أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-7-2019
2125
التاريخ: 16-11-2016
1153
التاريخ: 3-7-2019
2208
التاريخ: 16-11-2016
1283
|
بئر رومة في صدقات عثمان :
وقد ذكروا في جملة فضائل عثمان : أنه لما قدم رسول الله «صلى الله عليه وآله» المدينة ، وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة ، قال : من يشتري بئر رومة من خالص ماله ؛ فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين ، بخير له منها في الجنة؟.
فاشتراها عثمان من صلب ماله ، وجعل دلوه فيها مع دلاء المسلمين ، ثم لما حصر عثمان منعوه من الشرب منها حتى شرب ماء البحر.
وللروايات نصوص مختلفة جدا كما سنرى ، وسنشير إلى بعض مصادرها فيما يأتي.
ونحن نشك في صحتها ، وذلك استنادا إلى ما يلي :
أولا : تناقض نصوصها الشديد جدا ، حتى إنك لا تجد نصا إلا ويوجد ما ينافيه ويناقضه ، ونذكر على سبيل المثال :
أنهم يروون : أن عثمان قد ناشد الصحابة بقضية بئر رومة ، وذلك حين الثورة عليه.
فرواية تقول : إنه اطلع عليهم من داره وهو محصور فناشدهم.
وأخرى تقول : إنه ناشدهم في المسجد.
ورواية تقول : إنه اشترى نصفها بمائة بكرة ، والنصف الآخر بشيء يسير.
وأخرى تقول : إنه اشتراها بأربعين ألفا.
وثالثة : بخمس وثلاثين.
ورابعة : إنه اشترى نصفها باثني عشر ألف درهم ، والنصف الآخر بثمانية آلاف.
ورواية تقول : إن هذه البئر كانت ليهودي لا يسقي أحدا منها قطرة إلا بثمن.
وأخرى : إنها كانت لرجل من مزينة.
وثالثة : لرجل من بني غفار.
ورواية تقول : إنه اشترى البئر.
وأخرى تقول : إنه حفرها.
والجمع بأنه اشتراها ، ثم احتاجت إلى الحفر (١) لا يصح ، لأنهم يقولون : إن عثمان قال ذلك حين المناشدة ، والمناشدة كانت واحدة ولم تتكرر.
ورواية تقول : إنها كانت عينا (أي فيها نبع وسيلان على وجه الأرض).
وأخرى تقول : كانت بئرا.
ورواية تقول : إنه اشتراها عند مقدم النبي «صلى الله عليه وآله» والمسلمين المدينة.
وأخرى تقول : إنه اشتراها وهو خليفة.
ورواية تقول : إن النبي طلب منه ذلك.
وأخرى تقول : إنه «صلى الله عليه وآله» ناشد المسلمين من يشتريها منهم.
وثالثة تقول : إن غفاريا أبى بيعها للنبي بعينين في الجنة!! فبلغ ذلك عثمان فاشتراها منه بخمسة وثلاثين ألفا (2).
وثمة تناقضات كثيرة أخرى لا مجال لذكرها ؛ فمن أراد المزيد فليراجع وليقارن.
ثانيا : إن ما ورد في الرواية ـ كما عند النسائي وأحمد والترمذي ـ من أنه «صلى الله عليه وآله» قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب ، لا يصح بوجه ، فقد كان في المدينة آبار كثيرة عذبة ، وقد استمر النبي «صلى الله عليه وآله» على الاستقاء والشرب منها إلى آخر حياته ، ومنها بئر السقيا ، وبئر بضاعة ، وبئر جاسوم ، وبئر دار أنس التي تفل فيها النبي «صلى الله عليه وآله» فلم يكن في المدينة بئر أعذب منها (3) ، وغير ذلك من آبار كثيرة لا مجال لذكرها (4).
ثالثا : لو صح حديث بئر رومة ؛ فلا بد إذا من الإجابة على التساؤلات في المجالات التالية :
أ ـ إنه إذا كان عثمان قد قدم من الحبشة جديدا ، ولم يكن له مال ؛ فمن أين جاء عثمان بالأربعين ، أو الخمسة والثلاثين ، أو العشرين ألفا من الدراهم ، أو المئة بكرة؟! ومتى وكيف اكتسب هذا المال؟!.
ب ـ لماذا لا يعين المسلمين في حرب بدر بشيء من تلك المبالغ الهائلة من الدراهم؟ أو بشيء من تلك البكرات التي أخرج منها مئة من صلب ماله ، حسبما تنص عليه الرواية؟!. مع أن المسلمين كانوا في بدر بأمس الحاجة إلى أقل القليل من ذلك ، وكان الاثنان والثلاثة منهم يعتقبون البعير الواحد ، ومع أنه لم يكن معهم إلا فرس واحد ، ولم يكن معهم إلا ستة أدرع وثمانية سيوف ، والباقون يقاتلون بالعصي وجريد النخل ، كما سيأتي بيانه مع مصادره.
أم يعقل أن يكون قد بذل كل ما لديه في بئر رومة حتى أصبح صفر اليدين؟!.
أو لماذا لا يطعم المسلمين ، ويسد حاجاتهم ، ويكفيهم معونة الأنصار؟! ولما ذا لا يعين النبي نفسه بشيء من ماله ، وقد كان يعاني أشد الصعوبات ، ولم يتسع الحال عليه وعليهم إلا بعد سنوات من الهجرة؟!
ج ـ وتقول روايات المناشدة : إنهم قد منعوه من الشرب منها حتى اضطر إلى الشرب من ماء البحر ، وهذا عجيب حقا!! فإنه إذا كان يستطيع الحصول على الماء فلما ذا لا يشرب من غيرها من العيون العذبة التي كانت في المدينة والتي تعد بالعشرات؟!.
كما أن من كان يمنعه من شرب الماء ، فإنه لم يكن ليسمح بدخول أي ماء كان إليه ، ومن أي مصدر كان.
ويقولون : إن عمارا أراد أن يدخل إليه روايا ماء ؛ فمنعه طلحة (5) ولم يستطع الحصول على الماء إلا من قبل علي الذي أرسل إليه الماء مع أولاده ، وعرضهم للأخطار الجسيمة ، كما هو معلوم.
وهل يمكن أن نصدق أنه شرب من ماء البحر حقا ؛ مع أن البحر يبعد مسافة كبيرة جدا عن المدينة ، أم أن ذلك كناية عن شربه للمياه غير العذبة والمالحة؟!
د ـ وإذا كان عثمان قد بذل هذا المال حقا ، فلما ذا لم تنزل فيه ولو آية واحدة تمدح فعله ، وتثني عليه؟! وكيف استحق علي أن تنزل فيه آيات حينما تصدق بثلاثة أقراص من شعير ، وحينما تصدق بخاتمه ، وحينما تصدق بأربعة دراهم ، وحين قضية النجوى؟! وهذا عثمان يبذل عشرات الآلاف ، ومئة بكرة من الإبل ، ولا يذكره الله بشيء ، ولا يشير له بكلمة ولا بحرف؟! بل إن الرواية التي تنقل هذه الفضيلة الكبرى عنه نراها متناقضة متهافتة ، لا تقوى ولا تثبت أمام النقد العلمي الحر والصريح.
وبعد .. لما ذا امتنع ـ كغيره ـ عن التصدق بدرهم في آية النجوى ، حتى نزل القرآن يلوم الصحابة وهو معهم على إشفاقهم : أن يقدموا بين يدي نجواهم صدقة؟!!.
بئر أريس :
وأخيرا : فلسنا ندري لما ذا اختصت بئر رومة بهذا التعظيم والتبجيل ، دون بئر أريس ، مع أنها أيضا ـ كما يدّعون!! ـ قد اشتراها عثمان ؛ وقد اشتراها أيضا من يهودي ، وكذلك هو قد تصدق بها!! (6) بارك الله في آبار عثمان ، وليمت اليهود بغيظهم ، فإنهم يملكون الآبار ، ويشتريها منهم عثمان ، ويتصدق بها ، وينال الأوسمة ، ويحصل على الفضائل والكرامات!!.
حقيقة القضية :
وبعد كل ما تقدم ، فإن الظاهر : أن الصحيح في القضية هو ما رواه ابن شبة : «عن عدي بن ثابت ، قال : أصاب رجل من مزينة بئرا يقال لها : رومة ؛ فذكرت لعثمان بن عفان ، وهو خليفة ، فابتاعها بثلاثين ألفا من مال المسلمين ، وتصدق بها عليهم» (7).
وقد ضعف السمهودي الرواية بأن في سندها متروكا ، ورواها الزبير بن بكار في عتيقه ، وردها بقوله : وليس هذا بشيء ، وثبت عندنا أن عثمان اشتراها بماله ، وتصدق بها على عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله» (8).
ونقول نحن : لقد ثبت عدم صحة تلك الروايات التي أشار إليها الزبير بن بكار بأي وجه ، ولا سيما مع تناقضها ، ومع ما تقدم من الإيراد عليها ومن وجوه الإشكال فيها ، مما لا دافع له.
هذا ، عدا عما في أسانيدها من نقاش كبير وكثير ، فوجود المتروك في سند هذه الرواية لا يضر ، ما دامت منسجمة مع الواقع التاريخي ، ومع الظروف التي كانت قائمة آنذاك.
وما دام لا يمكن أن يصح غيرها ، فالظاهر : أنها قد حرفت وحورت ليمكن الاستفادة منها في إثبات فضيلة لعثمان لا يمكن أن تثبت له بدون هذا التحوير والتزوير.
ولكننا لم نفهم قوله : «ابتاعها بثلاثين ألفا من مال المسلمين ، وتصدق بها عليهم» ؛ فإنها إذا كانت من مالهم ، فما معنى الصدقة بها عليهم؟
إلا أن يقال : إن عثمان والهيئة الحاكمة كانوا يرون أنهم يملكون بيوت الأموال حقا ، وقد ذكرنا بعض الشواهد والدلائل على نظرتهم هذه في مورد آخر ، فراجع (9).
تأبير النخل :
ويقولون : إن النبي «صلى الله عليه وآله» لما قدم المدينة مر بقوم يؤبرون النخل ، أي يلقحونه ـ أو سمع ضجتهم ـ فقال : لو لم تفعلوا لصلح ، فتركوا.
__________________
(١) هذا الجمع ذكره السمهودي في وفاء الوفاء ج ٣ ص ٩٧٠.
(2) راجع في الروايات وقارن بينها : وفاء الوفاء للسمهودي ج ٣ ص ٦٩٧ ـ ٩٧١ ، وسنن النسائي ج ٦ ص ٢٣٥ و ٢٣٦ و ٢٣٤ ، ومنتخب كنز العمال ج ٥ ص ١١ ، وحياة الصحابة ج ٢ ص ٨٩ عن الطبراني وابن عساكر ، ومسند أحمد ج ١ ص ٧٥ و ٧٠ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٧٥ ، وروي ذلك أيضا عن البغوي ، وابن زبالة وابن شبة ، والترمذي ص ٦٢٧ ، وابن عبد البر ، والحازمي ، وابن حبان ، وابن خزيمة.
وراجع : حلية الأولياء ج ١ ص ٥٨ ، والبخاري هامش الفتح ج ٥ ص ٣٠٥ ، وفتح الباري ج ٥ ص ٣٠٥ و ٣٠٦ ، وسنن البيهقي ج ٦ ص ١٦٧ و ١٦٨ ، والتراتيب الإدارية ج ٢ ص ٩٥.
(3) راجع وفاء الوفاء للسمهودي ج ٣ ص ٩٧٢ و ٩٥٦ و ٩٥٨ و ٩٥٩ و ٩٥١.
(4) راجع : المصدر السابق ، فصل آبار المدينة.
(5) وفاء الوفاء ج ٣ ص ٩٤٥.
(6) وفاء الوفاء ج ٣ ص ٩٤٥.
(7) وفاء الوفاء ج ٣ ص ٩٦٧ عن ابن شبة ، وروى ذلك الزبير بن بكار أيضا.
(8) المصدر السابق.
(9) راجع كتابنا : دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام ، بحث (أبو ذر إشتراكي أم شيوعي ، أم مسلم).
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|