المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17808 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27



قصة مريم  
  
2807   07:12 مساءاً   التاريخ: 2-06-2015
المؤلف : د. محمود البُستانِي
الكتاب أو المصدر : دراسات فنية في قصص القران
الجزء والصفحة : ص347-356
القسم : القرآن الكريم وعلومه / قصص قرآنية / قصص الأنبياء / قصة النبي زكريا وابنه يحيى /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-2-2016 2067
التاريخ: 9-10-2014 2257
التاريخ: 2-06-2015 2897
التاريخ: 9-10-2014 2022

في دراستنا لقصة آل عمران ، وقفنا مفصلا على أقصوصة مريم. وفي حينه أوضحنا ان أقصوصة مريم وردت في سياق قصص أخرى وظفت لهدف معين. ولذلك لم تسرد من قصة مريم إلا بعض المواقف التي تتلاءم مع الهدف المذكور.

هنا ، في سورة مريم ، نواجه قصة مفصلة مكتنزة باكثر من حدث وموقف. فقد خصصت لها سورة تحمل عنوان مريم. ومجرد كونها تستقل في سورة : يعني ، أن هذه الأقصوصة لها أهميتها دون ادنى شك. ويعني ـ من ثم ـ ان التفصيلات في هذه الأقصوصة ستساهم في الإفصاح عن الأهمية المذكورة.

والآن : لنتحدث عن الشكل الفني لهذه القصة أولا.

لقد بدأت الأقصوصة وفق تسلسلها الزمني الموضوعي ، أي : بدأت من زمن محدد هو : العزلة عن الآدميين ، ثم : حدث المخاض الذي فاجأها ، وولادتها عيسى عليه السلام.

ولنقرأ النص القصصي :

{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ..} [مريم : 16 - 25]

لقد بدأت الأقصوصة من موقف هو : العزلة. وانتهت بحدث هو : محادثة عيسى طفلا قد ولد لتوه. وقد تخلل ذلك ثلاث حوادث وثلاث مواقف.

أما الحوادث الثلاث فهي : مجيء جبرئيل ، والنخلة ، والولادة.

وأما المواقف الثلاثة فهي : إنكارها لجبرئيل ، وتمنيها أن تكون نسيا منسيا ، ودفاعها عن الوليد الشرعي.

ولا يغب عن بالنا ، موقف زائغ سلكه الآخرون ، وهو : اتهامهم مريم بالسوء.

هذا كله من حيث بناء القصة ومحتوياتها.

وأما من حيث الشخوص والبيئة ،... فإن أبطال القصة يشكلون انماطا أربعة : ثلاثة يجسدون بطلا فرديا ، هم : مريم ، جبرئيل ، عيسى عليه السلام ، اما الرابع ، فيجسد بطلا جمعيا هو : الآخرون.

وأما البيئة فهي : المحراب الذي تعبدت فيه. والنخلة التي أطعمتها الرطب الجني... أما الشكل القصصي بعامة ، فيعتمد الحوار غالبا ، يتخلله سرد يصل بين اجزاء القصة.

ولنقف على تفصيلات البطل والحدث والموقف والبيئة ، والشكل الفني للقصة ، بادئين أولا بـ : أبطال الأقصوصة.

أبطال الأقصوصة ثلاثة ، منهم : فرديون هم : مريم وجبرئيل وعيسى كما سبق التلميح الى ذلك. يضاف اليهم بطل جمعي ، هم : الآدميون.

ويلاحظ ـ فنيا ـ ان الابطال الفرديين جميعا ، ينتسبون الى هوية متميزة تفصلهم عن البشر العاديين. فأحد الأبطال ـ وهو جبرئيل ـ ينتسب الى الملائكة وليس الى جنس البشر.

وأما عيسى ـ عليه السلام ـ فهو نبي يتعامل مع المعجز من الظواهر في حين يتعامل الناس مع الظواهر العادية من الحياة. وأما مريم ، فتتعامل بدورها مع المعجز ، متمثلا بخاصة في ولادتها عيسى ـ عليه السلام ـ بدون فحل...

هنا ، ينبغي أن نؤكد ـ فنيا ـ ان انتقاء هؤلاء الابطال بسماتهم الإعجازية أو المتفردة ، إنما ينطوي على أهمية فكرية يستهدفها النص القصصي ، بحيث تتساوق مع طبيعة الحدث المعجز نفسه ، أو وهو : الولادة من غير فحل.

فمثل هذه الولادة تتطلب بطلا غير عادي مثل جبرئيل... وتستتلي ولادة بطل غير عادي مثل عيسى عليه السلام. وتتطلب بطلا غير عادي مثل مريم التي ولدت بالنذر ، واصطفاها الله على العالمين ، واطعمها الرزق من حيث لا يحتسب ، واسقط عليها الرطب من جذع يابس ، وسقاها ماء من نهر أجراه لها.

إن كل هذه السمات المعجزة لهؤلاء الابطال ، إنما صيغت لتفصح عن تلاؤمها مع طبيعة الحدث المعجز ـ الولادة ـ من جانب ، ولتفصح عن أهمية عطاء الله ، من جانب آخر.

لقد كرست مريم حياتها ، للعبادة والتعامل مع الله. وكان آخر سلسلة من نشاطها العبادي ـ بالنسبة الى هذه الأقصوصة ـ انفرادها عن الأهل واتخاذها مكانا منعزلا عن الآدميين ، حيث انتبذت من أهلها مكانا شرقيا.

وكان من الطبيعي ـ من خلال تعامل الله مع صفوة الآدميين ـ أن يهبهم عطاء غير محتسب ، وأن يكون هذا العطاء مقترنا بالتعامل غير العادي ، بحيث يظل جبرئيل واحدا من اطراف التعامل ، وعيسى ـ عليه السلام ـ واحدا من معطيات التعامل المذكور.

اذن : جبرئيل ومريم وعيسى ، إنما صيغوا ابطالا فرديين لهم تميزهم عن الآخرين ، فلأنهم ـ في هذه الاقصوصة ـ قد واكبوا حدثا معجزا. على العكس من البطل الجمعي في الأقصوصة ونعني به : الآخرين الذين كانوا يسلكون سلوكا عاديا حينما تعاملوا مع مريم ، وفق المنطق العادي الأحداث ، دون يحيوا حياة الصفوة من الآدميين.

بيئة القصة

البيئة التي تتحرك أحداث القصة من خلالها ، هي : المحراب والنخلة.

وأدنى تأمل لهذه البيئة ، يدلنا على ما تزخر به من دلالات فنية وفكرية ، تظل متساوقة مع سائر عناصر الحكاية.

وأبرز معالم البيئة في هذه الحكاية هو : التناسق المعماري بين طرفيها : المحراب والنخلة ، من حيث دلالات كل منهما.

فالمحراب ، أو المكان المهجور ، أو المكان الشرقي : يجسد مكانا أبرز ما فيه هو : العزلة عن الآخرين والابتعاد عنهم.

بيد ان هذا المكان ، يحفل بإمكانات معطاء ، لا تقاس بالإمكانات التي يفرزها المكان العادي :

فالمكان العادي قد يحقق للشخصية قدرا من الاشباع لكل من الدافعين : الانتماء الاجتماعي والتقدير الاجتماعي. لكنه لا يقاس بضخامة الاشباع الذي تحققه (العزلة) في (المحراب) ، إنها ـ أي : العزلة ـ تعوض الشخصية عن انتمائها إلى الآخرين ، إنتماء الى الله سبحانه وتعالى.

وتعوضها عن التقدير والحب اللذين يمنحهما الآخرون ، بتقدير يمنحه الله سبحانه وتعالى.

فالأخرون ـ أيا كانوا ـ يظل تقديرهم وحبهم محدودا بقدر محدودية الانسان نفسه من حيث قدراته المحدودة في العطاء.

وهذا على العكس من السماء التي لا حد لعطائها.

إن البشر العاديين هم الذين يحسون بالحاجة إلى الانتماء الى مجتمعاتهم. اما الصفوة البشرية فهي التي تنطفئ لديها مثل هذه الحاجة : حيث يعوضونها بالحاجة الى الانتماء الى (الله).

والامر ذاته : من حيث الحاجة إلى الحب أو التقدير. فالعاديون من البشر : يتطلعون الى كلمة (تقدير) أو خلجة (حب) من بشر مثلهم. أما الصفوة من البشر ، فتتطلع الى الله ، حيث تنشد التقدير من الله ، وتنشد الحب من الله.

وكم هو الفرق بين بشر يمل من الالحاح عليه بحكم محدوديته ، وبين السماء التي لا تمل من إلحاح الملحين عليها بحكم عدم محدوديتها.

من هنا : تحقق العزلة عن الآخرين والاتجاه نحو الله إشباعا للشخصية لا حدود له ، من خلال احد رموزه وهو : المحراب ، أو المكان المهجور.

اذن : المحراب أو المكان المهجور من حيث دلالاته العبادية يمثل وعاء يحتشد بالعطاء والامتلاء على العكس من دلالته الاجتماعية التي تمثل العزلة والفراغ.

وحين نتيجة الى النخلة أو إلى جذعها الذي يمثل بدوره شيئا مهجورا بالقياس الى النخل المثمر... أقول ، حين نتجه الى جذع النخلة ، نجده محكوما بالطابع ذاته : من حيث خضوعه إلى ما هو مهجور أو بعيد أو ميأوس من معطياته.

فالعاديون من البشر : يرون في الجذع المهجور ـ وهم محقون في ذلك بحكم قوانين السماء في صياغة الطبيعة ـ يرون في الجذع المهجور ـ عدم امكانيته في الإثمار... بيد ان قوانين السماء ذاتها ، تثمر مثل هذا الجذع ، لتجعله يتساقط بالرطب الجني...

ويهمنا من هذه الدلالة أن نشير أولا الى التوازن الهندسي أو الفني بين بيئتي المحراب والجذع ، من حيث ان كلا منهما يمثل ابتعادا وعزلة وانسلاخا عن عالمه المألوف... لكنه ـ في الواقع ـ يتجه إلى عالم ممتلئ ، مكتنز ، محتشد ، متفجر بعطاء لا يقاس بالعطاء الذي تحققه حركة الانسان والنبات.

ثانيا : يهمنا من الدلالة التي ينطوي عليها : مكان مهجور وجذع مهجور ، أن نشير ايضا الى الرابطة ـ السببية ـ وهي رابطة فنية كما هو واضح في حقل الادب القصصي ... هذه

الرابطة السببية ، تتمثل في ما يسمى بـ(النمو) لحوادث القصة : حيث تؤدي الاسباب الى نتائج ، وحيث يفضي السابق الى ما هو لاحق به...

فالمكان المهجور ـ او القطع عما في ايدي الآخرين ، يفضي الى عطاء ثر : اشد ضخامة ، بل ليتم ذلك فوق ما تحتسبه الشخصية مالم يدر ببالها من عطاء متوقع ، ألا وهو : الاثمار بالرطب الجني من جذع مهجور لا فائدة منه.

اذن : الانسلاخ من عالم (الآخرين) والاتجاه الى عالم (الله) : يتسبب أو يقضي الى تحقيق إشباع غير متوقع ،... إشباع لا يألفه الواقع الذي يحياه (الآخرون)... إشباع مليء بسعة السماء ذاتها... وهي سعة لا حدود لها...

هنا ، لا يغب عن بالنا ـ ونحن نتحدث عن البيئة التي اكتنفت قصة مريم ـ ان نشير أيضا الى بعض التفصيلات الأخرى لهذه البيئة.

فالنصوص المفسرة تشير الى ان السماء أجرت لمريم نهرا تشرب منه في ذلك المكان القصي المهجور...

والآية الكريمة ذاتها تشير إلى عملية (الشرب) : {فَكُلِي وَاشْرَبِي } [مريم : 26] كما تشير إلى النهر : { قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} [مريم : 24] .

ومع مثل هذه الدلالة ، فان التوازن الفني بين بيئتي : المكان المهجور والجذع ، ثم عملية النمو الفني المتمثلة في الإثمار من جذع لا يثمر عادة ،... هذا النمو يأخذ أقصى معطياته حينما ينتهي الأمر الى تفجير النهر من ارض لا ماء فيها.

هذا ، الى ان تفصيلات أخرى واكبت هذه البيئة التي اكتنفت مريم ، حيث تحدد الطرائق المعجزة التي تم من خلالها إثمار النخل وتفجير النهر. من نحو ذهاب النصوص المفسرة الى صعود مريم نحو أكمة ، ورؤيتها جذع نخلة نخرة يابسة هناك ، وإلى ان الفصل كان شتاءا وليس صيفا ، والى خروج الرطب دفعة واحدة وليس وفق مراحل نموه ، والى ان الإثمار قد تم من خلال ضرب الجذع بالقدم. وعندها. : أورق وأثمر وتساقط.

وفيما يتصل بالنهر ،... تذهب النصوص الى ان عيسى ـ عليه السلام ـ نفسه قد ضرب برجله ، فتدفق النهر...

على أية حال ،... كل هذه التفصيلات وما تقدمها ،... تظل مفصحة عن (بيئة) معجزة تتناسب مع الشخصيات المعجزة ذاتها ، مثلما تتناسب مع طبيعة النشاط العبادي لمريم... فضلا عما تنطوي عليه من مرأى جمالي صرف : من حيث مباهج الطبيعة التي فجرتها السماء : جذعا يورق ويثمر ويتساقط رطبا ، وارضا ينسرب النهر فيها.

لقد لحظنا ان (البيئة) التي تحركت فيها قصة مريم ، قد اتسمت بما هو مدهش ومعجز وجميل ورهيب ، متمثلة في بيئة جغرافية تتصل بالنخلة ورطبها ، وبالنهر ، وبالمكان الشرقي ، والقصي...

والآن حين نتابع سائر العناصر التي واكتب هذه البيئة من احداث وشخوص ،... يمكننا ملاحظة نفس الطابع المتسم بالدهشة والرهبة والجمال والإعجاز...

فمنذ أن اتخذت حجابا بينها وبين أهلها لئلا يروها... منذ ذلك... بدأت أول حادثة رهيبة كسرت ذلك الحجاب ، وأدخلت الزعب في عماقها ،… إنها صورة آدمي يقتحم المكان الذي تتعيد فيه ، لم تعهده ، ولم تتوقعه البتة... لقد انكرته إنكارا شديدا مما جعلها تتعوذ منه بقولها ـ عليه السلام ـ : مخاطبة أياه : {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا } [مريم : 18]

هذه المفاجأة التي أرعبت مريم ، قد اعقبتها مباشرة مفاجأة أخرى حينما تلقت جوابا من ذلك الملك الذي اتخذ صورة آدمية ،... والجواب هو :

{إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} [مريم : 19]

إذن : الصورة الأدمية هي : مجرد (تمثل) في كيان فيزيقي ، انها (الروح ـ جبرئيل)... ثم جاءت المفاجأة الثالثة وهي : التبشير بغلام تنجبه ، مما أدهشها أيضا ، وجعلها تتساءل :

{أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ.. } [مريم : 20]

ثم جاءت المفاجأة الرابعة وهي جواب جبرائيل لها مؤكدا هذه البشارة ، ناقلا لها جواب السماء : {قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ} [مريم : 21]

اذن : حيال هذه المفاجأة الرابعة ، يبدأ الضباب بالتكشف ،... وتبدأ الأمور تتضح بجلاء ، مفصحة عن السر الفني وراء هذا الحدث المعجز...

وأول هذه الأسرار : أن السماء قادرة على ان تصنع أي شيء... والآخر ، هو : أن القضية تتصل بتقديم دليل معجز هو : ولادة عيسى ـ عليه السلام ـ من غير فحل ، ليكون ـ فيما بعد ـ من خلال هذه الولادة ، حجة على الناس في اتباعه والايمان برسالته...

بيد ان مريم ـ عليها السلام ـ بالرغم من ايمانها العميق بهذه البشارة... لا تزال تحسب للناس حسابهم ،... ولا يزال الخجل يلفها ، لقناعتها بان الآدميين من الصعب عليهم أن يهضموا مثل هذا الحدث المعجز. ولذلك انفردت في مكان قصي ، حياء من الآخرين ، وخشية من الإتهام.

وقد بلغ بها التخوف قمته ، حينما واجهها المخاض فعلا ،... وعندها هتفت جازعة : { يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا } [مريم : 23]

إن هذا الهتاف الجازع الذي تمنى الموت ، يفصح ـ فنيا ـ من خلال عنصر الحوار القصصي : ان الحوار يضطلع فنيا بالكشف عن حقائق تتصل بمشاعر الناس ـ وهي مشاعر لم يسردها النص ولم ينقل تفاصيلها حتى في عملية حوار فعلي فيما بينهم أو فيما بينها وبينهم ، الا في خاتمة القصة.

والسر في ذلك ـ من الوجهة الفنية ـ ان النص يعتزم الكشف عن مشاعر مريم ذاتها ، ومعرفتها سلفا بما ستكون عليه استجابة الناس حيال هذا الحدث المعجز ، وذلك قبل ان تحدث اية استجابة فعليه من الناس.

وهذا ما اوضحته النصوص المفسرة ، حينما ذهبت الى ان مريم ـ نقلا عن الامام الصادق ـ عليه السلام ـ ـ كانت على وعي تماما بطبيعة قومها الذي لم تعهد فيهم شخصا رشيدا ينزهها من السوء.

وبالفعل ، فإن خاتمة القصة قد حققت هذه النبوءة أي : التخوف من الاتهام ، فنقلت لنا هذا السيل من التهم ، من نحو قولهم :

{ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا } [مريم : 27] وقولهم :

{مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ } [مريم : 28] . وقولهم :

{ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا}..

اذن : من الوجهة الفنية ، كان هتاف مريم ، يمهد لمواقف لاحقة في القصة : تتصل بمشاعر الناس ، مثلما كان ـ في الآن ذاته ـ يكشف عن حقيقة وعيها بهذه المشاعر ، وعدم تحملها لأمثلة ذلك الاتهام...

على أية حال ، يعنينا الآن ان نتابع ما هو مدهش ومعجز من البيئة التي تحركت قصة مريم من خلالها.

لقد كانت اول حادثة رهيبة ، تفاجئ مريم ـ وهي في عزلتها عن الآخرين ـ هي (الروح ـ جبرئيل).

ثم ، كان من امر البشارة ما كان.

ويجيء الحدث الرهيب المدهش الآخر ، متمثلا في عملية (الحمل) ذاتها.

وتقول النصوص المفسرة ان جبرئيل نفخ في جيب المدرعة ، فكمل الولد من ساعته أو خلال تسع ساعات.

ثم حانت ساعة المخاض.

وكان من أمر النخلة وثمارها ، والنهر ، أو الشرب منه ، ما كان.

لقد حدثت مفاجأة مدهشة جديدة...

هذه المفاجئة المدهشة ـ من حيث البعد الفني ـ جاءت جوابا وقتيا يهدئ من جزع مريم عبر هتافها المرير : {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا } .

لقد جاء الجواب حدثا مدهشا معجزا بدوره : لعله يمسح آثار الاستجابة المريرة لديها.

فقد هتف عيسى ـ عليه السلام ـ نفسه ـ وبعض النصوص تذهب الى انه جبرئيل ـ راسما لها طرائق الافادة من البيئة التي اكتشفت مريم ، مهدئا من جزعها ، قائلا :

{أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} [مريم : 24] الخ.

ثم جاءت المفاجأة أخيرا ، وهي أشد دهشة وبهرا من المفاجآت السابقة ، الا وهي : محادثة عيسى ـ عليه السلام ـ نفسه ـ وقد ولد لتوه ـ ، قائلا :

{ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} [مريم : 30]

حيث تنتهي القصة بهذه المحادثة المدهشة.

وكانت هذه المحادثة ـ من حيث البعد الفني أيضا ـ جوابا لكل الاتهامات التي بدأت تتوالى فعلا على مريم.

وسكت النص بعد هذه المحادثة المعجزة ، عن رسم استجابة الناس ، مفصحا بهذا الصمت عن صمت الناس وهم يواجهون حدثا معجزا لا يملكون حياله أي اتهام رخيص بعد مشاهدتهم لمعجز مذهل مدهش.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .