المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16309 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
صلاة الليل بإشارات القرآنية
2024-04-18
الائمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
2024-04-18
معنى الصد
2024-04-18
ان الذي يموت كافر لا ينفعه عمل
2024-04-18
تحتمس الثالث الحملتان الحادية عشرة والثانية عشرة.
2024-04-18
تحتمس الثالث الحملة الثالثة عشرة السنة الثامنة والثلاثون.
2024-04-18

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الاية (84-89) من سورة النحل  
  
2636   05:58 مساءً   التاريخ:
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف النون / سورة النحل /

 

قال تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (85) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُومِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (87) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88) وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } [النحل: 84 - 89]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا } يعني يوم القيامة بين سبحانه أنه يبعث فيه من كل أمة شهيدا وهم الأنبياء والعدول من كل عصر يشهدون على الناس بأعمالهم وقال الصادق (عليه السلام): لكل زمان وأمة إمام تبعث كل أمة مع إمامها وفائدة بعث الشهداء مع علم الله سبحانه بذلك أن ذلك أهول في النفس وأعظم في تصور الحال وأشد في الفضيحة إذا قامت الشهادة بحضرة الملأ مع جلالة الشهود وعدالتهم عند الله تعالى ولأنهم إذا علموا أن العدول عند الله يشهدون عليهم بين يدي الخلائق فإن ذلك يكون زجرا لهم عن المعاصي وتقديره واذكر يوم نبعث { ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} أي: لا يؤذن لهم في الكلام والاعتذار عن ابن عباس كما قال ولا يؤذن لهم فيعتذرون وقيل معناه لا يؤذن لهم في الرجوع إلى الدنيا وقيل: معناه لا يسمع منهم العذر يقال: أذنت له أي: استمعت كما قال عدي بن زيد :

في سماع يأذن الشيخ له                    وحديث مثل ما ذي مشار(2)

 عن أبي مسلم { وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } أي: لا يسترضون ولا يستصلحون كما كان يفعل بهم في دار الدنيا لأن الآخرة ليست بدار تكليف ومعناه لا يسألون أن يرضوا الله بالكف عن معصية يرتكبونها { وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ} معناه: إذا رأى الذين أشركوا بالله تعالى النار { فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ } العذاب { وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ } أي: لا يمهلون ولا يؤخرون بل عذابهم دائم في جميع الأوقات فإن وقت التوبة والندم قد فأت .

ثم أبان سبحانه عن حال المشركين يوم القيامة فقال { وإذا رءا الذين أشركوا شركاءهم } يعني الأصنام والشياطين الذين أشركوهم مع الله في العبادة وقيل سماهم شركاءهم لأنهم جعلوا لهم نصيبا من الزرع والأنعام فهم إذا شركاؤهم على زعمهم { قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ } أي: يقولون هؤلاء شركاؤنا التي أشركناها معك في الإلهية والعبادة وأضلونا عن دينك فحملهم بعض عذابنا { فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ} معناه: فقالت الأصنام وسائر ما كانوا يعبدونه من دون الله بإنطاق الله تعالى إياهم لهؤلاء إنكم لكاذبون في أنا أمرناكم بعبادتنا ولكنكم اخترتم الضلال بسوء اختياركم لأنفسكم وقيل إنكم لكاذبون في قولكم إنا آلهة وإلقاء المعنى إلى النفس إظهاره لها حتى تدركه متميزا عن غيره { وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ } معناه: واستسلم المشركون وما عبدوهم من دون الله لأمر الله وانقادوا لحكمه يومئذ عن قتادة وقيل: معناه أن المشركين زال عنهم نخوة الجاهلية وانقادوا قسرا لا اختيارا واعترفوا بما كانوا ينكرونه من توحيد الله تعالى { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} أي: بطل ما كانوا يأملونه ويتمنونه من الأماني الكاذبة من أن آلهتهم تشفع لهم وتنفع { الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } أي: أعرضوا عن دين الله وقيل صدوا غيرهم عن اتباع الحق الذي هو سبيل الله وقيل صد المسلمين عن البيت الحرام عن أبي مسلم { زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} أي: عذبناهم على صدهم عن دين الله زيادة على عذاب الكفر وقيل زدناهم الأفاعي والعقارب في النار لها أنياب كالنخل الطوال عن ابن مسعود وقيل هي أنهار من صفر مذاب كالنار يعذبون بها عن ابن عباس ومقاتل وقيل زيدوا حيات كأمثال الفيلة والبخت وعقارب كالبغال الدلم عن سعيد بن جبير.

 { وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} أي: من أمثالهم من البشر ويجوز أن يكون ذلك الشهيد نبيهم الذي أرسل إليهم ويجوز أن يكون المؤمنون العارفون يشهدون عليهم بما فعلوه من المعاصي وفي هذا دلالة على أن كل عصر لا يجوز أن يخلو ممن يكون قوله حجة على أهل عصره وهو عدل عند الله تعالى وهو قول الجبائي وأكثر أهل العدل وهذا يوافق ما ذهب إليه أصحابنا وإن خالفوهم في أن ذلك العدل والحجة منه هو{ وجئنا بك } يا محمد { شهيدا على هؤلاء } يريد على قومك وأمتك وإنما أفرده بالذكر تشريفا له وتم الكلام هاهنا.

 ثم قال سبحانه { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ } يعني القرآن { تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ } أي: بيانا لكل أمر مشكل ومعناه ليبين كل شيء يحتاج إليه من أمور الشرع فإنه ما من شيء يحتاج الخلق إليه في أمر من أمور دينهم إلا وهو مبين في الكتاب إما بالتنصيص عليه أوبالإحالة على ما يوجب العلم من بيان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) والحجج القائمين مقامه أوإجماع الأمة فيكون حكم الجميع في الحاصل مستفادا من القرآن { وَهُدًى وَرَحْمَةً } أي: ونزلنا عليك القرآن دلالة إلى الرشد ونعمة على الخلق لما فيه من الشرائع والأحكام ولأنه يؤدي إلى نعم الآخرة { وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} أي: بشارة لهم بالثواب الدائم والنعيم المقيم.

____________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص188-190.

2- الماذي :العسل الابيض .والمشار: من أشرت العسل :إذا جنيته.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ ويَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا } . هذا تهديد ووعيد لمن أشار سبحانه إليهم في الآية السابقة بقوله : { يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها } . ووجه التهديد ان اللَّه يجمع الناس غدا ، ويأتي بكل نبي يشهد على أمته أولها ، ومتى شهد عليها يأخذ اللَّه بقوله وشهادته ، ولا يؤذن لها بالرد والاعتذار ، قال تعالى : « هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ ولا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ » - 35 المرسلات . { ولا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } . المراد بالاستعتاب طلب الرضا ، والمعنى لا يطلب من المشركين أن يسترضوا اللَّه بقول أوفعل ، لأن الآخرة دار حساب وجزاء لا دار أعمال واسترضاء .

{ وإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ ولا هُمْ يُنْظَرُونَ } . المراد بالذين ظلموا كل ظالم ، سوا أظلم خالقه بالجحود أوالشرك ، أم ظلم غيره بالاعتداء ، أم ظلم نفسه بتعرضها للتهلكة ، فإنه يعذب على ظلمه وذنبه جزاء وفاقا بلا زيادة أونقصان ، وبلا تأخير أيضا .

{ وإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ } . ضمير ألقوا يعود إلى آلهة المشركين ، وضمير إليهم يعود إلى المشركين أنفسهم ، وتدل الآية بظاهرها على أن اللَّه يحشر معبود المشركين صنما كان أوغيره لالقاء الحجة على من اتخذه إلها ، وان المشركين حين يرون آلهتهم التي كانوا يعبدون يقولون للَّه : هؤلاء الذين كنّا ندعوهم شركاء لك ، وان الآلهة ترد عليهم بلسان الحال أوبلسان المقال : انكم أيها المشركون لكاذبون ومفترون في جعلنا شركاء للَّه . وغير بعيد أن تكون هذه الحكاية لقول المشركين وآلهتهم كناية عن تكشف الحقائق غدا ، وانه لا مجال للكذب والتدليس .

{ وأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ } . ضمير ألقوا يعود إلى المشركين وآلهتهم وانهم يستسلمون وينقادون لأمره تعالى { وضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ } . وكل مفتر في هذه الحياة تعود عليه مفترياتهم بالخزي والعذاب في اليوم العصيب .

{ الَّذِينَ كَفَرُوا وصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ } . فسدوا بكفرهم بالحق ، وأفسدوا بصدهم الغير عن الحق ، فاستحقوا عقابين : أحدهما على الفساد والثاني على الإفساد : « ولَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ - 12 العنكبوت » .

{ ويَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } . تقدم هذا المعنى في الآية 84 وأعاده في الآية 89 تهديدا للذين كذبوا محمدا ( صلى الله عليه واله وسلم ) . { وجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ } . الخطاب لمحمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) ، وهؤلاء إشارة إلى أمته .

وتسأل : ان محمدا ( صلى الله عليه واله وسلم ) رسول اللَّه إلى الناس أجمعين بنص الآية 27 من سبأ : { وما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً ونَذِيراً ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } .

فإذا كانت رسالة محمد في الدنيا عامة للجميع فينبغي أن تكون شهادته في الآخرة على الناس عامة أيضا ، وإذا كانت شهادته في الآخرة على أمته فقط فينبغي أن تكون رسالته خاصة بأمته فقط ؟ .

الجواب : لا تلازم بين عموم رسالته في الدنيا وعموم شهادته في الآخرة ، لأن رسالة الإسلام تبلغها أمة محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) من بعده لكل الأمم في كل زمان ومكان والنبي يشهد على أمته انها أهملت ولم تبلغ الرسالة للأجيال .

{ ونَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ } . الخطاب من اللَّه لنبيه محمد ، والمراد بالكتاب القرآن ، وفيه بيان كل شيء يتصل بالعقيدة والشريعة والأخلاق والعبر والعظات { وهُدىً ورَحْمَةً } لمن طلب الهداية والرحمة { وبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ } .

المراد بالبشرى الجنة ، وبالمسلمين كل من استسلم للحق وعمل به .

____________

1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية،ج4، صفحه 541-543.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} قال في المجمع:، قال الزجاج: والعتب الموجدة يقال: عتب عليه يعتب إذا وجد عليه فإذا فاوضه ما عتب عليه قالوا: عاتبه، وإذا رجع إلى مسرته قيل: أعتب، والاسم العتبي وهو رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضي العاتب، واستعتبه طلب منه أن يعتب. انتهى.

وقوله:{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا } يفيد السياق أن المراد بهذا اليوم يوم القيامة، وبهؤلاء الشهداء الذين يبعث كل واحد منهم من أمة، شهداء الأعمال الذين تحملوا حقائق أعمال أمتهم في الدنيا وهم يستشهد بهم ويشهدون عليهم يوم القيامة وقد تقدم بعض الكلام في معنى هذه الشهادة في تفسير قوله:{ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}: البقرة: 143 في الجزء الأول من الكتاب.

ولا دلالة في لفظ الآية على أن المراد بشهيد الأمة نبيها، ولا أن المراد بالأمة أمة الرسول فمن الجائز أن يكون غير النبي من أمته كالإمام شهيدا كما يدل عليه آية البقرة السابقة وقوله تعالى:{ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ}: الزمر: 69، وعلى هذا فالمراد بكل أمة أمة الشهيد المبعوث وأهل زمانه.

وقوله:{ ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } ذكر بعث شهداء الأمم دليل على أنهم يشهدون على أممهم بما عملوا في الدنيا، وقرينة على أن المراد من نفي الإذن للكافرين أنهم لا يؤذن لهم في الكلام وهو الاعتذار لا محالة ونفي الإذن في الكلام إنما هو تمهيد لأداء الشهود شهادتهم كما تلوح إليه آيات أخر كقوله:{ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ}: يس: 65، وقوله:{ هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ }: المرسلات: 36.

على أن سياق قوله:{ثم لا يؤذن} إلخ، يفيد أن المراد بهذا الذي ذكر نفي ما يتقى به الشر يومئذ من الحيل وبيان أنه لا سبيل إلى تدارك ما فات منهم وإصلاح ما فسد من أعمالهم في الدنيا يومئذ وهو أحد أمرين: الاعتذار أواستئناف العمل، أما الثاني فيتكفله قوله:{ولا هم يستعتبون} ولا يبقى للأول وهو الاعتذار بالكلام إلا قوله:{ثم لا يؤذن للذين كفروا}.

ومن هنا يظهر أن قوله:{ولا هم يستعتبون} أي لا يطلب منهم أن يعتبوا الله ويرضوه بيان لعدم إمكان تدارك ما فات منهم بتجديد العمل والرجوع إلى السمع والطاعة فإن اليوم يوم جزاء لا يوم عمل ولا سبيل إلى رجوعهم القهقرى إلى الدنيا حتى يعملوا صالحا فيجزوا به.

وقد بين سبحانه ذلك في مواضع أخرى من كلامه بلسان آخر كقوله تعالى:{يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون، خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون}: القلم: 43، وقوله:{ وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ }: الم السجدة: 12. قوله تعالى:{ وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ} كانت الآية السابقة بالحقيقة مسوقة لبيان الفرق بين يوم الجزاء الذي هو يوم القيامة وبين سائر ظروف الجزاء في الدنيا بأن جزاء يوم القيامة لا يرتفع ولا يتغير باعتذار ولا باستعتاب، وهذه الآية بيان فرق عذاب اليوم مع العذابات الدنيوية التي تتعلق بالظالمين في الدنيا فإنها تقبل بوجه التخفيف أوالإنظار بتأخير ما وعذاب يوم القيامة لا يقبل تخفيفا ولا إنظارا.

فقوله:{وإذا رءا الذين ظلموا العذاب} ذكر الظلم في الصلة دون الكفر ونحوه للدلالة على سبب الحكم وملاكه، والمراد برؤية العذاب إشرافه عليهم وإشرافهم عليه بعد فصل القضاء كما يفيده السياق، والمراد بالعذاب عذاب يوم القيامة وهو عذاب النار.

والمعنى - والله أعلم - وإذا قضي الأمر بعذابهم وأشرفوا على العذاب بمشاهدة النار فلا مخلص لهم عنه بتخفيف أوبإنظار وإمهال.

قوله تعالى:{ وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ } إلى آخر الآية، مضي في حديث يوم البعث، وقوله:{وإذا رءا الذين أشركوا} وهم في عرف القرآن عبدة الأصنام والأوثان قرينة على أن المراد بقوله:{شركاءهم} الذين أشركوهم بالله زعما منهم أنهم شركاء لله وافتراء ويدل أيضا عليه ذيل الآية والآية التالية.

فتسميتهم شركاءهم وهم يسمونهم شركاء الله للدلالة بها على أن ليس لهم من الشركة إلا الشركة بجعلهم بحسب وهمهم فليس لإشراكهم شركاءهم من الحقيقة إلا أنها لا حقيقة لها.

وبذلك يظهر أن تفسير شركائهم بالأصنام أوبالمعبودات الباطلة وأنهم إنما عدوا شركائهم لأنهم جعلوا لها نصيبا من أموالهم وأنعامهم، أوالشياطين لأنهم شاركوهم في الأموال والأولاد أوشركاؤهم في الكفر وهم الذين كفروا مثل كفرهم أوشاركوهم في وبال كفرهم، كل ذلك في غير محله ولا نطيل بالمناقشة في كل واحد منها.

وقوله:{ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ } معناه ظاهر وهو تعريف منهم إياهم لربهم، ولا حاجة إلى البحث عن غرض المشركين في تعريفهم فإن اليوم يوم أحاط بهم الشقاء والعذاب من كل جانب، والإنسان في مثل ذلك يلوي إلى كل ما يخطر بباله من طرق السعي في خلاص نفسه وتنفيس كربه.

وقوله:{ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ } قال في المجمع:، تقول: ألقيت الشيء إذا طرحته، واللقى الشيء الملقى، وألقيت إليه مقالة إذا قلتها له، وتلقاها إذا قبلها، انتهى.

والمعنى: أن شركائهم ردوا إليهم وكذبوهم، وقد عبر سبحانه في موضع آخر عن هذا التكذيب بالكفر كقوله:{ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ}: فاطر: 14 وقوله حكاية عن مخاطبة الشيطان لهم يوم القيامة{ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ }: إبراهيم: 22.

قوله تعالى:{ وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } السلم الإسلام والاستسلام، وكان في التعبير بإلقاء السلم إشارة إلى انضمام شيء من الخضوع والمقهورية بالقهر الإلهي إلى سلمهم.

وضمير{ألقوا} عائد إلى الذين أشركوا بقرينة قوله بعد{ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } فالمراد أن المشركين يسلمون يوم القيامة لله وقد كانوا يدعون إلى الإسلام في الدنيا وهم يستكبرون.

وليس المراد بإلقاء السلم هذا يوم القيامة هو انكشاف الحقيقة وظهور الوحدانية وهومدلول قوله في صفة يوم القيامة:{ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ }: النور: 25، لأن العلم بثبوت شيء أمر، والتسليم والإيمان بثبوته أمر آخر كما يظهر من قوله تعالى:{ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ }: النمل: 14.

ومجرد العلم بأن الله هو الحق لا يكفي في سعادة الإنسان بل تحتاج في تمامها إلى تسليمه والإيمان به بترتيب آثاره عليه ثم من التسليم والإيمان ما كان عن طوع واختيار ومنه ما كان عن كره واضطرار، والذي ينفع في السعادة هو التسليم والإيمان عن اختيار وموطن الاختيار الدنيا التي هي دار العمل دون الآخرة التي هي دار الجزاء.

وهم لم يسلموا للحق ما داموا في الدنيا وإن أيقنوا به حتى إذا وردوا الدار الآخرة وأوقفوا موقف الحساب عاينوا أن الله هو الحق المبين، وأن عذاب الشقاء أحاط بهم من كل جانب أسلموا للحق وهم مضطرون وليس ينفعهم، وإلى هذا العلم والتسليم الاضطراري يشير قوله تعالى:{ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ}: النور: 25، فصدر الآية يخبر عن إسلامهم لأنه الدين الحق، قال تعالى:{ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}: آل عمران: 19، وذيل الآية عن انكشاف الحق لهم وظهور الحقيقة عليهم.

والآية المبحوث عنها أعني قوله:{ وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} صدرها يشير إلى إسلامهم وذيلها إلى كون ذاك الإسلام اضطراريا لا ينفعهم لأنهم كانوا يرون لله ألوهية ولشركائهم ألوهية فاختاروا تسليم شركائهم وعبادتهم على التسليم لله ثم لما ظهر لهم الحق يوم القيامة وكذبهم شركائهم بطل ما زعموه وضل عنهم ما افتروه فلم يبق للتسليم إلا الله سبحانه فسلموا له مضطرين وانقادوا له كارهين.

قوله تعالى:{ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} استئناف متعرض لحال أئمة الكفر بالخصوص بعد ما أشار إلى حال عامة الظالمين والمشركين في الآيات السابقة.

والسامع إذا سمع ما شرحه الله من حالهم يوم القيامة في هذه الآيات وأنهم معذبون جميعا من غير أن يخفف عنهم أو ينظروا فيه، وقد سمع منه أن منهم طائفة هم أشد كفرا وأشقى من غيرهم إذ يقول:{وأكثرهم الكافرون} خطر بباله طبعا أنهم هل يساوون غيرهم في العذاب الموعود وهم يزيدون عليهم في السبب وهو الكفر.

فاستؤنف الكلام جوابا عن ذلك فقيل:{ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } بالعناد واللجاج فاكتملوا في الكفر واقتدى بهم غيرهم{زدناهم عذابا} وهو الذي للصد وهم يختصون به{فوق العذاب} وهو الذي بإزاء مطلق الظلم والكفر ويشاركون فيه عامة إخوانهم، وكان اللام في العذاب للعهد الذكري يشار بها إلى ما ذكر في قوله:{وإذا رءا الذين ظلموا العذاب} إلخ،{بما كانوا يفسدون} تعليل لزيادة العذاب.

ومن هنا يظهر أن المراد بالإفساد الواقع في التعليل هو الصد لأنه الوصف الذي يزيدون به على غيرهم وهو إفساد الغير بصرفه عن سبيل الله، وبتقرير آخر: إفساد في الأرض بالمنع عن انعقاد مجتمع صالح كان من المترقب حصوله بإقبال أولئك المصروفين على دين الله وسلوك سبيله.

قوله تعالى:{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ} إلخ، صدر الآية تكرار ما تقدم قبل بضع آيات من قوله:{ويوم نبعث من كل أمة شهيدا} غير أنه كان هناك توطئة وتمهيدا لحديث عدم الإذن لهم في الكلام يومئذ، وهو هاهنا توطئة وتمهيد لذكر شهادته (صلى الله عليه وآله وسلم) لهؤلاء يومئذ وهو في الموضعين مقصود لغيره لا لنفسه.

وكيف كان فقوله:{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } يدل على بعث واحد في كل أمة للشهادة على أعمال غيره وهو غير البعث بمعنى الإحياء للحساب بل بعث بعد البعث، وإنما جعل من أنفسهم ليكون أتم للحجة وأقطع للمعذرة كما يفيده السياق وذكره المفسرون حتى أنهم ذكروا شهادة لوط على قومه ولم يكن منهم نسبا ووجهوه بأنه كان تأهل فيهم وسكن معهم فهو معدود منهم.

وقوله:{وجئنا بك شهيدا على هؤلاء} يفيد أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) شهيد على هؤلاء، واستظهروا أن المراد بهؤلاء هم أمته، وأيضا أنهم قاطبة من بعث إليه من لدن عصره إلى يوم القيامة ممن حضره ومن غاب ومن عاصره ومن جاء بعده من الناس.

وآيات الشهادة من معضلات آيات القيامة على ما في جميع آيات القيامة من الإعضال وصعوبة المنال، وقد تقدم في ذيل قوله:{ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا }: البقرة: 143 في الجزء الأول من الكتاب نبذة من الكلام في معنى هذه الشهادة.

ومن الواجب قبل الورود في بحث الشهادة وسائر الأمور التي تصفها الآيات ليوم القيامة كالجمع والوقوف والسؤال والميزان والحساب أن يعلم أنه تعالى يعد في كلامه هذه الأمور في عداد الحجج التي تقام يوم القيامة على الإنسان لتثبيت ما عمله من خير أوشر والقضاء عليه بما ثبت بالحجة القاطعة للعذر والمنيرة للحق ثم المجازاة بما يستوجبه القضاء من سعادة أوشقاء وجنة أونار، وهذا من أوضح ما يستفاد من آيات القيامة الشارحة لشئون هذا اليوم وما يواجه الناس منها.

وهذا أصل مقتضاه أن يكون بين هذه الحجج وأجزائها ونتائجها روابط حقيقية بينة يضطر العقل إلى الإذعان بها، ولا يسع للإنسان بما عنده من الشعور الفطري ردها ولا الشك والارتياب فيها.

وعلى هذا فمن الواجب أن تكون الشهادة القائمة هناك بإقامة منه تعالى مشتملة من الحقيقة على ما لا سبيل للمناقشة فيها، والله سبحانه لو أمر أشقى الناس على أن يشهد على الأولين والآخرين بما عملوه باختيار من الشاهد أو يخلق الشهادة في لسانه بلا إرادة منه، أو أن يشهد بما عملوه من غير أن يكون قد تحملها في الدنيا وشهدها شهود عيان بل معتمدا على إعلام من الله أوملائكته أوعلى حجة ثم أمضى تعالى ذلك وأنفذه وجازى به محتجا في جميع ذلك بشهادته ثانيا عليها لم يكن ذلك مما لا تطيقه سعة قدرته ولا يسعه نفوذ إرادته ولا استطاع أحد أن ينازعه في ملكه أو يعقب حكمه أويغلبه على أمره.

لكنها حجة تحكمية غير تامة لا تقطع بالحقيقة عذرا ولا تدفع ريبا نظير التحكمات التي نجدها من جبابرة الإنسان والطواغيت العابثين بالحق والحقيقة وكيف يتصور لمثل هذه الحجج المختلقة عين أو أثر يوم لا عين فيه إلا للحق ولا أثر فيه إلا للحقيقة؟.

وعلى هذا فمن الواجب أن يكون هذا الشهيد ذا عصمة إلهية يمتنع عليه الكذب والجزاف، وأن يكون عالما بحقائق الأعمال التي يشهد عليها لا بظاهر صورها وهيئاتها المحسوسة بل بحقيقة ما انعقدت عليه في القلوب، وأن يستوي عنده الحاضر والغائب من الناس كما تقدمت الإشارة إليه في تفسير آية سورة البقرة.

ومن الواجب أن تكون شهادته شهادة عن معاينة كما هو ظاهر لفظ الشهيد وظاهر تقييده بقوله:{من أنفسهم} في قوله:{شهيدا عليهم من أنفسهم} غير مستندة إلى حجة عقلية أو دليل سمعي.

ويشهد به قوله تعالى حكاية عن المسيح (عليه السلام): {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }: المائدة: 117.

وبهذا تتلاءم الآيتان مضمونا أعني قوله:{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ } وقوله.

{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا }: البقرة: 143.

فإن ظاهر آية البقرة أن بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين الناس الذين هم عامة من بعث إليهم من زمانه إلى يوم القيامة شهداء يشهدون على أعمالهم، وأن الرسول إنما هوشهيد على هؤلاء الشهداء دون سائر الناس إلا بواسطتهم، ولا ينبغي أن يتوهم أن الأمة هم المؤمنون وغيرهم الناس وهم خارجون من الأمة فإن ظاهر الآية السابقة في السورة:{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} الآية أن الكفار من الأمة المشهود عليهم.

ولازم ذلك أن يكون المراد بالأمة في الآية المبحوث عنها:{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } جماعة الناس من أهل عصر واحد يشهد أعمالهم شهيد واحد، ويكون حينئذ الأمة التي بعث إليها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منقسمة إلى أمم كثيرة.

ويكون المراد بالشهيد الإنسان المبعوث بالعصمة والمشاهدة كما تقدم ويؤيده قوله:{من أنفسهم} إذ لولا المشاهدة لم يكن لكونه من أنفسهم وقع، ولا لتعدد الشهداء بتعدد الأمم وجه فلكل قوم شهيد من أنفسهم سواء كان نبيا لهم أوغير نبيهم فلا ملازمة كما يؤيده قوله:{وجيء بالنبيين والشهداء}: الزمر: 69.

ويكون المراد بهؤلاء في قوله:{وجئنا بك شهيدا على هؤلاء} الشهداء دون عامة الناس فالشهداء شهداء على الناس والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شهيد على الشهداء وظاهر الشهادة على الشاهد تعديله دون الشهادة على عمله فهو(صلى الله عليه وآله وسلم) شهيد على مقامهم لا على أعمالهم ولذلك لم يكن من الواجب أن يعاصرهم ويتحد بهم زمانا فافهم ذلك.

والإنصاف أنه لولا هذا التقريب لم يرتفع ما يتراءى ما في آيات الشهادة من الاختلاف كدلالة آية البقرة، وقوله:{ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس}: الحج: 78، على كون الأمة هم المؤمنين، ودلالة غيرهما على الأعم، ودلالتهما على أن النبي إنما هو شهيد على الشهداء، وأن بينه وبين الناس شهداء ودلالة غيرهما على خلافه وأن على الناس شهيدا واحدا هو نبيهم لأن المفروض حينئذ أن شهيد كل أمة هو نبيهم، وكون أخذ الشهيد من أنفسهم لغوا لا أثر له مع عدم لزوم الحضور والمعاصرة وأن الشهادة إنما تكون من حي كما في الكلام المحكي عن المسيح (عليه السلام) وإشكالات أخرى تتوجه على نجاح الحجة ومضيها، تقدمت الإشارة إليها والله الهادي.

وقوله:{ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} ذكروا أنه استئناف يصف القرآن بكرائم صفاته فصفته العامة أنه تبيان لكل شيء والتبيان والبيان واحد - كما قيل - وإذ كان كتاب هداية لعامة الناس وذلك شأنه كان الظاهر أن المراد بكل شيء كل ما يرجع إلى أمر الهداية مما يحتاج إليه الناس في اهتدائهم من المعارف الحقيقية المتعلقة بالمبدإ والمعاد والأخلاق الفاضلة والشرائع الإلهية والقصص والمواعظ فهو تبيان لذلك كله.

ومن صفته الخاصة أي المتعلقة بالمسلمين الذين يسلمون للحق أنه هدى يهتدون به إلى مستقيم الصراط ورحمة لهم من الله سبحانه يحوزون بالعمل بما فيه خير الدنيا والآخرة وينالون به ثواب الله ورضوانه، وبشرى لهم يبشرهم بمغفرة من الله ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم.

هذا ما ذكروه وهو مبني على ما هو ظاهر التبيان من البيان المعهود من الكلام وهوإظهار المقاصد من طريق الدلالة اللفظية فإنا لا نهتدي من دلالة لفظ القرآن الكريم إلا على كليات ما تقدم، لكن في الروايات ما يدل على أن القرآن فيه علم ما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة، ولوصحت الروايات لكان من اللازم أن يكون المراد بالتبيان الأعم مما يكون من طريق الدلالة اللفظية فلعل هناك إشارات من غير طريق الدلالة اللفظية تكشف عن أسرار وخبايا لا سبيل للفهم المتعارف إليها.

والظاهر على ما يستفاد من سياق هذه الآيات المسوقة للاحتجاج على الأصول الثلاثة: التوحيد والنبوة والمعاد، والكلام فيها ينعطف مرة بعد أخرى عليها أن قوله:{ونزلنا عليك الكتاب} إلخ، ليس باستئناف بل حال عن ضمير الخطاب في{جئنا بك} بتقدير{قد} أوبدون تقديرها - على الخلاف بين النحاة في الجملة الحالية المصدرة بالفعل الماضي.

والمعنى: وجئنا بك شهيدا على هؤلاء والحال أنا نزلنا عليك من قبل في الدنيا الكتاب وهو بيان لكل شيء من أمر الهداية يعلم به الحق من الباطل فيتحمل شهادة أعمالهم فيشهد يوم القيامة على الظالمين بما ظلموا وعلى المسلمين بما أسلموا لأن الكتاب كان هدى ورحمة وبشرى لهم وكنت أنت بذلك هاديا ورحمة ومبشرا لهم.

وعلى هذا فصدر الآية كالتوطئة لذيلها كأنه قيل: سيبعث شهداء يشهدون على الناس بأعمالهم وأنت منهم ولذلك نزلنا عليك كتابا يبين الحق والباطل ويميز بينهما حتى تشهد به يوم القيامة على الظالمين بظلمهم وقد تبين الكتاب وعلى المسلمين بإسلامهم وقد كان الكتاب هدى ورحمة وبشرى لهم وكنت هاديا ورحمة ومبشرا به.

ومن لطيف ما يؤيد هذا المعنى مقارنة الكتاب بالشهادة في بعض آيات الشهادة كقوله:{ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ:} الزمر: 69، وسيجيء إن شاء الله أن المراد به اللوح المحفوظ، وقد تكرر في كلامه تعالى أن القرآن من اللوح المحفوظ كقوله:{ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ }: الواقعة: 78، وقوله:{ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ }: البروج: 22.

وشهادة اللوح المحفوظ وإن كانت غير شهادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لكنهما جميعا متوقفتان على قضاء الكتاب النازل.

________________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج12،ص259-267.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

عندما تغلق الأبواب أمام المجرمين:

بعد أن عرض القرآن الكريم في الآيات السابقة جحود منكري الحق وعدم اعترافهم بالنعم الإِلهية، يتطرق في هذه الآيات إِلى جانب من العقاب الإِلهي الشديد الذي ينتظر أُولئك في عالم الآخرة، لينبه الغافل من سباته، فعسى أنْ يعيد النظر في مواقفه المنحرفة قبل فوات الأوان، فيقول أوّلاً: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا}(2).

وهل ثمّة حاجة إِلى شاهد مع وجود علم اللّه المطلق؟

قد يتبادر إِلى الأذهان هذا السؤال عند قراءة الآية، وتتّضح الإِجابة على ذلك من خلال التدقيق في الملاحظة التالية: إِنّ الأُمور غالباً ما يقصد فيها الجانب النفسي والروحي، والإِنسان كلما أيقن بوجود الشهود والمراقبين عليه من قبل اللّه سبحانه ازداد في محاسبة نفسه، وأقل ما يمكن أن يذكر بهذا الصدد ما سيصيبه من خجل يوم مواجهتهم مع ما إِقترفت يداه.

وبخصوص تلك المحكمة، تأتي الآية لتقول: {ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا}.

وهل من الممكن أن لا يأذن اللّه للمجرمين في الدفاع عن أنفسهم؟

نعم، وذلك لعدم الحاجة للسان في ذلك اليوم العظيم، لأنّ الجوارح من رجل وأذن وعين وكذلك الجلد، بل وحتى الأرض التي أطاع الإِنسان عليها أو عصى، كلها ستشهد عليه، ويمكن استفادة هذا المعنى من آيات قرآنية أُخرى كالآية (65) من سورة يس والآية (36) من سورة المرسلات.

بل ويزاد على عدم السماح لهم بالكلام بـ {وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ}(3).

لأنّ هناك محل مواجهة نتائج الأعمال وليس يوم العمل والإِصلاح، وهم حينها كالثمرّة المقطوفة التي انتهى زمن نموها.

وتشرح الآية التالية حال الظالمين بعد انتهاء مرحلة حسابهم ودخولهم في العذاب، وكيف أنّهم يطلبون تخفيف شدة العذاب تارةً، ويطلبون إِمهالهم مدّة تارةً أُخرى، فتقول: {وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ}.

والآيتان أشارتا إِلى أربع مراحل لأهوال المجرمين (وهو ما نشاهد شبيهه في حياتنا الدنيا}:

المرحلة الأُولى: سعي المجرم للتنصل والتزوير لتبرئة نفسه، وإِن لم يحصل على هدفه يسعى إِلى المرحلة التالية.

المرحلة الثّانية: يستعتب صاحب الحق ويمتص غضبه وصولا لرضاه، وإِذا لم ينفعه ذلك ينتقل إِلى المرحلة الثّالثة.

المرحلة الثّالثة: يطلب تخفيف العذاب، فيقول: عاقبني ولكنْ خفف العذاب! وإِن لم يستجاب له لعظم ذنبه فإِنّه سيطلب الطلب الأخير...

المرحلة الرّابعة: يطلب الإِمهال والتأجيل، وهو المحاولة الأخيرة للنجاة من العقاب...

إِلاّ أنّ القرآن الكريم يجيب عن طلبات المجرمين بعدم حصول إِذن الدفاع عنهم، ولا يمكنهم تحصيل رضا المولى جل وعلا، ولا يخفف عنهم العذاب، ولا هم ينظرون، لأن أعمالهم من القباحة وذنوبهم من العظمة تسد كل أبواب الإِستجابة.

وفي الآية التالية.. يستمر الحديث عن عاقبة المشركين، وكيف أنّهم سيحشرون في جهنّم مع ما أشركوا من معبوداتهم الحجرية والبشرية، فتقول الآية المباركة واصفة حالهم: {وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ}، فهذه المعبودات هي التي وسوست لنا للوقوع في درك العمل القبيح، وهي شريكنا في الجرم أيضاً، فارفع عنّا بعض العذاب واجعله لها!

وعندها... تبدأ تلك الأصنام بالتكلم {بإِذن اللّه}: {فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ}، فلم نكن شركاء لله، ومهما وسوسنا لكم فلا نستحق حمل بعض أوزاركم.

وهنا ينبغي التذكير ببعض الملاحظات:

1 ـ إِنّ استعمال كلمة «شركاءهم» بدلا من «شركاء اللّه» للدلالة على أنّ الأصنام ما كانت في حقيقتها شريكة لله عزَّ وجلّ، بل إِنّ عبدة الأصنام والمشركين هم الذين نسبوها بهذا النسب خيالا وكذباً، فمن الحري أن تنسب لهم وليس إِلى اللّه سبحانه.

ويؤيد ذلك ما مرّ علينا فيما سبق من تخصيص عبدة الأصنام بعض مواشيهم ومحصولاتهم الزراعية مشاركة بينهم وبين الأصنام أي أنّهم جعلوا الأصنام شريكة لهم في هذه الانعام.

2 ـ يستفاد من الآية أنّ الأصنام تحضر عرصة يوم القيامة أيضاً، وليس المعبودات البشرية فقط كفرعون والنمرود.

والآية (98) من سورة الأنبياء: { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } تؤيد ذلك.

3 ـ وتظهر الآية قول المشركين يوم القيامة من أنّهم كانوا يعبدون هذه الأصنام: { هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ} وهذا القول يتضمن صدقهم في قولهم فلا معنى لتكذيب الأصنام لهم في هذه المقولة.

ولكن من الممكن أنْ يكون التكذيب بمعنى عدم لياقة الأصنام لأنْ تكون معبودة من دون اللّه. أو أنّ المشركين قد أضافوا جملة أُخرى مفادها أنّ هذه المعبودات قد دعتنا ووسوست لنا لنعبدها، فتكذبهم الأصنام بأنّها لا تملك القدرة أصلا على الوسوسة والإِيحاء.

4 ـ لعل ورود جملة {فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ} بدل «قالوا لهم» لعدم قدرة الأصنام على التكلم بنفسها، فيكون قولها عبارة عن إِلقاء من قبل اللّه فيها، أيْ أنّ اللّه عزَّوجلّ يلقي إِليها، وهي بدورها تلقية إِلى المشركين.

وتأتي الآية التالية لتبيّن أنّ الجميع بعد أنْ يقولوا كل ما عندهم، ويسمعوا جواب قولهم، سيتوجهون إِلى حالة أُخرى... {وألقوا إِلى اللّه السلم}(4) مسلمين لله، مذعنين لعظمته جل وعلا، لأنّ غرور وتعصب الجاهلين قد أُزيل برؤية الحق الذي لا مفرّ من تصديقه والإِذعان إِليه.

وفي هذه الأثناء، وحيث كل شيء جلي كوضوح الشمس.. { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}. فتبطل كذبتهم بوجود شريك لله، وكذلك يبطل ادعاؤهم بشفاعة الأصنام لهم عند اللّه، عندما يلمسون عدم قدرة الأصنام للقيام بأي عمل، بل ويرونها محشورة معهم في نار جهنم!.

وبهذا المقدار من الآيات كان الحديث منصباً حول انحراف المشركين الضالين وغرقهم في درك الشرك، دون أن يدعوا الآخرين إِلى ما هم فيه.. وبعد ذلك ينتقل القرآن الكريم إِلى الكافرين من الذين لم يكتفوا بأن يكونوا كافرين، وإِنّما كانوا يبذلون أقصى جهودهم لإِضلال الآخرين! فيقول: { الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ}.

فهم شركاء في جرم الآخرين إِضافة لما عليهم من تبعات أعمالهم، لأنّهم كانوا عاملا مؤثراً للفساد على الأرض وإِضلال خلق اللّه بالصد عن سبيله.

وذكرنا مراراً وانطلاقاً من منطق الإِجتماع الإِسلامي أنّ مَنْ يسن سنّة (حسنة أم سيئة) فهو شريك العاملين بها ثواباً أو عقاباً، والحديث المشهور يبيّن لنا هذا المعنى بوضوح: «مَنْ استن بسنّة عدل فاتبع كان له أجر مَنْ عمل بها من غير أن ينتقص من أجورهم شيء ومَنْ استن سنّة جور فاتبع كان عليه مثل وزر مَنْ عمل بها من غير أن ينتقص من أوزارهم شيء».

وعلى أيّةُ حال، فالآيات القرآنية والأحاديث الشريفة توضح مسؤولية الرؤساء والموجهين أمام اللّه وأمام الناس.

وتتناول الآية أيضاً مسألة وجود الشهيد في كل أُمّة (والذي ذكر قبل آيات معدودة)، ولمزيد من التوضيح يقول القرآن الكريم: { وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ }.

ووجود هؤلاء الشهود، وعلى الخصوص من الأشخاص الذين ينهضون لهذه المهمّة من وسط نفس الأمم، لا يتعارض مع علم اللّه تعالى وإِحاطته بكل شيء، بل هو للتأكيد على مراقبة أعمال الناس، وللتنبيه على وجود المراقبة الدائمة بشكل قطعي.

ومع أنّ عموم الحكم في هذه الآية يشمل المجتمع الإِسلامي و النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، إلاّ أنّ القرآن الكريم في مقام التأكيد قال: { وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ }.

وقيل إِنّ المقصود بـ «هؤلاء» المسلمون الذين يعيشون في عصر النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، والنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) هو الرقيب والناظر والشاهد على أعمالهم، ومن الطبيعي أن يكون ثمّة شخص آخر يأتي بعد النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ليكمل طريقه فيكون شهيداً على الأُمّة (وهو من وسطها)، وينبغي أن يكون طاهراً من كل ذنب وخطيئة، ليتمكن من إِعطاء الشهادة حقّها.

ولهذا.. اعتمد بعض المفسّرين (من علماء الشيعة والسنّة) على كون الآية بمثابة الدليل على وجود شاهد، حجّة، عادل، في كل عصر وزمان. وضرورة وجود الإِمام المعصوم في كل زمان، وهذا المنطق يتفق مع مذهب أهل البيت(عليهم السلام)

دون غيرهم من المذاهب الإِسلامية.

ولعل لهذا السبب عرض الفخر الرازي في تفسيره عند مواجهته لهذا الإِشكال توجيهاً لا يخلو من إِشكال أيضاً حيث قال: (فحصل من هذا أن عصراً من الأعصار لا يخلو من شهيد على الناس، وذلك الشهيد لابدّ أن يكون غير جائز الخطاء وإِلاّ لافتقر إِلى شهيد آخر، ويمتد ذلك إِلى غير النهاية، وذلك باطل، فيثبت أنّه لابدّ في كل عصر من أقوام تقوم الحجّة بقولهم، وذلك يقتضي أن يكون إِجماع الأمّة حجّة)(5).

لو أنّ الفخر الرازي تجاوز قليلا حدود عقائده لم يكن ليسقط في هكذا تناقض وعناد فاحش. لأنّ القرآن يقول: { وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } وليس مجموع الأُمّة شاهداً على كل فرد من أفراد الأُمّة.

وكما ذكرنا عند تفسيرنا للآية (41) من سورة النساء أنّ هناك احتمالين آخرين في تفسير «هؤلاء»:

الأوّل: أنّ «هؤلاء» إِشارة إِلى شهداء الأمم السابقة من الأنبياء(عليهم السلام)والأوصياء، فيكون النّبي شاهداً على هذه الأمة وشاهداً على الأنبياء السابقين أيضاً.

الثّاني: المقصود من الشاهد هنا هو الشاهد العملي، أيْ: شخص يكون وجوده قدوة وميزاناً لتمييز الحق من الباطل.

(والمزيد من الإِيضاح، راجع ذيل الآية (41) من سورة النساء).

وبما أنّ جعل الشاهد فرع لوجود برنامج كامل وجامع للناس بما تتم فيه الحجّة عليهم، ويصح فيه مفهوم النظارة والمراقبة، لذا يقول القرآن بعد ذلك مباشرة: { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}.

_____________

1- تفسير الامثل ،مكارم الشيرازي،ج7،ص138-143.

2 ـ ألـ «يوم» هنا ظرفٌ متعلق بفعل مقدّر، وأصل العبارة: (وليذكروا) أو (واذكروا).

3 ـ يستعتبون: من الإِستعتاب، وهي في الأصل من (العتاب) وهو التحدث بلهجة شديدة ولوم، فيكون مفهوم الإِستعتاب،: أن يطلب المذنب من صاحب الحق عقابه فيصبح سبباً لسكون غضبه وحصول رضاه، ولهذا اعتبر البعض; أنّ الإِستعتاب بمعنى الإِسترضاء.. في حين أنّ حقيقة مفهومه ليس الإِسترضاء وإِنّما هو لازم له.

4ـ احتمل بعض المفسّرين كصاحب الميزان: أنّ إِظهار التسليم هنا كان من جانب عبدة الأصنام فقط دون الأصنام، ويؤيد ذلك ما ورد في ذيل الآية.

5 ـ تفسير الفخر الرازي، ج30، ص98.

 

 

 

 

 

 

 

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



قسم الشؤون الفكرية يصدر العدد الثامن والثلاثين من مجلة دراسات استشراقية
مجمع أبي الفضل العباس (عليه السلام) يستقبل الطلبة المشاركين في حفل التخرج المركزي
جامعة الكفيل تحيي ذكرى هدم مراقد أئمة البقيع (عليهم السلام)
الانتهاء من خياطة الأوشحة والأعلام الخاصة بالحفل المركزي لتخرج طلبة الجامعات