أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-11-2018
2116
التاريخ: 2023-04-06
933
التاريخ: 4-12-2016
1907
التاريخ: 2023-06-12
778
|
لا بد من حل :
لقد استمرت قريش في تعذيب من يدخل في دين الإسلام ممن لم يكن لهم عشيرة تمنعهم.
وكان الاستمرار في هذا الوضع غير ممكن ، فقد كان وأصبح لا بد لهؤلاء المعذبين من العثور على موضع أمل لهم ، يساعدهم على تحمل المشاق ، ومواجهة الصعاب ، ويجعلهم أقدر على مقاومة الضغوط التي يتعرضون لها من قبل من رفضوا أن يعترفوا بألوهية وحاكمية فوق ألوهيتهم وحاكميتهم ، وآثروا الاستكبار والعناد على الرضوخ والانقياد.
ومن جهة ثانية : فإن استمرار هذا الوضع الذي يواجهه المسلمون ، المليء بالآلام والمشاق ، لسوف يقلل من إقبال الناس على الدخول في الإسلام ، ما دام أن هذا الدخول لا حصاد له سوى الرعب ، والتعذيب والمصائب.
ومن جهة ثالثة : فقد كان لا بد من تسديد ضربة لكبرياء قريش وجبروتها ـ ولو نفسيا ـ لتدرك : أن قضية الدين تتجاوز حدود تصوراتها وقدراتها ـ وأن عليها : أن تفكر بموضوعية وعقلانية أكثر ، فكان أن اختار رسول الله «صلى الله عليه وآله» للمسلمين الهجرة إلى الحبشة.
وكانت هجرتهم إليها في السنة الخامسة من البعثة.
سر اختيار الحبشة :
وأما عن سر اختيار رسول الله «صلى الله عليه وآله» الحبشة مهاجرا للمسلمين ، فقد أشار إليه «صلى الله عليه وآله» بقوله :
«إن بها ملكا لا يظلم عنده أحد ، وهي أرض صدق» و «إنه يحسن الجوار».
وقد كان من الواضح أنه :
١ ـ كان لا بدّ لقريش من أن تبذل محاولاتها لاسترجاع المسلمين ، لتبقى هي المهيمنة ، وصاحبة الاختيار الأول والأخير في مصير هذا الدين ، الذي تراه يتهدد كبرياءها وشركها ، وانحرافها.
٢ ـ لقد كان لقريش نفوذ في بلاد الروم والشام ، لما كان لها من علاقات تجارية واقتصادية معها ، فالهجرة إلى هذه البلاد إذن سوف تسهل على قريش استرجاع المهاجرين ، أو على الأقل إلحاق الأذى بهم ، ولا سيما إذا كان ملوك تلك البلاد لا يلتزمون بأي من الأصول الأخلاقية والإنسانية ، ولم يكن لديهم مانع من ممارسة أي نوع من أنواع الظلم والجور ، وعلى الأخص بالنسبة لمن ينتسب إلى دعوة يرون أنها تضر بمصالحهم الشخصية ، وتهدد كيانهم وجبروتهم.
وأما بلاد اليمن ، وبعض المناطق العربية والقبلية الأخرى فقد كانت تحت نفوذ النظام الفارسي ، المتجبر والظالم.
ويذكر هنا : أن بعض القبائل عندما عرض عليها النبي «صلى الله عليه وآله» دعوته وطلب منها حمايتها له ، قبلت بذلك ، ولكن مما دون كسرى (١) ، وأما من كسرى ، فلا.
وواضح : أن الالتجاء إلى كسرى لا يقل خطرا عن الالتجاء إلى بلاد الروم ، خصوصا إذا رأى : أن هذا العربي ـ وهو بطبعه كان يحتقر العرب ، ولا يرى لهم حرمة ، ولا شأنا يذكر ـ لسوف يخرج في منطقة قريبة من بلاده ، وقد تسري دعوته إلى بلاده نفسها ، ويؤثر ذلك على الامتيازات الظالمة التي يجعلها لنفسه ، كما يظهر من دراسة طبيعة دعوة ذلك النبي ، وأهدافها.
٣ ـ قد كان لقريش نفوذ قوي في مختلف القبائل العربية ، حتى ما كان منها تحت نفوذ الفرس والروم.
كما ربما يتضح مما ذكرناه في أوائل هذا الكتاب ، فلا نعيد.
٤ ـ ما ذكره النبي «صلى الله عليه وآله» من أن بها ملكا لا يظلم عنده أحد ، فإن كل ذلك يجعلنا نضع أيدينا على السر الحقيقي لاختيار بلاد الحبشة ، البعيدة عن النفوذ الفارسي والرومي والقريشي ، والتي لا يمكن لقريش أن تصل إليها على ظهر جواد أو راحلة ، وإنما بالسفن عبر البحار ، ولم تكن قريش تعرف حرب السفن ، فاختار الرسول «صلى الله عليه وآله» هذه البلاد بالذات لتكون أرضا لهجرة المسلمين ، الذين لا يزالون ضعافا أمام قوة قريش وجبروتها.
ثم إننا نستفيد من قوله «صلى الله عليه وآله» عن أرض الحبشة : إنها أرض صدق : أنه قد كان فيها شعب يعيش على الفطرة ، ويتعامل بالصدق والصفاء ، وربما كان الناس في تلك المنطقة أقرب من غيرهم إلى الالتزام بما تبقى لديهم من تعاليم السيد المسيح «عليه السلام» كما ربما يستفاد مما جرى لجعفر مع ملك الحبشة في أمر عيسى ، فيمكن لهؤلاء الثلة من المسلمين المهاجرين أن يعيشوا مع هؤلاء الناس ، وأن يتعاملوا معهم ، لا سيما وأنها بلاد لم يكن فيها من الانحرافات والأفكار والشبهات ما كان في بلاد الروم والفرس ، التي كانت قد لوثتها المفاهيم والنظريات اللاإنسانية ، والأديان المنحرفة إلى حد بعيد ، ولم تتعرض بلاد الحبشة لمثل ذلك ، فلم تنشأ فيها أديان ، ولا كان فيها علماء وفلاسفة بالمستوى الذي كان في دولتي الروم والفرس فكانت أقرب إلى الفطرة والحق من غيرها.
ولكن هيمنة الفطرة على بلاد الحبشة ليس معناه خلو تلك البلاد عن أي انحراف ، فإن وجود الانحراف فيها أمر طبيعي ، بل إن ذلك على حد قولهم : أهل البلد الفلاني مؤمنون ، أو شجعان ، أو كرماء ، فإن ذلك لا يمنع وجود البخيل والكافر أو الفاسق والجبان فيها.
ومن الواضح : أن المسلمين لو هاجروا إلى بلاد لا تهيمن عليها الفطرة ، وكان لها ملك لا يأبى عن الظلم فلسوف تصعب عليهم الحياة والاستمرار فيها ، ولم يكن لهجرتهم من بلادهم كبير فائدة ، ولا جليل أثر.
الهجرة إلى الحبشة :
وهاجر المسلمون بأمر من رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى الحبشة ، ذهبوا إليها إرسالا على حسب رواية أم سلمة ، (2) ويقال : إنه سافر أولا عشرة رجال وأربع نساء عليهم عثمان بن مظعون (3) ، ثم خرج آخرون حتى تكاملوا في الحبشة اثنين أو ثلاثا وثمانين رجلا ، إن قلنا إن عمار بن ياسر كان معهم ، وتسع عشرة امرأة عدا الأطفال.
وقد كانت هذه الهجرة في السنة الخامسة من البعثة كما نص عليه عامة المؤرخين.
ولكن عند الحاكم : أن هجرة الحبشة قد كانت بعد وفاة أبي طالب (4) ، وهو إنما توفي في السنة العاشرة من البعثة.
إلا إذا كان الحاكم يتحدث عن هجرة جديدة قام بها بعض المسلمين في هذا الوقت ، لعلها عودة الراجعين إلى مكة بعد سماعهم بالهدنة ، ففوجئوا بالعكس فعادوا أدراجهم ، ولكننا لا نملك شواهد تؤيد أن ذلك كان في تلك السنة بالذات.
وكيف كان فإننا نقول :
إننا نرجح : أنه لم يكن سوى هجرة واحدة للجميع ، عليها جعفر بن أبي طالب «عليه السلام» ، الذي لم يكن غيره من بني هاشم فلم يكن ثمة هجرتان ، عشرة أولا ، ثم الباقون ثانيا ، وإن كان خروجهم إنما كان إرسالا حفاظا على عنصر السرية ، وذلك بدليل الرسالة التي وجهها الرسول «صلى الله عليه وآله» إلى ملك الحبشة مع عمرو بن أمية الضمري ، والتي جاء فيها :
«قد بعثت إليكم ابن عمي جعفر بن أبي طالب ، معه نفر من المسلمين ، فإذا جاؤوك فأقرهم الخ ..» (5).
وهذا هو الظاهر من رواية أخرى عن أبي موسى ، قال : «أمرنا رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن ننطلق مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض النجاشي الخ ..» (6). وإن كانت هجرة أبي موسى هذه محل شك كما سنرى.
أمير الهجرة جعفر :
ونعتقد : إن هجرة جعفر إلى الحبشة ، لم تكن بسبب تعرضه للتعذيب من قبل قريش ، فقد كانت قريش تخشى مكانة أبي طالب ، وتراعي جانبه ، وجانب بني هاشم بصورة عامة ، وإنما أرسله النبي «صلى الله عليه وآله» مع المهاجرين ليكون أميرا عليهم ، ومدبرا لأمورهم ، ومشرفا على شؤونهم ومصالحهم ، وحافظا لهم من أن يذوبوا في هذا المجتمع الجديد ، كما كان الحال بالنسبة إلى ابن جحش الذي تنصر في الحبشة.
من هو أول مهاجر إلى الحبشة؟ :
ويقولون : إن عثمان بن عفان كان أول من هاجر إلى الحبشة بأهله ، وأن النبي «صلى الله عليه وآله» قد قال عنه بهذه المناسبة : إنه أول من هاجر بأهله بعد لوط «عليه السلام» (7).
وقيل : إنه كان أول خارج أيضا (8).
ونحن نشك في ذلك ، لأنه إن أريد أنه أول من هاجر بأهله ، فإن أبا سلمة ـ كما يقولون ـ هو أول من هاجر بأهله (9).
وإن أريد أنه أول خارج بنفسه ، فإننا نجد أنهم يقولون : إن أول خارج كان حاطب بن أبي عمر (10) ، أو سليط بن عمرو (6).
كما أنهم يقولون : مثل ذلك عن أبي سلمة فراجع ، وستأتي الإشارة إلى هذا إن شاء الله تعالى.
هجرة أبي موسى إلى الحبشة لا تصح :
روى الإمام أحمد بسند حسن ، وغيره : أن أبا موسى الأشعري كان في جملة من هاجر إلى الحبشة في الهجرة الأولى (12).
ولكن الظاهر هو : أن هذا وهم أو إدراج عمدي من الراوي ، فإن أبا موسى لم يسلم إلا في المدينة في السنة السابعة من الهجرة.
وقيل : إنه خرج في جماعة إلى النبي «صلى الله عليه وآله» فألقتهم سفينتهم إلى الحبشة ، فجاؤوا مع مهاجري الحبشة إلى المدينة ، في سنة سبع من الهجرة (13).
ويظهر : أن ذلك قد حدث بعد الهجرة إلى المدينة ، إذ لم يكونوا ليقدموا على قصده «صلى الله عليه وآله» إلى مكة ، ولا ليقيموا هذه السنوات الطويلة في الحبشة.
والظاهر : أنه التقى بمهاجرة الحبشة في الطريق ، فقد قال العسقلاني : «صادفت سفينته سفينة جعفر بن أبي طالب ، فقدموا جميعا» (14).
رقة عمر للمهاجرين :
ويقولون : إن عمر رأى المهاجرين ، وهم يتهيأون للخروج إلى الحبشة ، فرقّ لهم ، وأحزنه ذلك (15).
وذلك لا يصح ، لأن خروجهم كان سرا ، متسللين ، منهم الراكب ، ومنهم الماشي ، حتى انتهوا إلى البحر فوجدوا سفينة فأقلتهم فخرجت قريش في آثارهم حتى جاؤوا البحر ، فلم يجدوا أحدا منهم (16).
هذا كله ، عدا عن شدة عمر وغلظته ، التي تدعى له قبل وبعد الهجرة إلى الحبشة على من أسلم ، وتعذيبه لمن قدر عليه منهم ، فإن ذلك لا يتناسب مع ما يقال عنه هنا.
__________________
(١) السيرة الحلبية : ج ٢ ص ٥ وص ١٦ ، والسيرة النبوية لابن كثير : ج ٢ ص ١٦٨.
(2) السيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ١٧ ، والبداية والنهاية ج ٣ ص ٧٢ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٢٩٠ عن الصفوة والمنتقى.
(3) سيرة ابن هشام ج ١ ص ٣٤٥ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ٥ ، والبداية والنهاية ج ٣ ص ٦٧ ، والسيرة الحلبية ج ١ ص ٣٢٤ ، قال : وبه جزم ابن المحدث في سيرته ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٢٨٨.
(4) مستدرك الحاكم : ج ٢ ص ٦٢٢.
(5) البداية والنهاية ج ٣ ص ٨٣ ، والبحار ج ١٨ ص ٤١٨ ، وإعلام الورى ص ٤٦ ـ ٤٥ عن قصص الأنبياء.
(6) البداية والنهاية ج ٣ ص ٧٠ عن أبي نعيم في الدلائل ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ١١.
(7) البداية والنهاية ج ٣ ص ٦٦ عن ابن إسحاق ، والسيرة الحلبية ج ١ ص ٣٢٣ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٢٨٩ و ٢٧٥.
(8) سيرة ابن هشام ج ١ ص ٣٤٤ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٦٦ عن البيهقي ، والسيرة الحلبية ج ١ ص ٢٢٣.
(9) الإصابة ج ٢ ص ٣٣٥ ، وراجع ج ٤ ص ٤٥٨ و ٤٥٩ والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج ٢ ص ٣٣٨ عن : مصعب الزبيري ، وتهذيب الأسماء واللغات ج ٢ ص ٣٦٢ ، وأسد الغابة ج ٣ ص ١٩٦ عن أبي عمر ، وابن مندة ، والسيرة الحلبية ج ١ ص ٣٢٣ ، وذخائر العقبى : ص ٢٥٣.
(10) الإصابة ج ١ ص ٣٠١ ، والسيرة الحلبية ج ١ ص ٣٢٣.
(11) السيرة الحلبية ج ١ ص ٣٢٣.
(12) راجع : سيرة ابن هشام ج ١ ص ٣٤٧ ، والبداية والنهاية ج ٣ ص ٦٧ و ٦٩ و ٧٠ عن ابن إسحاق وأحمد وعن أبي نعيم في الدلائل والسيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ٧ و ٩ ، وفتح الباري ، ج ٧ ص ١٤٣ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ٢٤ عن الطبراني وحلية الأولياء ج ١ ص ١١٤.
(13) راجع : السيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ١٤ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٧١.
(14) الإصابة : ج ٢ ص ٣٥٩.
(15) البداية والنهاية ج ٣ ص ٧٩ عن ابن إسحاق ، ومجمع الزوائد ج ٦ ص ٢٤ ، ومستدرك الحاكم ج ٤ ص ٥٨ والطبراني ، والسيرة الحلبية ج ١ ص ٣٢٣ و ٣٢٤.
(16) السيرة الحلبية ج ١ ص ٣٢٤ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٢٨٨ و ٢٨٩ عن المنتقى والطبري ج ٢ ص ٦٩ وراجع البدء والتاريخ ج ٤ ص ١٤٩ ، وإعلام الورى ص ٤٣ واليعقوبي ج ٢ ص ٢٩ وزاد المعاد لابن القيم ج ٢ ص ٤٤.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|