أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-08-2015
811
التاريخ: 24-10-2014
879
التاريخ: 24-10-2014
1321
التاريخ: 24-10-2014
1178
|
لقد حُدّ العالم بحدود لا تصحّ، فالأولى أن لا يحدّ العالم و العلم، فمن جملة ما حدّ العالم به أن قيل: «هو الذي يصحّ منه إحكام الفعل محقّقا أو مقدّرا، أو المختصّ بحال لأجلها يصحّ منه إحكام الفعل محقّقا أو مقدّرا». و هذا لا يصحّ.
وذلك لأنّ في العالمين من لا يصحّ منه إحكام
شيء لمكان كونه عالما، و ذلك كالعالم بذاته و توحيده، و عدله، فإنّه لا شكّ في
أنّه لا يتأتّى من هذا العالم- لعلمه هذا- إحكام شيء البتة. و كذا العالم
بالمفردات التي يتأتّى فيها الإحكام لا يتأتّى منه إحكام تلك المفردات لعلمه بها،
و إنّما يصحّ إحكامها منه إذا علم كيفية ترتيبها، فعلم أنّ من العالمين من لا يصحّ
منه الإحكام و بذلك ينتقض الحدّ.
وقد قيل: «العالم من له علم»، و هذا أيضا لا
يصحّ، لأنّه إذا سئل عن العلم وحده يقول: هو ما يوجب كون من قام به عالما. و هذا
على ما ترى تحديد كلّ واحد من اللّفظين بصاحبه، ثمّ و من العلمين من هو عالم لا
يعلم فينتقض به هذا الحدّ.
فظهر أنّ الأولى أن لا يحدّ العالم و العلم و
يحال المرء على ما يجده من نفسه من ثقته بالمشاهدات و بما علمه استدلالا مع صحّة
دليله عنده، فإنّه يفرّق بين حالته تلك و بين اعتقاده شيئا تقليدا أو تبحيثا، و
كذا يفصل بينها و بين ظنّه بشيء عند أمارته فالعالميّة مثل هذه الحالية.
وقيل:
العالم هو المتبيّن للشيء. وهذا إن ذكر على سبيل التحديد، لم يصحّ لأنّ العالم
أوضح عن المتبيّن، و قد ذكرت فيما خرج من التّعليق أنّ أحدنا عند ما يعلم أمرا من
الامور يجد نفسه معتقدة لذلك الأمر، مع سكون نفسه إليه، فالعالم هو من يكون على
مثل تلك الحالة، سمي بذلك أو لم يسمّ به. و هذا أيضا إشارة إلى وجدان العالميّة من
النفس، و ليس حدّا للعالم.
إذا تقرّر هذا فنقول: الدليل على أنّه تعالى
عالم هو أنّه قد فعل الأفعال المحكمة، و الفعل المحكم لا يتأتى إلّا من العالم.
فإن قيل: ما المعنيّ بالفعل المحكم؟ و لم قلتم
إنّه صدر منه تعالى الفعل المحكم؟ و لم قلتم إنّ الفعل المحكم لا يتأتّى إلّا من
العالم؟.
قلنا: أمّا المراد بالفعل المحكم، فهو الذي
يترتّب ترتّبا مطابقا للمنفعة، كالكتابة و النساجة وغيرهما.
وإنّما قلنا: فعل تعالى الأفعال المحكمة، نظرا
منّا إلى جملة العالم و تفاصيله.
ألا ترى إلى خلقه السماوات و ما رتّب فيها، من
الكواكب و الشّمس و القمر و مجاريها و بعد الشّمس من الأرض و قربها اللّذين يتعلّق
بهما اختلاف الفصول، من الرّبيع و الخريف والصّيف والشّتاء، ولا يخفى تعلّق
المنافع و المصالح باختلاف هذه الفصول. وكذلك القول في الأرض وما فيها من أنواع
النّبات و الحشائش الّتي ينتفع بها أنواع الحيوانات. و كذلك خلقه الحيوانات على
اختلاف بناها و أشكالها و آلاتها و حواسّها الّتي بها تتوصّل إلى منافعها التي لو
لم تكن لما مكّنها التوصّل إلى تلك المنافع.
وإنّما قلنا: إنّ الفعل المحكم لا يتأتّى إلّا
من عالم، لانّه إذا كان المحكم هو الفعل المترتّب على ما ذكرناه و التّرتب يرجع إلى
تقديم بعضه و تأخّر البعض، وما كان كذلك لا يمتنع أن يكون المؤخّر مقدّما، و
المقدّم مؤخّرا فلا يمكن تحصيله بمجرّد الاقتدار، و إلّا كان يجب أن يصحّ من كلّ
قادر، و المعلوم خلافه.
فإن قيل:
بم تنكرون على من قال إنّ اللّه تعالى خلق الجواهر متفرّقة، و إنّما رتّبها غيره،
فلا يدلّ ذلك على انّه تعالى عالم، و إنّما يدلّ على أنّ ذلك الغير عالم.
قلنا: لو كان المرتّب [لهذه الأفعال المحكمة
غير اللّه تعالى، لكان لا يخلو من أن يكون موجبا أو مختارا فإن كان موجبا لم يخل]
من أن يكون واحدا أو أكثر من واحد. لا يجوز أن يكون واحدا، لأنّ بنية الحيوان فيها
امور كثيرة متضادّة و مختلفة، فلا يجوز صدورها عن موجب واحد و إذا كانت موجبات كثيرة
وجب أن تقع مترتّبة حتّى تقع موجباتها أيضا مترتّبة، و ترتيبها يكون إحكاما فيها،
فيدلّ على علم مرتّبها، و إن كان مختارا فلا بدّ من أن يكون عالما قادرا حيّا.
فإذا كان كذلك فلا بدّ من فاعله من أن يكون
قادرا عالما، لأنّ من لا يكون عالما، لا يمكنه أن يجعل غيره عالما.
وقد استدلّ بعض المتأخّرين على كونه عالما
بالفعل الواحد بأن قال:
لا يحصل الفعل من القادر إلّا لداع. و ذلك لأنّ
القادر يقدر على مقدورات عدّة و كلّ واحد منها جائز الوجود منه على حدّ سواء، فإذا
أوجد بعض مقدوراته لا بدّ أن يكون وجوده لداع دعاه إليه على ما تكرّرت الإشارة
إليه، و إلّا لم يكن بأن يوجده أولى من أن يكون لا يوجد غيره.
إذا ثبت هذا قال: فمن المعلوم أنّ الدّاعي لا
يدعوه إلّا إلى ما علم القادر حقيقته و تصوّره. كمن يعلم حقيقة الحركة فيدعوه الدّاعي
إلى إيجاد ما يطابقها. وذلك لأنّ الظّنّ لا يتعلّق بالحقائق و المعاني المفردة وإنّما
يتعلّق بإضافة معقول إلى معقول، ونفي إضافة معقول إلى معقول. و هذا موجود في
أنفسنا بالتجربة، لأنّا لو أردنا أن نظنّ جنسا آخر لتعذّر علينا، فعلى هذا الجزء
الواحد من الفعل يدلّ على علم فاعله بهذا التّدريج، وهذا قريب.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|