تعتبر الفنون أحد أهم العناصر المعبرة عن فكر إنسان الحضارات القديمة، وعمر الفن قديم قدم الإنسان، فقد بدأ في مواجهة العالم الشاسع يحاول أن يجد ملاذا وخلاصا له من تقلبات الطبيعة، فأعتقد في وجود الإله وزوال الطقوس السحرية الطوطمية في عبادته وكانت هذه بداية الفن عند الإنسان القديم، وتبرز قيمة الفن عند البدائي القديم فيما كان يستعمله من أدوات يكمل بها بقاءه كالأسلحة والحجارة الصلبة والكهوف وغيرها من الأدوات.

وتمثل الفنون القديمة في بلاد الرافدين طرازا فنيا يعد من أقدم الطرز في العصور التاريخية، حيث تنافس على الصدارة مع الطراز الفني في بلدان الشرق الأدنى القديم خاصة منها مصر من حيث القدم والأصالة، فقد بدأت أولى محاولات الإنسان في وادي الرافدين في التعبير عن ذوقه الفني بشكل واضح منذ العصر الحجري المعدني، وربما قبل ذلك بقليل عندما بدأ بتزويق الأواني الفخارية بالألوان والأشكال والأطرزة الفنية المختلفة، وفي هذا العصر أيضا طرق الإنسان أبوابا أخرى للتعبير من خلالها عن ذوقه الفني كان في مقدمتها البناء، ولا سيما المعابد، نحت التماثيل والنحت على الحجر لعمل المسلات والنصب والأواني النذرية, وكذلك صناعة الحلي والمجوهرات وصناعة الأختام الاسطوانية وغيرها.

والدارس لخواص الفن في هذه الحضارة يلاحظ بوضوح بأن الحضارات الرئيسية الأربع (السومرية، الأكدية، البابلية والأشورية) متصلة بعضها ببعض بنسيج تاريخي مكونة سلسلة متصلة الحلقات, ومع هذا فقد تميزت بعضها عن بعض نتيجة الظروف الموضوعية التي سادت تلك الحضارات, وقد أثر ذلك التباين على فناني تلك الفترات، لذا فمما أبدعه فنانو تلك الأزمان البعيدة في القدم يعبر بصدق وإخلاص عن البيئة والظروف التي عاشوها أي أن الإبداع الفني والتفكير العقلي هو إنتاج الظروف الموضوعية للطبيعة والبيئة والمجتمع.

ويمكن القول أن هذا التواصل في الفن يتضح جليا خاصة بين السومريين والبابليين فقد تميز الفن البابلي بالتمسك بتقاليد الماضي السومري، إذ تطرق للمواضيع التي عهدها السومريون والتي تتعلق بجوانب الحياة اليومية خاصة ما يتعلق بالمعتقد الديني وانحصار جل مضامينه على مشاهد العبادة وأداء الطقوس من تقديم القرابين، الصلاة... ولن تتضح هذه العلاقة التي تربط الديانة بالفن في كل من سومر وبابل إلا إذا وقفنا على أهم أنواع الفنون التي عرفوها ودراسة بعض النماذج لهذه الأنواع التي تتضح من خلالها العلاقة بين المعتقدات الدينية والإبداع الفني.