المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16642 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
احكام المصدود
2024-06-26
احكام المحصور
2024-06-26
احكام المحصر والمصدود
2024-06-26
احكام الاضحية
2024-06-26
حكم المحارب
2024-06-26
تعريف الجهاد وشروطه
2024-06-26

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


قصة موت سليمان (عليه السلام)  
  
2990   01:49 صباحاً   التاريخ: 23-4-2021
المؤلف : الدكتور محمود البستاني.
الكتاب أو المصدر : قصص القران الكريم دلاليا وجماليا  .
الجزء والصفحة : ج2،ص201- 228.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / قصص قرآنية / قصص الأنبياء / قصة النبي سليمان وقومه /

 

بالنسبة إلى اقصوصة سليمان تظل الخطوط المشتركة بينها وبين سابقتها من الوضوح بمكان كما سنرى، مضافا إلى خطوط عامة تتناسق مع الهدف الرئيس للأقاصيص، ولكن من جانب آخل تظل السمة الاستقلالية لها متميزة أيضا.

إذن لنتحدث عن الاقصوصة المذكورة، فنقول:

تتضمن اقصوصة سليمان (عليه السلام) في سورة «سبأ» رسما لظواهر إعجازية على نحوما لحظناه في اقصوصة داود (عليه السلام).

إنها تعد امتدادا للاقصوصة السابقة من حيث الهدف الفكري لأقاصيص السورة بأكملها، ومن حيث رسمها لتفصيلات تحوم على الهدف المذكور، لكنها في نطاق متميز يختلف من اقصوصة لاخرى.

ففي اقصوصة سبأ وهي ثالثة الأقاصيص من حيث التسلسل لحظنا أن الهدف كان حائما على نعم السماء على السبئيين ومطالبتهم بالشكر، لكنهم تمردوا على العطاءات المذكورة.

وفي اقصوصة داود لحظنا أن الهدف كان حائما على الفضل أيضا، ومطالبة الآخرين بأن يعملوا صالحا شكرا على نعم السماء.

وفي اقصوصة سليمان (عليه السلام) فيما نحن الآن في صددها يظل الرسم بدوره حائما على النعم والمطالبة بالشكر عليها.

إذن الأقاصيص بأكملها تحوم على هدف واحد ومطالبة واحدة، لكنها تتمايز فيما بينها بالتفصيل في رسم النعم وبالاستجابة التي يختلف فيها قوم عن آخرين حيال النعم.

ولكن، لنقرأ أولا نصوص الاقصوصة، لنصل بعدها بينها وبين الاقصوصتين سبأ وداود:

{ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر}

{وأسلنا له عين القطر}

{ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه}

{ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير}

{يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل}

{وجفان كالجواب وقدور راسيات}

{اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور}

{فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض}

{تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب}

{ما لبثوا في العذاب المهين}

تبدأ الاقصوصة كما لحظنا برسم الفضل الذي أغدقته السماء على سليمان بعد داود.

 

لقد كانت الجبال والطير ظاهرتين إعجازيتين سخرتهما السماء لداود.

وكانت الظاهرة الثالثة، هي إلانة الحديد لداود (عليه السلام) بصفته ـ أي الحديد ـ مادة لعمل صناعي.

وحين نتجه لسليمان (عليه السلام) نجد أيضا تسخير السماء ظاهرتين اعجازيتين هما:

الريح، والجن. ونجد أيضا ظاهرة ثالثة تشكل مظهرا لعمل صناعي بدوره هو:

عمل المحاريب والتماثيل والجفان والقدور.

إذن في الاقصوصتين داود وسليمان نلحظ مبنى هندسيا بالغ الجمال والإثارة من حيث وحدة الظاهرة الإعجازية ومفرداتها، من حيث توازن هذه المفردات وتماثلها عددا وشكلا.

ففي كل اقصوصة ظاهرتان تنتسبان إلى المعجز:

أولا: في اقصوصة داود جبال وطير. وفي اقصوصة سليمان (عليه السلام) ريح وجن.

ثانيا: في اقصوصة داود (عليه السلام)، تسخير للظاهرتين المذكورتين. وفي اقصوصة سليمان (عليه السلام)تسخير لهما أيضا.

ثالثا: في اقصوصة داود نمطان من القوى المسخرة: جماد وحيوان.

في اقصوصة سليمان نمطان أيضا من القوى المسخرة: جماد أيضا وقوة اخرى هي: الجن فيما كانت القوة الاخرى هي الطير في اقصوصة داود.

رابعا: القوتان المسخرتان في الاقصوصتين تمتلك إحداهما وعيا ـ حسب الإدراك المألوف للوعي من حيث الاستجابة البشرية العادية ـ هما الطير في اقصوصة داود، والجن في اقصوصة سليمان (عليه السلام)، وتفتقد الاخرى الوعي وهما:

الجبال في قصة داود (عليه السلام) والريح في قصة سليمان (عليه السلام).

خامسا: الاقصوصتان تنطويان على ظاهرة ثالثة هي: ممارسة عمل صناعي صناعة الدروع في اقصوصة داود وصناعة المحاريب والتماثيل والجفان والقدور في اقصوصة سليمان.

سادسا: الاقصوصتان ترسمان شخصيات تنتسب إلى النبوة داود وسليمان.

هذه الخصائص الجمالية الست، تضاف إليها خصائص جمالية اخرى عندما نتابع تفصيلات القصة.

لكن، حسبنا أن نشير إلى هذه السمات الفنية، بالغة الدهشة والإثارة والجمال من حيث البناء الهندسي المتقن الذي يقابل ويوازن ويوازي ويماثل بين خطوط الرسم على النسق الهندسي المذكور، فيما ينبغي أن نقف عنده مليا، بغية أن نتذوق جمالية البناء المحكم للاقصوصتين، وصلة إحداهما بالاخرى فكريا وفنيا على النحوالذي لحظناه.

والآن حين ندع الإمتاع الفني الكبير الذي لحظناه في الاقصوصتين، ونتجه إلى اقصوصة سليمان بمفردها بغض النظر عن صلتها باقصوصة داود ـ ولنا عودة إلى التواشج الفني بينهما لاحقا ـ، أقول: حين نتجه إلى اقصوصة سليمان ونتابع الأجزاء اللاحقة منها، حينئذ نلحظ أن الاقصوصة تنهي حياة سليمان بعد أن ترسم نهاية خاصة لحياته التي سبقتها تلك التفصيلات المدهشة عن الريح وأسفارها وعن الجن وأعمالهم.

هذه الحياة المدهشة ترسمها الاقصوصة عبر خاتمة مدهشة أيضا تتفاوت النصوص المفسرة في تفصيلاتها كما سنرى، كما أنها تصل بين هذه الخاتمة وبين استجابة إحدى القوى المسخرة لسليمان (عليه السلام) ونعني بها: الجن حيال الخاتمة المذكورة.

ولا يغب عن بالنا أيضا أن الاقصوصة تطرح خلال رسمها للفضل أو النعم التي أغدقتها السماء على سليمان (عليه السلام)،... ترسم لنا هذه الفقرة:

ثم ما هي الأسرار الفنية وراء الطريقة التي رسمت عبر مفارقة سليمان الحياة ؟

وأخيرا: ما هي الأسرار الفنية لاستجابة الآدميين عن شخوص الجن بخاصة حيال موت سليمان (عليه السلام) ؟.

لقد ختمت اقصوصة سليمان (عليه السلام) على النحو الآتي:

{فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين}

ونحن قبل أن نعرض للنصوص المفسرة، يعنينا أن نتقدم إلى التفسير الفني الصرف، مشفوعا بالنصوص الموثوق بها. وهي نصوص تتلاءم مع التذوق الجمالي الصرف الذي تستهدفه السماء، حينما تخضع الاقصوصة لعمليات الكشف الفني لدى المتلقين.

إننا بعيدا ـ في البدء ـ عن النصوص المفسرة، يمكننا أن نستخلص جملة من الدلالات الفنية لهذه الخاتمة من الاقصوصة.

إن أول ما يثيره المتلقي من الأسئلة، هو السؤال عن الصلة الفنية بين الحديث عن تسخير الرياح، والجن، و... لسليمان (عليه السلام) وبين صياغة النهاية من عمره الكريم بالنحو المتقدم.

ترى: هل يعني ذلك أن السماء تريد أن تقول لنا: إن الحياة حتى في مستوياتها غير المألوفة، من تسخير للجن والرياح والإنس... إلى آخره، تظل مجرد مسافة محددة من الزمان والمكان بحيث تنتهي ـ مع خطورة الأحداث المعجزة التي رافقت سليمان ـ إلى تلك النهاية التي رافقت موته، من حيث لم تدل الآخرين على موته إلا الأرضة التي أكلت عصا سليمان (عليه السلام)، وإلى أن الجن لو كانوا يعلمون بذلك ما لبثوا في العذاب المهين ؟!

إن مثل هذ الاستخلاص من الممكن أن يطمأن إليه لو أن النهاية قد صيغت بنحو يتحدد من خلاله أن الأرضة بمقدورها أن تحسم حياة شخصية سخرت لها كل القوى.

بيد أن ربط ذلك بشخوص الجن وعدم علمهم بموته، قد لا يسعف المتلقي بالاطمئنان إلى التفسير المذكور إلا في نطاق محدد بحيث يشكل جزء من دلالات مختلفة، وليس التفسير النهائي له. إذن لنتجه إلى استخلاص آخر.

تقول بعض النصوص المفسرة: إن سليمان (عليه السلام) قال لأصحابه يوما:

«إن الله قد وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي»

وإلى أنه ذات يوم صعد إلى مقصورته متكئا على عصاه،... وإذا بملك الموت يخبره بنهاية حياته.

وطبيعيا أن يستجيب سليمان لهذه النهاية استجابة المسرور بلقاء الله سبحانه وتعالى، حيث خاطب ملك الموت بقوله:

«امض لما امرت به، فهذا يوم سروري، وأبى الله عز وجل أن يكون لي سرور دون لقائه».

وواضح من خلال هذه الإجابة أن سليمان (عليه السلام) قد غمره السرور الخالد الذي من أجله قد انتقته السماء ووهبت له ملكا لا ينبغي لأحد مثله.

وهذا يعني أن سليمان نفسه قد لفت الانتباه إلى أن لقاء الله هو السرور الخالد وليس السرور الدنيوي الذي يمثل فحسب مسافة محددة من الزمن وحتى هذا السرور، أي: السرور الدنيوي، إنما هو من أجل السماء.

وتبعا لذلك استسلم سليمان (عليه السلام) للموت وهو متكئ على عصاه.

وتقول النصوص المفسرة: إن سليمان (عليه السلام) بقي متكئا على عصاه وهو ميت دون أن يعلم أحد أنه ميت فعلا لمدة طويلة من الزمن.

وواضح أن بقاءه ميتا ـ وهو متكئ على عصاه ـ دون أن يسقط على الأرض، يظل حدثا معجزا آخر يضاف إلى سليمان في غمرة الأحداث المعجزة التي اكسبته السماء إياه، مما يعني أن السماء حتى في حالة موته قد أمدته بعناية خاصة.

وإلى هنا تكون النهاية لحياة سليمان (عليه السلام) امتدادا لعناية السماء بشخصيته حتى بعد الموت.

وفي ضوء هذا يطرح التساؤل عن صلة الأرضة التي أكلت عصاه بعد مدة من الزمن، حتى سقط على الأرض بعد ذلك.

طبيعيا من الممكن أن نستخلص من حادثة الأرضة أن السماء كانت في صدد تبيين المعجز في حياة سليمان وموته، وإلى أن الإعجاز المتصل بموته قد تحقق في معرفة الآخرين بأن سليمان (عليه السلام) بقي مدة طويلة ميتا لم يسقط على الأرض، بل بقي متكئا على عصاه التي تشكل بدورها ملمحا إعجازيا.

ومع تحقق مثل هذا المعجز، فإن ما بعده من الأحداث لم يكن ضروريا إلا بمقدار ما يتدخل أحد الأسباب، وهو الأرضة، ليعيد كل شيء إلى وضعه المألوف.

ولو انسقنا مع مثل هذا التفسير الذي استخلصناه من صلة الأرضة بالعصا، حينئذ من الممكن أن يستخلص المتلقي أن أبسط مخلوق بمقدوره ـ من خلال قدرة السماء ـ أن يعيد الشيء إلى وضعه الطبيعي بأن ينخر في العصا حتى يسقطها مع سليمان، مع ملاحظة أن سليمان في بقائه متكئا على عصاه وهو ميت إنما تم من خلال ما هو معجز من السماء.

ولكن السماء نفسها تجعل من قدراتها غير المتناهية سببا لإبطال فاعلية المعجز المذكور من خلال فاعلية جديدة أودعتها لدى الأرضة لتمارس ما هو مألوف في أذهان الآخرين.

ومع هذه الدلالة لصلة الأرضة بالعصا، حينئذ فإن الدلالة الاولى التي سبق أن قلنا: إن الاطمئنان إليها لم يكن قويا إلا إذا ارتبطت بدلالة اخرى، هي ما أوضحناه الآن من الصلة بين الأرضة والعصا، وإلى أن تسخير المعجز من الممكن أن ينطوي بحيث تستطيع الأرضة ـ وهي في خبرة الآدميين أمر مألوف ـ أن تتدخل سببا من السماء لمحو ما هو غير مألوف في خبرة الآدميين.

ومن الطبيعي أيضا، في ضوء ما تقدم أن يتداعي ذهن المتلقي إلى حقيقة الحياة العابرة التي تظل ـ في الحالات كلها ـ مشفوعة بخاتمة، بنهاية، مهما شمخت، فإنها مقترنة بالزوال، بل بأسباب تبدو و كأنها لا قيمة لها مثل: الأرضة.

ثمة نص تفسيري آخر يحدد الصلة بين الأرضة والعصا،... يقول هذا النص:

إن سليمان (عليه السلام) قد اوحي إليه بأن موته سيكون على الأرضة المذكورة، وإلى أ نه ما أن تم التعرف على ذلك حتى جرت الأحداث على نحو ما أوضحناه سابقا.

والمهم: سواء أتعرف سليمان منذ البداية على الطريقة التي توفي من خلالها، أو لم يتعرف عليها، فإنه في الحالتين تظل صلة الأرضة بــ المنسأة وصلتهما بالظواهر المعجزة، وبالظواهر المألوفة،... وصلة اولئك جميعا بقدرات السماء ومعطياتها، ثم بحقيقة الحياة العابرة، ومقارنة السرور المقترن بها مع السرور بلقاء الله... كل ذلك من الممكن أن يستخلصه المتلقي في ضوء النصوص المفسرة، وفي ضوء التذوق الفني الخالص.

بيد أن الأمر لا يقف عند استخلاص الدلالة الحائمة على صلة الأرضة بالعصا، بل بالصلة القائمة أيضا بين استجابة الآدميين أو استجابة شخوص الجن للموت المذكور من حيث عدم العلم بذلك. ترى: ما هي الأسرار الفنية وراء الموت، حيث لم يتعرف الآخرون عليه ؟

من الممكن أن نستخلص جملة من الدلالات الحائمة على موت سليمان (عليه السلام) وصلة ذلك بعدم معرفة الإنس أو الجن بموته.

ثمة نص مفسر يذهب إلى أن الجن والإنس، قد استمروا في خدمة سليمان (عليه السلام) ـ وهو ميت دون أن يعرفوا ذلك مادام متكئا على عصاه ـ حتى دبت الأرضة وظهر كل شيء.

وتقول بعض النصوص المفسرة: إن الآدميين قد عرفوا وقوفه بنحوه المعجز حينما وجدوه واقفا على عصاه مدة من الزمن لم يتعب، ولم ينم ولم يأكل ولم يشرب، فاختلفوا في تأويل ذلك حتى نسبه بعضهم إلى الآلهة، وبعضهم إلى السحر، وبعضهم إلى إعجاز الله... حتى دبت الأرضة فبان كل شيء.

وفي ضوء هذا التفسير يمكننا أن نحدد صلة الأرضة بالعصا، مادام الأمر يحسم الموقف الذي غلف الناس، وهو موقف يتطلب ـ دون أدنى شك ـ تدخلا من السماء لإبانة الحقيقة مادام الآخرون قد وقعوا في متاهات لم ترتضها السماء.

بيد أ نه صلة ذلك باستجابة البشر أو الجن حيال الموت نفسه لم تتضح بعد، إلا إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن انكشاف الموقف مرتبط بالنظرة الذاهبة إلى أن الجن لم يحيطوا علما بكل شيء كما هو مرتكز في أذهان عامتهم، أو أذهان عامة الآدميين، وإلا لاخبروا بموته، ووضعوا حدا لتلك التساؤلات التي نسبت الموقف حينا إلى الالوهية، وحينا إلى السحر، وحينا إلى حقيقة الأمر المعجز.

إن المفسرين يترددون أولا بين الذهاب إلى أن الجن هم الذين تبين لهم أنهم لو كانوا يعلمون الغيب ـ أي: بموت سليمان ـ لما ظلوا يخدمونه طيلة هذه المدة ويتحملون العذاب من أجل ذلك، أو أن عامتهم هم الذين كان يخيل إليهم أن رؤساءهم كانوا يوحون إليهم بعلمهم الغيب، حتى ينكشف لهم زيف الإيحاء المذكور.

وهناك من يذهب إلى أن الإنس هم الذين تبين لهم أن الجن لا يعلمون الغيب بعد أن كانوا يوهمونهم بالعلم.

وأيا كان الأمر، فإن التساؤل هو: هل إن الاقصوصة في صدد توضيح أن العلم بالغيب لم يتوفر عليه حتى شخوص الجن الذين عرفوا في أذهان الآدميين بأنهم ينقلون أخبار الغيب ؟

إن هذا الاحتمال يقترب من اليقين، إن لم يكن هو اليقين حقا، مادامت الاقصوصة نفسها تصرح بوضوح أن الجن لم يعرفوا حقيقة الموقف إلا بعد أن دبت الأرضة.

نخلص مما تقدم أن النهاية التي ختمت بها اقصوصة سليمان (عليه السلام) تحمل جملة من الدلالات المتنوعة التي ينبغي أن يقف المتلقي عندها:

1 ـ ثمة حقيقة متصلة بصياغة النهاية الحتمية للكائن الآدمي، مهما اقترنت شخصيته بظواهر التسخير المعجز.

2 ـ إن الظواهر المعجزة غير المألوفة من الممكن أن تحسم بظواهر غير مألوفة عند الآدميين وغيرهم، مادام الأمر في الحالتين موكولا إلى السماء.

3 ـ إن الشخصيات التي تخلص في مهمتها العبادية، تظل في رعاية السماء التي لا حد لمعطياتها، بنحو يصل حتى إلى الإعجاز المتصل بطريقة الموت.

4 ـ إن لقاء الله تعالى وما يقترن به من مشاعر السرور، يظل أشد فاعلية من السرور الدنيوي الذي تتيحه السماء لعبادها المخلصين.

5 ـ إن العلم بالغيب لم يتح لأية شخصية، بما فيها شخوص الجن.

6 ـ إن إبراز الدلالات المذكورة قد صيغ بنحو فني غير مباشر، مما يتسع لدلالات اخرى من الممكن أن يستخلصها المتلقي على نحو ما لحظناه من نصوص التفسير المتفاوتة، فضلا عن الاستخلاص الفني الصرف الذي يمكن لكل متلق أن يكشفه، تبعا لخبراته المتنوعة في عملية التذوق.

وبعامة فإن اقصوصة سليمان (عليه السلام) تنتهي بحادثة الموت التي انتهينا من الوقوف عندها.

وكانت هذه الاقصوصة من حيث التسلسل، عقيب اقصوصة داود (عليه السلام).

كما أن اقصوصة البلدة الطيبة ـ حسب تسلسلها في السورة ـ تجيء عقيب اقصوصة سليمان (عليه السلام) التي مهدت لها كما سبق التوضيح.

وبما أن الأقاصيص الثلاثة جاءت متعاقبة متسلسلة، فإن ذلك يعني أنها تحوم على هدف محدد يشدد النص القرآني الكريم عليه، ولكن من خلال أقاصيص متنوعة يحمل كل منها خصائص الهدف الفكري المشترك فيما بينها، كما يستقل برسم أهداف ثانوية تضطلع كل اقصوصة بتوضيحها.

فاقصوصة داود (عليه السلام) حامت على ظاهرة العمل الصالح الذي طالبت به، في حين

أوضحت اقصوصة سليمان (عليه السلام) ملامح العمل المذكور، متمثلة في المطالبة بالشكر على معطيات السماء.

أما اقصوصة سبأ فقد جسدت النماذج السلبية التي لم تمارس عملية الشكر مما انتهى المطاف بها إلى تمزيقهم وإزالة النعم عنهم.

وكانت الأقاصيص الثلاثة مقترنة برسم ما هو معجز أو مدهش على الأقل ـ من معطيات السماء ـ بدء من الجبال والطير، مرورا بإلانة الحديد وإسالة النحاس، وانتهاء بعمل المحاريب والتماثيل... إلى آخره.

واقترنت أيضا برسم معطيات العمل الصناعي فيما شددت عليه في قصتي داود وسليمان (عليه السلام) وبرسم معطيات البيئة الزراعية فيما شددت عليه في قصة سبأ.

كما شددت الأقاصيص الثلاثة على تنوع الممارسات العبادية التي وظفت البيئات المذكورة من أجلها حتى اقترنت بإشباع ما هو مترف من الحاجات لكائنات اعتيادية لم تنتسب إلى النبوة من نحو: أهالي سبأ الذين هيأت لهم حتى طرق المواصلات بين داخل المدينة وخارجها بحيث تفردوا في الخصائص الجمالية التي تشيع مزيدا من الحاسة المتصلة بها. ومثلها ـ من حيث الإشباع الجمالي ـ آل داود الذين صنعت لهم التماثيل والمحاريب المصنوعة وفق جمالية فائقة، كما تشرح ذلك نصوص التفسير.

وهذا كله يتم وفق بناء هندسي، عبر الأقاصيص الثلاثة التي تحدثنا عنها مفصلا فيما لا حاجة إلى إعادة الكلام فيها.

وبهذا ينتهي حديثنا عن القصص التي انتظمت سورة «سبأ» وهي قصص يرتبط بعضها مع الآخر بعلاقة بين الأبطال: نسبا وفكرا، والبعض مستقل تماما في مادته وعناصره... إلى آخره.

    

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .