المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24



مناظرة الامام الرضا (عليه السلام) مع علماء الملل و الأديان  
  
21859   04:08 مساءً   التاريخ: 19-05-2015
المؤلف : الشيخ عباس القمي
الكتاب أو المصدر : منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل
الجزء والصفحة : ج2,ص376-387.
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام علي بن موسى الرّضا / التراث الرضوي الشريف /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-7-2016 3327
التاريخ: 30-7-2016 3205
التاريخ: 30-7-2016 3006
التاريخ: 31-7-2016 2713

روى الشيخ الصدوق عن الحسن بن محمد النوفلي الهاشمي انّه قال: لمّا قدم عليّ بن موسى الرضا (عليهما السّلام) على المأمون أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات مثل الجاثليق‏  و رأس الجالوت‏  و رؤساء الصابئين‏  و الهربذ  الأكبر و أصحاب زردهشت و نسطاس الروميّ‏  و المتكلمين ليسمع كلامه و كلامهم ؛ فجمعهم الفضل بن سهل ثم أعلم المأمون باجتماعهم فقال: أدخلهم عليّ ففعل فرحّب بهم المأمون ثم قال لهم: إني إنّما جمعتكم لخير و أحببت أن تناظروا ابن عمّي هذا المدنيّ القادم عليّ فإذا كان بكرة فاغدوا عليّ و لا يتخلف منكم أحد فقالوا: السمع و الطاعة يا أمير المؤمنين نحن مبكّرون إن شاء اللّه تعالى .

قال الحسن بن محمد النوفليّ: فبينا نحن في حديث لنا عند أبي الحسن الرضا (عليه السلام) إذ دخل علينا ياسر الخادم و كان يتولّى أمر أبي الحسن (عليه السلام) فقال: يا سيديّ إنّ أمير المؤمنين يقرئك السلام و يقول: فداك أخوك إنّه اجتمع إليّ أصحاب المقالات و أهل الأديان و المتكلّمون من جميع الملل فرأيك في البكور إلينا إن أحببت كلامهم و إن كرهت ذلك فلا تتجشّم و إن أحببت أن نصير إليك خفّ ذلك علينا .

فقال أبو الحسن (عليه السلام) : أبلغه السلام و قل له: قد علمت ما أردت و أنا صائر إليك بكرة إن شاء اللّه تعالى .

قال الحسن بن محمد النوفلي: فلمّا مضى ياسر التفت إلينا ثم قال لي: يا نوفليّ أنت عراقي و رقّة العراقيّ غير غليظة فما عندك في جمع ابن عمّك علينا أهل الشرك و أصحاب المقالات؟

فقلت: جعلت فداك يريد الامتحان و يحبّ ان يعرف ما عندك و لقد بنى على أساس غير وثيق البنيان و بئس و اللّه ما بنى .

 فقال لي: و ما بناؤه في هذا الباب؟ قلت: إنّ أصحاب الكلام و البدع خلاف العلماء و ذلك انّ العالم لا ينكر غير المنكر و أصحاب المقالات و المتكلّمون و أهل الشرك أصحاب إنكار و مباهتة و إن احتججت عليهم أنّ اللّه تعالى واحد قالوا: صحّح وحدانيّته و إن قلت: إنّ محمدا رسول اللّه (صلى الله عليه واله) قالوا: أثبت رسالته ثم يباهتون الرجل و هو يبطل عليهم بحجّته‏

و يغالطونه حتى يترك قوله فاحذرهم جعلت فداك .

 قال: فتبسّم (عليه السلام) ثم قال: يا نوفليّ أ تخاف أن يقطعوا عليّ حجّتي؟ قلت: لا و اللّه ما خفت عليك قطّ و انّي لأرجو أن يظفرك اللّه بهم إن شاء اللّه تعالى فقال لي: يا نوفلي أ تحبّ أن تعلم متى يندم المأمون؟ قلت: نعم .

قال: إذا سمع احتجاجي على أهل التوراة بتوراتهم و على أهل الانجيل بإنجيلهم و على أهل الزبور بزبورهم و على الصابئين بعبرانيتهم و على أهل الهرابذة بفارسيتهم و على أهل الروم بروميّتهم و على أصحاب المقالات بلغاتهم فإذا قطعت كلّ صنف و دحضت حجته و ترك مقالته و رجع إلى قولي علم المأمون انّ الموضع الذي هو بسبيله ليس هو بمستحق له فعند ذلك تكون الندامة منه و لا حول و لا قوّة الّا باللّه العليّ العظيم ؛ فلمّا أصبحنا أتانا الفضل بن سهل فقال له: جعلت فداك إنّ ابن عمك ينتظرك و قد اجتمع القوم فما رأيك في إتيانه؟ فقال له الرضا (عليه السلام) : تقدّمني فانّي صائر إلى ناحيتكم إن شاء اللّه .

ثمّ توضّأ (عليه السلام) وضوء الصلاة و شرب شربة سويق و سقانا منه ثم خرج و خرجنا معه حتى دخلنا على المأمون فإذا المجلس غاصّ بأهله و محمد بن جعفر في جماعة الطالبيين و الهاشميين و القوّاد حضور فلمّا دخل الرضا (عليه السلام) قام المأمون و قام محمد بن جعفر و قام جميع بني هاشم فما زالوا وقوفا و الرضا (عليه السلام) جالس مع المأمون حتى أمرهم بالجلوس فجلسوا فلم يزل المأمون مقبلا عليه يحدّثه ساعة ؛ ثم التفت الى جاثليق فقال: يا جاثليق هذا ابن عمّي عليّ بن موسى بن جعفر و هو من ولد فاطمة بنت نبيّنا و ابن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فأحبّ أن تكلّمه و تحاجّه و تنصفه فقال الجاثليق: يا أمير المؤمنين كيف أحاجّ رجلا يحتجّ عليّ بكتاب أنا منكره و نبيّ لا أؤمن به ؟

فقال له الرضا (عليه السلام) : يا نصرانيّ فإن احتججت عليك بانجيلك أ تقرّ به؟ قال الجاثليق:

و هل أقدر على دفع ما نطق به الانجيل؟ نعم و اللّه أقرّ به على رغم أنفي .

فقال له الرضا (عليه السلام) : سلّ عمّا بدا لك و أفهم الجواب قال الجاثليق: ما تقول في نبوة

عيسى (عليه السلام) و كتابه هل تنكر منهما شيئا قال الرضا (عليه السلام) : أنا مقرّ بنبوّة عيسى و كتابه و ما بشّر به امّته و أقرّ به الحواريّون و كافر بنوّة عيسى كلّ من لم يقرّ بنبوة محمّد (صلى الله عليه واله) و بكتابه و لم يبشّر به أمّته .

قال الجاثليق: أليس إنّما تقطع الاحكام بشاهدي عدل؟ قال: بلى قال: فأقم شاهدين من غير أهل ملّتك على نبوّة محمد ممن لا تنكره النصرانية و سلنا مثل ذلك من غير أهل ملّتنا قال الرضا (عليه السلام) : الآن جئت بالنصفة يا نصراني الا تقبل منّي العدل المقدّم عند المسيح عيسى بن مريم .

 قال الجاثليق: و من هذا العدل؟ سمّه لي قال: ما تقول في يوحنّا الديلمي؟ قال: بخّ بخّ ذكرت أحبّ النّاس الى المسيح قال: فأقسمت عليك هل نطق الانجيل انّ يوحنّا قال: إنّ المسيح أخبرني بدين محمد العربي و بشّرني به انّه يكون من بعده فبشّرت به الحواريين فآمنوا به؟

 قال الجاثليق: قد ذكر ذلك يوحنّا عن المسيح و بشّر بنبوة رجل و بأهل بيته و وصيّته و لم يلخّص متى يكون ذلك و لم يسمّ لنا القوم فنعرفهم قال الرضا (عليه السلام) : فإن جئناك بمن يقرأ الانجيل فتلا عليك ذكر محمد و أهل بيته و امته أ تؤمن به؟ قال: سديدا قال الرضا (عليه السلام) لقسطاس الروميّ: كيف حفظك للسفر الثالث من الانجيل؟ قال: ما أحفظني له .

ثم التفت الى رأس الجالوت فقال له: أ لست تقرأ الانجيل؟ قال: بلى لعمري قال: فخذ على السفر الثالث فإن كان فيه ذكر محمد و أهل بيته و امّته (سلام اللّه عليهم) فاشهدوا لي و إن لم يكن فيه ذكره فلا تشهدوا لي ؛ ثم قرأ (عليه السلام) السفر الثالث حتى إذا بلغ ذكر النبي (صلى الله عليه واله) وقف ثم قال: يا نصراني انّي أسألك بحق المسيح و امّه أتعلم أني عالم بالانجيل؟ قال: نعم ثم تلا علينا ذكر محمد و أهل بيته و أمّته ثم قال: ما تقول يا نصراني هذا قول عيسى بن مريم فإن كذّبت ما ينطق به الانجيل فقد كذّبت عيسى و موسى (عليهما السّلام) و متى انكرت هذا الذكر وجب عليك القتل لانّك تكون قد كفرت‏ بربّك و نبيّك و بكتابك .

قال الجاثليق: لا أنكر ما قد بان لي في الانجيل و انّي لمقرّ به قال الرضا (عليه السلام) : اشهدوا على إقراره ثم قال: يا جاثليق سلّ عمّا بدا لك قال الجاثليق: أخبرني عن حواري عيسى بن مريم كم كان عدّتهم؟ و عن علماء الانجيل كم كانوا ؟

 قال الرضا (عليه السلام) : على الخبير سقطت امّا الحواريون فكانوا اثني عشر رجلا و كان أفضلهم و أعلمهم ألوقا و امّا علماء النصارى فكانوا ثلاثة رجال: يوحنّا الأكبر بباج و يوحنّا بقرقيسيا و يوحنّا الديلمي بزجان و عنده كان ذكر النبي (صلى الله عليه واله) و ذكر أهل بيته و امّته و هو الذي بشّر أمّة عيسى و بني اسرائيل به .

ثم قال (عليه السلام) : يا نصراني و اللّه إنّا لنؤمن بعيسى الذي آمن بمحمد (صلى الله عليه واله) و ما ننقم على عيساكم شيئا الّا ضعفه و قلّة صيامه و صلاته ؛ قال الجاثليق: أفسدت و اللّه علمك و ضعّفت امرك و ما كنت ظننت الّا انّك أعلم أهل الاسلام .

 قال الرضا (عليه السلام) : و كيف ذلك قال الجاثليق: من قولك: إنّ عيساكم كان ضعيفا قليل الصيام قليل الصلاة و ما أفطر عيسى يوما قطّ و لا نام بليل قط و ما زال صائم الدهر قائم الليل قال الرضا (عليه السلام) : فلمن كان يصوم و يصلي؟ قال: فخرس الجاثليق و انقطع .

 قال الرضا (عليه السلام) : يا نصراني انّي أسألك عن مسألة قال: سلّ فإن كان عندي علمها أجبتك قال الرضا (عليه السلام) : ما أنكرت أنّ عيسى كان يحيى الموتى بإذن اللّه عز و جل . قال الجاثليق: أنكرت ذلك من قبل أنّ من أحيا الموتى و أبرأ الأكمه و الأبرص فهو ربّ مستحق لأن يعبد .

 قال الرضا (عليه السلام) : فانّ اليسع قد صنع مثل ما صنع عيسى مشى على الماء و أحيا الموتى و أبرأ الأكمه و الأبرص فلم يتّخذه امّته ربّا و لم يعبده أحد من دون اللّه عز و جل و لقد صنع حزقيل النبي (عليه السلام) مثل ما صنع عيسى بن مريم (عليه السلام) فأحيا خمسة و ثلاثين ألف رجل من بعد موتهم بستين سنة .

ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال له: يا رأس الجالوت أ تجد هؤلاء في شباب بني اسرائيل في التوراة؟ اختارهم بخت‏ نصّر من سبي بني اسرائيل حين غزا بيت المقدس ثم انصرف بهم الى بابل فأرسله اللّه عز و جل إليهم فأحياهم‏  هذا في التوراة لا يدفعه الّا كافر منكم .

قال: رأس الجالوت: قد سمعنا به و عرفناه قال: صدقت ثم قال (عليه السلام) : يا يهودي خذ على هذا السّفر من التوراة فتلا (عليه السلام) علينا من التوراة آيات فأقبل اليهودي يترجّح لقراءته و يتعجّب ثم أقبل على النصراني فقال: يا نصراني أ فهؤلاء كانوا قبل عيسى أم عيسى كان قبلهم؟ قال: بل كانوا قبله .

قال الرضا (عليه السلام) : لقد اجتمعت قريش إلى رسول اللّه (صلى الله عليه واله) فسألوه أن يحيي لهم موتاهم فوجّه معهم عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فقال له: اذهب إلى الجبّانة فناد بأسماء هؤلاء الرّهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك يا فلان و يا فلان و يا فلان يقول لكم محمد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) : قوموا باذن اللّه عز و جل فقاموا ينفضون التراب عن رءوسهم فأقبلت قريش تسألهم عن أمورهم ثم أخبروهم انّ محمدا قد بعث نبيّا و قالوا: وددنا انّا ادركناه فنؤمن به ؛ و لقد أبرأ الأكمه و الأبرص و المجانين و كلّمه البهائم و الطير و الجنّ و الشياطين و لم نتخذه ربّا من دون اللّه عز و جل و لم ننكر لأحد من هؤلاء فضلهم فمتى اتخذتم عيسى ربّا جاز لكم ان تتخذوا اليسع و حزقيل ربّا لأنّهما قد صنعا مثل ما صنع عيسى من إحياء الموتى و غيره انّ قوما من بني إسرائيل هربوا من بلادهم من الطاعون و هم ألوف حذر الموت فأماتهم اللّه في ساعة واحدة فعمد أهل تلك القرية فحظروا عليهم حظيرة فلم يزالوا فيها حتى نخرت‏ عظامهم و صاروا رميما فمرّ بهم نبيّ من أنبياء بني اسرائيل فتعجّب منهم و من كثرة العظام البالية فأوحى اللّه إليه أ تحبّ أن أحييهم لك فتنذرهم؟ قال: نعم يا ربّ فأوحى اللّه عز و جل إليه أن نادهم فقال: ايّتها العظام البالية قومي باذن اللّه عز و جل فقاموا أحياء أجمعون ينفضون التراب عن رءوسهم ؛ ثم ابراهيم (عليه السلام) خليل الرحمن حين أخذ الطيور و قطعهنّ قطعا ثم وضع على كلّ جبل منهنّ جزءا ثم ناداهنّ فاقبلن سعيا إليه ثم موسى بن عمران و أصحابه و السبعون الذين اختارهم صاروا معه إلى الجبل فقالوا له: انّك قد رأيت اللّه سبحانه فأرناه كما رأيته فقال لهم: انّي لم أره فقالوا: لن نؤمن لك حتى نرى اللّه جهرة فأخذتهم الصاعقة فاحترقوا عن آخرهم و بقي موسى وحيدا .

 فقال: يا رب اخترت سبعين رجلا من بني اسرائيل فجئت بهم و أرجع وحدي فكيف يصدّقني قومي بما أخبرهم به فلو شئت أهلكتهم من قبل و ايّاي أ فتهلكنا بما فعل السفهاء منّا فأحياهم اللّه عز و جل من بعد موتهم و كلّ شي‏ء ذكرته لك من هذا لا تقدر على دفعه لأنّ التوراة و الانجيل و الزبور و الفرقان قد نطقت به فان كان كلّ من أحيى الموتى و أبرأ الأكمه و الأبرص و المجانين يتّخذ ربّا من دون اللّه فاتخذ هؤلاء كلّهم أربابا ما تقول يا نصرانيّ؟ قال الجاثليق: القول قولك و لا إله الّا اللّه .

 ثم التفت (عليه السلام) إلى رأس الجالوت فقال: يا يهودي أقبل عليّ أسألك بالعشر الآيات التي أنزلت على موسى بن عمران (عليه السلام) هل تجد في التوراة مكتوبا نبأ محمد و امّته إذا جاءت الأمّة الأخيرة أتباع راكب البعير يسبّحون الربّ جدّا جدّا تسبيحا جديدا في الكنائس الجدد فليفرغ بنو اسرائيل إليهم و إلى ملكهم لتطمئنّ قلوبهم فانّ بأيديهم سيوفا ينتقمون بها من الأمم الكافرة في أقطار الأرض هكذا هو في التوراة مكتوب ؟

قال رأس الجالوت: نعم انّا لنجده كذلك ثم قال للجاثليق: يا نصرانيّ كيف علمك‏ بكتاب شعيا؟ قال: أعرفه حرفا حرفا قال الرضا (عليه السلام) لهما: أ تعرفان هذا من كلامه:  يا قوم انّي رأيت صورة راكب الحمار لابسا جلابيب النور و رأيت راكب البعير ضوؤه مثل ضوء القمر؟.

فقالا: قد قال ذلك شعيا قال الرضا (عليه السلام) : يا نصراني هل تعرف في الانجيل قول عيسى: انّي ذاهب إلى ربّي و ربّكم و الفارقليطا جاء هو الذي يشهد لي بالحق كما شهدت له و هو الذي يفسّر لكم كلّ شي‏ء و هو الذي يبدي فضائح الامم و هو الذي يكسّر عمود الكفر؟ .

 فقال الجاثليق: ما ذكرت شيئا ممّا في الانجيل الّا و نحن مقرّون به فقال: أ تجد هذا في الانجيل ثابتا يا جاثليق؟ قال: نعم قال الرضا (عليه السلام) : يا جاثليق ألا تخبرني عن الإنجيل الأوّل حين افتقدتموه عند من وجدتموه و من وضع لكم هذا الانجيل؟ قال له: ما افتقدنا الانجيل الّا يوما واحدا حتى وجدنا غضّا طريّا فأخرجه إلينا يوحنّا و متّى .

 فقال له الرضا (عليه السلام) : ما أقلّ معرفتك بسرّ الانجيل و علمائه فان كان كما تزعم فلم اختلفتم في الانجيل إنمّا وقع الاختلاف في هذا الانجيل الذي في أيديكم اليوم فلو كان على العهد الأوّل لم تختلفوا فيه و لكنّي مفيدك علم ذلك .

 اعلم أنّه لمّا افتقد الانجيل الاوّل اجتمعت النصارى إلى علمائهم فقالوا لهم: قتل عيسى بن مريم (عليه السلام) و افتقدنا الإنجيل و أنتم العلماء فما عندكم؟ فقال لهم ألوقا و مرقابوس: ان الانجيل في صدورنا و نحن نخرجه إليكم سفرا سفرا في كلّ أحد فلا تحزنوا عليه و لا تخلّوا الكنائس فإنّا سنتلوه عليكم في كلّ أحد سفرا سفرا حتّى نجمعه لكم كلّه فقعد ألوقا و مرقابوس و يوحنّا و متّى و وضعوا لهم هذا الانجيل بعد ما افتقدتم الانجيل الاوّل و إنّما كان هؤلاء الأربعة تلاميذ التّلاميذ الأوّلين أعلمت ذلك؟ قال الجاثليق: أمّا هذا فلم أعلمه و قد علمته الآن و قد بان لي من فضل علمك بالإنجيل و سمعت أشياء ممّا علمته شهد قلبي أنّها حق فاستزدت كثيرا من الفهم .

 فقال له الرضا (عليه السلام) : فكيف شهادة هؤلاء عندك؟ قال: جائزة هؤلاء علماء الإنجيل و كلّ‏ ما شهدوا به فهو حق فقال الرضا (عليه السلام) للمأمون و من حضره من أهل بيته و من غيرهم: اشهدوا عليه قالوا: قد شهدنا ثم قال للجاثليق: بحقّ الابن و أمّه هل تعلم أنّ متّى قال: إنّ المسيح هو ابن داود بن ابراهيم بن اسحاق بن يعقوب بن حضرون .

وقال مر قابوس في نسبة عيسى بن مريم:  انّه كلمة اللّه أحلّها في جسد الآدميّ فصارت إنسانا وقال ألوقا: ان عيسى بن مريم و أمّه كانا إنسانين من لحم و دم فدخل فيهما روح القدس؟ ثم إنّك تقول من شهادة عيسى على نفسه: حقا أقول لكم يا معشر الحواريّين: إنّه لا يصعد إلى السماء الا ما نزل منها الّا راكب البعير خاتم الأنبياء فإنّه يصعد إلى السماء و ينزل فما تقول في هذا القول؟

قال الجاثليق: هذا قول عيسى لا ننكره قال الرّضا (عليهما السّلام): فما تقول في شهادة ألوقا و مر قابوس و متّى على عيسى و ما نسبوه إليه؟ قال الجاثليق: كذبوا على عيسى قال الرضا (عليه السلام) : يا قوم أ ليس قد زكّاهم و شهد أنّهم علماء الانجيل و قولهم حق؟! فقال الجاثليق:

يا عالم المسلمين أحبّ أن تعفيني من أمر هؤلاء قال الرضا (عليه السلام) : فإنا قد فعلنا سل يا نصرانيّ عمّا بدا لك قال الجاثليق: ليسألك غيري فلا و حقّ المسيح ما ظننت أنّ في علماء المسلمين مثلك.

 فالتفت الرّضا (عليه السلام) الى رأس الجالوت فقال له: تسألني أو أسألك؟ قال: بل أسألك و لست أقبل منك حجّة إلّا من التوراة أو من الانجيل أو من زبور داود أو مما في صحف ابراهيم و موسى فقال الرضا (عليه السلام) : لا تقبل منّي حجّة إلّا بما تنطق به التوراة على لسان موسى بن عمران و الإنجيل على لسان عيسى بن مريم و الزبور على لسان داود فقال رأس الجالوت: من أين تثبت نبوّة محمد؟ قال الرّضا (عليه السلام) : شهد بنبوّته (صلى الله عليه واله) موسى بن عمران و عيسى بن مريم و داود خليفة اللّه عزّ و جلّ في الأرض فقال له: أثبت قول موسى بن عمران .

 قال الرضا (عليه السلام) : هل تعلم يا يهودي ان موسى أوصى بني إسرائيل فقال لهم: إنّه سيأتيكم نبيّ هو من إخوتكم فبه فصدّقوا و منه فاسمعوا فهل تعلم انّ لبني اسرائيل إخوة غير ولد اسماعيل ان كنت تعرف قرابة إسرائيل من اسماعيل و النسب الذي بينهما من قبل ابراهيم (عليه السلام) ؟ فقال رأس الجالوت: هذا قول موسى لا ندفعه فقال له الرضا (عليه السلام) : هل جاءكم من إخوة بني إسرائيل نبيّ غير محمد (صلّى اللّه عليه و آله) ؟! قال: لا قال الرضا (عليه السلام) : أ و ليس قد صحّ هذا عندكم؟ قال: نعم و لكنّي أحب ان تصححه لي من التوراة فقال له الرضا (عليه السلام) : هل تنكر ان التوراة تقول لكم: جاء النّور من جبل طور سيناء و أضاء لنا من جبل ساعير و استعلن علينا من جبل فاران؟

 قال رأس الجالوت: أعرف هذه الكلمات و ما أعرف تفسيرها قال الرضا (عليه السلام) : أنا أخبرك به امّا قوله: جاء النور من جبل طور سيناء فذلك وحي اللّه تبارك و تعالى الذي أنزله على موسى (عليه السلام) على جبل طور سيناء و أمّا قوله: و أضاء لنا من جبل ساعير فهو الجبل الذي أوحى اللّه عز و جل إلى عيسى بن مريم (عليه السلام) و هو عليه و أمّا قوله: واستعلن علينا من جبل فاران فذلك جبل من جبال مكّة بينه و بينها يوم و قال شعيا النبي (عليه السلام) فيما تقول أنت و أصحابك في التوراة: رأيت راكبين اضاء لهما الأرض أحدهما راكب على حمار و الآخر على جمل فمن راكب الحمار و من راكب الجمل؟!  قال رأس الجالوت: لا أعرفهما فخبّرني بهما قال (عليه السلام) : أمّا راكب الحمار فعيسى بن مريم و أمّا راكب الجمل فمحمد (صلّى اللّه عليه و آله) أ تنكر هذا من التوراة؟! قال: لا ما أنكره ثم قال الرضا (عليه السلام) : هل تعرف حيقوق النبي؟ قال: نعم إنّي به لعارف قال (عليه السلام) : فإنّه قال و كتابكم ينطق به: جاء اللّه بالبيان من جبل فاران و امتلأت السماوات من تسبيح أحمد و أمّته يحمل خيله في البحر كما يحمل في البرّ يأتينا بكتاب جديد بعد خراب بيت المقدس- يعني بالكتاب القرآن- أ تعرف هذا و تؤمن به؟ قال رأس الجالوت: قد قال ذلك حيقوق (عليه السلام) و لا ننكر قوله .

قال الرضا (عليه السلام) : و قد قال داود في زبوره و أنت تقرأ: اللهمّ ابعث مقيم السّنة بعد الفترة فهل تعرف نبيا أقام السنّة بعد الفترة غير محمد (صلّى اللّه عليه و آله)؟!  قال رأس الجالوت: هذا قول داود نعرفه و لا ننكره و لكن عنى بذلك عيسى و أيّامه هي‏ الفترة قال الرضا (عليه السلام) : جهلت إنّ عيسى لم يخالف السنّة و قد كان موافقا لسنّة التوراة حتى رفعه اللّه إليه و في الانجيل مكتوب: ان ابن البرّة ذاهب و الفارقليطا جاء من بعده و هو الذي يخفّف الآصار و يفسّر لكم كلّ شي‏ء و يشهد لي كما شهدت له أنا جئتكم بالامثال و هو يأتيكم بالتأويل أ تؤمن بهذا في الإنجيل؟! قال: نعم لا أنكره .

فقال له الرضا (عليه السلام) : يا رأس الجالوت أسألك عن نبيّك موسى بن عمران فقال: سل قال: ما الحجّة على ان موسى ثبتت نبوّته؟ قال اليهودي: انّه جاء بما لم يجئ به أحد من الأنبياء قبله قال له: مثل ما ذا؟ قال: مثل فلق البحر و قلبه العصا حيّة تسعى و ضربه الحجر فانفجرت منه العيون و إخراجه يده بيضاء للنّاظرين و علامات لا يقدر الخلق على مثلها .

قال له الرضا (عليه السلام) : صدقت إذا كانت حجته على نبوّته أنّه جاء بما لا يقدر الخلق على مثله أ فليس كل من ادّعى أنّه نبي ثم جاء بما لا يقدر الخلق على مثله وجب عليكم تصديقه؟ قال: لا لأنّ موسى لم يكن له نظير لمكانه من ربّه و قربه منه و لا يجب علينا الإقرار بنبوّة من ادّعاها حتى يأتي من الاعلام بمثل ما جاء به .

قال الرضا (عليه السلام) : فكيف أقررتم بالأنبياء الذين كانوا قبل موسى (عليه السلام) و لم يفلقوا البحر و لم يفجروا من الحجر اثنتي عشرة عينا و لم يخرجوا أيديهم بيضاء مثل اخراج موسى يده بيضاء و لم يقلبوا العصا حيّة تسعى؟! قال له اليهودي: قد خبّرتك أنّه متى جاءوا على دعوى نبوّتهم من الآيات بما لا يقدر الخلق على مثله و لو جاءوا بما لم يجئ به موسى أو كان على غير ما جاء به موسى وجب تصديقهم .

قال الرّضا (عليه السلام) : يا رأس الجالوت فما يمنعك من الإقرار بعيسى بن مريم و قد كان يحيي الموتى و يبرئ الأكمه و الأبرص و يخلق من الطين كهيئة الطير ثمّ ينفخ فيه فيكون طيرا بإذن اللّه؟ قال رأس الجالوت: يقال إنّه فعل ذلك و لم نشهده قال له الرضا (عليه السلام) : أرأيت ما جاء به موسى من الآيات شاهدته؟! أ ليس إنّما جاء في الاخبار به من ثقات أصحاب موسى أنّه فعل ذلك؟! قال: بلى قال: فكذلك أتتكم الأخبار المتواترة بما فعل عيسى بن مريم فكيف‏ صدّقتم بموسى و لم تصدّقوا بعيسى؟! فلم يحر جوابا .

 قال الرضا (عليه السلام) : و كذلك أمر محمد (صلى الله عليه واله) و ما جاء به و أمر كلّ نبي بعثه اللّه و من آياته أنّه كان يتيما فقيرا راعيا أجيرا لم يتعلم كتابا و لم يختلف إلى معلّم ثم جاء بالقرآن الّذي فيه قصص الأنبياء و أخبارهم حرفا حرفا و أخبار من مضى و من بقي إلى يوم القيامة ثم كان يخبرهم بأسرارهم و ما يعملون في بيوتهم و جاء بآيات كثيرة لا تحصى .

 قال رأس الجالوت: لم يصحّ عندنا خبر عيسى و لا خبر محمّد و لا يجوز لنا أن نقرّ لهما بما لم يصحّ قال الرضا (عليه السلام) : فالشّاهد الذي شهد لعيسى و لمحمد (صلى الله عليه واله) شاهد زور؟!  فلم يحر جوابا ؛ ثم دعا (عليه السلام) بالهربذ الأكبر فقال له الرضا (عليه السلام) : أخبرني عن زردهشت الذي تزعم أنّه نبي ما حجّتك على نبوّته؟ قال: إنّه أتى بما لم يأتنا به أحد قبله و لم نشهده و لكنّ الأخبار من أسلافنا وردت علينا بأنّه أحلّ لنا ما لم يحلّه غيره فاتّبعناه قال (عليه السلام) : أ فليس إنّما أتتكم الأخبار فاتبعتموه؟! قال: بلى قال: فكذلك سائر الأمم السالفة أتتهم الأخبار بما أتى به النبيّون و أتى به موسى و عيسى و محمد صلوات اللّه عليهم فما عذركم في ترك الاقرار لهم إذ كنتم إنمّا أقررتم بزردهشت من قبل الأخبار المتواترة بأنّه جاء بما لم يجئ به غيره؟! فانقطع الهربذ مكانه.

 فقال الرضا (عليه السلام) : يا قوم إن كان فيكم أحد يخالف الاسلام و أراد أن يسأل فليسأل غير محتشم فقام إليه عمران الصابئ و كان واحدا في المتكلمين فقال: يا عالم الناس لو لا أنّك دعوت إلى مسألتك لم أقدم عليك بالمسائل و لقد دخلت الكوفة و البصرة و الشام و الجزيرة و لقيت المتكلّمين فلم أقع على أحد يثبت لي واحدا ليس غيره قائما بوحدانيّته أ فتأذن لي أن أسألك؟

 قال الرضا (عليه السلام) : ان كان في الجماعة عمران الصابئ فأنت هو فقال: أنا هو فقال (عليه السلام) : سل يا عمران و عليك بالنصفة و إياك و الخطل و الجور قال: و اللّه يا سيدي ما أريد الّا أن تثبت لي شيئا أتعلّق به فلا أجوزه قال (عليه السلام) : سل عمّا بدا لك فازدحم عليه الناس و انضمّ بعضهم إلى بعض فقال عمران الصابئ: أخبرني عن الكائن الأوّل و عمّا خلق.

قال (عليه السلام) : سألت فافهم أمّا الواحد فلم يزل واحدا كائنا لا شي‏ء معه بلا حدود و لا أعراض و لا يزال كذلك ثم خلق خلقا مبتدعا مختلفا بأعراض و حدود مختلفة لا في شي‏ء أقامه و لا في شي‏ء حدّه و لا على شي‏ء حذاه و لا مثّله له فجعل من بعد ذلك الخلق صفوة و غير صفوة و اختلافا و ائتلافا و ألوانا و ذوقا و طعما لا لحاجة كانت منه الى ذلك و لا لفضل منزلة لم يبلغها الّا به و لا رأى لنفسه فيما خلق زيادة و لا نقصانا تعقل هذا يا عمران؟ قال: نعم و اللّه يا سيدي .

قال (عليه السلام) : و اعلم يا عمران إنّه لو كان خلق ما خلق لحاجة لم يخلق إلّا من يستعين به على حاجته و لكان ينبغي أن يخلق أضعاف ما خلق لأنّ الأعوان كلّما كثروا كان صاحبهم أقوى و الحاجة يا عمران لا يسعها لأنّه لم يحدث من الخلق شيئا إلّا حدثت فيه حاجة اخرى‏  و لذلك أقول: لم يخلق الخلق لحاجة و لكن نقل بالخلق الحوائج بعضهم إلى بعض و فضّل بعضهم على بعض بلا حاجة منه إلى من فضّل و لا نقمة منه على من أذلّ فلهذا خلق.

قال عمران: يا سيدي هل كان الكائن معلوما في نفسه عند نفسه؟ قال الرضا (عليه السلام) : إنما تكون المعلمة بالشي‏ء لنفي خلافه و ليكون الشي‏ء نفسه بما نفي عنه موجودا و لم يكن هناك شي‏ء يخالفه فتدعوه الحاجة إلى نفي ذلك الشي‏ء عن نفسه بتحديد علم منها  أ فهمت‏ يا عمران؟ قال: نعم و اللّه يا سيدي فأخبرني بأيّ شي‏ء علم ما علم أ بضمير أم بغير ذلك؟  قال الرضا (عليه السلام) : أ رأيت إذا علم بضمير هل تجد بدّا من أن تجعل لذلك الضمير حدّا ينتهي إليه المعرفة؟! قال عمران: لا بدّ من ذلك قال الرضا (عليه السلام) : فما ذلك الضمير؟ فانقطع و لم يحر جوابا قال الرضا (عليه السلام) : لا بأس ان سألتك عن الضمير نفسه تعرفه بضمير آخر؟! فقال الرضا (عليه السلام) : أفسدت عليك قولك و دعواك يا عمران أ ليس ينبغي أن تعلم أنّ الواحد ليس يوصف بضمير و ليس يقال له أكثر من فعل و عمل و صنع و ليس يتوهّم منه مذاهب و تجزئة كمذاهب المخلوقين و تجزئتهم‏  فاعقل ذلك و ابن عليه ما علمت صوابا.

قال عمران: يا سيدي أ لا تخبرني عن حدود خلقه كيف هي و ما معانيها و على كم نوع يتكوّن قال (عليه السلام) : قد سألت فافهم انّ حدود خلقه على ستة أنواع ملموس و موزون و منظور إليه و ما لا وزن له و هو الروح و منها منظور إليه و ليس له وزن و لا لمس و لا حس‏ و لا لون و لا ذوق و التقدير و الاعراض و الصور و العرض و الطول و منها العمل و الحركات التي تصنع الاشياء و تعلمها و تغيّرها من حال إلى حال و تزيدها و تنقصها و أما الأعمال و الحركات فانّها تنطلق لأنّها لا وقت لها أكثر من قدر ما يحتاج إليه فاذا فرغ من الشي‏ء انطلق بالحركة و بقي الاثر و يجري مجرى الكلام الذي يذهب و يبقى أثره .

قال له عمران: يا سيدي الا تخبرني عن الخالق إذا كان واحدا لا شي‏ء غيره و لا شي‏ء معه أ ليس قد تغيّر بخلقه الخلق؟ قال الرضا (عليه السلام) : لم يتغيّر عزّ و جل بخلق الخلق و لكنّ الخلق يتغير بتغييره .

قال عمران: فبأيّ شي‏ء عرفناه؟ قال (عليه السلام) : بغيره قال: فأي شي‏ء غيره؟ قال الرضا (عليه السلام) : مشيته و اسمه و صفته و ما أشبه ذلك و كل ذلك محدث مخلوق مدبّر .

قال عمران: يا سيدي فأيّ شي‏ء هو؟ قال (عليه السلام) : هو نور بمعنى أنّه هاد لخلقه من أهل السماء و أهل الأرض و ليس لك عليّ أكثر من توحيدي إياه .

قال عمران: يا سيدي أ ليس قد كان ساكتا قبل الخلق لا ينطق ثم نطق؟ قال الرضا (عليه السلام) : لا يكون السكوت إلا عن نطق قبله‏  و المثل في ذلك أنّه لا يقال للسّراج هو ساكت لا ينطق و لا يقال إنّ السراج ليضيئ فيما يريد أن يفعل بنا لأنّ الضوء من السّراج ليس بفعل منه و لا يكون و انما هو ليس شي‏ء غيره فلمّا استضاء لنا قلنا قد أضاء لنا حتّى استضأنا به فبهذا تستبصر أمرك .

قال عمران: يا سيدي فإنّ الذي كان عندي أنّ الكائن قد تغير في فعله عن حاله بخلقه الخلق قال الرضا (عليه السلام) : أحلت يا عمران في قولك: انّ الكائن يتغير في وجه من الوجوه حتى‏ يصيب الذات منه ما يغيّره يا عمران هل تجد النار يغيّرها تغيّر نفسها أو هل تجد الحرارة تحرق نفسها أو هل رأيت بصيرا قطّ رأى بصره؟ قال عمران: لم أر هذا .

أ لا تخبرني يا سيدي أ هو في الخلق أم الخلق فيه؟ قال الرضا (عليه السلام) : جلّ يا عمران عن ذلك ليس هو في الخلق و لا الخلق فيه تعالى عن ذلك و سأعلّمك ما تعرفه به و لا حول و لا قوّة الّا باللّه أخبرني عن المرآة أنت فيها أم هي فيك؟! فان كان ليس واحد منكما في صاحبه فبأيّ شي‏ء استدللت بها على نفسك؟! قال عمران: بضوء بيني و بينها فقال الرضا (عليه السلام) : هل ترى من ذلك الضوء في المرآة أكثر مما تراه في عينك؟ قال: نعم قال الرضا (عليه السلام) : فأرناه فلم يحر جوابا .

قال الرضا (عليه السلام) : فلا أرى النّور الّا و قد دلّك و دلّ المرآة على أنفسكما من غير ان يكون في واحد منكما و لهذا أمثال كثيرة غير هذا لا يجد الجاهل فيها مقالا و للّه المثل الأعلى .

ثم التفت (عليه السلام) إلى المأمون فقال: الصلاة قد حضرت فقال عمران: يا سيدي لا تقطع عليّ مسألتي فقد رقّ قلبي قال الرضا (عليه السلام) : نصلي و نعود فنهض و نهض المأمون: فصلّى الرضا (عليه السلام) داخلا و صلّى الناس خارجا خلف محمد بن جعفر ثم خرجا فعاد الرضا (عليه السلام) إلى مجلسه و دعا بعمران فقال: سل يا عمران قال: سيدي الا تخبرني عن اللّه عزّ و جلّ هل يوحّد بحقيقة أو يوحّد بوصف ؟

قال الرضا (عليه السلام) : ان اللّه المبدئ الواحد الكائن الاوّل لم يزل واحدا لا شي‏ء معه فردا لا ثاني معه لا معلوما و لا مجهولا و لا محكما و لا متشابها و لا مذكورا و لا منسيا و لا شيئا يقع عليه اسم شي‏ء من الأشياء غيره و لا من وقت كان و إلى وقت يكون و لا بشي‏ء قام و لا الى شي‏ء يقوم و لا إلى شي‏ء استند و لا في شي‏ء استكنّ. و ذلك كلّه قبل الخلق إذ لا شي‏ء غيره و ما أوقعت عليه من الكلّ فهي صفات محدثة و ترجمة يفهم بها من فهم.

واعلم أنّ الابداع و المشيّة و الارادة معناها واحد و أسماؤها ثلاثة و كان أوّل إبداعه و إرادته ومشيته الحروف التي جعلها اصلا لكلّ شي‏ء و دليلا على كلّ مدرك و فاصلا لكلّ‏ مشكل وتلك الحروف تفريق كل شي‏ء من اسم حقّ و باطل أو فعل أو مفعول أو معنى أو غير معنى و عليها اجتمعت الامور كلّها و لم يجعل للحروف في إبداعه لها معنى غير أنفسها يتناهى و لا وجود لأنّها مبدعة بالإبداع و النور في هذا الموضع أوّل فعل اللّه الذي هو نور السماوات و الارض و الحروف هي المفعول بذلك الفعل و هي الحروف التي عليها الكلام و العبارات كلّها من اللّه عز و جل علّمها خلقه و هي ثلاثة و ثلاثون حرفا فمنها ثمانية و عشرون حرفا تدلّ على اللغات العربية و من الثمانية و العشرين اثنان و عشرون حرفا تدلّ على اللغات السريانية و العبرانية . و منها خمسة أحرف متحرّفة في سائر اللغات من العجم لأقاليم اللّغات كلّها و هي خمسة أحرف تحرّفت من الثمانية و العشرين الحرف من اللغات فصارت الحروف ثلاثة و ثلاثين حرفا .

فأما الخمسة المختلفة فبحجج لا يجوز ذكرها أكثر مما ذكرناه ثم جعل الحروف بعد إحصائها وإحكام عدّتها فعلا منه كقوله عز و جل: { كُنْ فَيَكُونُ } [البقرة: 117] و كن منه صنع و ما يكون به المصنوع فالخلق الأول من اللّه عز و جل الابداع لا وزن له و لا حركة و لا سمع و لا لون و لا حسّ و الخلق الثاني الحروف لا وزن لها و لا لون و هي مسموعة موصوفة غير منظور إليها و الخلق الثالث ما كان من الأنواع كلّها محسوسا ملموسا ذا ذوق منظورا إليه و اللّه تبارك و تعالى سابق للابداع لأنّه ليس قبله عز و جلّ شي‏ء و لا كان معه شي‏ء و الابداع سابق للحروف و الحروف لا تدلّ على غير أنفسها. قال المأمون: و كيف لا تدلّ على غير أنفسها؟

قال الرضا (عليه السلام) : لأن اللّه تبارك و تعالى لا يجمع منها شيئا لغير معنى أبدا فإذا ألّف منها أحرفا أربعة أو خمسة أو ستة أو أكثر من ذلك أو أقلّ لم يؤلّفها لغير معنى و لم يك إلّا لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيئا.

قال عمران: فكيف لنا بمعرفة ذلك؟ قال الرضا (عليه السلام) : امّا المعرفة فوجه ذلك و بابه أنّك تذكر الحروف إذا لم ترد بها غير أنفسها ذكرتها فردا فقلت: اب ت ث ج ح خ حتى تأتي على آخرها فلم تجد لها معنى غير أنفسها فاذا ألّفتها و جمعت منها أحرفا و جعلتها اسما و صفة لمعنى ما طلبت و وجه ما عنيت كانت دليلة على معانيها داعية الى‏ الموصوف بها أ فهمته؟ قال: نعم .

قال الرضا (عليه السلام) : و اعلم انّه لا يكون صفة لغير موصوف و لا اسم لغير معنى و لا حدّ لغير محدود و الصفات و الاسماء كلّها تدل على الكمال و الوجود و لا تدلّ على الاحاطة كما تدلّ على الحدود التي هي التربيع و التثليث و التسديس لأن اللّه عز و جل و تقدّس تدرك معرفته بالصفات و الاسماء و لا تدرك بالتحديد بالطول و العرض و القلّة و الكثرة و اللّون و الوزن و ما أشبه ذلك و ليس يحلّ باللّه جل و تقدّس شي‏ء من ذلك حتى يعرفه خلقه بمعرفتهم أنفسهم بالضرورة التي ذكرنا و لكن يدلّ على اللّه عز و جل بصفاته و يدرك بأسمائه و يستدلّ عليه بخلقه حتى لا يحتاج في ذلك الطالب المرتاد إلى رؤية عين و لا استماع اذن و لا لمس كفّ و لا إحاطة بقلب .

فلو كانت صفاته جلّ ثناؤه لا تدلّ عليه و أسماؤه لا تدعو إليه و المعلمة من الخلق لا تدركه لمعناه كانت العبادة من الخلق لأسمائه و صفاته دون معناه فلو لا أنّ ذلك كذلك لكان المعبود الموحّد غير اللّه تعالى لأنّ صفاته و أسماءه غيره أ فهمت؟ قال: نعم يا سيدي زدني.

قال الرضا (عليه السلام) : إياك و قول الجهال أهل العمى و الضّلال الذين يزعمون ان اللّه عز و جل و تقدّس موجود في الآخرة للحساب و الثواب و العقاب و ليس بموجود في الدنيا للطاعة و الرجاء و لو كان في الوجود للّه عز و جل نقص و اهتضام لم يوجد في الآخرة أبدا و لكنّ القوم تاهوا و عموا و صمّوا عن الحق من حيث لا يعلمون و ذلك قوله عز و جل: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا } [الإسراء: 72].

يعني أعمى عن الحقائق الموجودة و قد علم ذووا الالباب ان الاستدلال على ما هناك لا يكون الا بما هاهنا و من أخذ علم ذلك برأيه و طلب وجوده و إدراكه عن نفسه دون غيرها لم يزدد من علم ذلك الا بعدا لأن اللّه عز و جل جعل علم ذلك خاصّة عند قوم يعقلون و يعلمون و يفهمون.

قال عمران: يا سيدي أ لا تخبرني عن الإبداع خلق هو أم غير خلق؟ قال الرضا (عليه السلام): بل خلق ساكن لا يدرك بالسكون و إنّما صار خلقا لأنّه شي‏ء محدث و اللّه الذي أحدثه فصار خلقا له و إنّما هو اللّه عز و جل و خلقه لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما فما خلق اللّه عز و جل لم يعد أن يكون خلقه و قد يكون الخلق ساكنا و متحرّكا و مختلفا و مؤتلفا و معلوما و متشابها و كل ما وقع عليه حدّ فهو خلق اللّه عز و جل.

و اعلم انّ كل ما أوجدتك الحواس فهو معنى مدرك للحواس و كل حاسّة تدلّ على ما جعل اللّه عز و جل لها في إدراكها و الفهم من القلب بجميع ذلك كلّه .

و اعلم انّ الواحد الذي هو قائم بغير تقدير ولا تحديد خلق خلقا مقدّرا بتحديد و تقدير وكان الذي خلق خلقين اثنين التقدير و المقدّر فليس في كل واحد منهما لون و لا ذوق و لا وزن فجعل أحدهما يدرك بالآخر و جعلهما مدركين بأنفسهما و لم يخلق شيئا فردا قائما بنفسه دون غيره للّذي أراد من الدلالة على نفسه و إثبات وجوده و اللّه تبارك و تعالى فرد واحد لا ثاني معه يقيمه و لا يعضده و لا يمسكه و الخلق يمسك بعضه بعضا بإذن اللّه و مشيّته و انما اختلف الناس في هذا الباب حتى تاهوا و تحيّروا و طلبوا الخلاص من الظلمة بالظّلمة في وصفهم اللّه بصفة أنفسهم فازدادوا من الحق بعدا و لو وصفوا اللّه عز و جل بصفاته و وصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم و اليقين و لما اختلفوا فلمّا طلبوا من ذلك ما تحيّروا فيه ارتبكوا  و اللّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

قال عمران: يا سيدي أشهد أنّه كما وصفت و لكن بقيت لي مسألة قال: سل عما أردت قال: أسألك عن الحكيم في أيّ شي‏ء هو و هل يحيط به شي‏ء و هل يتحوّل من شي‏ء الى شي‏ء أو به حاجة إلى شي‏ء؟

قال الرضا (عليه السلام) : أخبرك يا عمران فاعقل ما سألت عنه فإنّه من أغمض ما يرد على المخلوقين في مسائلهم و ليس يفهمه المتفاوت عقله العازب علمه و لا يعجز عن فهمه أولو العقل المنصفون اما أول ذلك فلو كان خلق ما خلق لحاجة منه لجاز لقائل أن يقول: يتحوّل إلى ما خلق لحاجته إلى ذلك و لكنه عز و جل لم يخلق شيئا لحاجته و لم يزل ثابتا لا في شي‏ء و لا على شي‏ء الا أنّ الخلق يمسك بعضه بعضا و يدخل بعضه في بعض و يخرج منه و اللّه عز و جل و تقدّس بقدرته يمسك ذلك كله و ليس يدخل في شي‏ء و لا يخرج منه و لا يؤوده حفظه و لا يعجز عن امساكه و لا يعرف أحد من الخلق كيف ذلك إلا اللّه عز و جل و من أطلعه عليه من رسله و أهل سرّه و المستحفظين لأمره و خزّانه القائمين بشريعته و انما امره كلمح البصر أو هو أقرب إذا شاء شيئا فإنما يقول له: كن فيكون بمشيّته و إرادته و ليس شي‏ء من خلقه أقرب إليه من شي‏ء و لا شي‏ء منه هو أبعد منه من شي‏ء أ فهمت يا عمران؟ قال: نعم يا سيدي قد فهمت و أشهد ان اللّه على ما وصفته و وحّدته و انّ محمدا عبده المبعوث بالهدى و دين الحق ثم خرّ ساجدا نحو القبلة و أسلم.

 قال الحسن بن محمد النوفليّ: فلمّا نظر المتكلّمون إلى كلام عمران الصابئ و كان جدلا لم يقطعه عن حجته أحد قطّ لم يدن من الرضا (عليه السلام) أحد منهم و لم يسألوه عن شي‏ء و أمسينا فنهض المأمون و الرضا (عليه السلام) فدخلا و انصرف الناس و كنت مع جماعة من أصحابنا إذ بعث إليّ محمد بن جعفر فأتيته .

 فقال لي: يا نوفلي أ ما رأيت ما جاء به صديقك لا و اللّه ما ظننت أنّ عليّ بن موسى خاض في شي‏ء من هذا قطّ و لا عرفناه به أنّه كان يتكلّم بالمدينة أو يجتمع إليه أصحاب الكلام قلت قد كان الحاجّ يأتونه فيسألونه عن أشياء من حلالهم و حرامهم فيجيبهم و كلّمه من يأتيه لحاجة فقال محمد بن جعفر: يا أبا محمد انّي أخاف عليه أن يحسده هذا الرجل فيسمّه أو يفعل به بليّة فأشر عليه بالإمساك عن هذه الاشياء قلت: اذا لا يقبل مني و ما أراد الرجل الّا امتحانه ليعلم هل عنده شي‏ء من علوم آبائه (عليهم السّلام) فقال لي: قل له: انّ عمك قد كره هذا الباب و أحبّ أن تمسك عن هذه الأشياء لخصال شتى.

 فلمّا انقلبت الى منزل الرضا (عليه السلام) أخبرته بما كان من عمّه محمد بن جعفر فتبسّم ثم قال: حفظ اللّه عمّي ما أعرفني به لم كره ذلك يا غلام صر الى عمران الصابئ فأتني به.

فقلت :جعلت فداك أنا أعرف موضعه هو عند بعض اخواننا من الشيعة قال (عليه السلام) : فلا بأس قرّبوا إليه دابة فصرت الى عمران فأتيته به فرحّب به و دعا بكسوة فخلعها عليه و حمله و دعا بعشرة آلاف درهم فوصله بها .

فقلت: جعلت فداك حكيت فعل جدّك أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: هكذا نحبّ ثم دعا (عليه السلام) بالعشاء فأجلسني عن يمينه و أجلس عمران عن يساره حتّى إذا فرغنا قال لعمران: انصرف مصاحبا و بكّر علينا نطعمك طعام المدينة فكان عمران بعد ذلك يجتمع عليه المتكلّمون من أصحاب المقالات فيبطل أمرهم حتى اجتنبوه و وصله المأمون بعشرة آلاف درهم و أعطاه الفضل مالا و حمله و ولّاه الرضا (عليه السلام) صدقات بلخ فأصاب الرّغائب‏ .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.