المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



تفسير الاية (114-119) من سورة النحل  
  
3805   06:29 مساءً   التاريخ: 15-8-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف النون / سورة النحل /

 

قال تعالى: { فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } [النحل: 114 - 119]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

خاطب سبحانه المؤمنين فقال: { فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا} صيغته صيغة الأمر والمراد به الإباحة أي: كلوا مما أعطاكم الله من الغنائم وأحلها لكم { وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ} فيما خلقه لكم وأحله لكم { إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} وهذه الآية مع التي بعدها مفسرة في سورة البقرة (2).

لما تقدم ذكر ما أحله الله سبحانه لهم وحرمه عليهم عقبه سبحانه بالنهي عن مخالفة أوامره ونواهيه في التحليل والتحريم فقال: { وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ } وتقديره لوصف ألسنتكم الكذب { هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} أي: لا تقولوا لما حللتموه بأنفسكم مثل الميتة هذا حلال ولما حرمتموه مثل السائبة هذا حرام { لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} أي: لتكذبوا في إضافة التحريم إليه { إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} أي: لا ينجون من عذاب الله ولا ينالون خيرا { متاع قليل } معناه: الذين هم فيه من الدنيا بشيء قليل ينتفعون به أياما قلائل { ولهم عذاب أليم } في الآخرة { وعلى الذين هادوا } يعني اليهود { حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ} يعني بذلك ما ذكره في سورة الأنعام من قوله { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} الآية عن الحسن وقتادة وعكرمة وعنى بقوله { من قبل } نزول هذه الآية لأن ما في سورة الأنعام نزل قبل هذه الآية { وما ظلمناهم } بتحريم ذلك عليهم { وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بالعصيان والكفر بنعم الله تعالى والجحود بأنبيائه.

 واستحقوا بذلك تحريم هذه الأشياء عليهم لتغيير المصلحة عند كفرهم وعصيانهم ثم ذكر سبحانه التائبين بعد تقدم الوعد والوعيد فقال: { ثم إن ربك } الذي خلقك يا محمد { للذين عملوا السوء } أي: المعصية { بجهالة } أي: بداعي الجهل فإنه يدعوإلى القبيح كما أن داعي العلم يدعوإلى الحسن وقيل بجهالة السيئات أو بجهالتهم للعاقبة وقيل بجهالة أنها سوء وقيل الجهالة هو أن يعجل بالإقدام عليها ويعد نفسه التوبة عنها { ثم تابوا } عن تلك المعصية مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا } نياتهم وأفعالهم { إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا } أي: من بعد التوبة أوالجهالة أوالمعصية { لغفور رحيم } وأعاد قوله { إن ربك } للتأكيد وليعود الضمير في قوله { من بعدها } إلى الفعلة .

_________________

1- تفسير مجمع البيان،الطبرسي،ج6،ص206-208.

2- راجع الجزء الاول من هذه الطبعة.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً واشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ والدَّمَ ولَحْمَ الْخِنْزِيرِ وما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ ولا عادٍ فَإِنَّ اللَّهً غَفُورٌ رَحِيمٌ } . تقدم نظيره مع التفسير في الآية 173 من سورة البقرة ج 1 ص 264 ، والآية 5 من سورة المائدة ج 3 ص 18 .

{ ولا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وهذا حَرامٌ } . كان أهل الجاهلية يحللون ويحرمون من عند أنفسهم ، وينسبون ذلك إلى اللَّه تعالى ، من ذلك انهم كانوا يحللون الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير اللَّه ، ويقولون ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا ، وما إلى ذلك مما ذكر في سورة الأنعام الآية 137 وما بعدها ، فنهاهم اللَّه سبحانه عن هذا ، وقال هو كذب وافتراء { لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ } وكل من أسند إلى اللَّه حكما أو قولا أو أي شيء من غير دليل قاطع فقد افترى على اللَّه الكذب { إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} كيف وقد غضب اللَّه عليهم وأعد لهم عذابا أليما ؟ . { مَتاعٌ قَلِيلٌ ولَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ } وكل منافع الدنيا لا تعدل أيسر عذاب من عذاب الآخرة فكيف إذا كان أليما عظيما ؟ . : « نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ - 23 لقمان » .

{ وعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ } . الخطاب لمحمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) يذكره اللَّه فيه بما أنبأه به في الآية 146 من سورة الأنعام : « وعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ومِنَ الْبَقَرِ والْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوالْحَوايا أَومَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ » . . { وما ظَلَمْناهُمْ ولكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } لأنهم عصوا اللَّه ، وتجاوزوا حدوده ، فعاقبهم بهذا التحريم ، كما جاء في الآية 158 من سورة النساء : « فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ » .

{ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } مر نظيره مع التفسير في الآية 55 من سورة الأنعام ج 3 ص 197 .

________________

1- التفسير الكاشف، ج 4، محمد جواد مغنية، ص 560-561.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا} إلى آخر الآية تفريع على ما تحصل من المثل نتيجة، والتقدير إذا كان الحال هذا الحال وكان في كفران هذا الرزق الرغد عذاب وفي تكذيب الدعوة عذاب فكلوا مما رزقكم الله حال كونه حلالا طيبا أي لستم بممنوعين منه وأنتم تستطيبونه فكلوا منه واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون.

وقد ظهر بذلك: أولا: أن الآية مسوقة لتحليل طيبات الرزق مطلقا فلا سبيل إلى ما ذكره بعضهم أن المراد فكلوا مما رزقكم الله من الغنائم رزقا حلالا طيبا بناء على أن الآية نزلت بعد وقعة بدر والمثل السابق مثل مضروب لأهل مكة، والمراد بالرسول الذي كذبوه هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبالعذاب الذي أخذهم هو القتل الذريع لصناديدهم يوم بدر.

وهذا كله مما لا دليل عليه من طريق لفظ الآيات.

على أنه قد تأيد سابقا أنها مكية.

وثانيا: أن المراد بالحل والطيب كون الرزق بحيث لم يحرم منه الإنسان طبعا وطبعه يستطيبه أي الحل والطيب بحسب الطبع وذلك ملاك الحلية الشرعية التي تتبع الحلية بحسب الفطرة فإن الدين فطري لأن الله سبحانه فطر الإنسان مجهزا بجهاز التغذية وجعل أشياء أرضية من الحيوان والنبات ملائمة لقوامه يميل إليها طبعه من غير نفرة فله أن يأكل منها وهو الحل.

وثالثا: أن قوله:{فكلوا} أمر مقدمي بالنسبة إلى قوله:{واشكروا نعمة الله} وذكر النعمة تلويح إلى سبب الحكم فإن كون الشيء نعمة هو السبب في وجوب الشكر عليه.

ورابعا: أن قوله:{ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} خطاب للمؤمنين فإنهم هم الذين يعبدون الله ولا يعبدون غيره، والقصر في الجملة الذي يدل عليه تقديم المفعول على الفعل قصر القلب، وغيرهم وهم المشركون إنما يعبدون الأصنام والآلهة من دون الله.

وجعل الخطاب للمشركين ودعوى أن المراد بالعبادة في قوله:{ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} الإطاعة أوأن المعنى إن صح زعمكم أنكم تقصدون بعبادتكم لآلهتكم عبادته تعالى، لا يرجع إلى طائل فإن جعل العبادة بمعنى الإطاعة يحتاج إلى قرينة ولا قرينة والمشركون لا يعبدون الله سبحانه ولو بإشراكه في العبادة ولا يقصدون بعبادة آلهتهم عبادته تعالى بل ينزهونه تعالى عن عبادتهم لكونه أجل من أن يناله إدراك أوينتهي إليه توجه.

وكون الخطاب في الآية للمؤمنين يوجب كون المثل مضروبا لأجلهم ورجوع سائر الخطابات التشريعية فيما قبل الآية وما بعدها متوجهة إليهم، وربما قيل: إن الخطاب لعامة الناس أعم من المؤمن والكافر وتطبيقه على الآيات لا يخلو من تكلف وإن كان دون تخصيص الخطاب بالمشركين إشكالا.

قوله تعالى:{ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } تقدم الكلام في معنى الآية في تفسير سورة البقرة الآية 173 وسورة المائدة الآية 3 وسورة الأنعام الآية 145.

والآية بمعناها على اختلاف ما في لفظها واقعة في أربعة مواضع من القرآن: في سورتي الأنعام والنحل وهما مكيتان من أوائل ما نزلت بمكة وأواخرها، وفي سورتي البقرة والمائدة وهما من أوائل ما نزلت بالمدينة وأواخرها، وهي تدل على حصر محرمات الأكل في الأربع المذكورة: الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به كما نبه عليه بعضهم.

لكن بالرجوع إلى السنة يظهر أن هذه هي المحرمات الأصلية التي عني بها في الكتاب وما سوى هذه الأربع من المحرمات مما حرمه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأمر من ربه وقد قال تعالى:{ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}: الحشر: 7، وقد تقدم بعض الروايات الدالة على هذا المعنى.

قوله تعالى:{ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} إلخ،{ما} في قوله:(لما تصف مصدرية والكذب مفعول{تصف} أي لا تقولوا هذا حلال وهذا حرام بسبب وصف ألسنتكم لغاية افتراء الكذب على الله.

وكون الخطاب في الآيات للمؤمنين - على ما يؤيده سياقها كما مر - أولعامة الناس يؤيد أن يكون المراد بقوله:{ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ } النهي عن الابتداع بإدخال حلال أوحرام في الأحكام الجارية في المجتمع المعمولة بينهم من دون أن ينزل به الوحي فإن ذلك من إدخال ما ليس من الدين في الدين وافتراء على الله وإن لم ينسبه واضعه إليه تعالى.

وذلك أن الدين في عرف القرآن هو سنة الحياة وقد تكرر منه سبحانه قوله:{ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} أو ما يقرب منه، فالدين لله ومن زاد فيه شيئا فقد نسبه إليه تعالى افتراء عليه وإن سكت عن الإسناد أونفى ذلك بلسانه.

وذكر الجمهور أن المراد بالآية النهي عما كان المشركون يحلونه كالميتة والدم وما أهل لغير الله به أويحرمونه كالبحيرة والسائبة وغيرهما والسياق - كما مر - لا يؤيده.

ثم قال سبحانه في مقام تعليل النهي:{ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ } ثم بين حرمانهم من الفلاح بقوله:{ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

قوله تعالى:{ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ} إلخ، المراد بقوله:{ما قصصنا عليك من قبل} - كما قيل - ما قصه تعالى على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) في سورة الأنعام - وقد نزلت قبل سورة النحل بلا إشكال - بقوله:{ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} إلى آخر الآية،: الأنعام: 146.

والآية في مقام دفع الدخل وفيها عطف على مسألة النسخ المذكورة سابقا كأن قائلا يقول: فإذا كانت محرمات الأكل منحصرة في الأربع المذكورة: الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، وكان ما وراءها حلالا فما هذه الأشياء المحرمة على بني إسرائيل من قبل؟ هل هذا إلا ظلم بهم.

فأجاب عنه بأنا حرمنا عليهم ذلك وما ظلمناهم في تحريمه ولكنهم كانوا يظلمون أنفسهم فنحرم عليهم بعض الأشياء أي إنه كان محللا لهم مأذونا فيه لكنهم ظلموا أنفسهم وعصوا ربهم فجزيناهم بتحريمه عقوبة كما قال سبحانه في موضع آخر:{ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } الآية، ولوأنهم بعد ذلك كله رجعوا إلى ربهم وتابوا عن معاصيهم تاب الله عليهم ورفع الحظر عنهم وأذن لهم فيما منعهم عنه إنه لغفور رحيم.

فقد ظهر أن الآية متصلة بما قبلها من حديث التحليل والتحريم، وأنها كالجواب عن سؤال مقدر، وأن ما بعدها من قوله:{ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ} الآية، متصل بها متمم لمضمونها.

قوله تعالى:{ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } الجهالة والجهل واحد وهو في الأصل ما يقابل العلم لكن الجهالة كثيرا ما تستعمل بمعنى عدم الانكشاف التام للواقع وإن لم يخل المحل عن علم ما مصحح للتكليف كحال من يقترف المحرمات وهو يعلم بحرمتها لكن الأهواء النفسانية تغلبه وتحمله على المعصية ولا تدعه يتفكر في حقيقة هذه المخالفة والمعصية فله علم بما ارتكب ولذلك يؤاخذ ويعاقب على ما فعل وهو مع ذلك جاهل بحقيقة الأمر ولوتبصر تمام التبصر لم يرتكب.

والمراد بالجهالة في الآية هذا المعنى إذ لو كان المراد هو الأول وكان ما ذكر من عمل السوء مجهولا من حيث حكمه أو من حيث موضوعه لم يكن العمل معصية حتى يحتاج إلى التوبة فالمغفرة والرحمة.

والآية - كما تقدمت الإشارة إليه - متصلة بما قبلها متممة لمضمونها، ومعنى الآيتين أنا لم نظلم بني إسرائيل في تحريم الطيبات التي حرمناها، لهم بل هم الذين ظلموا أنفسهم حيث ارتكبوا المعاصي وأصروا عليها فأدى ذلك إلى تحريم الطيبات عليهم، وبعد ذلك كله باب المغفرة والرحمة مفتوح وإن ربك للذين عملوا السوء أي عملوا عملا سوءا وهو السيئة بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا حتى يتبين التوبة وتستقر إن ربك من بعدها أي من بعد التوبة لغفور رحيم.

وفي تقييد التوبة أولا بالإصلاح ثم إرجاع الضمير أخيرا إليها وحدها في قوله:{ إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} دلالة على أن شمول المغفرة والرحمة من تبعات التوبة، وأما الإصلاح فإنما هو لتبيين التوبة وظهور كونها توبة حقيقية ورجوعا جديا لا مجرد صورة خالية عن المعنى.

وقوله في ذيل الآية:{إن ربك من بعدها} تلخيص لتفصيل قوله في صدرها:{إن ربك للذين} إلخ، وفائدته حفظ فهم السامع عن التشوش والضلال وإبراز العناية ببعدية المغفرة والرحمة بالنسبة إلى التوبة نظير ما مر من قوله:{ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ }.

_______________________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج12،ص297-300.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

وإنّكم حين تطلعون على هذه النماذج الواقعية من الأُمم السابقة، فاعتبروا بها ولا تنهجوا طريق أُولئك الغافلين الظالمين من الكافرين بأنعم اللّه {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}.

لا يفلح الكاذبون:

بعد أنْ تحدثت الآيات السابقة عن النعم الإِلهية ومسألة شكر النعمة، تأتي الآيات أعلاه لتتحدث عن آخر حلقات الموضوع وتطرح مسألة المحرمات الواقعية وغير الواقعية لتفصل بين الدين الحق وبين البدع التي أُحدثت في دين اللّه، وتشرع بالقول: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}(2).

وقد بحثنا موضوع تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير بالتفصيل في تفسيرنا للآية (173) من سورة البقرة.

إِنّ تلوّث هذه المواد الثلاث بات اليوم ليس خافياً على أحد، فالميتة مصدر لأنواع الجراثيم، والدم من أكثر مكونات البدن تقبلا للتلوّث بالجراثيم، وأمّا لحم الخنزير فيعتبر سبباً للإِصابه بالكثير من الأمراض الخطرة، وفوق كل ذلك (وكما قلنا في تفسيرنا لسورة البقرة) فتناول لحم الخنزير والدم له الأثر الخطير على الحالة النفسية والأخلاقية للإِنسان، بسبب التأثير الحاصل منهما على هرمونات البدن، (والميتة بسبب عدم ذبحها وخروج دمها فإِنّ أضرار التلوّث تتضاعف فيها).

أمّا فلسفة تحريم ما يذبح لغير اللّه (حيث كانوا بدلا من ذكر اسم اللّه عند الذبح يذكرون أسماء أصنامهم أو لا يتلفظون بشيء) فليست صحية، بل هي أخلاقية ومعنوية، حيث نعلم بعدم كفاية علّة التحليل والتحريم في الإِسلام بملاحظة الجانب الصحي للموضوع، بل من المحرمات ذات جانب معنوي صرف، وحرمت بلحاظ تهذيب الروح والنظر إِلى الجنبة الأخلاقية، وقد يأتي التحريم في بعض الحالات حفظاً للنظام الإِجتماعي.

فتحريم أكل لحم ما لم يذكر عليه اسم اللّه إِنّما كان بلحاظ أخلاقي. فمن جهة يكون التحريم حرباً على الشرك وعبادة الأصنام، ومن جهة أُخرى يكون دعوة إِلى خالق هذه النعم.

ويستفاد من المحتوى العام للآية والآيات التالية أنّ الإِسلام يوصي بالإِعتدال في تناول اللحوم، فلا يكون المسلم كالذين حرّموا على أنفسهم تناول اللحم واكتفوا بالأغذية النباتية، ولا كالذين أحلّوا لأنفسهم أكل اللحوم أيّاً كانت كأهل الجاهلية والبعض ممن يدّعي التمدّن في عصرنا الحاضر، ممن يجيزون أكل كل لحم (كالسحالي والسرطان وأنواع الديدان).

جواب على سؤال:

وهنا يأتي السؤال التالي.. ذكرت الآية المباركة أربعة أقسام من الحيوانات المحرمة الأكل أو أجزائها، والذي نعلمه أنّ المحرم من اللحوم أكثر ممّا ذكر، حتى أنّ بعض السور القرآنية ذكرت من المحرمات أكثر من أربعة أقسام (كما في الآية (3) من سورة المائدة).

فلماذا حددت الآية أربعة أشياء فقط؟

وجواب السؤال ـ كما قلنا في تفسير الآية (145) من سورة الأنعام ـ : أنّ الحصر الموجود في الآية هو حصر إِضافي، أيْ أنّ المقصود من استعمال «إِنّما» في هذه الآيات لنفي وإِبطال البدع التي كان يقول بها المشركون في تحريم بعض الحيوانات، و كأنّ القرآن يقول لهم: هذه الأشياء حرام، لا ما تقولون!

وثمّة إِحتمال آخر، وهو أنْ تكون هذه المحرمات الأربعة هي المحرمات الأصلية أو الأساسية، حيث أنّ «المنخنقة» المذكورة في آية (3) من سورة المائدة داخلة في إِحدى الأقسام الأربعة (الميتة).

أمّا المحرمات الأُخرى من أجزاء الحيوانات أو أنواعها ـ كالوحوش ـ فتأتي في الدرجة الثّانية، ولذا أتى حكم تحريمها بطريق سنّة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وعليه فيمكن أنْ يكون الحصر في الآية حصراً حقيقياً ـ فتأمل.

وفي نهاية الآية سياقاً مع الأسلوب القرآني عند تناوله ذُكرت الحالات والموارد الإِستثنائية، يقول: (فمن اضطر) كأن يكون في صحراء ولا يملك غذاء {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

«باغ» أو الباغي: (من البغي) بمعنى «الطلب»، ويأتي هنا بمعنى طلب اللذة أو تحليل ما حرم اللّه.

«عاد» أو العادي، (من العدو) أي «التجاوز»، ويأتي هنا بمعنى أكل المضطر لأكثر من حد الضرورة.

وورد تفسير (الباغي) في أحاديث أهل البيت(عليهم السلام) بأنّه (الظالم)، و(العادى) بمعنى (الغاصب)، وجاء ـ أيضاً ـ الباغي: هو الذي يخرج على إِمام زمانه، والعادي، هو السارق.

وإِشارة الرّوايات المذكورة يمكن حملها على الإِضطرار الحاصل عند السفر، فإِذا سافر شخص ما طلباً للظلم والغصب والسرقة ثمّ اضطر إِلى أكل هذه اللحوم المحرمة فسوف لا يغفر له ذنبه، حتى وإِن كان لحفظ حياته من الهلاك المحتم.

وعلى أيّةِ حال، فلا تنافي بين ما ذهبت إِليه التفاسير وبين المفهوم العام للآية، حيث يمكن جمعها.

وتأتي الآية التالية لتطرح موضوع تحريم المشركين لبعض اللحوم بلا سبب أو دليل، والذي تطرق القرآن إِليه سابقاً بشكل غير مباشر، فتأتي الآية لتطرحه صراحةً حيث تقول: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ }(3).

أيْ إِنّ ما جئتم به ليس إِلاّ كذبة صريحة أطلقتها ألسنتكم في تحليلكم أشياء بحسب ما تهوى أنفسكم، وتحريمكم لأخرى! (أشارة إِلى الأنعام التي حرمها البعض على نفسه، والبعض الآخر حللها لنفسه بعد أنْ جعل قسماً منها لأصنامه).

فهل أعطاكم اللّه حقّ سنّ القوانين؟ أمْ أنّ أفكاركم المنحرفة وتقاليدكم العمياء هي التي دفعتكم لإِحداث هذه البدع؟ ..أوَ ليس هذا كذباً وافتراءاً على اللّه؟!

وجاء في الآية (136) من سورة الأنعام بوضوح: { وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}.

ويستفاد كذلك من الآية (148) من سورة الأنعام: { سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} أنّهم كانوا يجعلون لأنفسهم حق التشريع في التحليل والتحريم، ويظنون أنّ اللّه يؤيد بدعهم! (وعلى هذا فكانوا يضعون البدعة أوّلاً ويحللون ويحرمون ثمّ ينسبون ذلك إِلى اللّه فيكون إِفتراءاً آخر)(4).

ويحذر القرآن في آخر الآية بقوله: { إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} لأنّ من مسببات الشقاء الأساسية الكذب والإِفتراء على أيِّ إِنسان، فكيف به اذا كان على اللّه عزَّ وجلّ!؟ فلا أقل والحال هذه من مضاعفة آثاره السيئة.

وتوضح الآية التالية ذلك الخسران، فتقول: { مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

ويمكن أنْ تكون {متاع قليل} إِشارة إِلى أجنّة الحيونات الميتة التي كانوا يحللونها لأنفسهم ويأكلون لحومها، أو إِشارة إِلى إِشباعهم حب الذات وعبادتها بواسطة جعل البدع، أو أنّهم بتثبيت الشرك وعبادة الأصنام في مجتمعهم يتمكنون أن يحكموا على الناس مدّة من الزمن، وكل ذلك {متاع قليل} سيعقبه {عذاب أليم}.

ويطرح السؤال التالي: لماذا حرّمت على اليهود محرّمات إِضافية؟

الآية التالية كأنها جواب على السؤال المطروح، حيث تقول: { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ}.

وهو إِشارة إِلى ما ذكر من الآية (146) من سورة الأنعام: { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ }.

{ذي ظفر}: هي الحيوانات ذات الظفر الواحد كالخيل.

{ما حملت ظهورهما}: الشحوم التي في منطقة الظهر منها.

{الحوايا}: الشحوم التي على أطراف الأمعاء والخاصرتين.

وحقيقة هذه المحرمات الإِضافية العقاب والجزاء لليهود جراء ظلمهم، ولذلك يقول القرآن الكريم في آخر الآيات مورد البحث: { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }.

وكذلك ما جاء في الآيتين (160 و 161) من سورة النساء: { فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ}.

فكان تحريم قسماً من اللحوم على اليهود ذا جنبة عقابيّة دون أنْ يكون للمشركين القدرة على الإِحتجاج في ذلك.

وما حرّمه المشركون إِنْ هو إِلاّ بدعة نشأت من خرافاتهم وأباطيلهم، لأنّ ما فعلوه ما كان جارياً لا عند اليهود ولا عند المسلمين (ويمكن أنْ تكون إِشارة الآية تؤدي إِلى هذا المعنى وهو إنّكم فعلتم ما لا يتفق مع أيَّ كتاب سماوي}.

وفي آخر آية من الآيات مورد البحث، وتمشياً مع الأُسلوب القرآني، يبدأ القرآن بفتح أبواب التوبة أمام المخدوعين من الناس والنادمين من ضلالهم،فيقول: { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ }.

ويلاحظ في هذه الآية جملة أُمور:

أوّلاً: اعتبرت علّة ارتكاب الذنب «الجهالة»، والجاهل المذنب يعود إِلى طريق الحق بعد ارتفاع حالة الجهل، وهؤلاء غير الذين ينهجون جادة الضلال على علم واستكبار وغرور وتعصب وعناد منهم.

ثانياً: إِنّ الآية لا تحدّد موضوع بالتوبة القلبية والندم، بل تؤكّد على أثر التوبة من الناحية العملية وتعتبر الإِصلاح مكملا للتوبة، لتبطل الزعم القائل بإِمكان مسح آلاف الذنوب بتلفظ «أستغفر اللّه»، وتؤكّد على وجوب إِصلاح الأُمور عملياً، وترميم ماأُفْسِدَ من روح الإِنسان أو المجتمع بارتكاب تلك الذنوب، للدلالة إِلى التوبة الحقيقية لا توبة لقلقة اللسان.

ثالثاً: التأكيد على شمول الرحمة الإِلهية والمغفرة لهم، ولكن بعد التوبة والإِصلاح: { إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}.

وبعبارة أُخرى إِنّ مسألة قبول التوبة لا يكون إِلاّ بعد الندم والإِصلاح، وقد ذكر ذلك في ثلاثة تعابير:

أوّلاً: باستعمال الحرف «ثمّ».

ثانياً: «من بعد ذلك».

ثالثاً: «من بعدها».

لكي يلتفت المذنبون إِلى أنفسهم ويتركوا ذلك التفكير الخاطيء بأنْ يقولوا: نرجو لطف اللّه وغفرانه ورحمته، وهم على ارتكاب الذنوب دائمون.

_____________________

1- تفسير الامثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج7،ص188-197.

2 ـ أُهِلَّ: من الإِهلال، مأخوذُ من الهلال، بمعنى إِعلاء الصوت عند رؤية الهلال، وباعتبار أنّ المشركين كانوا إِذا ذبحوا حيواناتهم للأصنام صرخوا عالياً بأسماء أصنامهم، فقد عبّر عنه بـ «أُهِلَّ».

3 ـ وهكذا أصل تركيب جملة (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب): اللام: ..لام التعليل، «ما» في «لما تصف».. مصدرية، و«الكذب» ..مفعول لـ «تصف» ..فتكون العبارة: (لا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لتوصيف ألسنتكم الكذب).

4 ـ ولذا جاء ذكر افتراءهم في الآية مسبوقاً باللام ليكون نتيجة وغاية لبدعهم ـ فتأمل.

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .