التوجه العالمي نحو اقتصاد المعرفة 

تعد السعودية ومصر من أوائل الدول العربية التي حاولت وضع خطط وطنية متكاملة تهدف إلى امتلاك العلم والمعرفة ، وذلك بالاستفادة من تقنيات المعلومات. ففي عام 1990 عُقدَ المؤتمر الوطني الثاني عشر للحاسب الآلي في جامعة الملك سعود ، واختير الموضوع الرئيسي للمؤتمر بعنوان "التخطيط للمجتمع المعلوماتي"  عرض فيه العديد من الدراسات والبحوث التي تبرز الخطط والتصورات المستقبلية عن الدور المتوقع للجهات العامة والخاصة أن تقوم به في عملية الانتقال بالمملكة العربية السعودية إلى عصر المعلومات. وفي مصر بذلت العديد من الجهود في ذلك الاتجاه نتج عنها وضع الإطار العام للخطة القومية للمعلومات في مصر الذي عرض ونوقِش في ندوة عقدت في عام 1997 ، بهدف التطوير السريع للموارد البشرية المصرية التي تستطيع التعامل وإنتاج تقنيات المعلومات والاستثمار فيها، وبناء البنية الأساسية اللازمة لذلك، ومع ذلك فيمكننا عند بداية الألفية الجديدة انطلاقة التوجه الجدي للدول العربية نحو وضع استراتيجيات وخطط مستقبلية للاستفادة من تكنولوجيا المعلومات والتطبيقات المعرفية في التنمية من خلال التعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية والوطنية.

فقد جاءت أهداف الألفية التي وضعت في إطار الأمم المتحدة بحيث يجب تحقيقها بحلول عام 2015 والتي التزمت بها الدول المنضمة إليها ومن ضمنها الدول العربية، لتضع الخطوة الأولى نحو توجهها نحو الاعتماد على المنتجات المعرفية، ومن تلك الأهداف إقامة شراكة عالمية من أجل التنمية تتضمن المضي في إقامة نظام تجاري ومالي يتسم بالانفتاح ، والتعاون مع القطاع الخاص لإتاحة فوائد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. كما تعهدت الدول العربية بالعمل نحو تحقيق مجتمع المعلومات من خلال القمة العالمية لمجتمع المعلومات، وهي قمة لزعماء العالم بهدف تسخير إمكانات الثورة الرقمية في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لخدمة البشرية، وهي تمثل عملية تعددية حقيقية لأصحاب المصلحة الذين يشملون الحكومات والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني ، وهدف هذه القمة هو بناء مجتمع معلومات جامع هدفه الإنسان ويتجه نحو التنمية ، مجتمع يستطيع كل فرد فيه استخدام المعلومات والمعارف والنفاذ إليها واستخدامها ، وتقاسمها ويتمكن فيه الأفراد والمجتمعات والشعوب من تسخير كامل إمكانياتهم للنهوض بتنميتهم المستدامة ولتحسين نوعية حياتهم . وهو ما تعهد به ممثلو شعوب العالم في مرحلة تونس من القمة عام 2005 بالالتزام ببناء مجتمع المعلومات الذي يتسنى فيه النفاذ للمعلومات والمعارف للجميع ، واستعمالها وتبادلها ، والعمل على متابعة سد الفجوة الرقمية بين الدول.

أما على مستوى المنظمات العربية فقد حددت قرارات القمم العربية ومؤتمرات وزراء الاتصالات العرب الاستراتيجية العربية العامة لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات " بناء مجتمع المعلومات 2007- 2012 " التي أقرت في قمة دمشق؛ وذلك ببناء مجتمع معلومات عربي متكامل من خلال تعظيم الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وإقامة صناعة عربية في هذا المجال لدعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة من خلال خلق سوق تنافسي لمجتمع المعلومات العربي، وتطوير البنية التحتية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وتنمية صناعة وخدمات المحتوى الرقمي العربي، وتحقيق النفاذ الشامل، وتحسين جودة الخدمات باستخدام تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، وتنمية خدمات الحكومة الالكترونية وبناء القدرات وتنميتها باستخدام التعليم والتدريب الالكتروني .  

كما تدعم المنظمات الإقليمية التوجهات العربية مثل مجلس التعاون الخليجي الذي أقام مؤتمر الصناعات المعرفية وتقنيات النانو عام 2008 في الدوحة، جرت فيه مناقشة الصناعات المعرفية في دول مجلس التعاون الخليجي والتحديات المستقبلية والخطط الاستراتيجية للصناعات المعرفية واستخدامات تقنية النانو، وتحديد خطة استراتيجية لدول مجلس التعاون الخليجي بهدف نشر الصناعات المعرفية فيها.

أما على الصعيد الوطني فقد بدأت الدول العربية بترجمة تلك التوجهات عن طريق البنية التشريعية والقانونية، وإقامة المراكز البحثية والتخصصية، وإنشاء المدن المعرفية و الحاضنات والحدائق التكنولوجية. ففي السعودية أقيمت مدينة المعرفة الاقتصادية بالمدينة المنورة التي تحظى بمكانة وأهمية اقتصادية خاصة، لأنها ستضع المملكة في مرتبة قيادية رائدة على مستوى العالم في الصناعات المعرفية، حيث تقدر تكلفة إنشاء هذه المدينة ب 25 مليار ريال، وستوفر 20 ألف وظيفة للمواطنين، وبهذا تكون أول مدينة من نوعها قائمة على الصناعات المعرفية في البلاد ، ورابع مدينة اقتصادية ضمن خطة الهيئة العامة للاستثمار الهادفة إلى توطين رؤوس الأموال السعودية واجتذاب الاستثمارات من مختلف أنحاء العالم، والإسهام في إحداث طفرة حضارية في المدينة المنورة .

أما في مصر فقد بدأت ترجمة التوجهات العملية من خلال التجربة المصرية للحاضنات التي جاءت على غرار التجربة الأمريكية؛ وذلك بإقامة هيئة مركزية تقوم بالتخطيط والتنسيق والتنفيذ على المستوي القومي ، وذلك بالشكل الذي يضمن تعظيم وتنمية الموارد البشرية والأطر التي يمكن أن تقوم بإقامة هذه الحاضنات وإدارتها. لذا فقد تم تكوين الجمعية المصرية لحاضنات الأعمال من نخبة من كبار رجال الأعمال وعدد من الوزراء السابقين وأصحاب الخبرات الطويلة في إقامة الشركات الناجحة وإدارتها ، وتم إشهار الجمعية في يوليو عام 1995 ، بهدف دعم رواد الأعمال والمشروعات الصغيرة ومساندتهم في تصميم وتنفيذ آليات تسمح بتقديم الخدمات الاستشارية ، والفنية والإدارية التمويلية والتسويقية لرواد الأعمال ومشروعاتهم ،

وذلك من أجل خلق وتوفير مناخ مناسب لنمو المشروعات الصغيرة. هذا فضلاً عن قيام وزارة الاتصالات و المعلومات بإقامة أولى الحاضنات التكنولوجية المتخصصة في تكنولوجيا الاتصال في نهاية عام 2000 و التي تسمى  Ideaveloper

وذلك داخل القرية الذكية التي افتُتِحَت في محافظة الجيزة.

وفي إطار السعي الاستراتيجي لحكومة دبي للدخول في مجال الصناعات المعرفية، أُنشئَت مدينة دبي للإنترنت، بهدف جعل نصيب تلك الصناعات ما يقارب 25 % من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2010 ، مستفيدة من موقعها الذي يتوسط العالم ، ومن البيئة التشريعية والقانونية التي أرستها، ومن البنية التحتية والإنشائية المتطورة التي أقامتها، ومن الطلب المتنامي في المنطقة على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والذي أصبح سوقها السنوي يشكل قرابة 10 مليار دولار في منطقة دول الخليج العربي وحدها ، هذا فضلاً عن تجربة تونس والمغرب والبحرين وعمان التي قطعت شوطاً متقدماً على هذا الصعيد..

ولعل بدايات التجربة السورية في إحداث الحاضنات التكنولوجية تعود لإحداث المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا في عام 1983 ، بهدف إعداد أطر مؤهلة للبحث العلمي والتقني في جميع ميادين العلوم التطبيقية والتكنولوجيا لتسهم بفعالية في عملية التنمية العلمية والاقتصادية في القطر، يتألف المعهد من العديد من الأقسام قسم المعلوميات، وقسم النظم الالكتروميكانيكية، وقسم الاتصالات، يقوم كل قسم من أقسام المعهد بنشاطاته البحثية من خلال مجموعات عمل متخصصة تتكون من باحثين ومهندسين وفنيين لتنفيذ البحوث التطبيقية.

وتشمل نشاطات البحث والتطوير في المعهد أعمال التطوير الهندسي كتصميم البرمجيات الإدارية والمالية للمؤسسات العامة ، تصميم البرمجيات المساعدة في اتخاذ القرار، إنشاء الشبكات المعلوماتية، مشاريع المعالجة الحاسوبية للغة العربية ، مشاريع الطاقات المتجددة، وتهدف تلك النشاطات إلى الإسهام في تطوير البيئة التقانية محلياً وعلى مستوى المنطقة، فضلاً عن الإسهام في تحفيز الصناعة المحلية واستشراف احتياجاتها ومساعدتها في إدخال تقانات جديدة في أعمالها .

كما جاء تأسيس الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية في عام 1989 ، وذلك بمبادرة من عدد من الأعضاء المؤسسين العاملين في مجال تقانة المعلومات والاتصالات في سورية ، بداية توجه المجتمع الأهلي نحو تشكيل نواة الحاضنات التقانية، حيث أصبح عدد أعضاءها يزيد على 5595 عضو عامل، و 7959 عضو مؤازر. تهدف الجمعية إلى نشر الثقافة المعلوماتية في المجتمع السوري، كما تسعى إلى إدخال تقانة المعلومات والاتصالات في مختلف القطاعات الاقتصادية في سورية ؛ وإلى نشر الثقافة المعلوماتية عن طريق تنظيم مؤتمرات وندوات ومحاضرات ومعارض، فضلاً عن إنتاج برامج تلفزيونية وإصدار منشورات في مجال تقانة المعلومات . كما تعمل على الارتقاء بقطاع المعلوماتية والقطاعات المرتبطة به في سورية، وذلك من النواحي العلمية والتقنية والثقافية والمهنية، وصولاً إلى مجتمع المعرفة الرقمي. وقد تكللت جهود الجمعية بإقامة حاضنة لتقانة المعلومات والاتصالات في الجمعية وذلك بالتعاون مع اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لدول غرب أسيا وعدد من الوزارت والهيئات والاتحادات والشركات السورية ، أثمرت بتخريج ؛ ثلاث شركات في مجال تقانة المعلومات و الاتصالات واحتضان قرابة عشر شركات .