أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-7-2016
1694
التاريخ: 18-7-2016
2382
التاريخ: 11-3-2022
1996
التاريخ: 2024-03-16
913
|
قال تعالى : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} [آل عمران : 159].
التفات من خطاب المؤمنين إلى خطاب الرسول الكريم (صلى الله عليه واله) ، لأن الخطاب يتضمن اللوم والعتاب لما صدر عنهم في أحد ، وقد استحقوا بسببه التوبيخ من النبي (صلى الله عليه واله) والتعنيف ، فقد فعلوا ما أوجب الهزيمة وما يمس النبي (صلى الله عليه واله) بالاعتراض عليه ، فإنهم قالوا : إن النبي هو الذي أورد من قتل منهم الى ذلك ، ولكن عظمة رحمة الله تعالى التي انزلها على رسوله الكريم شملت الجميع فخاطب رسوله الكريم لأنه ارسله رحمة للعالمين ، كما قال عز شأنه : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء : 107].
ومما ذكر يظهر أن الفاء في قوله تعالى : { فبما رحمة } هو لترتيب مضمون الكلام على ما سبق.
والمعروف أن " ما " زائدة جائت مؤكدة للكلام ، وأدعي الإجماع عليه.
ولكنه موهون ، لأنه ليس في القرآن الكريم حرف زائد ، مضافاً إلى ذهاب جمع إلى الخلاف في المقام ، وسياتي في البحث الأدبي ما يتعلق بذلك.
قال تعالى : { لنت لهم }.
مادة (لين) تدل على ضد الخشونة والصلابة ، وفي حديث أوصاف المؤمنين : " يتلون كتاب الله لينا " ، أي : سهلا على ألسنتهم لكثرة تلاوتهم له.
والمعنى : مع كون المؤمنين على ما وصفناهم فبرحمة من الله تعالى عليك — حيث جعلك متصفاً بمكارم الأخلاق — لأن جانبك ورؤفت بالمؤمنين صرت تحتملهم وتعطف عليهم وتعفو عنهم وتشاورهم في الأمر ، مع ما هم عليه من اختلاف الآراء والأحوال وما صدر عنهم مما أجب اللوم والعتاب والتعنيف وعدم رضا الله تعالى عنهم ، وبسبب هذه الرحمة العظيمة التي من بها عز وجل عليهم - وبواسطة الفيض - دخلوا تحت لوائه واهتدوا بهداه وأقيم عمود الدين وانتظمت شؤون الإسلام وانقمعت شوكة لكفر والطغيان.
قال تعالى : {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران : 159]. الفظاظة : هي الخشونة والشراسة في الأخلاق.
وغليظ القلب : أي قسي القلب ، والثاني سبب للأول ، فإن غلظة القلب وقساوته سبب للفظاظة ، وقدمها لظهورها في بادئ الأمر.
وانما أكد عليهما عز وجل لأنه يتبعهما كصفة ذميمة.
والانفضاض : التفرق ، قال تعالى : {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة : 11] ، وتستعمل في موارد التفرق الموجب للسقوط في الهاوية والردى.
والآية المباركة ترشد إلى أهم ما يجب على الزعيم الروحي أن يتحلى به وهو نبذ كل ما يوجب نفرة الناس منه قولا أو فعلا ، فإنه مهما كثرة فضائله وعمت نوائله وفواضله ، لكنهم يتفرقون عنه ويتركونه وشأنه إذا رأوا منه ما يوجب تنفيرهم عنه ، فلا ينتظم أمره ولا يستقيم بشأنه وتفوته الغاية التي بعث الأنبياء لأجلها ، وهي الهداية والإرشاد والدعوة إلى الطاعة والعبودية.
وهكذا يقرر الإسلام صفات القائد الإلهي ، كالرسول العظيم الذي هو متصف بمكارم الأخلاق وبالمؤمنين رؤوف رحيم مهتم بإرشادهم وحريص على هدايتهم.
قال تعالى : {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ } [آل عمران : 159] .
بيان لسيرته (صلى الله عليه واله) مع المؤمنين وتقريره تعالى لها ، وقد أمره عز وجل بعدم الترتيب على أفعالهم أثر المعصية إذا خالفوه في أمر الجهاد والقتال وما يرجع إلى نفسه المقدسة ، ويطلب لهم من الله تعالى المغفرة في ذلك.
قال تعالى : {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159].
المشاورة : والمناظرة والمراجعة في أخذ الرأي واستخلاصه من الغير قيل إنه مأخوذ من شرت العسل إذا اجتباه واستخرجه من موضعه ، والاسم الشورى والمشورة بسكون الشين وفتح الواو.
والمراد بالأمر هو ما يهتم بشأنه كالحرب وما يتعلق بها ، كما هو المنساق من الآيات الشريفة ، ولا تشمل الآية المباركة أمور الدين وما يتعلق به أو ما أنزل فيه الوحي من أمور الدنيا.
يعني : وشاورهم في ما يعرض عليك من الأمور فيما يهتم بشأنه لمصالح كثيرة ، منها استصلاحهم وتطميعا لهم في الدخول في مكارم الإسلام والتخلق بفضائل الأخلاق ، واستمالة لقلوبهم وتعليماً لأمته بعدم تركها في أمورهم.
وإلا فإنه (صلى الله عليه واله) لم يكن بحاجة إليهم ولم تفده المشاورة - علماً أو سداداً أو صلاحاً — كيف وهو المسدد من قبل الله تعالى ، وقد قال عز وجل في شأنه {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4] ، وعن الحسن بن علي (عليه السلام) : " قد علم الله أنه ما به إليهم حاجة ولكن أراد أن يستن به من بعده "، وعن ابن عباس عنه (صلى الله عليه واله) : " أما إن الله ورسوله لغنيان عنها - أي المشاورة - ولكن جعلها الله تعالى رحمة لأمتي ، فمن استثار منهم لم يعدم رشداً ، ومن تركها لم يعدم غيا ".
والآية الشريفة تدل على إمضاء سيرته عز وجل مع المؤمنين كالآية السابقة في المشاورة معهم ، والله تعالى راض عنه ، وقد استشار مع أصحابه في عدة مواطن ، منها : غزوة بدر الكبرى حينما نزل عند أدنى ماء بدر فأشاروا عليه أن ينزل أدنى ماء من القوم . وكاستشارته في غزوة أحد عندما كان رأيه أن يبقى في المدينة ويحارب فيها وقد أشاروا عليه الخروج عنها إلى أحد.
وكيف كان ، فللشورى فوائد جمة ومصالح كثيرة ، وقد وردت روايات كثيرة في مدحها ، ففي الحديث عنه (صلى الله عليه واله) : " ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمرهم "، وعن علي (عليه السلام) : " لا ظهير كالمشاورة ، وما ندم من استشار" .
قال تعالى : { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران : 159].
إرشاد إلهي بعدم الاتكال على المشاورة.
والعزم : عقد القلب والإمضاء على إتيان الفعل بعد المشورة ، وعزم قلبه (صلى الله عليه واله) انما يكون بنور الله تعالى وتسديده له.
والتوكل على الله : هو تفويض الأمر إليه عز وجل ، فإنه الأعلم بمصالح العباد وهو يقضي ما يشاء ويحكم ما يريد ، والمشورة والفكر وإحكام الرأي وإمضائه لا تكفي في النجاح إلا بتوفيق من الله تعالى وتسديد منه ، ولا تؤثر الأسباب إلا به تعالى ، فإن الموانع كثيرة لا يعلمها ولا يقدر أحد أن يزيلها إلا الله عز وجل.
ومن ذلك يعرف أن التوكل إنما يتم إذا استحكم الإنسان أمره واستكمل العدة وراعى الأسباب العادية الظاهرية ، ولكن لا يعول عليها ولا يتكل على حوله ، بل على حول الله وقدرته عز وجل ، فلا ينافي التوكل مراعاة الأسباب العادية.
وللتوكل فوائد جمة أيضاً منها : إظهار العجز والعبودية وغيرها ، كما يأتي في البحث الأخلاقي إن شاء الله تعالى.
وما أتى عز وجل اسم الجلالة لبيان أن هذه الذات المستجمعة لجميع الصفات الكمالية تستدعي التوكل عليه ، ولا ينبغي للإنسان أن يتكل على نفسه ، وهو العاجز عن تدبيرها.
قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران : 159] .
المنقطعين إليه الواثقين به ، وإذا أحب الله تعالى أحداً كان ولياً وناصراً له ولم يخذله بحال ، ومحبة الله تعالى هي من أعظم الكمالات التي يسعى الإنسان إليها ، وهي الخير بجميع معنى الكلمة.
قال تعالى : {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران : 160] .
جملة مستأنفة ترغب الم ؤمنين إلى طاعة من يعتمد منه النصر ، وتحذرهم عن عصيان من يكون عصيانه سبباً للخذلان ، والخطاب فيها تشريفاً للمؤمنين يدعوهم إلى التوكل ، ببيان وجه من وجوه الحكمة في وجوب التوكل على الله تعالى ، وهو أن الإنسان إذا استعد للعمل وهيأ مقدماته على قدر المستطاع وهو لا يعلم عواقب الأمور ، فتوكل على من يعلمها ويدبرها على النحو الأحسن ، فلا محالة تحصل في نفسه ثقة واطمئنان بتحققه ، وقد اقتضت حكمته محبة المتوكلين عليه ونصرتهم ، فإذا نصرهم فلا يغلب أحد عليه.
وقوله تعالى : {فَلَا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران : 160] يبين نفي الجنس بنفي جميع أفراد الغالب ذاتاً وصفة ، وهذا أبلغ من قول : " لا يغلبكم أحد " ، لأنه يدل على نفي الصفة فقط.
قال تعالى : {وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران : 160].
أي : وإن أراد تعالى خذلانكم بسبب معاصيكم وعدم توكلكم عليه ، فلا أحد يملك نصركم بعد خذلانه .
والاستفهام إنكاري يفيد نفي التأخير ، والكلام في قوله تعالى : {فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ} [آل عمران : 160] على حد قوله تعالى : {فَلَا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران : 160] من نفي الجنس ينقي جمع أفراد الناصرين ذاتاً وصفة.
وإنما لم يذكر سبحانه النفي صريحاً في هذه الآية المباركة كما ذكره في جواب الشرط الأول ، تلطفاً بالمؤمنين ، حيث لم يصرح سبحانه بأنه لا ناصر لهم ، واكتفى بعدم الغلبة لهم ، وإن كان هذا يفيد ذلك أيضا.
قال تعالى : { وعلى الله فليتوكل المؤمنون }.
أي : أن إيمان المؤمنين يستدعي التوكل على الله تعالى ، فإنه لا ناصر ولا معين لهم إلا هو عز وجل ، المستجمع لجميع صفات الكمال ، وهو الذي وعد المؤمنين بالنصر يوفقهم إلى ذلك وإليه يكون التجاؤهم.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|