أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-08-13
1523
التاريخ: 5-6-2017
7429
التاريخ: 2023-02-08
1218
التاريخ: 23/10/2022
1668
|
ان الأسرة تشكل العوامل الأساسية لعناصر التنشئة الاجتماعية.. أما العناصر الخارجية الأخرى والتي تأتي من خارج الأسرة، فهي متعددة ومتنوعة الاتجاهات والجوانب، ومنها بشكل خاص وأساس (البيئة والمدرسة)، لما يشكلانه من اثر ودور كبيرين في اتجاهات التنشئة الاجتماعية وأساليبها في التربية والتلقي والتلقين والإحساس والتصور والاتصال الاجتماعي والإعلامي والثقافي...
ولكي نلم بالاتجاهات الخارجية للتنشئة الاجتماعية في إطارها الطبيعي، يمكن البحث هنا في قضايا الطبيعة ومؤثراتها في نتائج التنشئة الاجتماعية، بوصفها – أي الطبيعة - العالم المفتوح، الذي يتسع لكل عوالم الطفل وحركته وحريته واستقلاله، ونتائج تطوره الاجتماعي، وبناء مدركاته الحسية والعقلية والشعورية..
ان للطبيعة دور أساسي في تنمية مدركات الطفل، وتعزيز قدراته، وبناء مكتشفاته ومهاراته، فهناك دائما علاقة اجتماعية بين الطفل والطبيعة، هذه العلاقة هي التي تمد الطفل بالمثيرات والخبرات التي تثري مهاراته وإحساساته ونشاطاته اللا متناهية.
كذلك هناك علاقة حسية قوية بين الطفل والطبيعة، كما ذهبت إلى ذلك الأستاذة الدكتورة منى يونس بحري في قولها: (تتبين العلاقة الحسية بين الطفولة والطبيعة في ما يربطهما من إحساس بالبراءة، إذ تربطهما صفة التلقائية، ولذلك إذا التقيا اتفقا، فالطفل بطبيعته يحب الانطلاق.. لا يقيده قيد.. ولا يعوقه عائق.. وتحقق الطبيعة له ذلك بطبيعتها الفسيحة بذراعيها المفتوحتين على فطرتها.. فينطلق فيها.. يرمي نفسه بينها.. يمتلكها.. يقف متأملا لها.. لزرعها وأشجارها وهي تتمايل في حرية.. بطيورها.. وزهورها.. تتعاون على الحياة بحكمة من الله خالق الكون.. ويتجول فيها مستكشفا لمجاهلها من دون رقيب أو حسيب على حركته الدؤوب.. وطاقاته التي لا ينضب معينها، كما يحدث في المنزل أحياناً)(1). لذا فان تلقائية الطفل وتلقائية الطبيعة في التقائهما المباشر، يؤثر تأثيراً كبيراً في خبرات الطفل، ونشأته، ونشاطه المتعدد الوجوه، والذي يجد الانطلاقة الواسعة في هذا المجال الخصب الذي يتيح للطفل الحرية وإجراء الاختبار والمحاولة والتجريب..
وأمام ذلك على أشكال التنشئة الاجتماعية وعواملها، أن ترتبط بالطفل كارتباط الطبيعة وصفتها التلقائية به، دون قسر أو إقحام أو تكليف، لكي تؤدي وظائفها بشكل ايجابي يعزز من أهميتها، والحاجة إليها في شعور الطفل، وفي تلقيه التلقائي لمؤثرات التنشئة الاجتماعية، وخاصة التربوية والثقافية في جوانبها، لذلك يمكن التأكيد هنا على: (ان انطلاق الطفل في العالم الجميل يجعله يمارس الاعتماد على نفسه في تجاوز ما يعترضه من معوقات.. يجعله يلجأ إلى عقله وحيلته في تجنب الضرر أو الخطر، وهو في الوقت نفسه يتعلم الحذر ويمارس اتخاذ القرارات الصائبة ويكتسب ثقة بنفسه.. ويتعلم أيضا البحث عن أسرار الطبيعة وحقائق الحياة .. فعندما يرى عصفوراً صغيراً سقط من عشه جثة هامدة يدرك معنى الموت، وان كل ما هو حي يدركه الموت.. وعندما يرى عصفورة تطعم صغارها يتعلم حب الأسرة وأهمية رعاية الصغار إلى حين اعتمادها على نفسها في إشباع حاجاتها.. ان الطبيعة تعلم الطفل معاني القوة والضعف، الرقة والقسوة، والجبروت، الخير والشر، معنى الحرية.. حرية النفس والشعور والفكر .. فيقدس حريته وحرية وطنه، لذا فان الطفولة السعيدة طفولة ساهمت الطبيعة إلى حد كبير في تربيتها)(2) ومدها بالمؤثرات الاجتماعية والثقافية الفاعلة في مشاعر الطفل وقدراته وإحساساته.. فالطفل في انفعالاته وغرائزه وقدراته وإحساساته كالطبيعة (متقلب.. يصيح.. ويعترض، معبراً عن أحاسيسه ثم سرعان ما يهدأ ويسكن ويرتاح.. وكذلك الطبيعة.. تتغير وتثور رياحها.. وتعصف فجأة.. وتغيب الشمس وتختفي الطيور.. وتظهر الغيوم الداكنة.. فيخبو الضوء.. وتتساقط الأمطار كدموع الطفل.. إذ سرعان ما تتوقف وتتبدد الغيوم، وتسطع الشمس.. ويعود الضوء.. وتسكن الرياح.. وتنشد الطيور.. والطفولة بهذه الرابطة الفطرية تجد نفسها في الطبيعة فيترسخ حب الطفل لها، وتنشأ أولى صور الصداقة الحقيقية الطبيعية في أعماق نفسه.. صداقة البراءة للبراءة.. صداقة الفطرة للفطرة.. صداقة النقاء(3).
من هنا انطلق العديد من المربين والكتاب والفنانين في تجسيد صور الطبيعة ومعانيها ورموزها في أشكال وعناصر أدب الأطفال وثقافتهم من أجل شدهم وجلب انتباههم إلى عوالمهم.. واستخدام رموز الطبيعة من أشجار وأزهار وطيور وانهار وجبال وحيوانات الخ. في محاكاة الطفل وتعليمه ومده بالصور الايجابية للطبيعة والتي تم استغلالها في تحميل وتجسيد قيم التربية والثقافة وأساسيات التنشئة الاجتماعية لان الطفل عبر هذه الأساليب سيتجاوب معها ويخضع لعلاقته الحسية معها بنوع من الرضا والتجاوب والتفاعل الايجابي.
وبهذا التشخيص تصبح الطبيعة بكل دلالاتها ورموزها وشخوصها، بمثابة (المعلم التلقائي) للطفل، هذا المعلم الذي يعينه على فهم نفسه والمحيط، والبيئة والجمال والنظافة والصحة والقوة والنشاط. من خلال ما تمثله له الطبيعة من هذه المكونات التي تجسدها في صورها الطبيعية، فتصبح هناك علاقة جسدية بين الطفل والطبيعة (علاقة تحقق له الصحة والجمال.. فالطفل الجميل هو طفل صحي، فالجمال لا يكتمل إلا بالصحة، والطبيعة ضرورية بكل مكوناتها لبناء نفس الطفل وجسمه، فمع ان الطبيعة بحد ذاتها تدخل السعادة إلى نفس الطفل.. إلا ان هذه السعادة لا تكتمل إلا إذا تمتع الطفل بالحيوية وبصحة الجسم.. وتقوم الطبيعة بدور مهم في تحقيق ذلك.. وعلى المربي ان يخرج بالطفل إلى الأماكن الطبيعية خصوصاً في سنينه الأولى حيث الشمس الساطعة والهواء النظيف المتجدد والنباتات الغنية البعيدة عن مناطق التلوث والضوضاء.. فالشمس تدفئ الطفل وتبعد عنه الرطوبة، وحرمانه منها يصيبه ببعض الأمراض المعدية، فيصبح ضعيف البنية فاقد الشهية، وعليه فتعرضه لأشعة الشمس يساعد على تقوية عظامه حيث ان أشعتها فوق البنفسجية تحول بعض الدهنيات تحت جلده إلى فيتامين (د) الذي يعتبر أساس في نمو وقوة عظامه، وفي القضاء على مرض لين العظام عنده الذي يظهر بشكل تقوس الساقين وتشوه القفص الصدري وعدم القدرة على المشي من سن ستة أشهر إلى سنتين.. والهواء النقي في الطبيعة يجدد شهية الطفل للطعام ويكسب جلده اللون الوردي الجميل.. وان عدم تجدد الهواء في المناطق المزدحمة ينقل أمراضا عديدة للأطفال كالحصبة والأنفلونزا والسعال الديكي.. والهواء الملوث بدخان السيارات يتسبب في إصابته بأنواع عديدة من الحساسية، في حين ان تواجده في المناطق الطبيعية يساعد على تنقية دمه وسهولة تنفسه في يقظته ونومه)(4).
هذا يعني ان الطبيعة إضافة إلى دورها التلقائي والعفوي في التنشئة الاجتماعية لها فاعلية ودور في تنشئته صحياً ونفسياً وإدراكياً وجمالياً.. ومعرفياً، وهذا ما تسعى إليه ثقافة الأطفال في العديد من مؤثراتها وعناصرها. لذلك تسهم الطبيعة إلى حد ما في إنضاج الوعي الثقافي والوعي الصحي في مخيلة الطفل وبالتالي الإسهام الفاعل في بناء شخصية الطفل وتطويرها بالاتجاهات الايجابية.
وفي هذا الاتجاه تقول الأستاذة الدكتورة (منى يونس بحري): (ان للطبيعة دورا مؤثرا في بناء شخصية الطفل والخروج به إليها يشعره بالجمال حيث يراه بعينيه ويسمعه بأذنيه ويشمه بأنفه.. ويستنشقه برئتيه ويلمسه بيديه.. ان يري الجمال: هذه الشجرة طولها مثل طولي.. ان بساط الحشيش الأخضر يدعوني إلى الركض والي النوم.. ان يري الأرض المتعددة الألوان.. الجداول الرقراقة.. الزهور الملونة البديعة. الفراشات الزاهية، يري الجمال الطائر السابح في الفضاء.. من كل هذا الجمال يشعر بالسرور والسعادة. سعادة الوجود في الطبيعة، والجمال القدرة الإلهية التي لا تعادلها قدرة.. فالسعادة هي انعكاس جمال الطبيعة في نفس الإنسان.. وهذا الانعكاس في نفس الطفل بالذات وشعوره به وتقديره له في سنواته المبكرة من أهم عوامل بناء شخصيته، ولذلك تشدد (الدكتورة بحري) على دور المربي الواعي وتدعوه للحرص (على ان يري الطفل الجمال ويحس به بتذوقه لكي يتركز في أعماقه وتصبح عنده ثروة جمالية مختزنة تنطلق منه تلقائياً وتنعكس في أعماله، وتصبح عنده مهارة طبيعية في التمييز بين الجيد والرديء من الأشياء، من حيث الشكل واللون والصوت وغيره.. ان إحساسه بالسعادة والحرية يمنحه القدرة على التعبير الفني الحر الطليق كالرسم.. فالطبيعة تحقق له أكبر قدر من السعادة في الطفولة. مع توفير المراقبة والملاحظة عن بعد)(5) كي تضع الطفل في موضع الرعاية والمراقبة والتقويم الصحيح، الذي يبتغي منه نجاح عملياتنا وتأثيراتنا ووسائلنا وأساليبنا في آليات التنشئة الاجتماعية.
_____________________________
(1) منی یونس بحري، الطفل والطبيعة.
(2) المرجع نفسه.
(3) المرجع نفسه.
(4) المرجع نفسه.
(5) منی يونس بحري - مرجع سابق.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|