المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

تـكلفـة الفـسـاد الإداري
2024-10-23
اثنتا عشرة هرطقة
2023-08-29
Consonants Obstruents
2024-05-13
كيف تنمي شخصية طفلك؟
19-4-2016
بيعة يزيد بن معاوية
17-11-2016
الالتزام بالتقوى في البيت وخارجه
30-9-2021


الشعر الغنائي وأثره في النقد الفلسفي  
  
7253   12:36 صباحاً   التاريخ: 14-08-2015
المؤلف : عصام قصبجي
الكتاب أو المصدر : أصول النقد العربي القديم
الجزء والصفحة : ص119-122
القسم : الأدب الــعربــي / النقد / النقد القديم /

 لا ريب ان لغلبة الشعر الغنائي عند العرب اثراً كبيراً في اضطراب فهمهم للنقد اليوناني عموما، والارسطي خصوصاً، ذلك ان ارسطو كان يضع قواعد الشعر الموضوعي ــ المسرحي او الملحمي ــ وكان يرى ان الشعر الموضوعي قد تطور عن الشعر الغنائي، يقول : (فإن من كانوا مجبولين عليها منذ البدء (أي المحاكاة) قد اخذوا يرقون بها قليلاً قليلا حتى ولدوا الشعر من الاقاويل المرتجلة، ثم انقسم الشعر تبعاً لأخلاق الافراد من قائليه)(1)،  وبينما ذهب أفلاطون إلى تفضيل الشعر الغنائي لما ينطوي عليه من غاية خلقية تتجلى في التغني بالبطولة(2)

فقد اعرض ارسطو عن الشعر الغنائي لأنه يعتبر الفعل جوهر المحاكاة: "فهو لا يقيم وزناً للشعر الغنائي، لأنه أثر الوعي الفردي، ثم لأنه خال من مقومات الفن ذي الأغراض الاجتماعية، وهو الفن الحق كما يراه ارسطو، ولهذا لم يدخل ارسطو الشعر الغنائي في قضاياه الأدبية"(3)، وبديهي ان ثمة بوناً شاسعاً بين مفهوم ارسطو هذا ، ومفهوم النقاد العرب بالشعر العربي غنائي، واذا كان ارسطو يعرض عن الغنائية لما فيه من أثر الوعي الفردي، فلعل هذا الوعي الفردي هو الذي حمل العرب على الولع بالشعر الغنائي ولوعاً جعلهم يحصرون اغراضهم كلها فيه، ويقصرون فنهم بأجمعه عليه، بالعرب ــ اذا جاز التسليم بالنظريات الاجتماعية السائدة ـ ذوو نزعة فردية طاغية، والشعر عندهم مرآة الشعور الفردي، وما على الشاعر إلا ان يرغب، أو يطرب ، او يرهب لكي يتدفق بما خالجه من مشاعر، سواء اكان لهذا الشاعر مدلول اجتماعي موضوعي أم لم يكن فهو لا يقصد غالباً غير التعبير المباشر عن شعوره، وأحياناً عما ينبغي ان يكون عليه شعوره بحسب التقاليد الادبية.

وليت الشاعر العربي اقتصر في نزوعه الغنائي على استلهام شعوره الذاتي إزاء الأشياء، ذلك انه سرعان ما لاحظ العلاقات الظاهرية بين الاشياء بعيداً عن ذاته، وخيل إليه ان مهمة الشعر هي ملاحظة هذه العلاقات كما تراها العين، لا كما تراها النفس ــ وذلك فرق بعيد ــ فكان غالباً أسير فهمه للشعر على أنه وصف العالم الخارجي، وجاء النقاد فيما بعد يدافعون عن هذا الفهم، ويميلون دون ان يشعروا إلى رأي افلاطون في أن الشعر تصوير سلبي، او تقليد ظاهري للطبيعة، ويغفلون رأي ارسطو في ان الشعر محاكاة جوهرية موضوعية ، والحق ان علة ذلك ترجع إلى طبيعة الشعر الغنائي، فليس فيه غالباً مجال لمحاكاة الفعل الانساني، لما يغلب على تلك المحاكاة من طابع الموضوعية في اكتناء ما يمكن ان يكون، وليس فيه مجال لعناصر الشعر المسرحي (التحول ــ والتعرف ــ والعقدة ــ والحل) وما ينطوي عليه من وحدة عضوية، وما يرمي إليه من غاية خلقية (التطهير)، وعندما كان ابن رشد يتلمس ما يشرح به معنى التطهير لم يجد بغيته إلا في القصص القرآني، لأن الشعر الغنائي العربي نزاع إلى الغاية الجمالية المحضة التي تقتضيها طبيعته الذاتية، ان التشبيه البارع هو معقد الابداع ، والأسلوب اللغوي هو مجلى هذا الابداع، وما يقال عن القصائد الحولية المحككة التي أولع بها نفر من عبيد الشعر انما يقصد به غالباً العناية الفائقة بالشكل الفني، أما المضمون الخلقي، أو الديني، أو الاجتماعي، فلم يكن امرأ ذا بال، حقاً ان زهيراً في ملعقته كان داعية للسلم، بيد ان ذلك جاء عرضاً لم يخرج بشعره عن النمط السائد الذي يجعل للذات الفردية المكانة العليا، وأيضاً ليس ثمة تناقض دائم بين الذاتية والموضوعية، فقد يتفق ان يعبر الشعور الذاتي بما فيه من اصالة وعمق عن الشعور الجمعي، فيبدو وكأنه تعبير موضوعي، على نحو ما قد يظهر في معلقة زهير مثلاً، على أن هذا الامر نادراً فلم تكن الغاية الانسانية واضحة في الشعر الجاهلي، ولم يكن ثمة سبيل إلى انصراف هذا الشعر عن محاكاة الظاهر المتعلق بالذات الفردية إلى محاكاة الجوهر المتعلق بالذات الجمعية، بل ان الشاعر العربي قد اغفل فيما بعد الاهتمام بذاته لينتقل إلى الاهتمام بالتقليد في أمرين: أولهما تقليد الاشياء الظاهرة في الطبيعة، وثانيهما تقليد الانماط الظاهرة في الفن، وبذلك ضاقت أمامه سبل الخيال الشعري، فراح يدور في فلك التشبيه الذي نظر إليه افلاطون شزراً لما ينطوي عليه من حسية، وشكلية في محاكاته ليس للطبيعة فحسب، ولكن لمن يحاكي الطبيعة ايضاً وهكذا فليس ثمة تعارض بين الذاتية والحسية في الشعر الغنائي العربي، لأن المقصود بالذاتية هو ما يناقص الموضوعية في الشعر الملحمي أو المسرحي مثلاً وليس المقصود بها ان الشاعر العربي كان مخلصاً في الصدور عن مشاعره الذاتية بغض النظر عن معارضتها للتقاليد الفنية السائدة في التشبيه المحسوس فذلك ما لم يحدث إلا نادراً.

_______________________

(1) كتاب الشعر: ص38.

(2) ذهبت الدكتور اميرة حلمي مطر في تعليقها على ترجمة فايدروس حاشية 4 ص 61، إلى ان افلاطون يفضل الشعر الملحمي على الديتورامبي (الغنائي) واستنتجت ذلك من ملاحظة وجهها فايدروس لسقراط متسائلاً عن اسباب توقفه عما كان بسبيله من تفضيل غير العاشق، فقد اجاب سقراط: "ألم تلاحظ يا صاحبي السعيد الحظ أني قد بدأت اتحدث بأسلوب ملحمي، ولم أعد أتبع الاسلوب "الديتورامبي" رغم انني كنت الوم العاشق، ولكن ان وجب مدح غير العاشق. فأي أسلوب اختار؟ الم يخطر لك انني سوف اقع في سحر الحوريات اللاتي اسلمتني إليهن عن عمد" قالت الدكتور اميرة حلمي مطر: "يعني سقراط بهذه العبارة انه قد اصابه حماس يفوق اهمية المضمون، الذي يتحدث عنه، حيث يبدو في رأينا ان للشعر الملحمي عند افلاطون مكانة افضل من الشعر الديتورامبي" ، اما الشعر الديتورامبي فهو كما يقول الدكتور محمد سليم سالم: "كلمة غير يونانية كانت تطلق على النشيد الذي تتغنى به جوقة دائرية مؤلفة من خمسين رجلاً في مديح الإله باكخوس (ديونيسيوس) ويذكر ارسطو ان التراجيديا نشأت من هذا النوع من الشعر " (كتاب المجموع ص30 حاشية3) أما الفارابي، فقد قال: "هو نوع من الشعر له وزن ضعف وزن طراغوذيا، يذكر فيه الخير، والأخلاق الكلية المحمودة، والفضائل الانسانية، ولا يقصد به مدح ملك معلوم، ولا إنسان معلوم، لكن تذكر فيه الخيرات الكلية" (فن الشعر ص153) وانظر ابن سينا، كتاب المجموع ص30) وصفوة القول ان الديتورامبي هو الغنائي الذي تطور فيما بعد إلى الملحمي بحسب نظرية ارسطو في تقدم نشأة الشعر الغنائي  الملحمي، فقد كان يشير في عبارته تلك إلى خضوعه لنشوة الشعر الإلهية، حيثما كان يلوم العاشق، ولكنه عندما هم بمناقشة اسباب تفضيل غير العاشق على العاشق ــ وهي مناقشة عقلية ــ لم يعد ثمة مجال أمامه لاتباع الاسلوب الغنائي العاطفي، فجنح إلى الاسلوب الملحمي الموضوعي دون ان يكون في ذلك تفضيل له مطلقاً، يقول الدكتور محمد غنيمي هلال: "وقد رجح افلاطون جانب الشعر الغنائي، فلم يعالج سوى المسرحيات والملاحم على حين لم يعتد تلميذه ارسطو بالشعر الغنائي، فلم يعالج سوى المسرحيات والملاحم في نقده" (النقد الأدبي الحديث: ص373) ويعرض الدكتور فؤاد ذكريا رأي افلاطون في "ان أسلوب الرد، أو الحديث المباشر أفضل من الأسلوب الدرامي الذي ترد فيه الكلمات على لسان شخصيات يصورها الشاعر، ذلك أولاً لأن الكثرة في ذاتها شر ومن هنا كان العمل الشعري الذي ينطوي على كثرة من الشخصيات والمواقف والاتجاهات أسوأ من العمل البسيط الذي يصل إلى هدفه مباشرة بالشعر غير المتنوع أفضل من الشعر المزدحم بالتنوع والتغير" دراسة لجمهورية أفلاطون ص157.

(3) النقد الأدبي الحديث: ص53.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.