أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-7-2019
1612
التاريخ: 2024-07-31
469
التاريخ: 2024-07-31
440
التاريخ: 2024-07-31
409
|
من القواعد المسلمة التي لم يقع فيها خلاف في الجملة قاعدة الطهارة ، ولئن كان هناك تشكيك فهو في سعتها وحدودها لا في أصلها.
ولم يبحثها الاعلام بشكل تفصيلي ومستقل بل يمرون عليها مرّ الكرام.
فمثلا السيد اليزدي في العروة الوثقى بعد ان أنهى استعراض النجاسات ذكر في المسألة الثانية ما نصّه : «كل مشكوك طاهر سواء كانت الشبهة لاحتمال كونه من الأعيان النجسة أو لاحتمال تنجسه مع كونه من الأعيان الطاهرة» واكتفى الاعلام في مقام التعليق بأن قاعدة الطهارة مسلمة لموثقة عمّار وغيرها من دون فرق بين أقسام الشبهة ، والحال ان صاحب الحدائق في المقدّمة الحادية عشرة أشار الى وجود خلاف في الشبهة الحكمية كما سيأتي إن شاء الله توضيحه.
واذا كان للفقه قواعد تدور عليها رحاه فمن تلك قاعدة الطهارة.
والكلام عنها يقع ضمن النقاط التالية :
١ ـ مضمون القاعدة.
٢ ـ مدرك القاعدة.
٣ ـ عموم القاعدة للشك في النجاسة الذاتية.
٤ ـ عموم القاعدة لمورد استصحاب النجاسة.
٥ ـ شمول القاعدة لموارد الشبهة الحكمية.
٦ ـ قاعدة الطهارة حكم ظاهري أو واقعي.
٧ ـ شرطية الطهارة أو مانعية النجاسة.
٨ ـ تطبيقات.
١ ـ مضمون القاعدة :
ان مضمون القاعدة واضح ، وهو الحكم بطهارة كل شيء يشك في طهارته وتحتمل نجاسته بنحو الحكم الظاهري المغيى بالعلم بالنجاسة ، فمتى ما تحقق العلم بالنجاسة ارتفع الحكم بالطهارة ومتى لم يتحقق لم يرتفع وكان باقيا.
إذن ليس المقصود الحكم على الأشياء بالطهارة في مرحلة الواقع بل الحكم عليها بذلك في مرحلة الظاهر ، أي ما دام لا يعلم بالطهارة والنجاسة واقعا ، ومتى ما علم اما بالطهارة واقعا أو بالنجاسة واقعا كان المدار على ذلك العلم دون قاعدة الطهارة.
٢ ـ مدرك القاعدة :
يمكن الاستدلال على القاعدة المذكورة بأمور أربعة :
١ ـ التمسك بموثقة عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام : «كلّ شيء نظيف حتى تعلم انّه قذر ، فاذا علمت فقد قذر ، وما لم تعلم فليس عليك» [١].
ودلالتها واضحة.
وهي أهم ما يمكن التمسّك به.
٢ ـ التمسّك ببعض الروايات الخاصة التي قد يتصيد من مجموعها القاعدة الكلية.
من قبيل معتبرة حمّاد بن عثمان : «الماء كلّه طاهر حتى يعلم انّه قذر» [٢].
وموثقة حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام : «ما ابالي أبول أصابني أو ماء إذا لم أعلم» [٣] ، فان قوله : «إذا لم أعلم» يدل على كفاية الشك وعدم العلم في الحكم بالطهارة ، وهذا ليس الا عبارة اخرى عن مضمون قاعدة الطهارة.
وصحيحة علي بن جعفر : «سألته عن الفأرة والدجاجة والحمام وأشباهها تطأ العذرة ثم تطأ الثوب أيغسل؟ قال : ان كان استبان من أثره شيء فاغلسه وإلاّ فلا بأس» [٤] ، فان الحكم بعدم وجوب الغسل عند عدم الاستبانة لا وجه له إلاّ الاستناد الى قاعدة الطهارة.
وفي موثقة عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام : «رجل يجد في انائه فأرة وقد توضأ من ذلك الاناء مرارا أو اغتسل منه أو غسل ثيابه وقد كانت الفأرة متسلخة فقال : ان كان رآها في الاناء قبل ان يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثم يفعل ذلك بعد ما رآها في الاناء فعليه ان يغسل ثيابه ويغسل كلّ ما أصابه ذلك الماء ويعيد الوضوء والصلاة ، وان كان انّما رآها بعد ما فرغ من ذلك وفعله فلا يمس من ذلك الماء شيئا وليس عليه شيء لأنّه لا يعلم متى سقطت فيه.
ثم قال : لعلّه ان يكون انّما سقطت فيه تلك الساعة التي رآها» [5] فان ابراز احتمال السقوط تلك الساعة انّما ينفع بناء على تمامية قاعدة الطهارة. إلى غير ذلك من الروايات الخاصة.
والاستدلال بالروايات الخاصّة المذكورة على قاعدة الطهارة يتم بشرطين : الغاء خصوصية المورد بتنقيح المناط وإلاّ بقيت خاصة بموردها ، وانحصار المستند في الحكم بالطهارة بقاعدة الطهارة وعدم وجود مدرك آخر كاستصحاب الطهارة.
ولئن تم الشرط الأوّل فالثاني غير تام لاحتمال أن يكون حكم الامام عليه السلام بالطهارة في رواية «الماء كلّه طاهر حتّى ...» مستندا الى استصحاب طهارة الماء الثابتة في بداية تولده.
وان يكون عدم مبالاة أمير المؤمنين عليه السلام في الرواية الثانية مستندا الى استصحاب الطهارة الثابتة قبل احتمال اصابة البول. وان يكون عدم لزوم الغسل عند عدم استبانة شيء من الأثر في الثوب مستندا الى استصحاب طهارة الثوب أو عدم اصابة النجاسة له [6].
وان يكون عدم غسل الثياب في موثقة عمّار مستندا الى استصحاب طهارة الماء ما دام لم يتيقّن بوقوع الفأرة فيه من البداية.
ثم انّه لو تنزلنا وسلّمنا بتمامية الشرطين المتقدّمين ومن ثمّ تسليم امكان اقتناص قاعدة الطهارة من الموارد المذكورة فيمكن أن يقال ان المستفاد من الموارد المذكورة ثبوت قاعدة الطهارة في الجملة ولا يمكن استفادة التعميم لموارد الشك في الطهارة بنحو الشبهة الحكمية أو لموارد الشك في النجاسة الذاتية ، وهذا بخلافه على المستند الأوّل فانّه يمكن التمسك باطلاقه.
٣ ـ التمسك بدعوى ان عادة الشارع قد جرت على بيان النجاسات ولم تجر على بيان الامور الطاهرة ، فهو يقول : هذا نجس أو ذاك نجس ، ولا يقول : هذا طاهر أو ذاك طاهر فان بيان الامور الطاهرة غير ممكن لعدم انحصارها بخلاف الامور النجسة.
ونظير هذا ما قيل في باب اصالة البراءة من ان عادة الشارع قد جرت على بيان المحرمات دون المباحات ، فمن عدم بيانه لحرمة شيء يفهم كونه مباحا ، وهكذا الحال في المقام.
بل ان الشك في النجاسة يرجع أحيانا إلى الشك في الحرمة ـ كما لو اريد أكل شيء مشكوك النجاسة ـ فيجري أصل البراءة بلا حاجة الى اجراء أصل الطهارة.
وإذا اريد الصلاة أو الطواف في الشيء المشكوك أمكن اجراء البراءة عن تقيد الصلاة الواجبة والطواف الواجب بعدم لبس المشكوك ، المثبت ، إذ لا دليل شرعي يدلّ على أنّ النجاسة إذا كانت باقية في رجل الحيوان فهي مصيبة للثوب وانّما ذلك ثابت بالملازمة العادية.
كما هو الحال في لبس ما يشك في كونه من أجزاء ما لا يؤكل لحمه ، فكما تجري البراءة عن تقيد الصلاة أو الطواف بعدمه ـ باعتبار ان المانعية انحلالية بعدد افراد المانع ، والصلاة مقيّدة بعدم كل واحد من الموانع ، والشك في نجاسة المشكوك شك في حدوث مانع جديد ومن ثمّ شك في حدوث تقييد جديد ، وأصل البراءة يقتضي عدمه ـ كذلك تجري في المقام.
هذا هو المدرك الثالث.
وهو وان كان وجيها ولكنّه خاص بما إذا كان الشك في الطهارة بنحو الشبهة الحكمية بأن شك في ان العصير العنبي إذا غلى هل حكم الشارع عليه بالنجاسة أو لا ، والأرنب هل حكم الشارع عليه بالنجاسة أو لا ، وهكذا ، ولا يتم في الشبهات الموضوعية ، كما لو شك في ان هذا الثوب طاهر أو نجس وذاك الماء طاهر أو نجس ، وهكذا.
٤ ـ التمسك بالاستصحاب بأن يقال ان النجاسة نشك في جعلها للشيء المشكوك ، ومقتضى الأصل عدم جعلها.
وهذا الطريق ينفع في الموارد التي تكون النجاسة فيها مانعا دون الموارد التي تكون فيها الطهارة شرطا فانّه بالأصل يمكن نفي مانعية النجاسة ولا يمكن اثبات شرطية الطهارة.
هذه مدارك أربعة لإثبات قاعدة الطهارة ، والمهم منها كما عرفنا هو الأوّل.
واما التسالم فلا يمكن الاستناد إليه لاحتمال مدركيته بل يجزم بذلك.
الاشكال في سند موثقة عمّار :
عرفنا ان المدرك المهم لقاعدة الطهارة هو موثقة عمار. والموثقة المذكورة طويلة ولم تذكر في الوسائل مجموعة بل ذكرت مقطّعة في أبواب مختلفة وانما ذكرت مجموعة في التهذيب [7] وذكر في آخرها الجملة المتقدّمة : «كلّ شيء نظيف ...».
وذكرت قطعة منها في الاستبصار [8] من دون أن تشتمل على الجملة المتقدّمة.
كما ذكرت قطعة منها في الكافي [9] من دون أن تشتمل على ما ذكر.
وذكرت بشكل مرسل في الفقيه [10] من دون أن تشتمل على ما ذكر أيضا.
اذن ما يشتمل على الجملة المذكورة ليس إلاّ التهذيب. واذا لا حظنا سند الرواية فيه وجدناه بالشكل التالي : محمّد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمّار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام.
ولا مشكلة في رجال السند بل كلّهم ثقات ما خلا أحمد بن يحيى المتوسط بين محمد بن أحمد بن يحيى وأحمد بن الحسن فانه لم يعرف من هو.
ويوجد بهذا الاسم أشخاص بعضهم ثقة وبعضهم ليس كذلك.
وهذا الشخص «أحمد بن يحيى» موجود في سند التهذيب فقط ولا يوجد في سند الاستبصار والكافي. ولكن ذلك غير مجد بعد عدم وجود الجملة المطلوبة فيهما.
ويمكن التغلب على المشكلة المذكورة بأن السند المذكور ـ محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمّار ـ قد تكرّر من الشيخ في التهذيب والاستبصار عشرات المرّات [1١] وفي الكل ذكر من دون توسط أحمد بن يحيى بين محمد بن أحمد بن يحيى وأحمد بن الحسن وانّما ذكر متوسطا فقط في هذا المورد لا غير ، وهذا ممّا يحصّل الاطمئنان بأن ذكره قد حصل اشتباها.
وبهذا البيان نفسه يمكن التغلب على المشكلة لو قيل بأن جامع أحاديث الشيعة قد أشار الى ان بعض نسخ التهذيب قد ذكر فيها الشخص المتوسط باسم «محمد بن يحيى» بدل «أحمد بن يحيى» ، ومحمد بن يحيى هو المعاذي شيخ محمد بن أحمد بن يحيى ، وهو ممّن لم يوثق بل قد استثني من رجال نوادر الحكمة.
ان الجواب عن ذلك : ان محمد بن يحيى وان كان شيخا لمحمد بن أحمد ويروي عنه إلاّ انّه يمكن حصول الاطمئنان بأن ذكره هنا قد حصل اشتباها لنفس ما ذكر سابقا خصوصا وانا لو رجعنا الى الموارد التي يروي فيها محمد بن أحمد عن محمد بن يحيى لوجدنا ان محمد بن يحيى لا يروي عن أحمد بن الحسن بل كل مورد ذكر فيه أحمد بن الحسن فهو متصل بمحمد بن أحمد بن يحيى من دون توسط شخص بينهما.
٣ ـ عموم القاعدة للشك في النجاسة الذاتية :
النجاسة المشكوكة تكون عارضة تارة وذاتية اخرى. فاذا شككنا في تنجس الماء أو الثوب أو البدن وما شاكل ذلك بملاقاة البول ونحوه كان ذلك شكّا في النجاسة العارضة ، اما إذا شككنا في نجاسة الحديد أو الخمر أو الكافر وما شاكل ذلك كان ذلك شكّا في النجاسة الذاتية إذ شكنا في النجاسة لم يحصل من جهة احتمال طرو نجاسة عارضة بل لاحتمال كون الشيء نجسا في نفسه.
ولم يطرح في الكلمات تشكيك في عموم القاعدة لكلا النحوين إلاّ انّه قد يشكك في شمولها للشك في النجاسة الذاتية ويبرز احتمال اختصاصها بالشك في النجاسة العارضة بتقريب ان من المحتمل كون كلمة «قذر» فعلا ماضيا ، والمعنى : كل شيء نظيف حتى تعلم انّه تقذر ، وبناء عليه تختص القاعدة بالأشياء التي يحتمل طرو القذارة عليها بعد ان لم تكن قذرة في نفسها.
ويكفي مجرد ابراز هذا الاحتمال لصيرورة الرواية مجملة وسقوطها عن قابلية الاستدلال بها في موارد الشك في النجاسة الذاتية.
وفيه : ان المقابلة لكلمة «نظيف» تستدعي أن تكون كلمة «قذر» اسما لا فعلا، بمعنى ان المتكلم لو كان يقصد الفعلية احتاج ذلك الى تحريك للحروف بشكل ملفت للسامع ـ قذر ـ بحيث لو كان ذلك ثابتا حقّا لنقله الراوي لنا تحفّظا منه على نقل كل ما هو ملفت للسامع.
٤ ـ عموم القاعدة لمورد استصحاب النجاسة :
حالة المشكوك سابقا تارة يفرض هي الطهارة ويشك في عروض النجاسة عليه بعد ذلك ، واخرى يفرض العكس ، بأن تكون حالته السابقة هي النجاسة ثم يشك في عروض الطهارة عليه ، وثالثة يفترض الجهل بالحالة السابقة.
اما الحالة الاولى والثالثة فهما القدر المتيقن من مورد قاعدة الطهارة. واما الحالة الثانية ـ والتي هي مورد لاستصحاب النجاسة ـ فقد يشك في شمول القاعدة لها ، كما لو فرض ان الماء المتغيّر بالنجاسة زال تغيّره من قبل نفسه ، أو فرض ان ثوبنا المتنجس شككنا قد غسل وطهّر أو لا.
ومنشأ التشكيك ما أشرنا اليه في البحث السابق ، فان من المحتمل كون كلمة «قذر» فعلا ، أي كل شيء طاهر حتى تعلم انه قد تقذر ، وواضح انه في مقامنا حيث يعلم ان الشيء قد تقذر سابقا فيلزم أن لا يكون محكوما عليه بالطهارة.
والجواب : ما أشرنا إليه سابقا.
وقد تقول : ما هي الثمرة لهذا البحث بعد عدم امكان التمسّك بقاعدة الطهارة عند كون الحالة السابقة هي النجاسة باعتبار ان استصحاب النجاسة مانع بالاتفاق من التمسك بقاعدة الطهارة؟
وفيه : ان الثمرة تظهر فيما اذا لم يمكن جريان الاستصحاب من جهة المعارضة ، كما لو فرض ان الشيء قد طرأت عليه سابقا حالتان الطهارة والنجاسة ولا يميّز المتقدّم عن المتأخّر فان الاستصحاب حيث لا يمكن جريانه للمعارضة فيبقى المجال مفتوحا لقاعدة الطهارة فتجري بناء على شمولها لموارد النجاسة المعلومة سابقا وإلاّ فلا.
ثم انّه قد يقال بأن قاعدة الطهارة لو كانت تشمل موارد اليقين بالنجاسة سابقا فلما ذا علل الامام عليه السلام في صحيحة عبد الله بن سنان ـ الواردة فيمن أعار ثوبه الذمي وهو يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير ـ عدم وجوب تطهير الثوب عند استرجاعه بقوله : «انّك أعرته إيّاه وهو طاهر ولم تستيقن انّه نجسه» [12] ، ان التعليل بكون الحالة السابقة هي الطهارة لا داعي له بعد جريان قاعدة الطهارة في موارد النجاسة السابقة بل المناسب التعليل بأنك ما دمت تشك في نجاسته بالفعل فاحكم بطهارته بلا حاجة الى ملاحظة حالته السابقة لأن في ملاحظتها اعمالا لعناية زائدة لا حاجة اليها.
وهكذا الكلام يأتي في صحيحة زرارة الثانية المذكورة في باب الاستصحاب حيث ان الامام عليه السلام علل عدم وجوب اعادة الصلاة في حق من ظن اصابة النجاسة لثوبه قبل الصلاة ثم رآها بعد الصلاة بقوله : «لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا» [13] فان اصالة الطهارة لو كانت تجري مع كون الحالة السابقة هي النجاسة فلا وجه لأخذ اليقين بالطهارة السابقة بعين الاعتبار.
وفيه : ان أقصى ما يدل عليه العدول الى الاستصحاب انّه مع وجود حالة سابقة معلومة لا تصل النوبة الى قاعدة الطهارة ، ولعل ذلك ليس من جهة عدم وجود المقتضي لها بل من جهة وجود الحاكم وهو الاستصحاب.
٥ ـ شمول القاعدة لموارد الشبهة الحكمية :
الشك في الطهارة والنجاسة تارة يكون بنحو الشبهة الحكمية ـ بمعنى كون الشك متعلقا بالحكم الشرعي الكلي كما اذا شك في تنجس الماء المضاف البالغ كرا أو اكرارا بملاقاة النجاسة له بمقدار رأس الابرة ـ واخرى بنحو الشبهة الموضوعية ، بمعنى كون الشك متعلّقا بالموضوع والحكم الجزئي ، كما لو حكمنا بتنجس المضاف بملاقاة النجاسة القليلة له ولكن شككنا في تحقق الملاقاة وعدمها.
وقد نقل في المقدّمة الحادية عشرة من المقدّمات المذكورة في بداية الحدائق ان الأمين الأسترآبادي في فوائده المدنية قد اختار عدم جريان القاعدة إذا كان الشك بنحو الشبهة الحكمية ومال الشيخ يوسف نفسه الى ذلك.
واستدل له بان المتيقن من الموثقة ان احتمال اصابة النجاسة للشيء الطاهر لا يعتنى له دفعا للوساوس الشيطانية والشكوك النفسانية ، وامّا تطبيقها في حالات الجهل بالحكم الشرعي فلا يخلو من الاشكال والجرأة [14].
وفيه : ان اطلاق الموثقة حجة تنتفي معه الجرأة والاشكال.
٦ ـ قاعدة الطهارة حكم ظاهري أو واقعي :
المعروف لدى الأصحاب ان قاعدة الطهارة تثبت طهارة ظاهرية عند الشك.
هذا ولكن صاحب الحدائق اختار كون الطهارة واقعية لا ظاهرية [15] ، بمعنى ان من لا يعلم بكون الشيء نجسا واقعا فهو طاهر في حقّه واقعا لا ظاهرا فقط.
ويترتب على ذلك ان من تناول النجس وهو لا يعلم بنجاسته ثم اطلع على ذلك فلا يلزمه تطهير فمه وملابسه وبدنه لأن ذلك النجس محكوم بالطهارة واقعا فترة عدم العلم.
واستدل قدس سره على ذلك بلزوم العسر والحرج ومخالفة ظواهر الأخبار لو كان المجهول نجسا واقعا.
هذا مضافا الى التمسك بظاهر قوله عليه السلام : «فاذا علمت فقد قذر» الدال على ان القذارة تثبت عند العلم بها.
وكان من المناسب ان يتمسّك بظاهر قوله عليه السلام : «كل شيء نظيف» فان كل وصف اخذ في القضية يحمل على إرادة الواقع منه دون الظاهر ، خصوصا ان المقابلة في المقام تستدعي ذلك أيضا فان وصف القذر حيث يراد به القذر واقعا فالمناسب ان يراد من وصف النظيف ذلك أيضا.
وفيه :
أ ـ ان الموثقة قالت : «حتى تعلم انّه قذر» ، وهذا يدل على ان الشيء قذر واقعا والعلم يتعلّق بما هو قذر واقعا ، واذا كان الشيء قذرا واقعا فكيف يحكم عليه بكونه نظيفا واقعا ، انه تناقض واضح.
أجل لو كانت كلمة «قذر» ملحوظة بنحو المرآتية الى الأعيان النجسة ـ بأن كان المقصود منها الاشارة الى البول والمني مثلا ـ لم يتحقّق بذلك تناقض ولكن حمل الوصف المذكور على ذلك خلاف الظاهر ، خصوصا ان كلمة «نظيف» لم يقصد منها المرآتية فمن المناسب ان لا يقصد ذلك من كلمة «قذر» أيضا.
ب ـ ان لازم كون الحكم بالطهارة واقعيا ان الدم مثلا طاهر واقعا في حق شخص وهو الشاك ونجس واقعا في حق آخر وهو العالم ، والتفكيك الواقعي المذكور خلاف ما هو المرتكز لدى المتشرعة.
ج ـ ان الموثقة قالت بعد ذلك «وما لم تعلم فليس عليك شيء» ولم تقل : وما لم تعلم فليس بقذر ، وهذا ممّا يدل على ان القذارة قد تكون ثابتة واقعا ولكنّها ليست منجزة على المكلف ما دام لا يعلم بها.
د ـ ان للرأي المذكور لازما لا يمكن الالتزام به ، وهو ان قطرة بول لو أصابت ماء قليلا مثلا ولم نعلم بالاصابة حين تحققها بل بعد فترة فلا يحكم عليه بالتنجس لا قبل الالتفات الى الاصابة ولا بعد ذلك.
اما عدم التنجس قبل الالتفات فلأجل ان قطرة البول آنذاك طاهرة واقعا فلا تكون موجبة للتنجس.
واما عدم التنجس بعد ذلك فلأنّه بعد الالتفات لا تتحقق اصابة جديدة للبول ، بل ان الاصابة قبل ذلك كانت اصابة للطاهر الواقعي وبعد ذلك لا اصابة جديدة لتوجب التنجس ، ومن ثمّ يلزم جواز شرب ذلك الماء وغسل الثياب المتنجسة به حتى بعد الالتفات.
٧ ـ شرطية الطهارة ومانعية النجاسة :
هناك كلام في ان الامور المشروطة بالطهارة كالصلاة وغيرها هل تكون الطهارة فيها شرطا أو ان النجاسة مانع؟
ربما يظهر من السيّد الخوئي في مصباح الاصول [16] عند بحثه عن دلالة الصحيحة الثانية لزرارة على حجية الاستصحاب عدم الثمرة في النزاع المذكور.
وربما يوجّه ذلك بأن اصالة الطهارة بناء على تماميتها تثبت الطهارة إذا كانت شرطا وتنفي النجاسة إذا كانت مانعا ، ومعه فلا ثمرة من هذه الناحية.
وفيه : ان بالامكان تصور الثمرة في موارد تقدّمت الاشارة الى بعضها. فمثلا في موارد الشك في النجاسة الذاتية إذا قلنا بعدم شمول قاعدة الطهارة لمثلها فباستصحاب عدم تشريع النجاسة يمكن نفي المانع وهو النجاسة ومن ثمّ تجوز الصلاة مع الشيء المشكوك ويجوز تناوله ، بينما بناء على شرطية الطهارة لا يمكن احراز الشرط بالاستصحاب ومن ثمّ لا تجوز الصلاة معه ولا تناوله فان استصحاب العدم ينفي تشريع الطهارة ولا يثبتها.
واذا سألت : أي واحد من الاحتمالين هو الصحيح فهل الطهارة شرط أو النجاسة مانعة؟ كان الجواب : ان تحقيق ذلك يقع على ذمّة الفقه عند البحث عن شرطية الطهارة في الصلاة أو جواز التناول.
٨ ـ تطبيقات :
١ ـ كيف يمكن توجيه جواز تناول الأدوية المستوردة من بلاد الكفّار؟
٢ ـ هل يجوز تناول الحليب ومشتقاته إذا استورد من بلاد الكفار؟ وما الفرق بينه وبين اللحوم التي لا يجوز تناولها؟
٣ ـ يسأل بعض من يذهب الى البلاد الكافرة عن ان مقاعد السيارات أيّام الشتاء تكون مبللة فهل يحكم بتنجسها؟
٤ ـ قد يذهب الشخص الى المرافق لقضاء الحاجة ويجد الماء واقفا على الأرض فما حكم ذلك الماء؟
٥ ـ إذا شك في اعتبار تعدد الغسل في الثوب المتنجس أو شك في اعتبار العصر فعند غسله مرّة أو بدون عصر سوف يشك في حصول الطهارة له فهل يمكن التمسك آنذاك بقاعدة الطهارة؟
٦ ـ إذا كان عندنا اناءان علمنا بوقوع النجاسة في احدهما فتارة يفترض ان الحالة السابقة في كليهما مجهولة واخرى يفرض كونها معلومة وثالثة يفترض كونها معلومة في احدهما مجهولة في الآخر.
والسؤال هل يمكن التمسّك بقاعدة الطهارة في الحالات المذكورة؟
______________
[١] وسائل الشيعة باب ٣٧ من أبواب النجاسات حديث ٤.
[٢] المصدر السابق باب ١ من أبواب الماء المطلق حديث ٥.
[٣] المصدر السابق باب ٣٧ من أبواب النجاسات حديث ٥.
[٤] المصدر السابق حديث ٣.
[5] وسائل الشيعة باب ٤ من أبواب الماء المطلق حديث ١.
[6] ولا يعارض استصحاب عدم اصابة النجاسة للثوب باستصحاب بقاء النجاسة في رجل الحيوان إلى حين الاصابة.
والوجه في عدم المعارضة : أنّ الغرض من استصحاب بقاء النجاسة في رجل الحيوان ان كان مجرّد إثبات بقاء النجاسة في رجل الحيوان ولو لم تكن مصيبة للثوب فذلك لغو وبلا فائدة ، وان كان الغرض من ذلك إثبات تحقّق اصابة النجاسة للثوب فذلك لا يتمّ إلاّ بناء على حجيّة الأصل .
[7] تهذيب الأحكام ١ : ٢٨٤.
[8] الاستبصار ١ : ٢٥.
[9] فروع الكافي ٣ : ٩.
[10] من لا يحضره الفقيه ١ : ١٠.
[١1] كما في الجزء الأوّل من التهذيب حديث رقم ١٠١١ ، ١٣٥٢ ، ١٣٧٣ ، والتهذيب ، الجزء الثاني حديث ١٤٢١ ، ١٤٦٦ ، ١٥٤٨ ، والتهذيب ، الجزء الثالث حديث ٤٦٠ ، ٤٧٠ ، ٧٠١ ، ٧٨٨ ، ٨٣٤ ، ٨٣٦ ، ٨٧٢ ، ... ويدعم ذلك أيضا ان سند الاستبصار والكافي لا يشتمل على الشخص المتوسط المذكور.
[12] وسائل الشيعة باب ٧٤ من أبواب النجاسات حديث ١.
[13] وسائل الشيعة باب ٤٢ حديث ٢.
[14] الحدائق الناضرة ١ : ١٣٥.
[15] المصدر نفسه : ١٣٦.
[16] ٣ : ٥٥.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|