أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-11-2021
1944
التاريخ: 3-2-2022
2100
التاريخ: 2024-08-25
391
التاريخ: 2-6-2016
16697
|
علاقة الإنسان بالبيئة
يختلف تعريف البيئة بحسب الزاوية التي ينظر الباحث من خلالها، أو بحسب اختصاصه وتوجهاته، فبعض الباحثين يحددها بالظروف والمظاهر الطبيعية المحيطة بالإنسان، في حين يشمل بعضهم الآخر الظروف البشرية باختلافها، ويذهب آخرون إلى تعريف البيئة بمفهومها العام الوسط أو المجال المكاني الذي يعيش فيه الإنسان ويتأثر به(1) ويشمل كل ما هو محيط بالإنسان ويؤثر فيه.
إن تنوع المفاهيم وتعدد المصطلحات لا يعني الاختلاف، ولكن زوايا الرؤيا النظرية هي التي تختلف. والحقيقة التي يكاد يتفق عليها أغلب الباحثين هي أن البيئة تشمل كل ما يحيط بالإنسان ويؤثر في سلوكه. وهي تقسم إلى أقسام متعددة. وتعد البيئة الاجتماعية من أهمها، وهي تشتمل كل ما يتفاعل الإنسان معه ويؤثر فيه ويتأثر به سلباً وإيجاباً (البيت والمدرسة والجامع والشارع والمقهى وو ... الخ)، كما تختلف البيئة من حيث كونها مادية أو معنوية، فمنها ما هو محسوس ملموس، ومنها ما هو لامادي وغير محسوس. عرفت البيئة من قبل بعضهم بأنها جميع العوامل الطبيعية والبشرية الثقافية التي تؤثر على أفراد وجماعات الكائنات الحية في موطنها وتحدد شكلها وعلاقتها وبقاءها (2) وهذا التعريف يؤكد على شمولية البيئة.
لقد كان مفهوم البيئة في البداية مقتصراً على الجوانب الفيزيائية والإيكولوجية، ولكن هذا المفهوم حل محله مفهوم آخر، وهو ما يصطلح عليه (environment) الذي يشمل العناصر الفيزيائية والبيولوجية بجانب العناصر الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المحيطة بالإنسان، إذ يشكل الجانب الأول الأساس الطبيعي للبيئة، أما الجانب الثاني فهو الذي يحدد ما يحتاجه الإنسان من وسائل فكرية وتكنولوجية لفهم وإدراك أهمية الموارد الطبيعية واستعمالها على نحو أفضل(3)، فالنظام البيئي هو الوحدة الأساسية التي تتكون منها البيئة، إذ تشمل البيئة عددا من الأنظمة المتفاعلة فيما بينها تفاعل معقد، والتي تضم كل العناصر البيئية الحية وغير الحية، ويحافظ هذا النظام على توازن هذه العناصر وبالتالي ضمان ديمومة النظام البيئي.
من الناحية الاجتماعية فإن البيئة تعني كل ما يؤثر على الإنسان، ويساهم في بلورة وصيرورة أنواع معينة من السلوك البشري والعلاقات والتفاعلات الاجتماعية في حيز المحيط، والبيئة تختلف من مكان إلى آخر، كما تختلف تفاعلات الإنسان ضمن البيئة الواحدة، إذ تدخل العوامل البايلوجية كمحددات توجه السلوك الاجتماعي (Social Behaviour) باتجاهات معينة، حيث تحدد البيئة سلوك الإنسان من خلال تأثيرها على مزاج الإنسان وقناعاته Mood and Satisfaction ، وبالتالي تحديد درجة تفاعله Interaction مع البيئة وفعالياته السلوكية المختلفة.
وفي ضوء ما تقدم ظهر مفهوم البيئة الاجتماعية، وهي بيئة تحتوي على عدة عناصر، منها العناصر الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فضلاً عن العناصر الحضارية والثقافية، سواء أكانت تلك العناصر مادية أم غير مادية، ولا يمكن التحدث عن البيئة الاجتماعية دون التطرق إلى الإيكولوجيا الإنسانية، باعتبارها تلك التغيرات التي تحدث في توزيع السكان والنظم فهي تتعدل وفق نشاطات الإنسان وما يبذله من جهود في السيطرة على المناطق الصحراوية والمائية وأراضي الغابات وغيرها، وبهذا لا يمكن فصل الظواهر الطبيعية والاجتماعية، لأن كلاً منهما يؤثر في الآخر ويشترك معه في إيجاد النظام الاجتماعي(4). وهذا يعني أن البيئة الطبيعية والاجتماعية شيئان مشتركان ومتفاعلان لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، إذ أن البيئة الاجتماعية تؤثر في البيئة الطبيعية وتجعلها تتكيف وتتفاعل معها حسب الظروف والمقتضيات، وفي هذا الصدد يشير "هربرت سبنسر" إلى أن المحيط الجغرافي والطبيعي من مناخ وموقع وغيرهما له تأثير فعال في حياة الأفراد، ومن ثم في حياة الجماعة، وأن الظواهر الطبيعية والاجتماعية متفاعلة مع بعضها كل منها يؤثر في الآخر ويشترك معه في إيجاد أسلوب خاص للحياة(5).
منذ القديم عد الإنسان ابن الطبيعة ومن نتاجها (الحتم الجغرافي)، ويذهب بعضهم إلى أن التكوين النفسي والفكري والأيدلوجي للإنسان، فضلاً عن الدوافع البشرية، ماهي إلا نتيجة للواقع البيئي الذي يتحكم بوجودها وشدتها، وقد ظهر فرع جديد وهو مايسمى بالجغرافية التاريخية، وهي عبارة عن مجموعة جغرافيات عرفت بأنها دراسة تأثير البيئة الجغرافية في الحوادث التاريخية الماضية(6)" وتعرف أيضاً على أنها جغرافية العصور الماضية (بفروعها المختلفة). وقد أكد علماء النهضة الأوربية على علاقة البيئة وتأثيرها على الإنسان، وهو أمر يستشف خلال كتابات راتزل Ratzel وإلين سمبل Ellen Semple وديمانجو Demangeon وكانت Kant وقد ذهب راتزل Ratzel إلى وجوب تعليل كل مظاهر النشاط الإنساني بالعوامل الطبيعية، وهي أبدأ ثابتة وذات تأثيرات معينة ونتائج حاسمة، بعبارة أخرى، فإن النشاط الإنساني يتشكل بشكل معلوم إذا نشأت حوله بيئة طبيعية معينة تغذيه وتوجه أفعاله.
وقد اعتمدت المدرسة الفرنسية هذه النظرة، وتوضح أثرها عندما جرت مناقشة لاستبدال اسم الجغرافيا البشرية لتكون الجغرافيا الاجتماعية. وجاء رواد منحى الرفاه الاجتماعي في الجغرافيا البشرية لتمثل بداية تكوين الجغرافيا الاجتماعية المعاصرة (7) .
أما فيدال دي لابلاش Vidal de La Blache مؤسس الجغرافية البشرية في فرنسا ورائد المدرسة الإمكانية (1845-1918)، فقد أكد على الجانب العلمي والترابط الحقيقي بين الطبيعة والإنسان، وتأثر الإنسان بعناصر بيئته. والبحوث التي أجراها فيدال لابلاش عن العلاقات المتبادلة بين الناس وبيئتهم المادية جعلت منه مؤسس الجغرافية البشرية الفرنسية. وقد قال بأن دور البشر في محيطهم ليس سلبياً أو ساكناً، فهم يستطيعون أن يغيروا ويحسنوا بيئتهم من أجل تحقيق أهدافهم وغاياتهم الخاصة، وأن الإنسان لا يمكن أن يكون عبداً لبيئته، وتضمنت كتبه موضوعات عن توزيع السكان ومناطق الكثافات البشرية وتوزيع السلالات وأشكال السكن ومواد البناء والنقل والمواصلات.
أما ماكندر، وهو من الجغرافيين البريطانيين، فقد رأى أن وظيفة الجغرافية يجب أن تنحصر في متابعة التفاعل من الإنسان والمجتمع في بيئته المتنوعة محلياً، فضلاً عن أهمية التاريخ في الأبحاث الجغرافية(8).
وقد تأثرت المدرسة البريطانية بالمدرسة الفرنسية من خلال أبرز علمائها وهو فردريك لوبلاي Fre le play الذي انطبعت أفكاره عن كل من فلير Fler وجيدنس Giddens، فتبنيا المنهج الثلاثي الشامل الذي يحتوي على الجغرافية والتاريخ والأنثروبولوجيا، أي دراسة الإنسان في المجتمع الذي يعيش فيه. وطبق فلير دراسته على مقاطعة ويلز، وأصبحت دراسة الإنسان المحور الذي يهتم هي بالحياة الريفية في إنكلترا وويلز(9).
وظهرت آراء المدرسة الروسية على يد كوفاليف S. A. Kovalev، الذي أكد أن الجغرافية البشرية تقوم بدراسة تباين توزيع السكان واحتياط القوى العاملة وهجرة السكان وتركيبهم، فضلاً عن الدراسات في الجغرافية التاريخية والتكوينات الحضارية وأساليب العيش. أما بوياريسكي A.J.Boyarski، وهو أستاذ الجغرافية في جامعة موسكو، فقد اعتقد أن القوانين تختلف بفعل اختلاف التنظيمات الاقتصادية والاجتماعية عبر مراحل التاريخ البشري، فهي في النظام الرأسمالي تختلف عن النظام الاشتراكي الذي يهدف إلى الإنتاج والاستثمار الكامل للأيدي العاملة(10).
وقد دخلت الجغرافية الاجتماعية معترك التباينات الاجتماعية، وحاولت دراسة توزيع المشكلات الاجتماعية التي تنتشر في بلدانهم والوقوف على أسبابها، ونمط توزيعها وتأثير أبعادها المكانية والزمانية، ففي الولايات المتحدة الأمريكية كانت حرب فيتنام وما تبعها من مظاهر اجتماعية دافعاً لتعزيز موقع الجغرافية الاجتماعية. وفي بعض البلدان تركز الاهتمام على تباين المستويات الاقتصادية وما ينجم عنه من حالات اجتماعية كما تطرق بعضهم إلى كفاءة الخدمات وسوء توزيع ثمار التنمية، إضافة إلى المشكلات البيئية الأخرى.
وحاول بعض الباحثين إظهار تخصصاتهم العلمية المنبثقة من التطورات الحضرية المتعلقة بالقضايا الاجتماعية Social issues، التي ظهرت وكأنها تتداخل مع فروع الجغرافية الأخرى، فبدأت دراسة مشاكل الحياة اليومية، والمشكلات التي يعاني منها المجتمع وفقاً لمنهج جغرافي متطور. ولاشك أن الخوض في هذا المعترك يحمل الجغرافيين مسؤولية اجتماعية كبرى، تتلخص في توجيه السياسات الاجتماعية نحو شواطئ الأمان، ومعالجة مشاكلها الاجتماعية، فضلاً عن تحديد كفاءة خدماتها المختلفة، والمساهمة في وضع الخطط البديلة والمناسبة للارتقاء بالواقع الاجتماعي والاقتصادي.
يستخلص مما تقدم أن الجغرافيا الاجتماعية كمنحي، قديم قدم الجغرافيا ذاتها، وكتخصص دقيق، حديث التكوين نسبياً. وقد كان التركيز فيه أول الأمر على دراسة الخصائص التفصيلية للسكان كالنمو والتوزيع والتركيب، ولهذا السبب درست الجغرافية الاجتماعية أصلا ضمن حقل واسع عام هو الجغرافية البشرية، دون وضوح لمعالمها الدقيقة، وبعد ذلك توجه الجغرافيون لدراسة مستويات الرفاه الاجتماعي والأنماط المكانية التي تشكلها المجاميع الاجتماعية. ثم استفاضوا في دراسة المشكلات الاجتماعية ومعالجاتها بالشكل الذي جعل مجالات الجغرافية الاجتماعية تتضح وتشكل فرعاً مهماً من فروع الجغرافية البشرية.
إن الأرض وما عليها تعد المسرح الرئيس لعلم الجغرافية، ومن الخطأ تحديد الموضوعات التي يتناولها علم الجغرافية أو المناهج التي يهتم بها، لأن كل ظاهرة، طبيعية كانت أو بشرية، تعد من المواد الأولية التي تصلح للدراسات الجغرافية، وما تنوع فروع علم الجغرافية إلا محاولة الغرض منها استيعاب المواضيع التي يتناولها هذا العلم. وتظهر الجغرافية الاجتماعية كفرع مهم ضمن فروع الجغرافية المختلفة، لكثرة ما تتناوله من ظواهر، وتشعب أبعادها، وهو أمر لا يتوفر لبقية فروع الجغرافية، لاسيما فيما يتعلق بالجوانب الطبيعية (المخطط 2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) زين الدين عبد المقصود، البيئة والإنسان- علاقات ومشكلات، منشأة المعارف بالإسكندرية، 1981، ص7.
(2) سامح حسن غرابية، معجم المصطلحات البيئية، دار الشروق، عمان، 1998، ص86.
(3) كامل جاسم المرأياتي، مفهوم البيئة في منظور علم الاجتماع، ضمن كتاب العوامل والآثار الاجتماعية لتلوث البيئة، بغداد، 2001 ص39-40.
(4) حسين عبد الحميد أحمد رشوان، مشكلات المدينة - دراسات في علم الاجتماع الحضري، المكتب العلمي للنشر والتوزيع، الاسكندرية، 1997، ص27.
(5) إدريس خضير، التفكير الخلدوني وأثره في علم الاجتماع الحديث، موفر للنشر، الجزائر، 2003، ص188 .
(6) يسري الجوهري، دراسات في الجغرافية التاريخية، منشأة المعارف، الاسكندرية، ص17.
(7) مضر خليل العمر و محمد احمد عقلة المومني، جغرافية المشكلات الاجتماعية، دار الكندي للنشر والتوزيع، اربد، 2000، ص13-21.
(8) حميد الطفيلي، الجغرافية الاجتماعية المعاجم والمصطلحات، دار المنهل اللبناني للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2002،ص2.
(9) ليلى بنت صالح محمد زعزوع، مصدر سابق، ص28.
(10) عبد علي الخفاف، الجغرافية البشرية اسس عامة، مصدر سابق، 2001.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|