أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-8-2020
5641
التاريخ: 21-8-2020
5451
التاريخ: 16-8-2020
7270
التاريخ: 22-8-2020
4889
|
قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُو السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1]
{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ } سبحان كلمة تنزيه وإبراء لله عز اسمه عما لا يليق به من الصفات وقد يراد به التعجيب يعني: سبحان الذي سير عبده محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) وهو عجيب من قدرة الله تعالى وتعجيب ممن لم يقدر الله حق قدره وأشرك به غيره وسرى بالليل وأسرى بمعنى وقد عدي هنا بالباء والوجه في التأويل أنه إذا كان مشاهدة العجب سببا للتسبيح صار التسبيح تعجبا فقيل سبح أي: عجب { ليلا } قالوا: كان ذلك الليل قبل الهجرة بسنة { مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وقال أكثر المفسرين: أسري برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من دار أم هاني أخت علي بن أبي طالب وزوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي وكان (صلى الله عليه وآله وسلّم) نائما تلك الليلة في بيتها وإن المراد بالمسجد الحرام هنا مكة ومكة والحرم كلها مسجد وقال الحسن وقتادة كان الإسراء من نفس المسجد الحرام.
{ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} يعني بيت المقدس وإنما قال الأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ } أي: جعلنا البركة فيما حوله من الأشجار والأثمار والنبات والأمن والخصب حتى لا يحتاجوا إلى أن يجلب إليهم من موضع آخر وقيل: باركنا حوله أي البركة فيما حوله بأن جعلناه مقر الأنبياء ومهبط الملائكة عن مجاهد وبذلك صار مقدسا عن الشرك لأنه لما صار متعبدا للأنبياء ودار مقام لهم تفرق المشركون عنهم فصار مطهرا من الشرك والتقديس التطهير فقد اجتمع فيه بركات الدين والدنيا.
{ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} أي: من عجائب حججنا ومنها إسراؤه في ليلة واحدة من مكة إلى هناك ومنها أن أراه الأنبياء واحدا بعد واحد وأن عرج به إلى السماء وغير ذلك من العجائب التي أخبر بها الناس { إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ } لأقوال من صدق بذلك أو كذب { الْبَصِيرُ} بما فعل من الإسراء والمعراج.
_________________
1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص217-218.
الاسراء بالروح والجسد :
يطلق كثير من العلماء كلمة الإسراء على رحلة النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) من المسجد الحرام في مكة إلى المسجد الأقصى في بيت المقدس ، ويطلقون كلمة المعراج على رحلته من بيت المقدس إلى السماوات العلى ، لأن كلمة المعراج تومئ إلى الارتقاء والصعود . .
والبعض منهم لا يفرق بين الكلمتين ، فيستعمل الاسراء في الصعود إلى السماء ، والمعراج في الإسراء إلى بيت المقدس .
وقد اتفقوا على وقوع الاسراء والمعراج لوجود النص عليهما في الكتاب والسنة ، واختلفوا : هل كان ذلك بالروح دون الجسد أوبهما معا ، ونحن مع الذين قالوا : انه بهما معا ، ونتكلم هنا عن الاسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، أما المعراج إلى السماء فيأتي الحديث عنه في سورة النجم . واستدل القائلون بأن الاسراء كان بالروح والبدن بالأدلة التالية :
1 - ان الاسراء بالبدن ممكن عقلا ، وقد دل عليه ظاهر الوحي ، حيث قال تعالى : أسرى بعبده ، ولم يقل بروح عبده ، وكلمة العبد تطلق على مجموع الروح والبدن ، كما قال تعالى : { أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى } - 10 العلق .
ومن الأصول المقررة في الإسلام ان كل ما دل عليه ظاهر الوحي ، ولم يعارض بحكم العقل وجب الايمان به .
2 – لو كان الاسراء بالروح فقط لما كان فيه أي شيء من العجب ، ولم يبادر المشركون إلى تكذيبه ، فلقد جاءت الروايات ان أم هاني قالت للرسول الأعظم ( صلى الله عليه واله وسلم ) : لا تخبر قومك بذلك ، فأخشى أن يكذبوك . . ولكنه لم يسمع لتخوف أم هاني ثقة منه بالحق الذي جاء به ، وصارح قومه بما رأى ، فدهشوا وأنكروا ، ولو كان مناما لما دهشوا وأنكروا .
3 - ان الاسراء بالروح والبدن يرمز إلى أن على الإنسان أن يعمل لحياته المادية والروحية ، لا لإحداهما دون الأخرى .
4 - اشتهر عن الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) أنه قال : أسري بي على دابة يقال لها البراق .
ومن الواضح ان الاسراء بالروح فقط لا يحتاج إلى الدابة ولا إلى غيرها . وبهذه المناسبة نشير إلى مقال نشرته جريدة « الجمهورية » المصرية لمحمد فتحي أحمد بعنوان « المضمون العلمي للإسراء والمعراج » جاء فيه :
« امتطى الرسول الكريم راحلة يقال لها البراق ، وهي على ما ذكر الحديث دابة فوق الحمار ودون البغل ، وفي ذلك تلقين إلهي لنا بوجوب التعلق بالأسباب ، فلم يكن عزيزا على ربنا أن ينقل رسوله من مكة إلى القدس دون وسيلة من وسائل النقل بحيث يجد الرسول نفسه فجأة على أبواب المسجد الأقصى ، ولكنه جلت حكمته قضى بأن يجري كل شيء على قوانين لا تتبدل ولا تتحول . . وفي استخدام هذه الراحلة التي قطعت المسافة الطويلة في سرعة مذهلة تحريض للعقول على النظر في ابتداع وسائل جديدة تقطع المسافات البعيدة في مدة وجيزة . . ثم نسأل الذين يعلمون : ما هي أقصى سرعة تجري في كون اللَّه طبقا لما انتهى إليه العلم ؟ .
ويأتينا الجواب بلا تردد انها على وجه اليقين سرعة الضوء ، وهي 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة . . والبراق الذي امتطاه الرسول كان ينطلق بسرعة ضوئية لأن كلمة البراق مشتقة من البرق . . ومن خلال المحاولات العلمية في دراسة الفضاء توصل الإنسان إلى معرفة كثير من الأسرار ، واستطاع بسلطان العلم أن ينفذ من أقطار الأرض إلى عجائب الملكوت ، ولكن العلم المادي وحده ينسي الإنسان خالق الكون ، وحادث الاسراء والمعراج يعطينا درسا بأن المادة والروح متلازمان فقد كان الرسول بعروجه إلى الملأ الأعلى على هيئته بشرا من مادة الكون وقبسا من روح الخالق الأعظم ، وكان جبريل يمثل الدليل الأمين ، ولا مانع من أن نرمز إليه في الرحلة بسلطان العلم الذي يجب أن يقودنا في رحلتنا بهذه الحياة إلى خالق الأكوان » .
وأغرب ما قرأته في هذا الباب قول من قال : ان إسراء النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) كان بروحه ، لا بجسده الشريف مستدلا بما روي عن عائشة ان جسد النبي لم يفارقها تلك الليلة . . مع العلم بأن عائشة كانت صغيرة حين الاسراء ، ولم تكن زوجة لرسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) . . فالرواية تكذب نفسها بنفسها .
بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى :
المسجد الأقصى يشبه المسجد الحرام من وجوه :
1 - انهما في الشرق .
2 - يرجع تاريخ كل منهما إلى عهد قديم الا ان المسجد الحرام أقدم وأعظم ، لأنه أول بيت وضع للناس ، وقد أوجب اللَّه حجه على من استطاع إليه سبيلا :
{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وهُدىً لِلْعالَمِينَ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ ومَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ولِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } - 98 آل عمران .
3 - ان كلا من الكعبة ومدينة القدس التي فيها المسجد الأقصى قد أسسها وأنشأها العرب أوشاركوا في بنائها أوتأسيسها ، أما الكعبة فقد بناها إبراهيم وولده إسماعيل ( عليه السلام ) : { وعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ والْعاكِفِينَ والرُّكَّعِ السُّجُودِ - إلى قوله - وإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وإِسْماعِيلُ } - 127 البقرة . والمعروف ان إسماعيل أول نبي تكلم باللغة العربية خلاف لغة أبيه ، واليه تنتسب قريش وغيرها من العرب ، وبلغتها نزل القرآن الكريم ، أما القدس فقد نزح إلى أرضها قبيلة اليبوسيين ، وهي من القبائل الكنعانية العربية ، وقد حطت رحالها على الجبل المعروف باسم صهيون سنة 2500 قبل الميلاد بزعامة شيخها سالم اليبوسي ، وهذه القبيلة العربية هي التي وضعت أول لبنة لمدينة القدس التي أصبحت فيما بعد قبلة العالم » . . وبعد أن فتح المسلمون القدس بنوا مسجد عمر ، ومسجد قبة الصخرة داخل الحرم القدسي ، والأول أسسه عمر ابن الخطاب ، والمسجد الثاني بناه عبد الملك بن مروان ، وكان المسلمون لا يبيحون لغير المسلم أن يطأ أرضهما .
4 - ان المسلمين يقدسون كلا من المسجد الحرام والمسجد الأقصى ، حيث توجهوا إليه في صلاتهم ثلاثة عشر عاما بمكة وبضعة أشهر بالمدينة ، وإذا أضفنا
إلى ذلك أسراء النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) إليه لم يكن عجبا ان يتخذه المسلمون مكانا مقدسا لهم وأن يكون عندهم بالمنزلة الثانية من الحرم المكّي والمدني من حيث القداسة والصيانة والرعاية .
وقد جاء في كثير من الروايات ان رسول اللَّه قيّد البراق بالصخرة المقدسة حين بلغ به الإسراء إلى بيت المقدس وحتى الآن يسمى الجدار الغربي للحرم القدسي بجدار البراق ، وجاء في الروايات أيضا ان النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) صلى على أطلال هيكل سليمان أماما لإبراهيم وموسى وعيسى ، وانه عرج إلى السماء بعد ذلك متخذا من صخرة يعقوب مركزا لمعراجه إلى السماء . ومن أجل هذا وغيره كانت مأساة القدس سنة 1967 م . على أيدي الصهيونية والاستعمار الأمريكي والانكليزي هي مأساة المسلمين والمسيحيين أيضا . . فلقد لوثت تلك الأيدي القذرة الأماكن المقدسة عند الديانة الاسلامية والمسيحية ، واستهانت بها ، فأحيت فيها الليالي الحمراء مع الفاجرات ، وأقامت حفلات الرقص والخلاعة .
وغريبة الغرائب ان يدعي الأمريكان والانكليز انهم حماة الأديان وأعداء الإلحاد . .
وفي نفس الوقت يناصرون الصهاينة الذين لا يؤمنون بالقيم ، ولا يحترمون الأخلاق ، ولا يقيمون وزنا لدين من الأديان ، ولا يعترفون بحق من حقوق الإنسان . لقد ناصر الأمريكان والانكليز إسرائيل وأمدوها بالمال والسلاح ، وآزروها في الأمم المتحدة ومجلس الأمن ، وشجعوها على انتهاك المقدسات الدينية عند المسلمين والمسيحيين ، وتحدوا بموقفهم هذا العالم بأسره . . ولسنا نشك في أن دائرة السوء ستدور على المستعمرين وحلفائهم الصهاينة بأيدي الثائرين الأحرار ، تماما كما دارت الآن على رؤوس الأمريكان بيد الفيتناميين ، ودارت من قبل على اليهود بيد بختنصر والرومان والنبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) والخليفة الثاني عمر بن الخطاب ، وهذه الصحف والإذاعات في الشرق والغرب لا تخلو يوما من أخبار المقاومة الفلسطينية وعملياتها الفدائية التي جعلت كل إسرائيلي يعيش في كابوس من الخوف والرعب .الدرس العملي في الاسراء :
ان هذا القرآن المكتوب الذي نتلوه ونستمع إليه هو دروس ألقاها الخالق ، جلت عظمته ، على رسوله الكريم ليبلَّغها بدوره إلى الناس كافة ، وهذه الدروس على أنواع ، منها في الأحكام ومعرفة الحلال والحرام ، ومنها الأمر بالجهاد في سبيل اللَّه والإخلاص والمثابرة والصبر على الشدائد من أجل الحق ، وأهمها جميعا الايمان باللَّه وعظمته إيمانا صحيحا مبنيا على العلم ، لا على التقليد ، وقال ويقول ، ولا على الأوهام والشطحات . . وقد أرشد سبحانه إلى طريق العلم واليقين به ، وهوالتفكر في خلق الكون بأرضه وسمائه ، وما فيهما من تدبير وإحكام وتنسيق بين أجزائه وكلياته : { أَولَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ والأَرْضَ وما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ } - 8 الروم .
وبعد أن أوحى اللَّه إلى عبده ورسوله بتلك الدروس في عظمة الكون وخلق السماوات والأرض - خصه من دون الخلق أجمعين برحلة أرضية من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، ورحلة سماوية من المسجد الأقصى إلى السماوات العلى . .
أما الغرض من هاتين الرحلتين فهوان يتلقى الرسول الكريم ( صلى الله عليه واله وسلم ) درسا عمليا بعد أن تلقى درسا نظريا في الكون ، وان يشاهد من عوالمه وعجائبه ما لا تدركه العقول ، ولا تبلغه الأوهام . . وهذه هي الطريقة المتبعة في التربية الحديثة ، حيث يهيئ الأساتذة لتلاميذهم الرحلات ونحوها من الدروس العملية بعد الدروس التي يتلقونها في المدارس والمعاهد . . وبالتالي ، فان الدرس البليغ في رحلتي الرسول الأرضية والسماوية هو حض العقول على النظر في ملكوت السماوات والأرض للتعرف على قدرة الخالق وعظمته : { أَولَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ والأَرْضِ وما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ } - 185 الأعراف . . وقال الإمام علي ( عليه السلام ) : عجبت لمن شك في اللَّه ، وهو يرى خلق اللَّه ! .
________________
1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 8-12.
2- من تحقيق نشره الأستاذ ميخائيل خليل في جريدة « أخبار اليوم » عدد 25 - 5 - 1968 .
السورة تتعرض لأمر توحيده تعالى عن الشريك مطلقا ومع ذلك يغلب فيها جانب التسبيح على جانب التحميد كما بدأت به فقيل:{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} الآية، وكرر ذلك فيها مرة بعد مرة كقوله:{ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ}: الآية - 43 وقوله:{قل سبحان ربي}: الآية - 93، وقوله:{ وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا }: الآية - 108 حتى أن الآية الخاتمة للسورة:{ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} تحمد الله على تنزهه عن الشريك والولي واتخاذ الولد.
والسورة مكية لشهادة مضامين آياتها بذلك وعن بعضهم كما في روح المعاني، استثناء آيتين منها وهما قوله:{ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} الآية وقوله:{وإن كادوا ليستفزونك} الآية وعن بعضهم إلا أربع آيات وهي الآيتان المذكورتان وقوله:{ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ } الآية وقوله:{ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} الآية.
وعن الحسن أنها مكية إلا خمس آيات منها وهي قوله:{ولا تقتلوا النفس} الآية{ولا تقربوا الزنا} الآية{ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ}{أقم الصلاة}{وآت ذا القربى الآية.
وعن مقاتل مكية إلا خمس:{وإن كادوا ليفتنونك} الآية{ وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ} الآية{وإذ قلنا لك} الآية{وقل رب أدخلني} الآية { إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ} الآية.
وعن قتادة والمعدل عن ابن عباس مكية إلا ثماني آيات وهي قوله:{وإن كادوا ليفتنونك} الآية إلى قوله:{ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ } الآية.
ولا دلالة في مضامين الآيات على كونها مدنية ولا الأحكام المذكورة فيها مما يختص نزولا بالمدينة وقد نزلت نظائرها في السور المكية كالأنعام والأعراف.
وقد افتتحت السورة فيما ترومه من التسبيح بالإشارة إلى معراج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكر إسراءه (صلى الله عليه وآله وسلم) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وهو بيت المقدس والهيكل الذي بناه داود وسليمان (عليهما السلام) وقدسه الله لبني إسرائيل.
ثم سبق الكلام بالمناسبة إلى ما قدره الله لمجتمع بني إسرائيل من الرقي والانحطاط والعزة والذلة فكلما أطاعوا رفعهم الله وكلما عصوا خفضهم الله وقد أنزل عليهم الكتاب وأمرهم بالتوحيد ونفي الشريك.
ثم عطف فيها الكلام على حال هذه الأمة وما أنزل عليهم من الكتاب بما يشاكل حال بني إسرائيل وأنهم إن أطاعوا أثيبوا وإن عصوا عوقبوا فإنما هي الأعمال يعامل الإنسان بما عمل منها وعلى ذلك جرت السنة الإلهية في الأمم الماضين.
ثم ذكرت فيها حقائق جمة من المعارف الراجعة إلى المبدإ والمعاد والشرائع العامة من الأوامر والنواهي وغير ذلك.
ومن غرر الآيات فيها قوله تعالى{ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}: الآية - 110{من السورة، وقوله:{ كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا }: الآية - 20 منها، وقوله:{ وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا}: الآية - 58 منها وغير ذلك.
قوله تعالى:{سبحان الذي أسرى بعبده ليلا} إلى آخر الآية سبحان اسم مصدر للتسبيح بمعنى التنزيه ويستعمل مضافا وهو مفعول مطلق قائم مقام فعله فتقدير{سبحان الله} سبحت الله تسبيحا أي نزهته عن كل ما لا يليق بساحة قدسه وكثيرا ما يستعمل للتعجب لكن سياق الآيات إنما يلائم التنزيه لكونه الغرض من البيان وإن أصر بعضهم على كونه للتعجب.
والإسراء والسري السير بالليل يقال سرى وأسرى أي سار ليلا وسرى وأسرى به أي سار به ليلا والسير يختص بالنهار أو يعمه والليل.
وقوله{ليلا} مفعول فيه ويفيد من الفائدة أن هذا الإسراء تم له بالليل فكان الرواح والمجيء في ليلة واحدة قبل أن يطلع فجرها.
وقوله:{إلى المسجد الأقصى} هو بيت المقدس بقرينة قوله:{ الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ}. والقصا البعد وقد سمي المسجد الأقصى لكونه أبعد مسجد بالنسبة إلى مكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن معه من المخاطبين وهو مكة التي فيها المسجد الحرام.
وقوله:{ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} بيان غاية الإسراء وهي إراءة بعض الآيات الإلهية - لمكان من - وفي السياق دلالة على عظمة هذه الآيات التي أراها الله سبحانه كما صرح به في موضع آخر من كلامه يذكر فيه حديث المعراج بقوله لقد رأى من آيات ربه الكبرى}: النجم - 18.
وقوله:{ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } تعليل لإسرائه به لإراءة آياته أي أنه سميع لأقوال عباده بصير بأفعالهم وقد سمع من مقال عبده ورأى من حاله ما استدعى أن يكرمه هذا الإكرام فيسري به ليلا ويريه من آياته الكبرى.
وفي الآية التفات من الغيبة إلى التكلم مع الغير في قوله:{ بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} ثم رجوع إلى الغيبة السابقة والوجه فيه الإشارة إلى أن الإسراء وما ترتب عليه من إراءة الآيات إنما صدر عن ساحة العظمة والكبرياء وموطن العزة والجبروت فعملت فيه السلطنة العظمى وتجلى الله له بآياته الكبرى ولو قيل ليريه من آياته أوغير ذلك لفاتت النكتة.
والمعنى لينزه تنزيها من أسرى بعظمته وكبريائه وبالغ قدرته وسلطانه بعبده محمد في جوف ليلة واحدة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وهو بيت المقدس الذي بارك حوله ليريه بعظمته وكبريائه آياته الكبرى وإنما فعل به ذلك لأنه سميع بصير علم بما سمع من مقاله ورأى من حاله أنه خليق أن يكرم هذه التكرمة.
_________________
1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج13،ص5-7.
معراج النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم):
الآية الأُولى في سورة الإِسراء تتحدَّث عن إِسراء النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، أي سفره ليلا من المسجد الحرام في مكّة المكرمة إِلى المسجد الأقصى (في القدس الشريف). وقد كان هذا السفر «الإِسراء» مقدمة لمعراجه(صلى الله عليه وآله وسلم) إِلى السماء. وقد لوحظ في هذا السفر أنّه تمَّ في زمن قياسي حيث أنّه لم يستغرق سوى ليلة واحدة بالنسبة الى وسائل نقل ذلك الزمن ولهذا كان أمراً اعجازياً وخارقاً للعادة.
السّورة المباركة تبدأ بالقول: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى}.
وقد كان القصد من هذا السفر الليلي الإِعجازي هو {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا }.
ثمّ خُتمت الآية بالقول: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}. وهذه إِشارة إِلى أنَّ اللّه تبارك وتعالى لم يختر رسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يصطفه لشرف الإِسراء والمعراج إِلاّ بعد أن اختبر استعداده(صلى الله عليه وآله وسلم) لهذا الشرف ولياقته لهذا المقام، فالله تبارك وتعالى سمع قول رسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) ورأى عمله وسلوكه فاصطفاه للمقام السامي الذي اختاره لهُ في الإِسراء والمعراج.
واحتمل بعض المفسّرين في قوله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} أن يكون تهديداً لمنكري هذا الإِعجاز، وأنَّ اللّه تباركَ وتعالى محيط بما يقولون وبما يفعلون، وبما يمكرون!
وَبالرغم مِن أنَّ هَذه الآية تنطوي على اختصار شديد، إِلاّ أنّها تكشف عن مواصفات هذا السفر الليلي «الإِسراء» الإِعجازي مِن خلال ما ترسمهُ لهُ مِن أفق عام يمكن تفصيله بالشكل الآتي:
أوّلاً: إِنَّ تعبير «أسرى» في الآية يشير إِلى وقوع السفر ليلا، لأنَّ «الإِسراء» في لغة العرب يستخدم للدلالة على السفر الليلي، فيما يُطلق على السفر النهاري كلمة «سير».
ثانياً: بالرغم مِن أنَّ كلمة «ليلا» جاءت في الآية تأكيداً لكلمة «أسرى» إِلاّ أنّها تريد أن تبيّن أن سفر الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) قد تمَّ في ليلة واحدة فقط على الرغم مِن أنّ المسافة بين المسجد الحرام وبيت المقدس تقدَّر بأكثر مِن مائة فرسخ، وبشروط مواصلات ذلك الزمان، كانَ إِنجاز هذا السفر يتطلب أيّاماً بل وأسابيع، لا أن يقع في ليلة واحدة فقط!
ثالثاً: إِذا كانَ مقام العبودية هو أسمى مقام يبلغه الإِنسان في حياته، فإِنَّ الآية قد كرَّمت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) بإِطلاق وصف العبودية عليه، فقالت «عبده» للدلالة على مراقي الطاعة والعبودية التي قطعها الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) لله تبارك وَتعالى حتى استحق شرف «الإِسراء» حيث لم يسجد جبين رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) لشيء سوى اللّه، ولم يطع(صلى الله عليه وآله وسلم) ما عداه، وقد بذل كل وسعه، وخطا كل خطوة في سبيل مرضاته تعالى.
رابعاً: تفيد كلمة «عبد» في الآية، أنَّ سفر الإِسراء قد وقع في اليقظة، وأنَّ رسول اللّه سافر بجسمه وروحه معاً، وأنَّ الإِسراء لم يكن سفراً روحانياً معنوياً وحسب، لأنَّ الإِسراء إِذا كانَ بالروح ـ وحسب ـ فهو لا يعدو أن يكون رؤيا في المنام، أو أي وضع شبيه بهذه الحالة، ولكن كلمة «عبد» في الآية تدلَّل على أنَّ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) قد سافر بجسمه وروحه، لأنَّ «عبد» معنى يُطلق على الروح والجسد معاً.
أمّا الأشخاص الذين لا يستطيعون هضم معجزة الإِسراء والمعراج، ولم تستطع عقولهم أن تتعامل مَع هذه المعجزة كما هي، فقد عمدوا إِلى توجيهها بعنوان الإِسراء الروحي في حين أنّه لو قال شخص لآخر: إِني نقلتك إِلى المكان الفلاني فإِنَّ المفهوم الصريح للمعنى لا يمكن تأويله باحتمال أنَّ هذا الأمر قد تمَّ في حالة النوم، أو أنّه تعبير عن حالة معنوية تمتزج بأبعاد مِن الوهم والتخيُّل.
خامساً: لقد كان مُبتدأ هذا السفر (الذي كان مقدمة للمعراج كما سنثبت ذلك في محلّه) هو المسجد الحرام في مكّة المكرمة، ومنتهاه المسجد الأقصى في القدس الشريف.
بالطبع هناك كلام كثير للمفسّرين عن المكان الدقيق الذي انطلق مِنهُ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) وفيما إِذا كان هذا المكان بيت أحد اقربائه (باعتبار أنّ المسجد الحرام قد يطلق احياناً ومن باب التعظيم على مكّة المكرمة بأجمعها) أو أنَّهُ انطلق مِن جوار الكعبة، ولكن ظاهر الآية بلا شك يفيد أنَّ المنطلق في سفر الإِسراء كان مِن المسجد الحرام.
سادساً: لقد كان الهدف مِن هذا السفر الإِعجازي أنْ يشاهد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)آيات العظمة الإِلهية، وقد استمرَّ سفر الإِسراء إلى المعراج صعوداً في السماوات لتحقيق هذا الغرض، وهو أن تمتلىء روح رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) أكثر بدلائل العظمة الرّبانية، وآيات اللّه في السماوات، ولتجد روحه السامية في هذه الآيات زخماً إِضافياً يوظَّفهُ(صلى الله عليه وآله وسلم) في هداية الناس إِلى ربّ السماوات والأرض!
وبذلك فإِنَّ سفر رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) في رحلة الإِسراء والمعراج لم يكن ـ كما يتصوّر البعض ذلك ـ بهدف رؤية اللّه تبارك وتعالى ظناً منهم أنّه تعالى يشغل مكاناً في السماوات!!!
وبالرغم من أنّ الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) كان عارفاً بعظمة اللّه سبحانه، وكان عارفاً أيضاً بعظمة خلقه، ولكن «متى كان السماع كالرؤية؟!».
ونقرأ في سورة (النّجم) التي تلت سورة الإِسراء وتحدثت عن المعراج قوله تعالى: {لقد رأى مِن آيات ربّه الكبرى}(النجم،18).
سابعاً: إِنَّ تعبير الآية {باركنا حوله} تفيد بأنَّه علاوة على قدسية المسجد الأقصى، فإِنَّ أطرافه أيضاً تمتاز بالبركة والأفضلية على ما سواها. ويمكن أن يكون مُراد الآية البركة الظاهرية المتمثلة بما تهبه هذه الأرض الخصبة الخضراء مِن مزايا العمران والأنهار والزراعة.
ويمكن أن تُحمل البركة على قواعد الفهم المعنوي فتشير حين ذاك إِلى ما تمثِّله هذه الأرض في طول التأريخ، مِن كونها مركزاً للنبوات الإِلهية، وَمُنطلقاً لنور التوحيد، وأرضاً خصبة للدعوة إِلى عبودية اللّه.
ثامناً: إِنَّ تعبير {إِإِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} إِشارة إِلى أنَّ إِكرام اللّه لرسوله(صلى الله عليه وآله وسلم)بمعجزة الإِسراء والمعراج لم يكن أمراً عفوياً عابراً، بل هو بسبب استعدادات رسول الهدى(صلى الله عليه وآله وسلم) وقابلياته العظيمة التي تجلت في أقواله وأفعاله، هذه الأقوال والأفعال التي يعرفها اللّه ويحيط بها.
تاسعاً: إِنَّ كلمة «سبحان» إِشارة إِلى أنَّ سفر رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) في الإِسراء والمعراج دليل آخر على تنزيه اللّه تبارك وتعالى من كل عيب ونقص.
عاشراً: كلمة «مِن» في قوله تعالى: {من آياتنا} إِشارة إِلى عظمة آيات اللّه بحيث أنَّ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ على علو مقامه واستعداده الكبير ـ لم ير مِن هذه الآيات خلال سفره الإِعجازي سوى جزء معين مِنها.
________________
1- تفسير الامثل،مكارم الشيرازي،ج7،ص217-220.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|