورحل المجوس إلى شذونة فأقاموا عليها يومين، وغنموا بعض الشيء، ووصلت مراكب عبد الرحمن إلى إشبيلية فأقلع المجوس إلى لبلة، وأغاروا وسبوا ثم إلى باجة ثم أشبونة، ثم انقطع خبرهم حين أقلعوا من أشبونة، وسكنت البلاد، وذلك سنة ثلاثين، وتقدم عبد الرحمن بإصلاح ما خربوه من البلاد، وأكثف حاميتها.
وفي سنة إحدى وثلاثين (8) بعث العساكر إلى جليقية فدوخوها، وحاصروا مدينة ليون ورموها بالمجانيق، وهرب أهلها عنها وتركوها، فغنم المسلمون ما فيها وأحرقوها، وأرادوا هدم سورها فلم يقدروا عليه، لأن عرضه كان سبعة عشر ذراعا، فثلموا فيه ثلمة ورجعوا.
ثم أغزى عبد الرحمن حاجبه عبد الكريم في العساكر إلى بلاد برشلونة، فعاث في نواحيها وأجاز الدروب التي تسمى البرت إلى بلاد الفرنجة فدوخها قتلا وأسرا وسبيا، وحاصر مدينتها العظمى جرندة، وعاث في نواحيها، وقفل.
وقد كان ملك القسطنطينية من ورائهم توفلس (9) بعث إلى الأمير عبد الرحمن سنة خمس وعشرين بهدية يطلب مواصلته ويرغبه في ملك سلفه بالمشرق من أجل ما ضيق به المأمون والمعتصم حتى إنه ذكرهما له في كتابه له وعبر عنهما بابني مراجل وماردة، فكافأه الأمير عبد الرحمن عن الهدية، وبعث إليه يحيى الغزال (10) من كبار أهل الدولة، وكان مشهورا في الشعر والحكمة، فأحكم
(346)
بينهما الوصلة، وارتفع لعبد الرحمن ذكر عند منازعيه من بني العباس.
ويعرف الأمير عبد الرحمن بالأوسط، لأن الأول عبد الرحمن الداخل، والثالث عبد الرحمن الناصر.
ثم توفي عبد الرحمن الأوسط سنة ثمان وثلاثين ومائتين، بربيع الآخر، لإحدى وثلاثين سنة من إمارته؛ ومولده بطليطلة في شعبان سنة ست وسبعين ومائة.
وكان عالما بعلوم الشريعة والفلسفة، وكانت أيامه أيام هدوء وسكون، وكثرت الأموال عنده، واتخذ القصور والمتنزهات، وجلب إليها المياه من الجبال، وجعل لقصره مصنعا اتخذه الناس شريعة، وأقام الجسور، وبنيت في أيامه الجوامع بكور الأندلس، وزاد في جامع قرطبة رواقين، ومات قبل أن يستتمه (11) ، فأتمه ابنه محمد بعده، وبنى بالأندلس جوامع كثيرة، ورتب رسوم المملكة، واحتجب عن العامة.
وعدد ولده مائة وخمسون من الذكور، وخمسون من الإناث (12) ، ونقش خاتمه عابد الرحمن بقضاء الله راض وفي ذلك قيل (13) :
خاتم للملك أضحى ... حكمه في الناس ماضي
عابد الرحمن فيه ... بقضاء الله راضي
(347)
وهو أول من أحدث هذا النقش، وبقي وراثة لمن بعده من ولده.
قال ابن سعيد (14) : وفي أيامه انتهى مال الجباية إلى ألف ألف دينار في السنة، وكان قبل لا يزيد على ستمائة ألف، وقد ذكرنا في غير هذا الموضع ما يخالف هذا فليراجع، والله أعلم.
ومن توقيعاته (15) : ومن لم يعرف وجه طلبه، فالحرمان أولى به.
ومن شعر عبد الرحمن المذكور قوله:
ولقد تعارض أوجه لأوامر ... فيقودها التوفيق نحو صوابها
والشيخ إن يحو النهى بتجارب ... فشباب رأي القوم عند شبابها وفي زيادته في جامع قرطبة يقول ابن المثنى (16) رحمه الله تعالى:
بنيت لله خير بيت ... يخرس عن وصفه الأنام
حج إليه بكل أوب ... كأنه المسجد الحرام
كأن محرابه إذا ما ... حف به الركن والمقام وقال آخر (17) :
بنى مسجدا لله لم يك مثله ... ولا مثله لله في الأرض مسجد
سوى ما ابتنى الرحمن والمسجد الذي ... بناه نبي المسلمين محمد
له عمد حمر وخضر كأنما ... تلوح يواقيت بها وزبرجد
ألا يا أمين الله، لا زلت سالما ... ولا زلت في كل الأمور تسدد
فيا ليتنا نفديك من كل حادث ... وأنك للدنيا وللدين تخلد
(348)
وكان كثير الميل للنساء، وولع بجاريته طروب (18) ، وكلف بها كلفا شديدا، وهي التي بنى عليها الباب ببدر المال حين تجنت عليه. وأعطاها حليا قيمته مائة ألف دينار. فقيل له: إن مثل هذا لا ينبغي أن يخرج من خزانة الملك، فقال: إن لابسه أنفس منه خطرا، وأرفع قدرا، وأكرم جوهرا، وأشرف عنصرا، وفيها يقول:
إذا ما بدت لي شمس النها ... ر طالعة ذكرتني طروبا
أنا ابن الميامين من غالب ... أشب حروبا وأطفي حروبا وخرج غازيا إلى جليقية فطالت غيبته فكتب إليها:
عداني عنك مزار العدا ... وقودي إليهم سهاما مصيبا
فكم قد تخطيت من سبسب ... ولاقيت بعد دروب دروبا
ألاقي بوجهي سموم الهجير ... إذ كاد منه الحصى أن يذوبا
تدارك بي الله دين الهدى ... فأحييته وأمت الصليبا
وسرت إلى الشرك في جحفل ... ملأت الحزون به والسهوبا وساق بعض المؤرخين قصة طروب هذه بقوله: إن السلطان المذكور أغضبها فهجرته، وصدت عنه، وأبت أن تأتيه،ولزمت مقصورتها، فاشتد قلقه لهجرها،وضاق ذرعه من شوقها، وجهد أن يترضاها بكل وجه فأعياه ذلك، فأرسل من خصيانه من يكرهها على الوصول إليه، فأغلقت باب مجلسها في وجوههم، وآلت أن لا تخرج إليهم طائعة، ولو انتهى الأمر إلى القتل، فانصرفوا إليه وأعلموه بقولها، واستأذنوه في كسر الباب عليها، فنهاهم وأمرهم بسد الباب عليها من خارجه ببدر الدراهم، ففعلوا، وبنوا عليها بالبدر، وأقبل حتى وقف بالباب وكلمها مسترضيا راغبا في المراجعة على أن لها جميع ما سد به الباب،
(349)
فأجابت وفتحت الباب، فانهالت البدر في بيتها فأكبت على رجله تقبلها، وحازت المال، وكانت تبرم الأمور مع نصر الخصي فلا يرد شيئا مما تبرمه.
وأحب أخرى اسمها مدثرة فأعتقها وتزوجها، وأخرى كذلك اسمها الشفاء، وأما جاريته قل فكانت أديبة، حسنة الحظ، راوية للشعر، حافظة للأخبار، عالمة بضروب الأدب. وكان مولعا بالسماع، مؤثرا له على جميع لذاته، وله أخبار كثيرة، رحمه الله.
__________
(1) سياق الأخبار التاريخية عن عهد عبد الرحمن بن الحكم جار وفق ما أورده ابن خلدون 4: 127 - 130 مع حذف، ويظل النقل مستمرا حتى قوله " واحتجب عن العامة " .
(2) ستأتي أخبار زرياب في موضعها مفصلة.
(3) ابن عذاري 2: 123، قلت: وسياق تاريخ المعارك من بعد يختلف عما أورده ابن خلدون.
(4) مدينة سالم: (Medinacelli) كانت من أعظم مدن الثغر الأوسط وبينها وبين وادي الحجارة خمسون ميلا، وكانت أولا عاصمة هذا الثغر ثم حلت محلها طليطلة.
(5) تطيلة: (Tudeela) من مدن الثغر الأعلى إلى الشمال الغربي من سرقسطة.
(6) بنبلونة: (Pamplona) عند المداخل الغربية من جبال البرت، وتقع في سهل ريوخه (Rioja) وهي من أوائل المناطق التي استقلت عن الحكم الإسلامي.
(7) المجوس أو الاردمانيون (Nordmani) (النورمان Norsemen) كانوا يغيرون على الأندلس من المنافذ النهرية؛ وقد ساهم العرب المجوس لأنهم كانوا يشعلون النيران كثيرا فظن العرب أنهم يعبدونها؛ انظر ابن عذاري 2: 130 في غارتهم سنة 230ه؟.
(8) ابن عذاري 2: 132.
(9) توفلس: (Theophilus).
(10) سيترجم له المقري؛ وهنا يذكر المقري نقلا عن ابن خلدون خبر سفارته إلى القسطنطينية، وأطنب ابن دحية في تفصيل سفارته إلى بلاد المجوس، ولعل تعاقب النصين هو منشأ الوهم حول هذه السفارة. راجع المطرب: 125 - 141 (وانظر ترجمة الغزال في الجذوة: 351، وبغية الملتمس رقم: 1467، والمغرب 2: 57 ودراستي عنه في تاريخ الأدب الأندلسي: 111)، وقد كتب عن سفارته عدة دراسات آخرها كتاب: (The poet And The Spae - Wife، by W. E. D. Allen؛ London، 1960).
(11) قال ابن حيان في المقتبس (نسخة القرويين: 140) نقلا عن الرازي: وزاد الأمير عبد الرحمن ابن الحكم الزيادة الأولى الظاهرة من قبلته للداخل إليه...؛ وقد كانت أبهاء المسجد تسعة أبهاء زاد عليها عبد الرحمن بهوين من كل جانبيه فكملها أحد عشر بهوا؛ وكان الشروع في هذه الزيادة سنة 234... وقال ابن القوطية: مات الأمير عبد الأمير عبد الرحمن وقد بقي عليه في هذه الزيادة بقايا يسيرة من تنجيد وزخرفة أتمها الأمير ابنه محمد الوالي في مكانه. (وانظر ابن القوطية: 84).
(12) ابن عذاري 2: 122 أن الذكور 45 والبنات 42 وجاء ابن سعيد (المغرب 1: 45) بأرقام أخرى نقلا عن ان حزم.
(13) انظر ابن عذاري 2: 122 ومخطوطة الرباط: 113.
(14) المغرب 1: 46.
(15) المغرب 1: 46 وأخباره مجموعة: 139 والمقتبس (تحقيق مكي): 89.
(16) هو عثمان بن المثنى النحوي، هاجر إلى المشرق ولقي أبا تمام وروى عنه شعره (انظر طبقات الزبيدي: 288 وابن الفرضي 1: 346) وهذا الشعر لابن المثنى ورد في مخطوطة الرباط: 116.
(17) مخطوطة الرباط: 116.
(18) راجع أخباره مع طروب وشعره فيها في المغرب 1: 46 وابن عذاري 2: 137 والحلة السيراء 1: 114 وابن القوطية 82 - 83 والمقتطفات (الورقة: 83 - 84).
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|