أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-2-2022
4563
التاريخ: 23-7-2022
1913
التاريخ: 10-5-2017
8098
التاريخ: 17-5-2017
14115
|
ماهية الاستئناف كطريق عادي للطعن في الحكم:|
الاستئناف أحد طرق الطعن العادية في الأحكام الحضرية الصادرة من محاكم الدرجة الأولى في جنحة أو مخالفة (غلى حسب الأحوال). وهو بمثل فرصة لإصلاح ما يكون قد شاب الحكم البدائي (الابتدائي) من عيوب سواء انصبت هذه العيوب على موضوع الدعوى ذاتها أم تعلقت بالتطبيق الخاطئ لأحكام القانون. .
وواقع الأمر أن الاستئناف كطريق للطعن في الأحكام قد تعرض الجدل فقهي من حيث جدواه، ومدي ضرورته وطالب البعض بإلغائه ونادي البعض بالإبقاء عليه. وعلى أي حال فإن مبررات الإبقاء عليه ترجح مبررات - إن كان ثمة حقا من مبررات - لإلغائه. ولربما تجلت أهمية الاستئناف في ظل التشريع اللبناني الذي بإخذ في فضاء الدرجة الأولى بنظام القاضي المنفرد. حيث يصبح وجود الطعن بالاستئناف أكثر إلحاحا لتصحيح ما عسى يقع فيه القاضي المنفرد من أخطاء.
تمييز الاستئناف عن الاعتراض:
يختلف الاستئناف عن الاعتراض بوصف كليهما من طرق الطعن في الأحكام من ناحيتين:
من ناحية أولى، ومن حيث الحكم محل الطعن : فالاستئناف لا يرد إلا على الأحكام الحضورية، بينما الاعتراض لا ينصب إلا على الأحكام الغيابية. ويستوي أن يكون الحكم الغيابي صادرة من محكمة أول درجة ( المحكمة البدائية أو الابتدائية) أو من محكمة ثاني درجة( المحكمة الاستئنافية)؛ إذ في هذه الحالة الأخيرة يتصور أن يصدر الحكم المطعون فيه بالاستئناف غيابية من المحكمة الاستئنافية ذاتها.
ومن ناحية ثانية، من حيث البة الطعن: فالاستئناف ينقل الدعوى موضوع الحكم إلى محكمة أعلى درجة من المحكمة التي سبق لها إصدار الحكم. أما الاعتراض فهو يعيد الدعوي . حالة قبول الطعن شكلا - إلى نفس المحكمة التي سبق لها إصدار الحكم الغيابي.
تقسيم
نتناول الاستئناف . مثلما فعلنا بشأن الاعتراض به من خلال الإلمام أولا بالشروط اللازم توافرها لجواز الطعن به، بغية الإحاطة بعد ذلك بالآثار المترتبة عليه.
اولا . شروط الطعن بالاستئناف:
نبحث هذه الشروط على التوالي من خلال :
۱- الأحكام الجائز الطعن فيها بالاستئناف، ۲. من له حق الطعن بالاستئناف؛ ۳. آلية الطعن بالاستئناف.
١- الأحكام الجائز الطعن فيها بالاستئناف:
يجوز استئناف كافة الأحكام الصادرة عن محاكم أول درجة المحاكم البدائية أو الابتدائية في مواد الجنح والمخالفات كقاعدة عامة
دون الجنايات. ويستوي أن يكون هذا الحكم حضوريا أم غيابيا، صادرة في الدعوى الجنائية أو المدنية. ويقتصر الاستئناف . كقاعدة عامة - على الأحكام الفاصلة في الموضوع دون تلك التي تسبق الفصل في الموضوع.
نستخلص مما سبق شرطين أساسيين للأحكام الجائز الطعن فيها بالاستئناف.
1- أن يكون حكمة بدائية (ابتدائية) صادرة في جنحة أو مخالفة دون الجنايات:
يجوز - في مواد الجنح - استئناف كل حكم صادر عن محكمة بدائية ابتدائية) سواء بالبراءة أم بالإدانة. كما يجوز أن يشمل الطعن بالاستئناف الأحكام الصادرة في الاختصاص أو غير ذلك من المسائل الطارئة أو الدفوع التي يدلي بها أمام المحكمة.
أما في مواد المخالفات فلا يجوز الطعن بالاستئناف إلا في الحكم الصادر بالحبس، أو بالغرامة التي تجاوز عشرة آلاف ليرة، أو بالمصادرة ، أو بغيرها من العقوبات الإضافية، أو التدابير الاحترازية، أو بالتعويضات الشخصية التي تجاوز قيمنها ثمانمائة ألف ليرة لبنانية.
وعلى خلاف الجنح والمخالفات، فلا يجوز استئناف الحكم الصادر في جناية مطلقة. ولربما كان استثناء الحكم الصادر في مواد الجنايات من نطاق الاستئناف مبعثه ما يحظى به هذا النوع من الجرائم الجسيمة من التدقيق والبحث المتأن أمام جهة التحقيق. فالجنايات يلزم تحقيقها بواسطة قاضي التحقيق، وقد يطعن في قراراته أمام الهيئة الاتهامية بما يكفل لها فرصة أخرى من التدقيق والبحث. وفي عبارة أخرى يمكن القول أن الجنايات يتم نظرها إبان مرحلة التحقيق على درجتين. وبالإضافة إلى ذلك فإن محكمة الجنايات - ولو أنها محكمة أول درجة . بالنسبة للجرائم التي تنظرها، إلا أنها تتألف من ثلاثة من المستشارين؛ وذلك على خلاف المحكمة البدائية التي تتكون من قاضي منفرد. وهكذا اعتبر المشرع ضمنا
أن الضمانات المقررة في مواد الجنايات سواء في مرحلة التحقيق او المحاكمة تبرر استبعادها من نطاق الاستئناف. ولا يكون ممكنا بالتالي سوى الطعن في الحكم الصادر فيها بطريق التمييز (النقض).
ب- أن يكون حكما فاصلا في موضوع الدعوى:
القاعدة أنه لا يجوز استئناف الحكم الصادر من محكمة أول درجة في جنحة أو مخالفة إلا إذا كان هذا الحكم فاصلا في موضوع الدعوى.
ففي مواد الجنح يشترط لاستئناف الحكم الصادر فيها أن يفصل هذا الحكم في موضوع الدعوى أو موضوع النزاع. فيجوز استئناف الحكم الصادر بالبراءة أم بالإدانة، أو في الاختصاص او المسائل الطارئة أو الدفوع المقدمة أمام المحكمة.
ويترتب على ذلك عدم جواز استئناف الأحكام أو فلنقل القرارات التي لا تفصل في موضوع الدعوى بل يجب استئناف هذه القرارات ميع الحكم النهائي، ومن ثم يتعين الانتظار ريثما تفصل المحكمة في موضوع الدعوى ( أساس الدعوى).
ومن أمثلة القرارات التي لا يجوز استئنافها لكونها سابقة على الفصل في اساس الدعوى: القرارات الوقتية كتعيين حارس قضائي على المال محل النزاع. والقرارات الإعدادية او ما يسمى بالأحكام التحضيرية) كاستدعاء شاهد أو ندب خبير . وقرارات القرينة (أو ما يطلق عليه الأحكام التمهيدية) كإثبات مسألة معينة يؤدي ثبوتها للبراءة مثل انتفاء صفة الموظف العام في المنهم لكي لا يعتبر فاعلا لجريمة الرشوة. وأخيرة الأحكام القطعية في مسألة اولية كالحكم بعدم قبول الدعوي شكلا لرفعها من غير ذي صفة.
ورغم ذلك فثمة احكام يجوز الطعن فيها بالاستئناف رغم كونها من قبيل الأحكام او القرارات السابقة على الفصل في اساس الدعوى. وقد نص المشرع على هذه الحالات الاستثنائية في المادة ۲۱۲ من قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني التي تقرر صراحة لا يجوز استئناف القرارات الفاصلة في أساس النزاع إلا مع الحكم النهائي غير أن القرارات التي نقضي برد الدفع بعدم الصلاحية أو بعدم سماع الدعوى لسقوطها بمرور الزمن أو غير ذلك من الأسباب فيسوغ استئنافها على حدة إذا أدلي بالدفع في بدء المحاكمة وقبل أي دفاع في الأساس،.
ومؤدى ذلك أنه لا يجوز استئناف الأحكام غير الفاصلة في موضوع الدعوى او اساس النزاع إذا كانت مما لم ينص عليه المشرع في المادة السابقة.
٢. من له حق الطعن بالاستئناف (حق الفرقاء في الاستئناف):
يفرق في هذا الصدد بين الأحكام الصادرة في مواد الجنح، وتلك التي تصدر في مواد المخالفات:
أ. من له حق الاستئناف في مواد الجنح:
-المتهم:
يحق للمتهم استئناف كافة الأحكام الصادرة ضده من محكمة اول درجة، وله الطعن بذلك في الشق الجنائي من الدعوى او في الدعوى الجنائية شنها المدني بالتعويض. بل وله استئناف الحكم ولو كان صادرة ببراءته طالما كان يلزمه بأداء النفقات. ولا يسقط حقه في الاستئناف حتى ولو قبل الحكم في شقه الجنائي، وله العدول عن هذا القبول والطعن بالاستئناف في المهلة المحددة. ولكن يسقط حقه في الاستئناف . لدى أرجح الأقوال - إذا قبل الحكم في شقه المدني.
- النيابة العامة:
يكون للنيابة العامة أن تطعن في الحكم بالاستئناف بواسطة المدعي العام الاستئنافي ويحق لها استئناف كافة الأحكام الصادرة الدعوى الجنائية في شقها الجنائي.
- المدعي بالحق الشخصي:
يجوز للمدعي بالحق الشخصي أن يطعن بالاستئناف فيما يتعلق فقط بالشق المدني من الحكم. ويحق للمدعي بالحق الشخصي أن يستأنف الحكم في مواجهة المتهم. ولكن يثور التساؤل حول ما إذا كان يجوز له عند قبول طعنه أن يحصر طلب التعويض في مواجهة المسؤول بالمال وذلك أمام المحكمة الاستئنافية. يرى البعض عدم جواز ذلك وإلا لكان في هذا تفويت لدرجة من درجات التقاضي بالنسبة للمسؤول بالمال الذي اختصم لأول مرة أمام المحكمة الاستئنافية. لكن الرأي الأرجح في الفقه والقضاء اللبناني هو الذي يجيز اختصام المدعي بالحق الشخصي للمسؤول بالمال لأول مرة أمام المحكمة الاستئنافية رغم كون استئنافه منصبا في مواجهة المتهم.
- المسؤول بالمال:
يجوز للمسؤول بالمال الطعن في الحكم بالاستئناف في الشق المدني فقط حالة صدور هذا الحكم بالتعويض المدني لمصلحة المدعي بالحق الشخصي. وحق الطعن المقرر للمسؤول بالمال مستقل عن حق الطعن المقرر للمتهم. ولهذا يكون الحكم نهائية بالنسبة لمن قبله و فوت على نفسه فرصة الطعن بالاستئناف.
ب. من له حق الاستئناف في مواد المخالفات: - المنهم :
يجوز للمتهم في مخالفة أن يطعن في الحكم الصادر ضده من محكمة أول درجة بشرط أن يكون هذا الحكم صادرة بالحبس، أو الغرامة التي تتجاوز عشرة آلاف ليرة، أو المصادرة، أو غيرها من العقوبات الإضافية، أو التدابير الاحترازية، أو التعويضات الشخصية، التي تجاوز قيمتها ثمانمائة (800) ألف ليرة لبنانية. كذلك يجوز الطعن بالاستئناف إذا كان الحكم الصادر في مخالفة قد فصل في الصلاحية أو في دفع من الدفوع المتصلة بسقوط الدعوى الجنائية .
- النيابة العامة:
ويحق لها من خلال المدعي العام الاستئنافي أن تطعن بطريق الاستئناف في كافة الأحكام الصادرة التي يحق للمتهم الطعن فيها.
- المسؤول بالمال :
ويقتصر حقه في الطعن بالاستئناف على الحكم بالمصادرة أو التعويضات الشخصية التي تجاوز قيمتها ثمانمائة (800) ألف ليرة لبنانية.
- المدعي بالحق الشخصي
ويقتصر حقه في الطعن بالاستئناف على الشق المدني فقط من الحكم دون الشق الجنائي، حتى ولو سبق له تحريك الدعوى الجنائية بالتبع لادعائه المباشر أمام محكمة الدرجة الأولى ويشترط لذلك أن يقضي له الحكم بتعويض يتجاوز ثمانمائة (۸۰۰) ألف ليرة لبنانية. كما يحق له استئناف الحكم الصادر في مسألة الاختصاص أو في سقوط الدعوى الجنائية.
۳ - آلية الطعن بالاستئناف:
تتحدد هذه الآلية بمهلة الاستئناف، والإجراءات اللازم إتباعها لتقديمه، وكذلك الإجراءات المتعلقة بالمحاكمة.
فبالنسبة لمهلة الاستئناف الأصلي، فقد حددها المشرع بعشرة أيام، تضاف إليها مهلة المسافة بالنسبة لأطراف الخصومة غير النيابة العامة . ويبدأ احتساب هذه المهلة منذ تاريخ صدور الحكم الصادر من محكمة أول درجة إذا كان الحكم وجاهية (حضوريا) من ناحية، وأحبط أطراف الخصومة علما بتاريخ إصداره من ناحية ثانية. أما إذا لم يكن الحكم قد صدر في تاريخه المحدد المعلوم سلفة من الخصوم، فإن سريان مهلة الطعن بالاستئناف لا تسري إلا منذ تاريخ إبلاغ الخصوم بالحكم الصادر .
أما إذا كان الحكم قد صدر غيابيا، أو كان من قبيل الأحكام الوجاهية اعتبارا (الحكم الحضوري الاعتباري) فإن مهلة الطعن فيه
بالاستئناف لا تبدا إلا منذ تاريخ إبلاغ هذا الحكم إلى المتهم .
اما مهلة الطعن بالاستئناف المقررة للنيابة العامة فهي شهران . وتسري هذه المهلة في كافة الأحوال منذ تاريخ صدور حكم محكمة أول درجة.
وفيما يتعلق بمهلة الاستئناف الفرعي فقد تعرضت لها المادة ۲۱6 من قانون أصول المحاكمات الجزائية بقولها «إذا استأنف فريق في الدعوى الحكم في المدة المعينة (العشرة أيام) كان لبقية الفرقاء خمسة أيام إضافية ليقدموا استئنافا تبعية». .
ويستخلص من النص السابق أن المشرع قد منح خمسة أيام إضافية لكل طرف من أطراف الخصومة الجنائية الذي لا يطعن بالاستئناف اعتمادا على قبول باقي أطراف الخصومة بذلك، فإذا به يكتشف أن أحد هؤلاء الأطراف قد بادر بالطعن بالاستئناف. فهنا يتيح المشرع لهذا الطرف أن يتدارك الأمر ويحق له الطعن بالاستئناف بدوره ويتمتع بخمسة أيام إضافية فوق العشرة أيام التي كانت مقررة له أصلا.
ب - إجراءات الاستئناف بالنسبة للحكم المطعون فيه:
و يتم رفع الاستئناف بواسطة استدعاء يتقدم به الطاعن إلى المحكمة الاستئنافية المختصة. ويجوز رفع الاستئناف بواسطة المحكمة التي أصدرت الحكم البدائي (الابتدائي المطعون فيه. فإذا قدم الاستئناف إلى هذه المحكمة البدائية أرسلته النيابة العامة (المدعي العام إلى قلم محكمة الاستئناف في مدة ثلاثة أيام من تاريخ تقديمه. فإذا كان المتهم موقوفة أرسلت النيابة العامة (المدعي العام الاستئناف في خلال المدة نفسها إلى محل التوقيف الكائن لدى محكمة الاستئناف (م ۲۲۱ أ. م .ج).
ويجب أن يشتمل الاستئناف على الأسباب التي يبني عليها، وينبغي توقيعه من المستأنف نفسه أو من وكيله. أما الاستئناف المقدم من النيابة العامة فيتخذ شكل تصريح خطي من جانب المدعي العام الاستئنافي على محضر الحكم البدائي الصادر من محكمة أول درجة.
ج- إجراءات الاستئناف الخاصة بالحكم الاستئنافي :
يشترط في الحكم الاستئنافي نفس ما يشترط في الحكم البدائي الصادر من محكمة أول درجة من العلانية في الحكم، وصبغة الحكم النهائي، والرسوم، والنفقات، والاعتراض على الحكم الغيابي .
ويجب أن يشتمل الحكم الاستئنافي على شق بقبول الاستئناف شكلا أو عدم قبوله لعدم اتباع أي من إجراءات آلية الاستئناف السابق عرضها. وعلى شق ثان ينصب على أساس أو موضوع الدعوى.
وللمحكمة الاستئنافية . فيما يتعلق بشق موضوع الدعوى - أن تبقى على الحكم البدائي الصادر عن محكمة أول درجة بنفس الحالة التي صدر عليها. ولها أن تفسخ هذا الحكم إما بتشديد العقوبة أو تخفيفها أو الإعفاء منها، كما لها أن تصدر حكما ببراءة المتهم، أو بامتناع مسؤوليته، أو بسقوط الدعوى الجنائية.
وبالإضافة لحق المحكمة الاستئنافية في الفصل في موضوع الدعوى الجنائية في شقها الجنائي، فإن لها أن تفصل أيضا في موضوع الدعوى المدنية الخاصة بتعويض المضرور من الجريمة.
وهكذا فإن المحكمة الاستئنافية إما أن تبقى على الحكم البدائي، فلا يكون ثمة طريق أمام الطاعن الذي خسر طعنه سوى الطعن في هذا الحكم الاستئنافي بالتميز إذا توافرت شروط الطعن بهذا الطريق. أما إذا قررت المحكمة الاستئنافية نسخ الحكم البدائي لسبب من الأسباب فهل يجب عليها في هذه الحالة الأخيرة رد الدعوى مرة أخرى إلى محكمة الدرجة الأولى، أم أن لها التصدي بنفسها والبت في موضوع الدعوى؟ اجابت المادة 229 من قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني على هذا التساؤل مؤكدة أنه «إذا فسخ الحكم لمخالفة القانون أو الأصول قضت المحكمة في أساس الدعوي.
وهكذا يبين لنا أن من حق المحكمة الاستئنافية إذا فسخت الحكم
البدائي أن تقوم بتصحيح الخطأ الذي لحق بالحكم ثم تنظر في موضوع الدعوى وتفصل فيه.
ويجوز للمحكمة فسخ الحكم البدائي لمخالفته للقانون (كالخطأ في تفسير أحد نصوص قانون العقوبات)؛ أو لمخالفته للقواعد الأصولية الجوهرية (كاستجواب المتهم بعد حلفه اليمين وهو أمر غير جائز، أو النطق بالحكم البدائي في جلسة سرية)؛ أو لمخالفته لقواعد الاختصاص؛ أو لغير ذلك من الفسخ لأسباب أخرى كما إذا تبين للمحكمة الاستئنافية صحة الملاحقة الجزائية لكن الحكم البدائي قرر اعتبارها باطلة.
ففي كافة هذه الأحوال السابقة، يحق للمحكمة الاستئنافية عقب حكمها بفسخ الحكم البدائي أن تتصدي وتقوم بنفسها بالبت في موضوع الدعوى دون أن تحيلها مرة أخرى إلى المحكمة البدائية .
ثانيا - الآثار المترتبة على الاستئناف (مفاعيل الاستئناف).
يمكننا إيجاز آثار الاستئناف من خلال التعرض لما له من أثر معلق، وأثر ناشر: الأول يوقف تنفيد الحكم البدائي، والثاني يطرح الدعوى أمام المحكمة الاستئنافية .
١- الأثر المعلق (وقف تنفيذ الحكم محل الطعن بالاستئناف):
للطعن بالاستئناف - شأنه شأن الطعن بأي طريق آخر - أثر موقف للحكم الصادر من محكمة أول درجة. وبالتالي يمتنع تنفيذ الحكم المطعون فيه خلال مهلة الاستئناف. فإن لم يستأنف الحكم أحد أطراف الخصومة صار حكمة قطعية جائز التنفيذ. أما إذا تم استئناف الحكم فإنه يتعين الانتظار لصدور الحكم الاستئنافي، وبالتالي يظل الحكم البدائي موقوفة تنفيذه .
ورغم هذا، فثمة استثناءات ترد على هذا الأثر الموقف للاستئناف، ويجوز التنفيذ المعجل للحكم البدائي رغم الطعن فيه بالاستئناف. وتجد هذه الاستثناءات التي سبق التعرض لها في المبحث الأول من هذا الفصل الثاني، مبررها إما في حماية مصلحة المتهم، أو المجتمع، أو المدعي بالحق الشخصي(1).
۲ - الأثر الناشر (طرح الدعوى أمام المحكمة الاستئنافية):
فيما يتعلق بآلية الاستئناف . أن للمحكمة الاستئنافية أن تنظر موضوع الدعوى الجنائية : فإلى أي حد تلتزم المحكمة الاستئنافية بنطاق هذه الدعوى موضوع الدعوى الجنائية : فإلى أي حد تلتزم المحكمة الاستئنافية بنطاق هذه الدعوى الموضوعي من ناحية، وبنطاقها الشخصي من ناحية ثانية؟ وفي عبارة أخرى : ما مدى صلاحية المحكمة الاستئنافية في نظر الدعوى من حيث الوقائع المشتملة عليها، ومن حيث الأشخاص أطراف هذه الدعوى؟ للإجابة على هذا السؤال يتعين الإشارة إلى النطاق الموضوعي للدعوى المطروحة، والنطاق الشخصي لها.
أ- النطاق الموضوعي للدعوى المطروحة : يتحدد هذا النطاق - في إيجاز - بالضوابط التالية :
- لا يحق للمحكمة الاستئنافية إذ تنظر موضوع الدعوى المطروحة أمامها أن تنظر وقائع جديدة غير تلك التي تتضمنها الدعوى. فليس لها أن تفصل في وقائع أخرى تكون قد اكتشفتها أثناء نظر الدعوى محل الاستئناف، وإلا لكان في هذا تفويت لدرجة من درجات التقاضي، وهو ما يتعارض مع النظام العام
وبالتالي فلا يجوز للمحكمة الاستئنافية أن تحاكم المتهم عن واقعة ضرب إذا كان هذا المتهم قد حوكم أمام محكمة الدرجة الأولى عن واقعة سرقة فقط. أو أن تحاكمه عن تزوير إذا كان قد حوكم من قبل عن اختلاس مال عام فقط.
- لا يحق للمحكمة الاستئنافية أن تتجاوز شق الدعوى المطروحة أمامها: فإذا طعنت النيابة العامة في الشق الجنائي، لا يكون للمحكمة التعرض للشق المدني. كما أنه إذا قصر المتهم طعنه على الشق المدني فقط لا يحق للمحكمة أن تتناول الشق الجنائي. ويعد ذلك تطبيقا للمبدأ الذي أرسته المادة 224 أ.م.ج من أنه لا يجوز للمحكمة أن تقضي بما لم يطلبه الخصوم منها.
- يحق للمحكمة . على خلاف ما سبق - أن تغير من الوصف أو التكييف القانوني للجريمة طالما أن ذلك لا يستتبع إضافة مواقعة» | جديدة. ويعبر عن ذلك بالقول بأن المحكمة تتقيد بالوقائع، وتتحرر في الأوصاف.
وبالتالي يجوز للمحكمة الاستئنافية أن تغير وصف الجريمة من سرقة إلى إساءة ائتمان، أو من سرقة إلى احتيال.
- تلتزم المحكمة بعدم الإضرار بمركز المتهم إذا كان هو المستأنف وحده. وبالتالي فليس لها إعمالا لحقها في تغيير الوصف أو التكييف القانوني أن تحول الجريمة من جنحة إلى جناية إذا ترتب على ذلك تشديد العقوبة متى كان المتهم هو المستأنف وحده. أما إذا كانت النيابة العامة هي المستأنفة وحدها، أو بالإضافة إلى المتهم جاز للمحكمة أن تعذل من الوصف أو تشدد من العقوبة حتى ولو أدى ذلك إلى إساءة مركز المنهم
- يحق للمحكمة أن تصحح كل خطا مادي او سهو ورد في الحكم البدائي الصادر من محكمة أول درجة أو في الإجراءات السابقة عليه.
- يحق للمحكمة . لدى الرأي الأرجح فقها - النظر في الظروف الشخصية المشددة (كظرف التكرار أو العود) حتى ولو لم يشتمل عليها الحكم البدائي .
ب - النطاق الشخصي للدعوى المطروحة :
تتقيد المحكمة الاستئنافية بالشخص المستأنف وبالشخص الموجه إليه الاستئناف دون غيرهما من الفرقاء أو أطراف الخصومة الجنائية .
ويلاحظ رغم ذلك أنه إذا كان الاستئناف مقدمة من النيابة العامة فإن للمحكمة سلطة واسعة فيما يتعلق بالحكم الاستئنافي: فلها أن تؤيد الحكم البدائي، أو تشدد العقوبة، أو تخفف منها، أو تحكم بالبراءة، أو تقرر عدم اختصاصها لكون الواقعة جناية وليست جنحة.
أما إذا كان الاستئناف مقدمة من المتهم وحده في الشق الجنائي فلا يحق للمحكمة أن تضر بمركزه (لا يضار الطاعن المستأنف بطعنه) فيكون من حقها إذن أن تبقى الحكم البدائي على ما هو عليه، أو تعدله لما فيه مصلحة المتهم؛ لكن لا يجوز لها تشديد العقوبة أو بصفة عامة تعديل الحكم بما من شأنه أن يسيء إلى مركز المتهم .
ولا تسري القاعدة السابقة إلا إذا كان المتهم هو وحده المستأنف ، فإن شاركته النيابة العامة تمتد صلاحيات المحكمة الاستئنافية مرة أخرى حتى تصل إلى جواز تشديد العقوبة والإضرار بالتالي بمركز المتهم.
أما الاستئناف المقدم من المدعي بالحق الشخصي والمسؤول بالمال فهو قاصر على الشق المدني من الدعوى الجنائية دون شقها الجنائي. وبالتالي فليس للمحكمة في مواجهة هذين الشخصين أن تعدل الحكم المطعون فيه بالنسبة إلى شقه الجنائي. وإذا كان المدعي بالحق المدني هو وحده المستأنف فلا يجوز الإضرار بمركزه وبالتالي فمن حق المحكمة الاستئنافية أن تزيد من مقدار التعويض المدني ولكن ليس لها أن تنقص منه . وكذلك الأمر إذا كان المسؤول بالمال هو وحده المستأنف فلا يجوز الإضرار بمركزه. وبالتالي يحق للمحكمة أن تنقص من مقدار التعويض لا أن تزيد منه.
__________
1- انظر ما سبق 578 وما بعدها من نفس الكتاب .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|