أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-02-20
2227
التاريخ: 23-04-2015
1876
التاريخ: 2023-12-21
944
التاريخ: 2023-09-18
1851
|
الملحظ الصوتي في فواصل الآيات القرآنية قائم على عدة ظواهر ، نرصد منها أربع ظواهر :
الأولى : وتتمثل بزيادة حرف ما في الفاصلة وعناية للبعد الصوتي ، وعناية بنسق البيان في سر اعتداله ، ليؤثر في النفس تأثيره الحسّاس ، فتشرئبّ الأعناق ، وتتطلع الأفئدة حين يتواصل النغم بالنغم ، ويتلاحم الإيقاع بالإيقاع ، وأبرز مظاهر هذه الظاهرة ألف الاطلاق إن صح التعبير بالنسبة للقرآن ، فقد ألحقت الألف في جملة من الآيات بأواخر بعض كلماتها ، وكان حقها الفتح مطلقا ، دون مدّ الفتحة حتى تكون ألفا ، وانظر معي في سورة واحدة ، إلى كل من قوله تعالى ، وكأن ذلك معني بحد ذاته ومقصود إليه لا ريب :
وقال تعالى : { وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا } [الأحزاب : 10].
وقال تعالى : {فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا } [الأحزاب : 67].
وقال تعالى : { وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا } [الأحزاب : 66].
يبدو أن إلحاق هذه الألف في «الظنون» «السبيل» «الرسول» يشكل تلقائيا ظاهرة صوتية تدعو إلى التأمل ، وإلا فما يضير الفتح لو لا الملحظ الصوتي «لأن فواصل هذه السورة منقلبة عن تنوين في الوقف ، فزيد على النون ألف لتساوي المقاطع ، وتناسب نهايات الفواصل» (1).
وما يقال هنا يقال فيما ورد بسورة القارعة في زيادة هاء السكت وإلحاقها في «هي» لتوافق الفاصلة الأولى الثانية في قوله تعالى : { وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ } [القارعة : 10 ، 11].
وهيا إلى سورة الحاقة وانظر إلى هاء «السكت» في إضافتها وإنارتها في جملة من آياتها ، فتقف خاشعا مبهورا ، تمتلك هزة من الأعماق وأنت مأخوذ بهذا الوضع الموسيقى الحزين ، المنبعث من أقصى الصدر وأواخر الحلق ، فتتقطع الأنفاس ، وتتهجد العواطف ، واجمة ، متفكرة ، متطلعة ، فتصافح المناخ النفسي المتفائل حينا ، والمتشائم حينا آخر ، وأنت فيما بينهما بحالة متأرجحة بين اليأس والرجاء ، والأمل والفزع ، والخشية والتوقع ، فسبحان اللّه العظيم حيث يقول :
{ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } [الحاقة : 18 - 29].
فأنت تلاحظ الفواصل : كتابيه ، حسابيه ، كتابيه ، حسابيه ، ماليه ، سلطانيه ، قد أزيدت فيها هاء السكت رعاية لفواصل الآيات المختومة بالتاء القصيرة والتي اقتضى السياق نطقها هاء للتوافق.
و ما زلنا عند الهاء ، فتطلع إليها ، وهي ضمير ملصق بالفواصل ، غير زائد بل أصلي الورود ، وقد حقق بذلك وقعه في النفس ، وجرسه في الأذن ، وقوته في امتلاك المشاعر ، قال تعالى :
{ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ } [المعارج : 11 - 14].
فلا زيادة في هذه الهاء ، وهي ضمير في الفواصل كلها ، وقد حققت صوتيا مناخ الانتباه ، ورصد مواضع الاصغاء من النفس الإنسانية.
الثانية : وتتمثل بحذف حرف ما رعاية للبعد الصوتي ، وعناية بالنسق القرآني كما في قوله تعالى :
{ وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} [الفجر : 1 - 4] فقد حذفت الياء من يسري موافقة للفاصلة فيما يبدو ومثله قوله تعالى : { فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ } [الفجر : 15 ، 16].
فالياء من «اكرمن» و«أهانن» قد حذفت رعاية لهذا الملحظ ، ولما في النون من الغنة عند الوقوف عليها فيما يبدو ، ويظهر أن هذا الأمر مطرد في جملة من آيات القرآن الكريم في الفواصل ما في قوله تعالى : { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } [الكافرون : 6].
الثالثة : وتتمثل في تأخير ما حقه التقديم ، وتقديم ما حقه التأخير ، زيادة في العناية بتركيب السياق ، وتناسق الألفاظ ، وترتيب الفواصل ، كما في قوله تعالى { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى } [طه : 67]. فتأخر الفاعل وحقه التقديم ، وعليه يحمل تقديم هارون على موسى في قوله تعالى :
{ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى } [طه : 70]. فإن هارون وزير لموسى ، وأهمية موسى سابقة له ، وقدم هارون عليه رعاية لفواصل آيات السورة ، إذا انتظمت على الألف والألف المقصورة في أغلبها ، واللّه العالم.
الرابعة : أشار الزركشي (ت : 794 هـ) أنه قد كثر في القرآن الكريم ختم كلمة المقطع من الفاصلة بحروف المد واللين وإلحاق النون ، وحكمته وجود التمكن من التطريب (2).
وحكى سيبويه (ت : 180 هـ) عن العرب أنهم إذا ما ترنموا فإنهم يلحقون الألف والواو والياء ، ما ينون ، وما لا ينون ، لأنهم أرادوا مدّ الصوت (3).
وورود النون بعد حروف المدّ متواكبة في القرآن حتى عاد ذلك سرا صوتيا متجليا في جزء كبير من فواصل آيات سوره ، ونشير على سبيل النموذج الصوتي لكل حرف من حروف المدّ تليه النون بمثال واحد.
1- وردت الألف مقترنة بالنون في منحنى كبير من فواصل سورة الرحمن على نحوين :
الأول : وردهما متقاطرين ، وهما- أي الألف والنون- من أصل الكلمات كما في قوله تعالى :
{ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ } [الرحمن : 1 - 5].
الثاني : وردهما متقاطرين ، وهما- أي الألف والنون- ملحقان بالكلمة علامة للرفع ودلالة على التثنية كما في قوله تعالى : { مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [الرحمن : 19 - 21].
و يتحقق في النحوين مدّ الصوت تحقيقا للترنم.
2- وردت الياء مقترنة بالنون في أبعاد كثيرة من فواصل الآيات القرآنية ، ففيما اقتص اللّه من خبر نوح عليه السلام قال تعالى : { فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30) ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ } [المؤمنون : 28 - 31].
و الطريف أن سورة المؤمنين تتعاقب فواصلها الياء والنون أو الواو والنون ، شأنها في ذلك شأن جملة من سور القرآن ، فكأنها جميعا تعنى بهذا الملحظ الدقيق.
3- وردت الواو مقترنة بالنون في أجزاء عديدة ومتنوعة من فواصل طائفة كبيرة من السور ، فسورة الشعراء فيها تعاقب كبير على الياء والنون مضافا إليه التعاقب على الواو والنون موضع الشاهد كما في قوله تعالى :
{ إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } [الشعراء : 54 - 57] إن ما أبداه الزركشي من ختم كلمة مقطع الفواصل بحروف المد واللين وإلحاق النون ، ليس بالضرورة للتمكن من التطريب ، ولكنه يشكل ظاهرة بارزة في صيغ تعامل القرآن الكريم مع هذه الحروف مقترنة بالنون ، وقد يخفى علينا السبب ، ويغيب عنا جوهر المراد ، ومع ذلك فهو ملحظ متحقق الورود.
(2) ظ : الزركشي ، البرهان : 1/ 68.
(3) سيبويه ، الكتاب : 2/ 298.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|