ما هو السرُّ في مخالفة الجمهور نصَّ الرّسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)؟ |
1231
09:01 صباحاً
التاريخ: 24-05-2015
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-5-2018
1776
التاريخ: 30-4-2018
1133
التاريخ: 24-05-2015
1383
التاريخ: 16-5-2018
1704
|
لقد ظهرت الحقيقة بأجلى صورها، وثبت أنّ الرسول لم يرحل عن أُمّته إلاّ بعد أن نصب عليّاً للخلافة والقيادة، ولكن هناك سؤال يطرح نفسه، وهو: إنّه لو كان الحق كما نطقت به النصوص كتاباً وسنّة، فلماذا أعرض الجمهور عمّا أُمروا أن يتمسّكوا به؟
والإجابة عن الشبهة سهلة لمن راجع التاريخ وسيرة الصحابة في عصر الرسول وبعده، فإنّ القرآن الكريم رغم أمره باتّباع الرسول وعدم التقدّم عليه، ورغم أمره بالتّسليم له وأنّ الإيمان رهنه، ورغم أنّه يندد ببعض المسلمين الّذين كانوا يتمنّون طاعة الرسول لهم في بعض المواقف، وقال: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ } [الحجرات: 7]. رغم كلّ ذلك، نُشاهد رجالاً يقفون أمام النبيّ في غير واحد من المواقف، ويخالفونه بعنف وقوّة، ويقدّمون الاجتهاد والمصالح الشخصيّة على أوامر الرسول في مواطن كثيرة، وإليك نزراً يسيراً منها، وبالإلمام بها تسهل عليك الإجابة عن السّر في مخالفة عدّة من الأصحاب لأمر النبيّ في مسألة الوصاية والقيادة.
1 ـ اختلافهم مع النبيّ في الأنفال والأسرى:
انتصر المسلمون في غزوة بدر وجمع غير واحد من المسلمين ما في معسكر العدو، فاختلف المسلمون فيه، فقال من جمعه: هو لنا، وقال الّذين يقاتلون العدو ويطلبونه: والله لو لا نحن ما أصبتموه، لنحن شغلنا عنكم القوم حتّى أصبتم ما أصبتم، وقال الّذين يحرسون رسول الله: ما أنتم بأحقّ به منّا، والله لقد رأينا أن نَقتل العدو إن منحنا الله أكتافهم، وقد رأينا أن نأخذ المتاع حين لم يكن دونه من يمنعه، فخفنا على رسول الله كرّة العدو فقمنا دونه، فما أنتم بأحقّ به منّا، فنزل قوله سبحانه: {سْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 1].
وأمّا اختلافهم في الأسرى، فيكفي في ذلك قوله سبحانه: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [الأنفال: 67، 68].
وهذه الآية تُعرب عن أنّهم اختلفوا إلى حدّ كانوا مستحقّين لنزول العذاب، لو لا سبق كتاب من الله.
2 ـ مخالفتهم لأمر الرسول في أُحد:
ورد رسول الله أُحد حين بلغه أنّ أبا سفيان يريد شنّ هجوم على المدينة، واستقبل الرسول المدينة، وجعل جبل العينين عن يساره، ونصب خمسين رجلاً نبّالاً على جبل عينين، وأمّر عليهم عبد الله بن جبير، وقال له:(( انضح الخيل عنّا بالنبل، لا يأتوننا من خلفنا إن كانت لنا أو علينا، فاثبت مكانك لا نؤتينَّ من قبلك)).
ولمّا صار الانتصار حليف المسلمين، وأخذ العدو بالانسحاب عن ساحة القتال، مولّياً نحو مكّة، خالف الرماة أمر الرسول، وأخْلَوا مكانهم طمعاً في الغنائم، فكلّما نصحهم أميرهم بالبقاء وعدم ترك العينين خالفوه.
ولمّا رأى العدو المنهزم أنّ جبل العينين قد أضحى خالياً من الرماة، وكان جبل العينين يقع على ضفّتين يتخلّلهما معبر، فاستغلّ العدو الفرصة، فأدار خالد بن الوليد من معه من وراء المسلمين، فورد المعسكر من هذا المعبر على حين غفلة منهم، فوضع السيوف فيهم فقتل منهم لفيفاً، إلى أن تحوّل النصر إلى هزيمة، وكان ذلك نتيجة مخالفة المسلمين لوصية الرسول، وتقديماً للاجتهاد على النصّ، والرأي الخاطئ على الدليل، وكم له نظير في حياة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وبعد وفاته!!
3 ـ مخالفتهم في صلح الحديبية:
دخلت السنة السادسة للهجرة، واشتاق النبي إلى زيارة بيت الله، فأعدّ العدّة للعمرة ومعه جمع من أصحابه، وليس معهم من السلاح إلاّ سلاح المسافر، فلمّا وصلوا إلى أرض الحديبيّة، مُنعوا من مواصلة السير، فبعد تبادل الرسل بينه وبين رؤساء قريش اصطلحوا على وثيقة ذكرها أصحاب السيرة في كتبهم، فكانت نتيجة تلك الوثيقة رجوع النبيّ إلى المدينة ومجيئه في العام القابل للزيارة، وقد ذكر فيها شروط للصلح أثارت حفيظة بعض المسلمين، حتّى أنّ عمر بن الخطّاب وثب فأتى أبابكر فقال: أليس برسول الله؟!، قال: بلى، قال: أو لسنا بالمسلمين؟!، قال: بلى، قال: أو ليسوا بالمشركين؟!، قال: بلى، قال: فعلام نعطي الدنيّة في ديننا!!(1)
فقد زعم الرجل أنّ البنود الواردة في صلح النبيّ تعني إعطاء الدنيّة في الدين!!، حتّى أنّ النبيّ أخبرهم حين الشخوص من المدينة؛ أنّ الله سبحانه أراه في المنام أنّ المسلمين دخلوا المسجد الحرام، فلمّا انصرفوا ولم يدخلوا مكة، قالوا: ما حلقنا ولا قصّرنا ولا دخلنا المسجد الحرام، فأنزل الله سبحانه قوله: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ } [الفتح: 27].
ولو أراد المتتبّع أن يتعمّق في السير والتفاسير، يجد أنّ مخالفة القوم للرسول لم تكن مختصّة بموضوع دون موضوع.
4 ـ مخالفتهم في تجهيز جيش أُسامة:
اتّفق المؤرّخون على أنّ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أمر بتجهيز جيش أُسامة، فقال: ((جهّزوا جيش أُسامة، لعن الله من تخلّف عنه))، فقال قوم: يجب علينا امتثال أمره، وأُسامة قد برز من المدينة، وقال قوم: قد اشتدّ مرض النبيّ، فلا تسع قلوبنا مفارقته والحال هذه، فنصبر حتّى ننظر أيّ شيء يكون من أمره.(1)
وكتب الطبري يقول: لقد ضُرب بعث أُسامة، فلم يستتب لوجع رسول الله، وقد أكثر المنافقون في تأمير أُسامة، فخرج النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) على الناس عاصباً رأسه من الصداع لذلك، وقال:(( وقد بلغني أنّ أقواماً يقولون في إمارة أُسامة، ولعمري لئن قالوا في إمارته لقد قالوا في إمارة أبيه من قبله، وإن كان أبوه لخليقاً بالإمارة وانّه لخليق لها، فأنفذوا بعد أُسامة)).
فخرج أُسامة، فضرب بالجرف وأنشأ الناس في العسكر، ونجم طليحة وتمهّل الناس، وثقُل رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) فلم يستتم الأمر، ينظرون أوّلهم آخرهم حتّى توفّى الله عزّ وجلّ نبيّه.(2)
5 ـ مخالفتهم النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في إحضار القلم والدواة:
عن ابن عبّاس قال: لمّا اشتدّ بالنبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وجعه، قال: ((ائتوني بدواة أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده))، قال عمر: إنّ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا، فاختلفوا وكثُر اللّغط، قال(صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): ((قوموا عنّي، ولا ينبغي عندي التنازع)).
فخرج ابن عبّاس يقول: إنّ الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بين رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وبين كتابه.(3)
إنّ الراوي نقل الرواية بالمعنى كي يخفّف من شدّة الصدمة الّتي تحصل فيما لو نقل الرواية بألفاظها، والشاهد على ما نقول أنّ البخاري نفسه روى الرواية بشكل آخر أيضاً، فروى عن ابن عبّاس أنّه كان يقول: يوم الخميس وما يوم الخميس، ثُمَّ بكى حتّى بلَّ دمعه الحصى، قلت: يابن عباس، ما يوم الخميس؟، قال: اشتدّ برسول الله وجعه، فقال: ائتوني بكتف اكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً، فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبيّ تنازع، فقالوا: ما له؟، أهجر، استفهموه.
فقال: ((ذروني، فالّذي أنا فيه خير ممّا تدعونني إليه))، فأمرهم بثلاث، قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، والثالثة خير إمّا أن سكت عنها وإمّا أن قالها فنسيتها.(4)
ولعل الثالثة الّتي نسيها الراوي هو الّذي كان أراد النبيّ أن يكتبه حفظاً لهم من الضلال، ولكن ذكره شفاهاً عوض كتابته، لكن السياسة اضطرت المحدّثين إلى ادّعاء نسيانه.
ولعلّ النبيّ أراد أن يكتب في مرضه تفصيل ما أوجبه عليهم في حديث الثقلين، وتشهد بذلك وحدة لفظهما؛ حيث جاء في الثاني: ((إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي)).
وقد فهم الخليفة ما يريده رسول الإسلام، وحدّث به بعد مدّة من الزمن لابن عبّاس، فقال له يوماً: يا عبد الله إنّ عليك دماء البدن إن كتمتها، هل بقي في نفس عليّ شيء من الخلافة؟
قال ابن عبّاس: قلت: نعم، قال: أو يزعم أنّ رسول الله نصّ عليه؟، قلت: نعم.
فقال عمر: لقد كان من رسول الله في أمره ذروة من قول لا تُثبت حجة ولا تقطع عذراً، ولقد كان يربع في أمره وقتاً ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه، فمنعت من ذلك إشفاقاً وحيطة على الإسلام، فعلم رسول الله أنّي علمت ما في نفسه، فأمسك.(5)
والعجب أنّ أحمد أمين، مع ما يكنّ للشيعة من عداء وقسوة، يعترف بما ذكرنا صراحة، ويقول:
أراد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في مرضه الّذي مات فيه أن يعيّن من يلي الأمر بعده، ففي الصحيحين، البخاري ومسلم، أنّ رسول الله لمّا أصفرّ قال: ((هلمّوا أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده))، وكان في البيت رجال منهم عمر بن الخطّاب، فقال عمر: إنّ رسول الله قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله، فاختلف القوم واختصموا، فمنهم من قال: قرّبوا إليه يكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده، ومنهم من قال: القول ما قاله عمر، فلمّا أكثروا اللّغو والاختلاف عنده (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، قال: (قوموا)، فقاموا، وترك الأمر مفتوحاً لمن شاء، جعل المسلمين طوال عصرهم يختلفون على الخلافة.(6)
هذه نماذج من مخالفة القوم لصريح النصوص الصادرة عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وكلّ ذلك يُعرب عن فقدانهم روح التسليم للنبيّ ولأحكامه، فلم يكونوا ملتزمين بما لا يوافق أهواءهم وأغراضهم من النصوص.
نعم ربّما يوجد بينهم من كان أطوع للنبيّ من الظّل لذي الظّل، ولكنّ المتنفّذين لم يكونوا متعبّدين بالنصوص، فضلاً عن تعبّدهم بالإشارات والرموز، وربّما كانوا يقابلون النبيّ بكلمات عنيفة لا يقابَل بها من هو أقلّ منه شأناً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الملل والنحل: 1/29 ـ 30.
(2) تاريخ الطبري: 2/430 ـ 431.
(3) صحيح البخاري: 1/30 باب كتابة العلم، الطبقات الكبرى: 2/242، وجاء فيه: فقال بعض من كان عنده: إنّ نبيّ الله ليهجُر.
(4) صحيح البخاري: 4/99، باب إخراج اليهود من جزيرة العرب.
(5) شرح نهج البلاغة: 3/17.
(6) يوم الإسلام: 41.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|