المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16330 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
الحث على المشاورة والتواضع
2024-04-24
معنى ضرب في الأرض
2024-04-24
معنى الاصعاد
2024-04-24
معنى سلطان
2024-04-24
معنى ربيون
2024-04-24
الإمام علي (علي السلام) وحديث المنزلة
2024-04-24

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الآية (35-39) من سورة يونس  
  
3891   12:35 صباحاً   التاريخ: 8-3-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الياء / سورة يونس /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-1-2020 14269
التاريخ: 12-2-2020 2663
التاريخ: 9-3-2020 2108
التاريخ: 18-1-2020 10049

 

قال تعالى { قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36) وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ } [يونس: 35 - 39]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

استأنف الحجاج فقال سبحانه {قل} يا محمد { قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ }أي: هل من هذه الأصنام من يهدي الناس إلى الرشد وما فيه الصلاح والنجاة والخير بدلالة ينصبها وحجة يظهرها فلا بد من أن يجيبوا بلا ف {قل}أنت لهم {الله} هو الذي {يهدي للحق}إلى طريق الرشاد يقال هديت إلى الحق وهديت للحق بمعنى واحد { أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ} معناه أفمن يهدي غيره إلى طريق التوحيد والرشد {أحق أن يتبع} أمره ونهيه {أمن لا يهدي} أحدا {إلا أن يهدى} أولا يهتدي هو إلا أن يهدى والأصنام لا تهتدي ولا تهدي أحدا وإن هديت لأنها موات من حجارة ونحوها ولكن الكلام نزل على أنها إن هديت اهتدت لأنهم لما اتخذوها آلهة عبر عنها كما يعبر عمن يعقل ووصفت بصفة من يعقل وإن لم يكن في الحقيقة كذلك أ لا ترى إلى قوله سبحانه {ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون}وقوله {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم} وإنما هن موات أ لا ترى أنه قال {فادعوهم فليستجيبوا لكم}{أ لهم أرجل يمشون بها}الآية وكذلك قوله {إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولوسمعوا ما استجابوا لكم}فأجري عليه اللفظ كما يجري على من يعلم وعلى هذا فقوله {إلا أن يهدى}إلا بمنزلة حتى فكأنه قال أمن لا يهتدي حتى يهدى أم من لا يعلم حتى يعلم ومن لا يستدل على شيء حتى يدل عليه وإن كان لودل أوعلم لم يستدل ولم يعلم ولوهدي لم يهتد بين الله سبحانه بذلك جهلهم وقلة تمييزهم في تسويتهم من لا يعلم ولا يقدر بالله القادر والعالم وقال البلخي لا يهدي ولا يهتدي بمعنى واحد يقال هديته فهدى أي: اهتدى وقيل: إن المراد بذلك الملائكة والجن لأنهم يهتدون إذا هدوا وقيل: المراد به الرؤساء والمضلون الذين يدعون إلى الكفر وقيل إن المعنى في قوله {لا يهدي إلا أن يهدى}لا يتحرك إلا أن يحرك ولا ينتقل إلا أن ينقل كقول الشاعر :

(حيث تهدي ساقه قدمه )(2)أي: يحمل وقيل معناه إلا أن يركب الله فيه آلة التمييز والهداية ويرزقه فهما وعقلا فإن هدي حينئذ اهتدى {فما لكم}قال الزجاج هذا كلام تام كأنه قال أي شيء لكم في عبادة من لا يضر ولا ينفع {كيف تحكمون}هذا تعجيب من حالهم أي كيف تقضون بأن هذه الأصنام آلهة وأنها تستحق  العبادة وقيل كيف تحكمون لأنفسكم بما لا توجبه الحجة ولا تشهد بصحته الأدلة.

 {وما يتبع أكثرهم إلا ظنا}أي: ليس يتبع أكثر هؤلاء الكفار إلا ظنا الظن الذي لا يجدي شيئا من تقليد آبائهم ورؤسائهم {إن الظن لا يغني من الحق شيئا}لأن الحق إنما ينتفع به من علمه حقا وعرفه معرفة صحيحة والظن يكون فيه تجويز أن يكون المظنون على خلاف ما ظن فلا يكون مثل العلم {إن الله عليم بما يفعلون} من عبادة غير الله تعالى فيجازيهم عليه وفيه ضرب من التهديد .

ثم رد الله سبحانه على الكفار قولهم ائت بقرآن غير هذا أوبدله وقولهم إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) افترى هذا القرآن فقال:{وما كان هذا القرآن أن يفترى}أي افتراء {من دون الله}فأقام أن مع الفعل مقام المصدر بل هي وحي من الله ومتلقى منه {ولكن تصديق الذي بين يديه} من الكتب كما قال في موضع آخر مصدقا لما بين يديه وهذه شهادة من الله بأن القرآن صدق وشاهد لما تقدم من التوراة والإنجيل والزبور بأنها حق ومن وجه آخر هو شاهد لها من حيث إنه مصداق لها على ما تقدمت البشارة به فيها وقيل معناه تصديق الذي بين يديه في المستقبل من البعث والنشور والحساب والجزاء {وتفصيل الكتاب}أي: تبيين المعاني المجملة في القرآن من الحلال والحرام والأحكام الشرعية وقيل معناه وبيان الأدلة التي تحتاجون إليها في أمور دينكم { لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ }أي: لا شك فيه أنه نازل من عند الله وأنه معجز لا يقدر أحد على مثله وهذا غاية في التحدي.

 {أم يقولون افتراه}هذا تقرير على موضع الحجة بعد مضي حجة أخرى وتقديره بل أيقولون افتراه هذا فألزمهم على الأصل الفاسد إمكان أن يأتوا بمثله و{قل}لهم {فأتوا بسورة مثله}أي: مثله في البلاغة لأنكم من أهل لسانه فلوقدر على ذلك لقدرتم أنتم أيضا عليه فإذا عجزتم عن ذلك فاعلموا أنه ليس من كلام البشر وأنه منزل من عند الله عز اسمه وقيل {بسورة مثله}أي: بسورة مثل سورة منه وقال مثله لأنه إنما التمس من هذا شبه الجنس {وادعوا من استطعتم من دون الله} أي: وادعوا من قدرتم عليه من دون الله واستعينوا به للمعاضدة على المعارضة بسورة مثله {إن كنتم صادقين} في أن هذا القرآن مفترى من دون الله وهذا أيضا غاية في التحدي والتعجيز {بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه}أي: بما كذبوا ولم يعلموه من جميع وجوهه لأن في القرآن ما يعلم المراد منه بدليل ويحتاج إلى الفكر فيه والرجوع إلى الرسول في معرفة مراده وذلك مثل المتشابة فالكفار لما لم يعرفوا المراد بظاهره كذبوا به وقيل معناه بل كذبوا بما لم يحيطوا علما بكيفية نظمه وترتيبه وهذا كما أن الناس يعرفون ألفاظ الشعر والخطب ومعانيها ولا يمكنهم إبداعها لجهلهم بنظمها وترتيبها وقال الحسن معناه بل كذبوا بالقرآن من غير علم ببطلانه وقيل معناه بل كذبوا بما في القرآن من الجنة والنار والبعث والنشور والثواب والعقاب {ولما يأتهم تأويله}أي: لم يأتهم بعد حقيقة ما وعد في الكتاب مما يؤول إليه أمرهم من العقوبة وقيل: معناه إن في القرآن أشياء لا يعلموه هم ولا يمكنهم معرفته إلا بالرجوع إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فلم يرجعوا إليه وكذبوا به فلم يأتهم تفسيره وتأويله فيكون معنى الآية بل كذبوا بما لم يدركوا علمه من القرآن ولم يأتهم تفسيره ولوراجعوا فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لعلموه وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال إن الله خص هذه الأمة ب آيتين من كتابه أن لا يقولوا إلا ما يعلمون وأن لا يردوا ما لا يعلمون.

 ثم قرأ ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق الآية وقرأ {بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه}الآية وقيل أن من هنا أخذ أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قوله الناس أعداء ما جهلوا وأخذ قوله قيمة كل امرىء ما يحسنه من قوله عز وجل {فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم} وأخذ قوله تكلموا تعرفوا من قوله ولتعرفنهم في لحن القول {كذلك كذب الذين من قبلهم}أي: مثل تكذيب هؤلاء كذبت الأمم السالفة رسلها {فانظر}يا محمد {كيف كان عاقبة الظالمين}أي: كما كان عاقبة أولئك الهلاك كذلك يكون عاقبة هؤلاء ثم أخبر سبحانه أن من جملة هؤلاء الذين كذبوا بالقرآن ونسبوه إلى الافتراء من سيؤمن به في المستقبل ويصدق بأنه من عند الله ومنهم من يموت على كفره.

__________________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي ،ج5، 186-190.

2- قائله طرفة، وهذا عجز بيت قبله ((للفتى عقل يعيش به))

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ}. تضمنت هذه الآية الرد على من يعبد مع اللَّه إلها آخر ، ووجه الرد ان أول صفة يجب أن يتحلى بها المعبود أن يكون هاديا إلى الحق بذاته ، دون أن يستمد الهداية من غيره ، أما من لا يهدي إلى الحق فلا يصلح للألوهية بحال . . وهذه حقيقة لا تقبل الجدال والنقاش ،

ولذا أمر اللَّه نبيه محمدا (صلى الله عليه واله وسلم) أن يحتج بها على المشركين ، ويلقي عليهم هذا السؤال المحرج : هل يوجد واحد من أصنامكم هذه التي تعبدونها من يهدي إلى الحق ؟ . وليس من شك انهم لم يجرؤوا على الجواب لأن أصنامهم أحجار صماء نحتوها بأيديهم . وبما ان النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) يملك الدليل القاطع على أن اللَّه يهدي إلى الحق وجّه اللَّه إليه هذا الأمر :

{قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ} دون غيره ، وهدايته ذاتية غير مكتسبة ، والدليل على أن اللَّه يهدي إلى الحق الرسل الذين أرسلهم إلى عباده مبشرين ومنذرين ، والكتب التي أنزلها عليهم ، وفيها الآيات البينات التي ترشد الناس إلى خيرهم وسعادتهم ، وهذا محمد يقابل المشركين والجاحدين وجها لوجه ، ويتحداهم بالقرآن الذي فيه تبيان كل شيء ، فأين هي رسل شركائكم أيها المشركون وكتبها ؟ .

ولوكان للَّه شريك لجاءتنا رسله .

وتجدر الإشارة إلى أنه ليس الغرض من ذلك المقارنة بين اللَّه جلت كلمته وبين الأصنام ، كلا . . وإنما القصد إيقاظ المشركين وتنبيههم إلى جهلهم وضلالهم عسى أن يؤوبوا إلى رشدهم ، ويرجعوا عن غيهم .

{أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى}. أحق هنا بمعنى حقيق وجدير ، و{أَمَّنْ لا يَهِدِّي} بتشديد الدال معناها لا يهتدي . .

بعد أن ذكر سبحانه ان اللَّه يهدي إلى الحق ، وان غيره لا يهدي إلى الحق ، بعد هذه المقدمة أوضح نتيجتها ، وهي ان اللَّه وحده هوالذي يجب أن يتبع دون غيره ، وأشار إلى هذه النتيجة بهذا السؤال الذي يحمل معه الجواب :

أيهما يجب اتباعه والاهتداء بهديه : اللَّه الهادي بذاته ، أم شركاؤكم التي لا تهتدي إلا بمعلم ومرشد ؟ .

وتسأل : ان مشركي مكة المخاطبين بهذا السؤال كانوا يعبدون الأصنام ، وهي أحجار لا تهتدي وان حاول المعلمون والمرشدون هدايتها ، فما هوالوجه لقوله تعالى : الا ان يهدى ؟ .

وأجاب المفسرون بأن هذا على سبيل الفرض ، أي لوافترض - جدلا - أن أصنامكم أيها المشركون تهتدي ان هديت فهي لا تصلح أن تهدي إلى الحق ،

ومن كان كذلك فلا يكون إلها . . والأولى في الجواب ان الآية وردت للرد على جميع المشركين ، لا على مشركي مكة فقط الذين يعبدون الأحجار بل عليهم ، وعلى من يعبد إنسانا أوملكا من الملائكة ، وعلى هذا يكون معنى الآية ان كل من لا يهدي إلى الحق بذاته فهولا يصلح للألوهية ، سواء أكان فاقد الأهلية والاستعداد للهداية كالحجر أم كان قابلا لأن يهتدي بواسطة المعلم والمرشد كالإنسان والملك . {فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} وتؤمنون بالخرافات والضلالات ، مع الأدلة الواضحة على فسادها وبطلانها ؟ .

{وما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا} الضمير في أكثرهم يعود إلى المشركين ، وأخرج بعضهم ، لأن فئة من المشركين كانوا يعتقدون بصدق محمد ونبوته ، ويعلمون علم اليقين بأن أصنامهم ليست بشيء ، ولكنهم عاندوا وكابروا حرصا على منافعهم وامتيازاتهم ، أما الأكثرية الغالبة من المشركين فقد كانوا يعبدون الأصنام تقليدا للآباء . . وعبّر سبحانه عن عبادتهم لها بالظن مع أنهم كانوا على يقين بأنها تضر وتنفع ، لأن يقينهم هذا لا يستند إلى أساس صحيح ، وكل يقين يستند إلى التقليد وما إليه يجوز التعبير عنه بالظن ، وتكلمنا عن التقليد مفصلا في ج 1 ص 259 عند تفسير الآية 170 من سورة البقرة .

{إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} ليس المراد بالظن هنا عدم القطع والجزم ، كما يبدوللوهلة الأولى ، وإنما المراد به الإيمان بأصل من أصول الدين ، أوبفرع من فروعه بلا دليل من العقل أوالوحي ، حتى ولوبلغ هذا الإيمان مبلغ القطع والجزم ، كتقليد المشركين في عبادة الأصنام ، والحاد الملحدين قبل أن ينظروا ويبحثوا عن سبب الكون ووجوده ، وما فيه من نظام وانسجام ، وهل كان بالصدفة أوبتدبير عليم حكيم ؟ .

وهذه الآية واضحة الدلالة على نفي القياس وبطلانه فيما يرجع إلى القضايا الدينية ، لأنه عمل بالظن الذي لا يغني عن الحق في أصول العقيدة ، وأحكام الشريعة .

أما القضايا الزمنية ، والشؤون الدنيوية فخارجة عن موضوع الآية . وكيف ينهى اللَّه عن اتباع الظن في الزراعة والتجارة والعلاقات الاجتماعية ؟ . . ولو وقف الناس في كل شيء عند العلم واليقين فقط لتعطلت الحياة . . أجل ، لا يجوز

إدانة أحد بشيء وتجريمه والشهادة عليه إلا بعد العلم ، والسر هو الحرص على أن تسبر الحياة في طريقها القويم ، وبالاختصار ان اتباع الظن حتم في موارد ، ونهي في موارد ، وصاحبه بالخيار في موارد أخرى . . ومن أحب معرفة التفاصيل فليرجع إلى كتاب فرائد الأصول المعروف بالرسائل للشيخ العظيم الأنصاري ، فقد تعمق في بحثه ، واستغرق حوالي 150 صفحة بالقياس الكبير .

{إِنَّ اللَّهً عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ}. هذا تهديد للمشركين الذين اتبعوا الظن في عبادة الأصنام وتكذيب النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) دون أن يقيسوا ظنهم هذا بمقياس الفطرة والعقل ، وهو أيضا تهديد لكل من يتبع الظن في أمر من أمور الدين .

{وما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ}لاعجازه في الأسلوب ، ولما فيه من علوم وشريعة إنسانية ، وآداب اجتماعية ، وإخبار بالغيب ، وما إلى ذلك مما يستحيل معه ان يكون من عند غير اللَّه {ولكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ}مما تقدمه من الكتب الإلهية {وتَفْصِيلَ الْكِتابِ}المراد بالكتاب هنا كل ما شرّعه اللَّه مما يحتاجه الإنسان لسعادته دنيا وآخرة {لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ} أي لا ينبغي لعاقل ان يرتاب في كتاب اللَّه ، وقد حوى من المعجزات والآيات ما تذعن له الفطرة الصافية والعقل السليم .

{أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ}. سبق نظيره مع التفسير المفصل في سورة البقرة الآية 23 ج 1 ص 64 .

{بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ}هذا هوشأن الجاهل الأرعن يسرع إلى التصديق أوالتكذيب قبل أن يتأمل ويتدبر ، وفي قوله : {بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ}إشارة إلى أن العاقل لا يثبت شيئا ولا ينفيه الا بعد أن يدرسه بروية وهدوء دراسة شاملة كاملة من جميع جهاته {ولَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ}أي ان المشركين كذبوا بالقرآن قبل أن يعرفوا ما فيه من حقائق وأسرار ، ولوأنهم عقلوا تعاليمه وأحكامه لصدقوا به إن كانوا من طلاب الحقيقة .

وجاء في مجمع البيان : « قيل : ان أمير المؤمنين علي (عليه السلام ) أخذ من هذه الآية قوله : الناس أعداء ما جهلوا ، وأخذ قوله : قيمة كل امرئ ما يحسن

من قوله تعالى : {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا ولَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ}، وأخذ قوله : تكلموا تعرفوا من قوله سبحانه : {ولَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}.

{ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} كقوم نوح وعاد وثمود ، وغيرهم ممن كذبوا رسلهم قبل أن يدركوا حقيقة ما جاؤوهم به من الخير والرشاد { فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} من الهلاك والوبال : {فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ - 45 الأنعام }

_________________

1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنيه ، ج4،ص157-161.

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى: { قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ } إلى آخر الآية، يهدي للحق وإلى الحق بمعنى واحد فالهداية تتعدى بكلتا الحرفين، وقد ورد تعديتها باللام في مواضع كثيرة من كلامه تعالى كقوله: {أ ولم يهد لهم:} الم السجدة: - 26، وقوله: {يهدي للتي هي أقوم:} الإسراء: - 9 إلى غير ذلك فما ذكره بعضهم من كون اللام في قوله: {يهدي للحق} للتعليل ليس بشيء.

لقن سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الحجة وهي ثالثة الحجج، وهي حجة عقلية يعتمد عليها الخاصة من المؤمنين، وتوضيحها أن من المرتكز في الفطرة الإنسانية وبه يحكم عقله أن من الواجب على الإنسان أن يتبع الحق حتى إنه إن انحرف في شيء من أعماله عن الحق واتبع غيره لغلط أوشبهة أوهوى فإنما اتبعه لحسبانه إياه حقا والتباس الأمر عليه، ولذا يعتذر عنه بما يحسبه حقا فالحق واجب الاتباع على الإطلاق ومن غير قيد أوشرط.

والهادي إلى الحق واجب اتباعه لما عنده من الحق، ومن الواجب ترجيحه على من لا يهدي إليه أويهدي إلى غيره لأن اتباع الهادي إلى الحق اتباع لنفس الحق الذي معه وجوب اتباعه ضروري.

وقد اعتمد في الحجة على هذه المقدمة الضرورية فافتتح الكلام فيها بسؤالهم عن شركائهم هل فيهم من يهدي إلى الحق؟ ومن البين أن لا جواب للمشركين في ذلك مثبتا إذ شركاؤهم سواء أ كانوا جمادا غير ذي حياة كالأوثان والأصنام أم كانوا من الإحياء كالملائكة وأرباب الأنواع والجن والطواغيت من فرعون ونمرود وغيرهما لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا.

وإذ لم يكن لهم في ذلك جواب مثبت فإنهم لا يجيبون، ولذلك أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يخلفهم في الجواب فيجيب في ذلك - أعني الهداية إلى الحق - بإثباتها لله سبحانه فقيل: {قل الله يهدي للحق} فإن الله سبحانه هوالذي يهدي كل شيء إلى مقاصده التكوينية والأمور التي يحتاج إليها في بقائه كما في قوله: {ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى: طه - 50 وقوله الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى:} الأعلى: - 3 وهو الذي يهدي الإنسان إلى سعادة الحياة ويدعوه إلى الجنة والمغفرة بإذنه بإرسال الرسل وإنزال الكتب وتشريع الشرائع، وأمرهم ببث الدعوة الحقة الدينية بين الناس.

وقد مر في تفسير قوله تعالى: {الحق من ربك فلا تكن من الممترين:} آل عمران: - 60 إن الحق من الاعتقاد والقول والفعل إنما يكون حقا بمطابقة السنة الجارية في الكون للذي هوفعله فالحق بالحقيقة إنما يكون حقا بمشيته وإرادته.

وإذ تحقق أنه ليس من شركائهم من يهدي إلى الحق، وأن الله سبحانه يهدي إلى الحق سألهم بقوله: { أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى}؟ أن يقضوا في الترجيح بين اتباعه تعالى واتباع شركائهم وهوتعالى يهدي إلى الحق وهم لا يهدون ولا يهتدون إلا بغيرهم، ومن المعلوم أن الرجحان لمن يهدي على من لا يهدي أي لاتباعه تعالى على اتباعهم، والمشركون يحكمون بالعكس، ولذلك لامهم ووبخهم بقوله: {فما لكم كيف تحكمون}؟.

والتعبير في الترجيح في قوله: {أحق أن يتبع} بأفعل التفضيل الدال على مطلق الرجحان دون التعين والانحصار مع أن اتباعه تعالى حق لا غير واتباعهم لا نصيب له من الحق إنما هو بالنظر إلى مقام الترجيح وليسهل بذلك قبولهم للقول من غير إثارة لعصبيتهم وتهييج لجهالتهم.

وقد أبدع تعالى في قوله { أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى} والقراءة الدائرة: {لا يهدي} بكسر الهاء وتشديد الدال وأصله يهتدي، وظاهر قوله: {لا يهدي إلا أن يهدى} وقد حذف متعلقات الفعل فيه أنه إنما يهتدي بغيره لا بنفسه.

والكلام قد قوبل فيه قوله: {يهدي إلى الحق} بقوله: {من لا يهدي} مع أن الهداية إلى الحق يقابلها عدم الهداية إلى الحق، وعدم الاهتداء إلى الحق يقابله الاهتداء إلى الحق فلازم هذه المقابلة الملازمة بين الاهتداء بالغير وعدم الهداية إلى الحق، وكذا الملازمة بين الهداية إلى الحق والاهتداء بالذات فالذي يهدي إلى الحق يجب أن يكون مهتديا بنفسه لا بهداية غيره والذي يهتدي بغيره ليس يهدي إلى الحق أبدا.

هذا ما تدل عليه الآية بحسب ظاهرها الذي لا ريب فيه وهو أعدل شاهد على أن الكلام موضوع فيها على الحقيقة دون التجوزات المبنية على المساهلة التي نبني عليها ونداولها فيما بيننا معاشر أهل العرف فننسب الهداية إلى الحق إلى كل من تكلم بكلمة حق ودعا إليها وإن لم يعتقد بها أواعتقد ولم يعمل بها أوعمل ولم يتحقق بمعناها، وسواء اهتدى إليها بنفسه أوهداه إليها غيره.

بل الهداية إلى الحق أعني الإيصال إلى صريح الحق ومتن الواقع ليس إلا لله سبحانه أولمن اهتدى بنفسه أي هداه الله سبحانه من غير واسطة تتخلل بينه وبينه فاهتدى بالله وهدى غيره بأمر الله سبحانه، وقد تقدمت نبذة من الكلام في هذا المعنى في ذيل قوله تعالى: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن:} الآية البقرة: - 124.

وقد تبين بما قدمناه في معنى الآية أمور: أحدها: أن المراد بالهداية إلى الحق ما هو بمعنى الإيصال إلى المطلوب دون ما هو بمعنى إراءة الطريق المنتهي إلى الحق فإن من الضروري أن وصف طريق الحق يتأتى من كل أحد سواء اهتدى إلى الحق بنفسه أوبغيره أولم يهتد.

وثانيها: أن المراد بقوله: {من لا يهدي إلا أن يهدى} من لا يهتدي بنفسه، وهذا أعم من أن يكون ممن يهتدي بغيره أويكون ممن لا يهتدي أصلا، لا بنفسه ولا بغيره كالأوثان والأصنام التي هي جماد لا يقبل هداية من غيره، وذلك أن قوله: {إلا أن يهدى} استثناء من قوله: {من لا يهدي} الأعم من أن لا يهتدي أصلا أو يهتدي بغيره والمأخوذ في قوله: {أن يهدى} فعل دخلت عليه أن المصدرية المأولة إلى المصدر، والجملة الفعلية المأولة إلى المصدر كذلك لا يدل على التحقق بخلاف المصدر المضاف إلى معموله ففرق بين قوله: {أن تصوموا خير لكم:{ البقرة: - 184 فلا يدل على الوقوع وبين نحوقوله: {إن كنا عن عبادتكم لغافلين:} يونس: - 29 فيدل على الوقوع، ويقال: ضربك زيدا عجيب إذا ضربته، وأن تضرب زيدا عجيب إذا هممت أن تضربه.

فقوله: {من لا يهدي إلا أن يهدى} معناه من لا يكون هداه من نفسه إلا أن تأتيه الهداية من ناحية الغير، ومن المعلوم أنها إنما تأتيه من الغير إذا كان في طبعه أن يقبل ذلك، وأما إذا لم يقبل فإنما يبقى له من الوصف أنه لا يهتدي فافهم ذلك.

وللمفسرين في معنى هذا الاستثناء أقوال عجيبة: منها: أنه استثناء مفرغ من أعم الأحوال لأن من نفى عنهم الهداية ممن اتخذوا شركاء لله تعالى يشمل المسيح عيسى بن مريم وعزيرا والملائكة (عليهم السلام)، وهؤلاء كانوا يهدون إلى الحق بهداية الله ووحيه كما قال تعالى في الأنبياء من سورتهم: {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا:} الأنبياء: - 73.

وفيه: أن محصله أن المعنى لا يهدي إلا أن يهديه الله تعالى فيهدي غيره بعد اهتدائه بهدايته تعالى، وقد اختل عليه معنى الآية من أصله فإن من لا يهتدي إلى الحق بنفسه لا يتأتى له أن يهدي إلى الحق فإنه إنما يماس الحق من وراء حجاب فكيف يوصل إليه؟.

على أن ما ذكره لا ينطبق على الأصنام التي هي مورد الاحتجاج في الآية فإنها لا تقبل الهداية من أصلها، وقد ذكر المسيح وعزيرا وهما ممن قدسته النصارى واليهود وليس وجه الكلام في الآية إليهم وإن شملتهما وغيرهما الآية بحسب عموم الملاك.

ومنها: أن الاستثناء منقطع والمراد بمن لا يهدي الأصنام التي لا تقبل الهداية أصلا فحسب، والمعنى: أم من لا يهتدي أصلا كالأصنام إلا أن يهديه الله فيهتدي حينئذ.

وفيه: أنه لا يفي بتوجيه المقابلة التي بين قوله: {من يهدي إلى الحق} وقوله: {من لا يهدي} فإن الهداية إلى الحق والاهتداء إليه لا يتقابلان إلا أن يئول المعنى إلى مثل قولنا: أ فمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهتدي أصلا إلا أن يهديه الله فيهتدي فيهدي غيره، ويرد عليه أنه لا وجه حينئذ لتخصيصه بمثل الأصنام ممن لا يهتدي أصلا حتى يصير الاستثناء منقطعا بل يعم ما لا يهتدي أصلا لا بنفسه ولا بغيره، ومن لا يهتدي بنفسه ويهتدي بغيره كالملائكة مثلا، ويرد عليه ما ورد على الوجه السابق.

ومنها: أن المراد بمن لا يهدي الأصنام التي لا تقبل الهداية و{إلا} بمعنى حتى والمعنى لا يهتدي ولا يقبل الهداية حتى يهدى.

وفيه: أن الترديد يرجع حينئذ إلى مثل قولنا: أ فمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهتدي أصلا حتى يهدى إلى الحق، ويعود الاستثناء مستدركا لا يتعلق به غرض في الكلام.

مضافا إلى أن مجيء إلا بمعنى حتى غير ثابت وعلى تقدير ثبوته قليل في الكلام لا يحمل على مثله أفصح الكلام.

ومنها: أن المراد بمن لا يهدي إلا أن يهدى الملائكة والجن ممن يعبدون من دون الله وهم يقبلون الهداية من الله وإن لم يهتدوا من عند أنفسهم أوالمراد الرؤساء المضلون الذين يدعون إلى الكفر فإنهم وإن لم يهتدوا لكنهم يقبلون الهداية ولوهدوا إلى الحق لهدوا إليه.

وفيه: أن الآيات واقعة في سياق الاحتجاج على عبدة الأصنام، والقول بأن المراد بمن لا يهدي إلا أن يهدى الملائكة والجن أوالرؤساء المضلون يخرجها عن صلاحية الانطباق على المورد.

وثالثها: أن الهداية إلى الحق بمعنى الإيصال إليه إنما هي شأن من يهتدي بنفسه أي لا واسطة بينه وبين الله سبحانه في أمر الهداية إما من بادىء أمره أوبعناية خاصة من الله سبحانه كالأنبياء والأوصياء من الأئمة، وأما الهداية بمعنى إراءة الطريق ووصف السبيل فلا يختص به تعالى ولا بالأئمة من الأنبياء والأوصياء كما يحكيه الله تعالى عن مؤمن آل فرعون إذ يقول: { وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ:} غافر: - 38 وقال: { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا:} الإنسان: - 3.

وأما قوله تعالى خطابا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو إمام: { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ:} القصص: - 56 وغيره من الآيات فهي مسوقة لبيان الإصالة والتبع كما في آيات التوفي وعلم الغيب ونحوذلك مما سيقت لبيان أن الله سبحانه هوالمالك لها بالذات والحقيقة، وغيره يملكها بتمليك الله ملكا تبعيا أوعرضيا، ويكون سببا لها بإذن الله، قال تعالى: {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا:{ الأنبياء: - 73 وفي الأحاديث إشارة إلى ذلك وأن الهداية إلى الحق شأن النبي وأهل بيته (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد مر بعض الكلام في الهداية فيما تقدم.

وإنما نسب اتباع الظن إلى أكثرهم لأن الأقل منهم وهم أئمة الضلالة على يقين من الحق، ولم يؤثروا عليه الباطل ويدعوا إليه إلا بغيا كما قال تعالى: {وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم:{ البقرة: - 213.

وأما الأكثرون فإنما اتبعوا آباءهم تقليدا لهم لحسن ظنهم بهم.

وقوله: {إن الله عليم بما يفعلون} تعليل لقوله: {وما يتبع أكثرهم إلا ظنا} والمعنى أن الله عليم بما يأتونه من الأعمال يعلم أنها اتباع للظن.

رجوع إلى أمر القرآن وأنه كتاب منزل من عند الله لا ريب فيه وتلقين الحجة في ذلك، وللآيات اتصال بما تقدمها من قوله: {قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق} الآية، فقد تقدم أن من هدايته تعالى إلى الحق هدايته الناس إلى دينه الذي يرتضيه من طريق الوحي إلى أنبيائه والكتب التي أنزلها إليهم ككتب نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذه الآيات تذكرها وتقيم الحجة على أن القرآن منها هاد إلى الحق، ولذلك أشير إليها معه حيث قيل: {ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين{.

وفي آخر الآيات الرجوع إلى ذكر الحشر وهو من مقاصد السورة كما تقدم.

قوله تعالى: {وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله} إلى آخر الآية، قد تقدمت الإشارة إلى أن نفي صفة أومعنى بنفي الكون يفيد نفي الشأن والاستعداد، وهوأبلغ من نفيه نفسه ففرق بين قولنا ما كان زيد ليقوم، وقولنا: لم يقم أوما قام زيد إذ الأول يدل على أن القيام لم يكن من شأن زيد ولا استعد له استعدادا، والثاني ينفي القيام عنه فحسب، وفي القرآن منه شيء كثير كقوله: { فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ:} يونس: - 74 وقوله: { مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ:} الشورى: - 52: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ:} العنكبوت: - 40.

فقوله: {وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله} نفي لشأنية الافتراء عن القرآن كما قيل وهوأبلغ من نفي فعليته، والمعنى ليس من شأن هذا القرآن ولا في صلاحيته أن يكون افتراء من دون الله يفتريه على الله سبحانه.

وقوله: {ولكن تصديق الذي بين يديه} أي تصديقا لما هو حاضر منزل من الكتاب وهوالتوراة والإنجيل كما حكى عن المسيح قوله: {يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة:} الصف: - 6، وإنما وصفهما بما بين يديه مع تقدمهما لأن هناك كتابا غير الكتابين ككتاب نوح وكتاب إبراهيم (عليه السلام) فإذا لوحظ تقدم جميعها عليه كان الأقرب منها زمانا إليه وهوالتوراة والإنجيل موصوفا بأنه بين يديه.

وربما قيل: إن المراد بما بين يديه هو ما يستقبل نزوله من الأمور كالبعث والنشور والحساب والجزاء، وليس بشيء.

وقوله: {وتفصيل الكتاب} عطف على {تصديق{ والمراد بالكتاب بدلالة من السياق جنس الكتاب السماوي النازل من عند الله سبحانه على أنبيائه والتفصيل إيجاد الفصل بين أجزائها المندمجة بعضها في بعض المنطوية جانب منها في آخر بالإيضاح والشرح.

وفيه دلالة على أن الدين الإلهي المنزل على أنبيائه (عليهم السلام) واحد لا اختلاف فيه إلا بالإجمال والتفصيل، والقرآن يفصل ما أجمله غيره كما قال تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام:} آل عمران: - 19.

وإن القرآن الكريم مفصل لما أجمله الكتب السماوية السابقة مهيمن عليها جميعا كما قال تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه:{ المائدة: - 48 وقوله: {لا ريب فيه من رب العالمين} أي لا ريب فيه هو من رب العالمين، والجملة الثانية كالتعليل للأولى.

قوله تعالى: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله} إلى آخر الآية، أم منقطعة والمعنى بل يقولون افتراه، والضمير للقرآن، واتصاف السورة بكونها مثل القرآن شاهد على أن القرآن يصدق على الكثير منه والقليل.

والمعنى قل للذين يقولون افتراه: إن كنتم صادقين في دعواكم فأتوا بسورة مثل هذا القرآن المفترى وادعوا كل من استطعتم من دون الله مستمدين مستظهرين فإنه لوكان كلاما مفترى كان كلاما بشريا وجاز أن يؤتى بمثله وفي ذلك تحد ظاهر بسورة واحدة من سور القرآن طويلة كانت أوقصيرة.

ومن هنا يظهر أولا: أن التحدي ليس بسورة معينة فإنهم لم يرموا بالافتراء بعض القرآن دون بعض بل جميعه، وهويكلفهم أن يأتوا بسورة مثل ما يدعون أنه افتراه، وإنما ادعوه لجميع القرآن دون بعضه.

ولا يصغي إلى قول من يقول: إن التنكير في {سورة} للتعظيم أوللتنويع والمراد سورة من السور يذكر فيها قصص الأنبياء وأخبار وعيد الدنيا والآخرة لأن الافتراء إنما يتهم به الإخبار دون الإنشاء.

أويقول: المراد سورة طويلة مثل هذه السورة سورة يونس - في اشتمالها على أصول الدين والوعد والوعيد.

وذلك أن القرآن بجميع آياته منسوب إلى الله سبحانه، ولا يختلف في ذلك ما يتضمن الإخبار وما يتضمن الإنشاء، وما كانت سورة طويلة أوقصيرة حتى الآية الواحدة، والرمي بالافتراء يصح أن يتعلق بالجميع لأنه تكذيب للنسبة المتعلقة بالجميع.

وثانيا: أن الآية لا تتحدى ببلاغة القرآن وفصاحته فحسب بل السياق في هذه الآية وفي سائر الآيات التي وردت مورد التحدي يشهد على أن التحدي إنما هوبما عليه القرآن من صفة الكمال ونعت الفضيلة من اشتماله على مخ المعارف الإلهية، وجوامع الشرائع من الأحكام العبادية والقوانين المدنية السياسية والاقتصادية والقضائية، والأخلاق الكريمة والآداب الحسنة، وقصص الأنبياء والأمم الماضية، والملاحم والأخبار الغيبية، ووصف الملائكة والجن والسماء والأرض والحكمة والموعظة والوعد والوعيد، وأخبار البدء والعود، وقوة الحجة وجذالة البيان والنور والهداية من غير أن يختلف جزء منه عن جزء، أضف إلى ذلك وقوعه في بلاغته وفصاحته موقعا يقصر عن البلوغ إليه أيدي البشر.

ولقد قصر الباحثون من علماء الصدر الأول ومن يتلونهم إذ قصروا إعجازه على بلاغته وفصاحته وكتبوا في ذلك كتبا وألفوا رسائل فصرفهم ذلك عن التدبر في حقائقه والتعمق في معارفه وأنهاهم إلى أن عدوا المعاني أمورا مطروحة في الطريق يستوي فيه البدوي والحضري والعامي والخاصي والجاهل والعالم، وأن الفضل لنظم اللفظ على نظم المعنى ولا قيمة لما وراء ذلك.

وقد وصفه الله تعالى بكل وصف جميل دخيل في التحدي كوصفه بأنه نور ورحمة وهدى وحكمة وموعظة وبرهان وتبيان لكل شيء وتفصيل الكتاب وشفاء للمؤمنين وقول فصل وما هوبالهزل، وأنه مواقع للنجوم، وأنه لا اختلاف فيه ولم يصرح ببلاغته بعينها.

وأطلق القول بأنهم لا يأتون بمثله ولودعوا من استطاعوا من دون الله، ولواجتمع على ذلك الجن والإنس وكان بعضهم لبعض ظهيرا ولم يقيد الكلام بالبلاغة والفصاحة.

وقد فصلنا القول في إعجاز القرآن في تفسير قوله: { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ:} البقرة: - 23 في الجزء الأول من الكتاب.

قوله تعالى: {بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله{ إلى آخر الآية.

الآية تبين وجه الحقيقة في عدم إيمانهم به وقولهم إنه افتراء وهوأنهم كذبوا من القرآن بما لم يحيطوا بعلمه أوكذبوا بالقرآن الذي لم يحيطوا بعلمه ففيه معارف حقيقية من قبيل العلوم الواقعية لا يسعها علمهم، ولم يأتهم تأويله بعد أي تأويل ذاك الذي كذبوا به حتى يضطرهم إلى تصديقه.

هذا ما يقتضيه السياق من المعنى فقوله: {ولما يأتهم تأويله} يشير إلى يوم القيامة كما يؤيده قوله تعالى: { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ:} الأعراف - 53.

وهذا يؤيد ما قدمناه في تفسير قوله: {ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله:} آل عمران - 7 في الجزء الثالث من الكتاب أن المراد بالتأويل في عرف القرآن هوالحقيقة التي يعتمد عليها معنى من المعاني من حكم أومعرفة أوقصة أوغير ذلك من الحقائق الواقعية من غير أن يكون من قبيل المعنى، وأن لجميع القرآن وما يتضمنه من معرفة أوحكم أوخبر أوغير ذلك تأويلا.

ويؤيد ذلك أيضا قوله بعد: {كذلك كذب الذين من قبلهم} فإن التشبيه يعطي أن المراد أن الذين من قبلهم من المشركين أيضا كذبوا بما دعاهم إليه أنبياؤهم لكونهم لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله، فلما جاء به سائر الأنبياء من أجزاء الدعوة الدينية من معارف وأحكام تأويل كما أن لمعارف القرآن وأحكامه تأويلا من غير أن يكون من قبيل المفاهيم ومعاني الألفاظ كما توهموه.

فمحصل المعنى أن هؤلاء المشركين الرامين للقرآن بأنه افتراء مثل المشركين والكفار من الأمم السابقة استقبلتهم من الدعوة الدينية بمعارفها وأحكامها أمور لم يحيطوا بها علما حتى يوقنوا بها ويصدقوا، فحملهم الجهل على التكذيب بها ولما يأتهم اليوم الذي يظهر لهم فيه تأويلها وحقيقة أمرها ظهورا يضطرهم على الإيقان والتصديق بها وهويوم القيامة الذي يكشف لهم فيه الغطاء عن وجه الحقائق بواقعيتها فهؤلاء كذبوا وظلموا كما كذب الذين من قبلهم وظلموا فانظر كيف كان عاقبة أولئك الظالمين حتى تحدس بما سيصيب هؤلاء.

هذا ما يعطيه دقيق البحث في معنى الآية، وللمفسرين فيها أقوال شتى مختلفة مبنية على ما ذهبوا إليه من معنى التأويل لا جدوى في التعرض لها وقد استقصينا أقوالهم سابقا.

____________________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي ،ج10،ص44-53.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

تأمر الآية الأُخرى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مرّة أُخرى: {قل هل من شركائكم من يهدي إِلى الحق} لأنّ المعبود يجب أن يكون هادياً ومرشداً لعبادة، خاصّة وأنّها هداية نحوالحق، في حين أنّ آلهة المشركين، أعمّ من الجمادات أوالاحياء، غير قادرة أن تهدي أحداً إِلى الحق بدون الهداية الإِلهية، لأنّ الهداية إِلى الحق تحتاج إِلى منزلة العصمة والصيانة من الخطأ والإِشتباه، وهذا لايمكن من دون هداية الله سبحانه وتسديده، ولذلك فإِنّها تضيف مباشرة: {قل الله يهدي للحق} وإِذا كان الحال كذلك {أفمن يهدي إِلى الحق أحق أن يتبع أم لا يهدّي إلاّ أن يهدى}(2).

وتقول الآية في النهاية بلهجة التوبيخ والتقريع والملامة: {فما لكم كيف تحكمون}.

وفي آخر آية إِشارة إِلى المصدر الأساس والعامل الأصل لهذه الإِنحرافات وهوالاوهام والظنون {وما يتبع أكثرهم إلاّ ظناً إِن الظن لا يغني من الحق شيئاً} وفي النهاية تخاطب الآية ـ بأُسلوب التهدد ـ مثل هؤلاء الأفراد الذين لا يتبعون أي منطق سليم وتقول: {إِنّ الله عليم بما يفعلون}.

عظمة دعوة القرآن وحقانيته:

تتطرق هذه الآيات إِلى الإِجابة عن قسم آخر من كلمات المشركين السقيمة، فإِنّ هؤلاء لم يجانبوا الصواب في معرفة المبدأ وحسب، بل كانوا يفترون على نبي الإِسلام(صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّه هو الذي اختلق القرآن ونسبه إِلى الله، ورأينا في الآيات السابقة أنّهم طلبوا من النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يأتي بغير هذا القرآن، أويغيره على الأقل، وهذا بنفسه دليل على أنّهم كانوا يظنون أن القرآن من تأليف النّبي!

فالآية الأُولى تقول: {وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله} واللطيف هنا أنّها بدل أن تنفي هذا الأمر نفياً بسيطاً، نفته نفياً شأنياً، وهذا يشبه تماماً أن يقول شخص ما في مقام الدفاع عن نفسه: ليس من شأني الكذب، وهذا التعبير اعمق وأكثر معنى من أن يقول: إِنّي لا أكذب.

ثمّ تتطرق الآية إِلى ذكر الدليل على أصالة القرآن وكونه وحياً سماوياً: فتقول {ولكن تصديق الذي بين يديه} أي إِنّ كل البشارات والدلالات الحقّة التي جاءت في الكتب السماوية السابقة تنطبق على القرآن ومن جاء به تماماً، وهذا بنفسه يثبت أنّه ليس افتراءً على الله بل هوحق، وأساساً فإنّ القرآن شاهد على صدق محتواه من باب أنّ طلوع الشمس دليل على الشمس.

ومن هنا يتّضح زيف الذين استدلوا بمثل هذه الآيات على عدم تحريف التّوراة والإِنجيل، لأنّ القرآن الكريم لم يصدق ما كان موجوداً في هذه الكتب في عصر النزول، بل إِنّه أيّد العلامات الواردة في هذه الكتب حول النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)والقرآن. وقد بيّنّا توضيحات أكثر في هذا الباب في المجلد الأوّل من هذا التّفسير في ذيل الآية (41) من سورة البقرة.

ثمّ تذكر الآية دليلا آخر على أصالة هذا الوحي السماوي وهو: إنّ في هذا القرآن شرح كتب الأنبياء السابقين الأصيلة، وبيان أحكامهم الأساسية وعقائدهم الأصولية، ولهذا فلاشك في كونه من الله تعالى، فتقول: {وتفصيل الكتاب لاريب فيه من ربّ العالمين} وبتعبير آخر: لايوجد فيه أي تضاد وتناقض مع برامج وأهداف الأنبياء السابقين، بل يُلاحظ فيه تكامل تلك التعليمات والبرامج، وإِذا كان هذا القرآن مختلقاً فلابدّ أن يخالفها ويناقضها.

ومن هنا نعلم أنّه لايوجد أي اختلاف بين الكتب السماوية في أصول المسائل، سواء كانت في العقائد الدينية، أوالبرامج الإِجتماعية، أوحفظ الحقوق، أومحاربة الجهل، أوالدعوة إِلى الحق والعدالة، وكذلك إِحياء القيم الأخلاقية وأمثال ذلك، سوى أن الكتاب الذي ينزل متأخراً يكون أرفع مستوى وأكمل من السابق، تماماً كاختلاف مراحل التعليم في الإِبتدائية والإِعدادية والجامعة، حتى إنتهت المراحل بالكتاب الأخير الخاص بالمرحلة النهائية لتحصيل الأمم الديني، ألا وهوالقرآن.

ولاشك في وجود الإِختلاف في جزئيات الأحكام بين الأديان والمذاهب السماوية، إلاّ أنّ الكلام عن أصولها الأساسية المتحدة والمشتركة في كل مكان.

وذكر في الآية التالية دليل ثالث على أصالة القرآن، وخاطبت الذين يدعون أن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قد افترى هذا القرآن على الله، بأنّكم إِن كنتم صادقين في دعواكم فأتوا بسورة من مثله، واستعينوا في ذلك بمن شئتم غير الله، ولكنّكم لاتستطيعون فعل ذلك أبداً، وبهذا الدليل يثبت أن القرآن من وحي السماء {أم يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }.

إِنّ هذه الآيات من جملة الآيات التي تبيّن إِعجاز القرآن بصراحة، لا إِعجاز كل القرآن فحسب، بل حتى إِعجاز السورة الواحدة، وقد خاطبت كل العالمين ـ بدون استثناء ـ بأنّكم إن كنتم معتقدين بأنّ هذه الآيات ليست من الله فأتوا بمثله، أوبسورة منه على الأقل.

وكما بيّنا في المجلد الأوّل في ذيل الآية (23) من سورة البقرة، فإِنّ آيات القرآن تتحدى أحياناً أن يؤتى بمثل كل القرآن، وأحياناً بعشر سور، وأحياناً بسورة واحدة، وهذا يوضح أنّ جزء القرآن وكلَّه معجز. ولمّا لم تعين الآية سورة معينة فإِنّها تشمل كل سورة من القرآن.

طبعاً لاشك أنّ إِعجاز القرآن لاينحصر في جوانب الفصاحة والبلاغة وحلاوة البيان وكمال التعبيرات كما ظن ذلك جماعة من قدماء المفسّرين، بل إِن جانب الإِعجاز يتمثل أيضاً إِضافةً لما مر في بيان المعارف الدينية، والعلوم التي لم تكن معروفة حتى ذلك اليوم، وبيان الأحكام والقوانين، وذكر تأريخ السابقين من دون أي خطأ أوتلبس بخرافة، وعدم وجود الإِختلاف والتضادّ فيه(3).

مظاهر وتجليات جديدة من إِعجاز القرآن:

ممّا يلفت النظر أنّ مظاهر جديدة من إِعجاز القرآن تتّضح مع مرور الزمن، حيث لم تكن تجلب الإِنتباه ـ سابقاً ـ ولا يُهتم بها، ومن جملتها المحاسبات الكثيرة التي أجريت على كلمات القرآن بواسطة العقول الألكترونية، والتي أثبتت أن لكلمات وفقرات القرآن وعلاقتها بزمن النزول خصوصيات جديدة، وما تقرؤونه أدناه نموذج منها:

إِنّ تحقيقات بعض العلماء والمحققين أدت إِلى كشف روابط معقدة ومعادلات حسابية دقيقة جدّاً في آيات القرآن حتى أنّها جمعت بين الحيرة واليقين في وجود مثل هذا النظام العلمي في بناء القرآن، وذلك عن طريق التحقيق الإِحصائي والرّياضي لكشف القواعد الدقيقة والمعادلات الرياضية للآيات الشريفة والتي تذكرنا من ناحية الأهمية والمعرفة بإكتشاف نيوتن للجاذبية.

أحد علماء القرآن بدأ عمله من هذه المسألة البسيطة، وهي أنّ الآيات النازلة في مكّة قصيرة، والآيات التي نزلت في المدينة طويلة، وهذه مسألة طبيعية، فإِنّ كل كاتب أوخطيب بليغ يغير من طول جمله ونغمات كلماته حسب موضوع الحديث، فمثلا تكون جمل التوصيف قصيرة، أمّا مسائل التحليل والإِستدلال فهي طويلة ... وإِذا كان الكلام لغرض تحريك العواطف أوللانتقاد اولبيان الأُصول العقائدية العامّة، فإنّ العبارة تكون قصيرة وبأسلوب الشعارات، أمّا إذا كان بداية قصّة أولبيان الكلام في استخلاص النتائج الأخلاقية و... فإِنّ الأسلوب يكون هادئاً والعبارات طويلة.

إِنّ المسائل التي طرحت في مكّة هي من النوع الأوّل، بينما المسائل التي طرحت في المدينة من النوع الثّاني، فما نزل في مكّة كان بداية ثورة وبيان للمبادىء العامّة، الإِعتقادية والإِنتقادية، والذي نزل في المدينة كان لبناء مجتمع وبيان مسائل حقوقية وأخلاقية وقصص تاريخية واستخلاص النتائج الفكرية والعلمية.

وبما أنّ القرآن نزل بلغة البشر فلابدّ من أن يتبع السبك الجميل والبليغ في كلام البشر، وفي النتيجة مراعاة قصر وطول الآيات بما يناسب المفاهيم، وبالتالي يجب أن لايكون القصر والطول اعتباطياً وعشوائياً، بل يبدأ حسب قاعدة علمية دقيقة من الآيات القصيرة، ويسير على وتيرة تصاعدية واحدة نحوالآيات الطويلة، وعلى هذا الأساس يجب أن تكون كل آية أقصر من الآية التي نزلت بعد سنة، وأطول من الآية التي نزلت قبلها بسنة، وأن يكون مقدار الزيادة محسوباً ودقيقاً، وعلى هذا فلمّا كان الوحي قد نزل خلال 23 سنة، فيجب أن يكون لدينا 23 طولاً في الآيات كمعدل، وبناء على هذه القاعدة يمكن أن يكون لدينا 23 عموداً بحيث تقسم كل الآيات حسب الطول في هذه الأعمدة، والآن من أين نستطيع أن نعلم أن هذا التقسيم صحيح؟

نحن نعلم سبب نزول بعض الآيات بواسطة الرّوايات الشريفة التي ذكرت ـ بصراحة ـ في أية سنة نزلت هذه الآيات، والبعض الآخر يمكن تعيينه من خلال مفاهيمه، فمثلا: الآيات التي تبيّن بعض الأحكام كتغيير القبلة، وتحريم الخمر، وتشريع الحجاب والزكاة والخمس، أوالآيات التي تتحدث عن الهجرة، فإِنّ سِنّي تعيين هذه الأحكام معلومة.

وبتعجب مثير للدهشة نرى أن هذه الآيات التي يعلم عام نزولها، قد إجتمعت في نفس الأعمدة التي فرضت أنّها أخذت حسب الطول في هذا الجدول. «فتدبر جيداً»

والأعجب هوملاحظة بعض الاستثناءات في موردين أوثلاثة، بمعنى أن سورة المائدة مثلا آخر السور الكبار النّازلة، في حين أن عدّة آيات منها يجب أن تكون حسب المعادلة ـ قد نزلت في السنين الأُولى! وبعد التحقيق في متون التفاسير والرّوايات الإِسلامية وأقوال المفسّرين المعتبرين، لوحظ أنّهم قالوا: إِنّ هذه الآيات القليلة نزلت في البداية، لكن وضعت في سورة المائدة حسب أمر النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وبهذة الطريقة يمكن تعيين سنة نزول كل آية حسب هذا الحساب الرياضي، وكتابة القرآن حسب سنة النزول أيضاً.

أي أديب وبليغ في العالم يستطيع أن يعين سنة كتابة كل جملة من خلال طول العبارة؟ خاصّة وأنّه ليس نصاً كتابياً كأي أثر علمي أوأدبي جلس كاتبه مدّة معينة وكتبه وليس كتاباً ألفه كاتبه في موضوع ما، بل يحتوي على مسائل مختلفة نزلت بالتدريج حسب احتياج المجتمع، أوهي جواب لمسائل مطروحة من الحوادث والمسائل طرحت على مدى مسيرة الدعوة وابلاغ الرسالة، وقد بيّنت من قبل القائد، ثمّ جمعت ونظمت.

بل إِنّ موسيقى ولحن لغات وكلمات القرآن الخاصّة ـ أيضاً ـ معجزة نادرة في نوعها كما ذكر ذلك بعض المفسّرين. وقد ذكروا شواهد مختلفة جميلة على هذا الموضوع، ومن جملتها الحادثة أدناه التي وقعت لسيد قطب المفسّر المعروف:

يقول في ذيل الآية محل البحث:

«ولن أذكر نماذج ممّا وقع لغيري ولكنّي أذكر حادثاً وقع لي وكان معي شهود ستة، وذلك منذ حوالي خمسة عشر عاماً.. كنّا ستة نفر من المنتسبين إلى الإسلام على ظهر سفينة مصرية تمخر بنا عباب المحيط الأطلسي إلى نيويورك، من بين عشرين ومائة راكب وراكبة أجانب ليس فيهم مسلم .. وخطر لنا أن نقيم صلاة الجمعة في المحيط على ظهر السفينة! واللّه يعلم ـ أنّه لم يكن بنا أن نقيم الصلاة ذاتها أكثر ممّا كان بنا حماسة دينية إزاء مبشر كان يزاول عمله على ظهر السفينة، حاول أن يزاول تبشيره معنا! ... وقد يسر لنا قائد السفينة ـ وكان إنجليزياً ـ أن نقيم صلاتنا، وسمح لبحارة السفينة طهاتها وخدمها ـ وكلّهم نوبيون مسلمون ـ أن يصلي منهم معنا من لا يكون في «الخدمة» وقت الصلاة! وقد فرحوا بهذا فرحاً شديداً، إذ كانت المرّة الاُولى التي تقام فيها صلاة الجمعة على ظهر السفينة .. وقمت بخطبة الجمعة وإمامة الصلاة، والركاب الأجانب ـ معظمهم ـ متحلقون يرقبون صلاتنا! .. وبعد الصلاة جاءنا كثيرون منهم يهنئوننا على نجاح «القدّاس»!!! فقد كان هذا أقصى ما يفهمونه من صلاتنا! ولكن سيدة من هذا الحشد ـ عرفنا فيما بعد أنّها يوغسلافية مسيحية هاربة من جحيم «تيتو» وشيوعيته! ـ كانت شديدة التأثر والإنفعال، تفيض عيناها بالدمع ولا تتمالك مشاعرها، جاءت تشدّ على أيدينا بحرارة; وتقول: ـ في إنجليزية ضعيفة ـ إنّها لا تملك نفسها من التأثر العميق بصلاتنا هذه وما فيها من خشوع ونظام وروح! .. وليس هذا موضع الشاهد في القصّة.. ولكن ذلك مان في قولها: أي لغة هذه التي كان يتحدث بها «قسيسكم»! فالمسكينة لا تتصور أن يقيم «الصلاة» إلاّ قسيس ـ أورجل الدين ـ كما هو الحال عندها في مسيحية الكنيسة! وقد صححنا لها هذا الفهم!. وأجبناها .. فقالت: إنّ اللغة التي يتحدث بها ذات إيقاع موسيقي عجيب، وإنّ كنت لم أفهم منها حرفاً.. ثمّ كانت المفاجأة الحقيقة لنا وهي تقول: ولكن هذا ليس الموضوع الذي اُريد أت أسأل عنه .. إنّ الموضوع الذي لفت حسي، هو أن «الإمام» كانت ترد في أثناء كلامه ـ بهذا اللغة الموسيقية ـ فقرات من نوع آخر غير بقية كلامه! نوع أكثر موسيقية كما لوكان ـ الإمام ـ مملوءاً من الروح القدس! ـ حسب تعبيرها المستمد من مسيحيتها!

تفكرنا قليلاً، ثمّ أدركنا أنّها تعني الآيات القرآنية التي وردت في أثناء خطبة الجمعة وفي أثناء الصلاة ! وكانت ـ مع ذلك ـ مفاجأة تدعوإلى الدهشة، من سيدة لا تفهم ممّا نقول شيئاً!(4).

وفي الآية التالية إِشارة إِلى واحدة من العلل الأساسية لمخالفة المشركين، فتقول: إِنّ هؤلاء لم ينكروا القرآن بسبب الإِشكالات والإِيرادات، بل إِن تكذيبهم وإِنكارهم إِنّما كان بسبب عدم اطلاعهم وعلمهم به: {بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه}.

في الواقع، إِنّ سبب إِنكارهم هوجهلهم وعدم اطلاعهم، لكن المفسّرين احتملوا احتمالات متعددة فيما هوالمقصود من هذه الجملة وأن الجهل بأي الأُمور كان، وكان تلك الإحتمالات يمكن أن تكون مقصودة من الجملة:

الجهل بالمعارف الدينية والمبداً والمعاد، كما ينقل القرآن قول المشركين في شأن المعبود الحقيقي (الله)، حيث كانوا يقولون: { أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}(ص،5). أوأنّهم كانوا يقولون في مسألة المعاد: {أئذا كنّا عظاماً ورفاتاً ءأنا لمبعوثون خلقاً جديداً)(الأسراء ،49و98)، { هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ }(سبأ،7و8).

في الحقيقة لم يكن لهؤلاء أي دليل على نفي المبدأ والمعاد، وكان الجهل والتخلف الناشىء من الخرافات والتعود على مذهب الأجداد هوالسد الوحيد في طريقهم.

أوالجهل بأسرار الأحكام.

أوالجهل بمفهوم بعض الآيات المتشابهة.

أوالجهل بمعنى الحروف المقطعة.

أوالجهل بالدروس والعبر التي هي الهدف النهائي من ذكر تاريخ الماضين.

إِن مجموع هذه الجهالات والضلالات كانت تحملهم على الإِنكار والتكذيب، في حين أن تأويل وتفسير وتحقق المسائل المجهولة بالنسبة لهؤلاء لم يبيّن بعد {ولما يأتهم تأويله}.

«التأويل» في أصل اللغة بمعنى إرجاع الشيء وعلى هذا فإنّ كل عمل أوقول يصل إِلى هدفه النهائي نقول عنه: إِن تأويله قد حان وقته، ولهذا يطلق على بيان الهدف الأصلي من إِقدام معين، أوالتّفسير الواقعي لكلمة ما، أوتفسير وإِعطاء نتيجة الرؤيا، أوتحقق فرضية في ارض الواقع، اسم التأويل. وقد تحدثنا بصورة مفصلة حول هذا الموضوع في المجلد الثّاني ذيل الآية (7) من سورة آل عمران.

ثمّ يضيف القرآن مبيناً أن هذا المنهج الزائف لاينحصر بمشركي عصر الجاهلية، بل إِنّ الأقوام السابقين كانوا مبتلين أيضاً بهذه المسألة، فإِنّهم كانوا يكذبون الحقائق وينكرونها دون السعي لمعرفة الواقع، أوانتظار تحققه: { كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ }. وقد مرت الإِشارة أيضاً في الآيات (113) و(118) من سورة البقرة إِلى وضع الأمم السابقة من هذه الناحية.

الواقع، إِنّ عذر هؤلاء جميعاً كان جهلهم ورغبتهم عن التحقيق والبحث في الحقائق الواقعية، في حين أن العقل والمنطق يحكمان بأنّه لاينبغي للانسان انكار ما يجهله مطلقاً، بل يبدأ بالبحث والتحقيق.

وفي النهاية وجهت الآية الخطاب إِلى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وقالت: { فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ } أي إِنّ هؤلاء سيلاقون أيضاً نفس المصير.

__________________

1- تفسير الامثل ،الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ،ج5،ص473-482.

2-  يهدّي كانت في الأصل يهتدي، فبدلت التاء دالا وأدغمت فشددت.

3- لمزيد الإِطلاع راجع المجلد الأوّل الآية (23) و(24) من سورة البقرة.

4-  تفسير في ظلال القرآن، ج 4، ص 422.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



جامعة الكفيل تكرم الفائزين بأبحاث طلبة كلية الصيدلة وطب الأسنان
مشروع التكليف الشرعي بنسخته السادسة الورود الفاطمية... أضخم حفل لفتيات كربلاء
ضمن جناح جمعيّة العميد العلميّة والفكريّة المجمع العلمي يعرض إصداراته في معرض تونس الدولي للكتاب
جامعة الكفيل تعقد مؤتمرها الطلابي العلمي الرابع